(( إن خاصة العدد هو أن يوجد عدد آخر مساو له، وعدد آخر ليس مساوياً له، هذا لا يخلو منه عدد أصلاً. والمساواة: هي أن تكون أبعاضه كلها مساوية له إذا جزئت، ألا ترى أن الفرد والفرد مساويان للاثنين، وأن الزوج والفرد ليسا مساويين للزوج الذي هو الاثنان، والخمسة مساوية للأثنين والثلاثة، غير مساوية للثلاثة وهكذا كل عدد في العالم؟ فهذا معنى قولنا: إن المساوي وغير المساوي هو خاصة العدد، وهذه المساواة أردنا لا غيرها، فلو كان للواحد أبعاض مساوية له لكان كثيراً بلا شك؛ لأن الواحد المطلق على الحقيقة هو الذي ليس كثيراً، هذا مما لا شك فيه عند كل حس سليم. وكل ما كان له أبعاض فهو مركب كثيراً بلا شك، فهو إذن بالضرورة ليس واحداً، فالواحد ضرورة هو الذي لا أبعاض له، فإذ لا شك فيه فالواحد الذي لا أبعاض له تساويه عدداً، وهو الذي أردنا أن نبين، وأيضاً فإن الحس وضرورة العقل يشهدان بوجود الواحد إذ لو لم يكن الواحد موجوداً لم يقدر على عدد أصلاً، إذ الواحد مبدأ العدد والمعدود الذي لا يوصل الى عدد ولا معدود الا بعد وجوده، ولو لم يوجد الواحد لما وجد في العالم عدد ولا معدود أصلاً، والعالم كله أعداد ومعدودات موجودة فالواحد موجود ضرورة فلما نظرنا في العالم كله نظراً طبيعياً ضرورياً لم نجد فيه واحداً على الحقيقة البتة بوجه من الوجوه، لأن كل جرم من العالم فمنقسم محتمل للتجزئة متكثر بالانقسام أبداً بلا نهاية وكل حركة فهي أيضاً منقسمة بانقسام المتحرك بها الذي هو المدة، وكذلك كل معقول، من جنس أو نوع أو فصل، وكذلك كل عرض محمول في جرم فإنه منقسم بانقسام حامله، هذا أمر يعلم بضرورة العقل والمشاهدة، وليس العالم كله شيئاً غير ما ذكرنا، فصح ضرورة أنه ليس في العالم واحد البتة. وقد قدمنا ببرهان ضروري آنفاً أنه لا بد من وجود الواحد، فإذن لابد من وجود الواحد، وليس هو شيئ في العالم البتة، فهو إذا بالضرورة شيء غير العالم، فإذ ذلك كذلك فبالضرورة التي لا محيد عنها فهو الواحد الأول الخالق للعالم، إذ ليس يوجد بالعقل البتة شيئ غير العالم ولا بوجه من الوجوه، ولا واحد سواه البتة ولا أول غيره أصلاً، ولا مخترع فاعلاً خالقاً إلا هو وحده لا شريك له )) الفصل 1/83-84
Bookmarks