أرى ما حدَثَ فى حِقبَةِ دارون عارا فى تاريخِ البشريَّةِ وسُبَّةً فى جَبينِ العِلمِ والعُلماءِ، إنَّهُ نوعٌ مِن الانحطاطِ الإنسانىِّ لم يَسبِق لهُ مَثيلٌ فى تاريخِ البشر - بل ولا فى تاريخِ عمليَّة الارتقاء -.

دارون أساسا لمْ يَكُن عالِما بل كانَ باحثا هاويا كلُّ ما فعله أنْ لاحظَ شيئا فتتبعَهُ ثمَّ انتقل مِن المُلاحَظةِ إلى الاستنتاجِ دونَ مُقدِّمات ثمَّ قدَّم هذا البحثَ للمُجتمعِ آنذاك، وما حدَث بعدَ ذلِك كان جريمَة نكراء فى تاريخ العِلمِ والإنسانيَّةِ على حدٍّ سواء. بمُنتهى السرعة يتحوَّلُ الباحِثُ المَغمورُ إلى عالِمٍ مشهورٍ، ويتحوَّلُ كِتابُه "أصل الأنواع" ليُصبحَ مَرجعا علميًّا مُتخصِّصا بل أهمَّ مرجِعٍ عِلمىٍّ فى تاريخِ البشريَّة. هُنا الأمرُ مَفهومٌ بَعض الشئ فقدْ قدَّم دارون للعقلِ المُتعطِّش للمَعرِفةِ وللعِلمِ وللفِرارِ مِن سَطوةِ الكنيسةِ وتخلُّفِها وخزعبلاتِها إجابَاتٍ عَن أقدَمِ الأسئلةِ وأهمِّها تُعارِضُ ما تُقدِّمُه الكنيسَةُ وتتمسَّحُ بمسوح العِلم، أى أنَّهُ يُمكنُ القولُ أنَّ السبَبَ فى كلِّ هذهِ المُعاناةِ الإنسانيَّة هو "الكَنيسة"، وللعجَب العُجاب تجدُ أحدَهُم يسألُ "ما الجديدُ الذى أتى بهِ الإسلامُ ؟"

الفِكرَةُ أنَّ بحثَهُ بالكامِل لم يحتَوِ على دليلٍ واحِدٍ ينفى وجودَ اللهِ تعالى، بل وأكثر مِن ذلِك لم يحتوِ على دليلٍ يقطعُ بصحَّةِ النظريَّةِ ذاتها، وهذا أدَّى بهِ إلى القولِ أنَّ الدليل الذى يَنتظرُه هوَ "الحلقة الوسطى" ومجالُ البحث عنها بالطبع هو "الحفريَّات" .. هُنا تظهرُ المُشكلة الكُبرى "ماذا لو ظهرَت حفريَّةٌ لنصفِ زاحِفٍ ونِصفِ طائِرٍ ؟" هل سيُعدُّ ذلِك دليلا على التطوُّرِ فضلا عَن عدمِ وجودِ الله ؟ .. ولِماذا نرفضُ الاحتمال الذى يَقتضى أنَّ هذهِ الحفريَّة لمخلوقٍ خلقَهُ اللهُ بالخلقِ المُباشِر على هذهِ الصورَةِ ؟ أو على الأقل لزاحِفٍ أو طائِرٍ وقعَت فيهِ طفرَةٌ دون حاجَةٍ لذلِك وانتهى تطوُّرُه عِند هذهِ المرحلةِ ثمَّ انقرَض كغيرِهِ من الكائنات ؟ أعنى لماذا يكونُ دليلا "فقط" على التطوُّرِ !!!!

فأنا مُشكلتى مَعَ دارون ليست دينيَّة أبدا بل إنَّها فى الحقيقةِ عِلميَّةٌ إلى آخرِ المَدى، دارون تكلَّم فى أمورَ تهمُّ البشرَ فى حياتِهِم بل فى أصلِ وجودِهِم مُتلفِّحا ثيابَ العُلماءِ دونَ أنْ يُقيمَ دليلا واحِدا على كلامِه، دارون فى نظرى انتقلَ ببحثِهِ هذا لا مِن صفوفِ الباحثين المغمورين إلى صفوفِ العُلماءِ المَرموقين بل إلى صفوفِ الأنبياءِ الدجَّالين، وإنْ كانَ لمْ يدَّعِ النبوَّة أو يسع إليها، وتِلكَ هىَ المُشكلة.

ومَعَ ذلِك يبقى ما قدَّمهُ دارون - بالنسبَةِ لى - فِكرَة "لا ترقى لتُصبِحَ نظريَّة" تستحقُّ الدراسَة والبَحْثَ الطويلين المُرهِقَيْنِ لتطويرِها والارْتِقاءِ بها لتكونَ مُلائمةً لحقيقةِ الحياةِ وجَوهَرِها بل ورَوعَتِها






من حراس العقيدة بتصرف مني