يدعي الملحد أن حجج وأدلة النبوات منقولة وليس مرئية، وأنه لم يعاصرها لذا فهو لن يُسلِّم بها.
الرد:
لا أدري كيف لادعاء بهذا التهافت والهزال أن يظل قائمًا بين الملاحدة، ولا يوجد للعاقل عذر في تبني هذا الادعاء إلا لأنه السبيل الوحيد – الأوحد – للكفر.
وللإنسان أن يتساءل: هل العلم الضروري لا يحصل إلا بالرؤية والمشاهدة المباشرة ؟
هل هذا أمر يقوله باحث أو عالم أو حتى عاقل؟
إن علوم الدنيا وفلسفات الدنيا وثقافات الدنيا وكل معطياتنا العلمية، لم تقع بداهةً عن طريق الرؤية أو المعاصرة وإنما عن طريق المُخبرين – الذين أخبرونا بهذه الأمور دون رؤية مباشرة منا – ومع تكرار الإخبار يحصل عندنا العلم الضروري بصحة ما ينقلوه إلينا.

كم شخص رأى رؤية مباشرة صحة قوانين الفيزياء أو قوانين الكيمياء، أو صحة معادلات أينشتاين والتي تطلبت ربع قرن حتى رآها بضعة أشخاص في أفريقيا -بعثة رذرفورد- وبعدها أثبتوا صحة النسبية العامة، وتلقتها جموع البشر على وجه الأرض بالقبول مع أن أحدًا غير هؤلاء الآحاد لم يرصد ولم يعاصر صحة النسبية العامة، لكن هؤلاء الآحاد المخبرين -بعثة رذرفورد- أفادوا علمًا يقينيًا ضروريًا لا يجد العقل أمامه مماحكة الإنكار.
وهؤلاء المخبرين هم أدلة جميع البشرية في جميع الفلسفات والعلوم.

والآن أنا أستطيع أن أجزم أن كل ملحد أو لا ديني سمع بمعجزة نقلها إليه مجموعة من المخبرين يستحيل تواطئهم على الكذب، حصل له علم ضروري ولا ينكر هذه المعجزة إلا من باب المكابرة والمعاندة والكسل المعرفي العقيم في الفحص والتدقيق.

وشروط التواتر التي تُفيد العلم اليقيني الضروري، والتي اتفق عليها العقلاء هي:
1- عددٌ كثير أحالت العادة تواطؤَهم، أو توافُقَهم، على الكذب.
2- رووا ذلك عن مثلهم من الابتداءِ إلى الانتهاءِ.
3- وكان مُسْتَنَدُ انْتِهائِهم الحِسَّ.
ومتى تحققت الشروط الثلاثة تحقق التواتر، ولزم منه علم ضروري لا مجال لإنكاره أو لتكذيبه.
فأنت سمعت عن دولة اليابان وحصل لك علم ضروري بوجودها وأنها تقع شرق آسيا ولا يلزم لإنكارها عدم رؤيتها فهذا أمر لا يقوله عاقل.

بل إن أصل إلحاد الملحد يقوم على قواعد ميتافزيقية -إنكار الصانع، أزلية العالم، التطور، مادية الوعي- لم ير شيئًا منها ولم يختبر أو يرصد أصل واحد من أصولها، وبداهةً لا يقرر العلم شيئًا منها، ومع ذلك يعقد عليها قلبه ويُسلِّم لها عقله.

بل إن كل علوم التاريخ وعلوم البدايات، لا تقوم على الرؤية وإنما على الشواهد فقط.
ومصدر المعرفة حتى في العلوم التجريبية هو العمل العقلي في مُدخلات الحس والمشاهدة والتجريب، فالتسليم العقلي هو الأصل حتى في المعطى المُباشر.

والآن أدلة نبوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تقوم على جملة كثيرة لا تُحصى من الشواهد ونقل المخبرين – الرواة -، الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب، فيتحقق من جملتها علمًا ضروريًا يفيد يقينًا معرفيًا وعقليًا لا يرتفع بظن ولا شك ولا افتراض.
وشروط التواتر الثلاثة السابقة توجد حصريًا في دين الإسلام، بينما تُفقد في بقية الأديان، فلا يزعم دين من الأديان على وجه الأرض تواتر نصوصه، بل يعترفون بوجود الآحاد بل والإنقطاع في درجة من الدرجات أثناء النقل، وهو ما يُسقط شرط التواتر.
وجرى نقل القرآن الكريم وكثرة كاثرة من معجزات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأخباره وسيره ونبوءاته، بنقل متواتر باعتراف حتى المستشرقين، وقد قرأت للمستشرق شاخت المتحامل على الإسلام اعترافه بإنه " ليس هناك من شك في قطعية ثبوت القرآن" وهو نفس اعتراف المستشرق وليم ميور، وقال غيرهما" ليهنأ المسلمون بعلم حديثهم ".