عدائية الإلحاد الجديد
من وحي كتاب ثلاث رسائل في الإلحاد والعلم والإيمان، د. عبد الله بن سعيد الشهري، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى2014

الإستعداد الإدراكي العام والسجل الأحفوري المتطاول لبني الإنسان يؤكدان أن الإلحاد ظاهرة طارئة، ولا شيء يشفع للوجود الإلحادي بطابعه التكريزي- التبشيري- الذي نشهده اليوم عند دعاته.
إن الإلحاد الجديد أصبح يحمل هم التبشير بالدوغما الجديدة، وجدول دعاة الإلحاد الجديد مليء بالزيارات الدعوية التكريزية في كل مكان، وصار الإلحاد الجديد الدين الخفي الأحدث!
ومقولة أن الإلحاد دين متخفِّ؛ أصبحت حقيقة واقعة كما يقرر الملحد التطوري ديفيد سلون David Sloan فالإلحاد طبقًا له "يملك كل سمات الدين المتخفي، بما في ذلك حالة الاستقطاب التي تُشخص نظامه الاعتقادي، بالإضافة إلى سلطة قادته المتعالية على النقد."
Sloan, D. (2012) Atheism as a Stealth Religion; Hoff-post, Posted 12/14/07

فالإلحاد لديه رسالة تتجاوز الاشتغال بالعلم فقط إلى الاشتغال ببلورة رؤية تجاه الحياة وعلاقة الانسان بها.
بل إن الإلحاد الجديد تجاوز حاجز التكريز-التبشير- وأظهر عدائية صريحة أمام كل ما هو ديني، بل أمام دعاة الأديان أنفسهم، بل أمام كل المؤمنين على الإطلاق.
يدعو الملحد الشهير سام هاريس - أكثر الملحدين حديثًا عن الأخلاق في كتاباته وأحد فرسان الإلحاد الأربع كما يُسمى في الغرب-، إلى ضرب المسلمين بقنبلة نووية تستأصل شأفتهم إلى الأبد، إذا تطلب الأمر ذلك.
Harris, S. (2006) the End of Faith, the Free Press, P.129

ويدعي ملحد آخر -كريستوفر هيتشنز- أن الدين يسمم كل شيء؛ مع أن أدنى اعتبار للتاريخ يحوّل هذا الادعاء إلى هشيم تذروه الرياح، بل إن ظهور النظام الرأسمالي الذي يفخر به دعاة الإلحاد الجدد كان على يد الحركة البروتستانتية الدينية، ولم يكن انحسار العصور المظلمة في أوربا إلا على يد الإسلام كما يقول بيتر أوبراين Peter O`Brien في مقال يحمل نفس الإسم. نُشر في دورية The Medieval History رقم 2 ص 387
وبينما كان القضاء الغربي يتوصل لأحكام الإدانة والبراءة للمتهمين من خلال تعريض المتهم لألوان من الإبتلاء الفظيع trial by ordial ، فإن اجتازها حكموا ببراءته وإن أخفق أدانوه. كان للمسلمين نظام قانوني فقهي منقطع النظير، ولذا يقرر مارسيل أ. بويسارد Marcel A. Boisard في دراسة مستقلة أن أصول القانون الدولي الحديث مستمدة بالأساس من دواوين الفقه الإسلامي، وتشريع نابليون Napoleonic Code) French civil code) مُستمد من الفقه المالكي.

وخلق لا يُحصون عاشوا لله وبه وأسسوا لأعظم الحضارات والمثل، وجميع صناع البشرية كانوا من المؤمنين بالقدر.
بل إن الدين، بإجماع مَن يُعتد برأيه من علماء الأنثروبولوجيا اللاهوت والاجتماع والتاريخ وفلسفة العلم، أصل حضاري أساسي.
لكن هذه الرؤية الإلحادية الدوغمائية الحاقدة على كل دين، غير محايدة على الإطلاق مع نفسها قبل أن تكون مع غيرها، يقول كلٌ من ويل وإريل ديورانت " حتى المؤرخ المتشكك لديه احترام متواضع للدين، ذلك أنه يراه مؤديًا لوظيفته، وأنه لا غنى عنه في كل أرضٍ وجيل. "
Will & Ariel Durant, The lesson of history p.43

بل إن تشارلز داروين نفسه يقرر أن الدين قضية عقلية محترمة يتبعها عقلاء ومفكرين عبر كل العصور فيقول " أما وجود حاكم للكون فهذا مما دانت به جموع من أعظم العقول التي وُجدت على الإطلاق"
Darwin, Charles (1902) The Descent of Man, p.131
فقد كان داروين أفضل حالاً بكثير من تلامذته، وقد اعتزم كما نقل التطوري ستيفن جاي جولد، الكف عن الخوض في الدين وأسئلة الغاية وقرر التفرغ للعلم الطبيعي فقط.

بينما نرى دعاة الإلحاد الجديد أمثال داوكنز يتحدثون في كل شيء وينتقدون كل شيء، يقول الناقد البريطاني الكبير تيري إيغلتون Terry Eagleton :"ريتشارد داوكينز أحد علماء اللاهوت الإلحادي يسهب في الحديث عن علم البيولوجيا ومبلغه فيه لا يتجاوز ما ورد في ((كتاب الطيور البريطانية))."
Terry Eagleton,(2006) Lunging, Flailing, and Mispunching Vol.28, No.20

وفي مناظرة ريتشارد داوكنز الشهيرة مع ديباك شوبرا –المترجمة للعربية والموجودة على اليوتيوب-يتحدث عن كونه هو العلم والعلم هو .
إنها عجرفة الإلحاد الجديد المعهودة، مع أن ديباك شوبرا أعلى منه قدمًا على المستوى الوظيفي.
فنحن أمام إفراز إلحادي متوقع طمعًا في الوصول بالإنحلال إلى محطته الأخيرة.