هذة مقالة للشيخ حسين بن محمود عن الدولة الإسلامية، لفت انتباهي فيها نظرة الكاتب للإنقلاب في مصر وجماعة الإخوان، و نظرته المستقبلية لما قد تؤول إليه الأمور.

بسم الله الرحمن الرحيم


الورطة العراقية



خبَت جذوة الجهاد في العالم لبضع سنوات إلا ما كان من مناوشات هنا وهناك بين "قاعدة الجهاد" وبين أمريكا وحلفائها في بعض الجبهات ، وبين طالبان أفغانستان وباكستان وبين الدول الصليبية وعملائها ، وبين مجاهدي القوقاز وبين الروس ، وبين حماس واليهود ، وكاد الناس يهدؤون قليلاً حتى جاء ما يسمى "بالربيع العربي" الذي أشعل جذوته شاب تونسي أحرق نفسه لصفعة شرطيّة غيّرت بصفعتها مجرى التاريخ ..

تسارعت الأحداث بعد "الربيع العربي" : فهرب الطاغية "ابن علي" إلى إخوانه في نجد ، ثم تحرّك الشارع المصري واليمني والسوري والليبي والجزائري : أما الجزائري فهدأ بعد أيام ، وأما الليبيون فحملوا السلاح وخاضوا حرباً ضروساً ضد ابن اليهودية القذافي ، وأما اليمن فوقعت في فخ الحل السلمي وتبخّر ربيعهم ، وأما السوريون فحملوا السلاح ولا زالوا يقاتلون ، ولنا مع مصر وقفة ..

هذا "الربيع العربي" أخذ العالم كله على حين غرّه ، فالتحرّك كان عفوياً لدرجة أن الجماعات السياسية لم تلتحق به إلا متأخرة ، فالشعوب هي التي تحرّكت ، ثم تحرّكت الفصائل والأحزاب التي نظّمت هذه الثورة لما علمت جديّتها ، وقادت جماعة الإخوان المسلمين هذه التجمعات في مصر وتونس ، وحاولت في ليبيا وسوريا واليمن ، ثم صار التركيز على مصر التي نجح الإخوان فيها ظاهراً ، واستلموا الحكم بعد انسحاب تكتيكي من الجيش الذي بدأ يخطط للإنقلاب قبل استلام الإخوان زمام الحكم ..

ما لم يحسب له أحد حساب هو صمود الثورة السورية في وجه النصيرية ، وخاف البعض من تمكّن الإخوان في مصر وسوريا وتونس وليبيا مما سيجعلهم قوّة كبيرة محسوبة على الصف الإسلامي ، وستكون "دولة يهود" وسط الكمّاشة الإخوانية ، فعمل الكل على الإطاحة بالإخوان في إنقلاب دموي نُقل للناس على الهواء مباشرة ..

في أثناء حكم الإخوان تحرّكت الجماعات المجاهدة في سيناء ونشطت ، فكان أكبر خطأ للإخوان - وهذا ما يقعون فيه دائماً – استماتتهم لإقناع الغرب بأنهم ليسوا إرهابيين ، وأنهم يحاربون الإرهاب ، فتحرك الجيش المصري بأمر "مرسي" إلى سيناء لقتال الإرهابيين ، وبدأت العداوة الحقيقية بين المجاهدين والإخوان ..

بينما كان المكر على أشدّه ضد حكومة الإخوان في مصر عن طريق اليهود والأمريكان وأتباعهم ، كان الله عز وجل يمكر للمسلمين في سوريا والعراق ، وبينما توجّهت كل الأنظار وكل الجهود للإطاحة بحكومة الإخوان في مصر ، كان سوق الجهاد ينتعش في سوريا على وجه الخصوص ، وبينما التفت العالم إلى مصر وإنقلابها ، كان البعض في العراق يجمع صفوفه ويلم شعثه ويعمل بلا كلل ولا ملل لجمع القبائل والعشائر والمؤيدين .. كان الإنقلاب في مصر يعمل بصوت عالٍ أصم آذان الناس في الأرض ، بينما جرى العمل في العراق بصمت وسريّة تامّة ..

لقد أخطأت الدول المتآمرة على مصر خطأً تاريخياً بانقلابها على حكومة الإخوان ، ولعل هذا من فضل الله ورحمته بالأمة الإسلامية ، فلولا هذا الإنقلاب لما استطاع المجاهدون في العراق والشام التقاط أنفاسهم والعمل بحرية وسريّة وهدوء ، ولولا هذا الإنقلاب لكان الإخوان اليوم في مواجهة مباشرة مع المجاهدين في سوريا ، فمرسي بدأ التناوش مع "قاعدة الجهاد" في مصر ، ولاستكمال لعب دور "المسلم المعتدل الوسطي" كان لزاماً أن يحارب "جبهة النصرة" التابعة للقاعدة في الشام ، فالإنقلاب حقن دماء المسلمين ، وقطع هذا التسلسل العدائي بينهم ، فالإنقلابيون ومن خلفهم أسدوا للأمة الإسلامية خدمة كبيرة لا يمكن إنكارها ..
ومما استفاد المسلمون من هذا الإنقلاب أنّه عرّى الكثير من الوجوه المستترة خلف عباءة الإسلام ، وأظهر النفاق الحقيقي للكثير من "العلماء" و"المفكّرين" و"السياسيين" الذي اغترت بهم الجموع ، وأقتنع كثير من الشباب المسلم أن الحل الوحيد لهذه الأمة ليس في العمل السياسي والحزبي والديمقراطي ، بل في الجهاد ، فانقلاب مصر كان ولا زال أكبر دعاية تحريضية للجهاد في هذا الزمان ، ولم يحلم المجاهدون بمثل هذا الدعاية التي أتتهم بلا تدبير منهم ..

تقاطر الشباب المسلم بأعداد كبيرة إلى سوريا بعد الإنقلاب المصري ، واشتدت الحرب فيها ، ودخل المجاهدون من العراق وغيرها ، وتقدم هؤلاء حتى وصلوا الساحل الشرقي ودكّوا قرى النصيرية ، هنا انتبه العالم للخطر الإسلامي ، وهنا صرخ النصيرية بأعلى صوتهم يستنجدون بكل عدوّ للإسلام ، ومن هنا بدأت المشاكل في سوريا على أيدي بعض مرتزقة أمريكا وآل سعود ، فأعمل هؤلاء مكرهم ، واستطاعوا التفريق بين المجاهدين حتى وصل الأمر إلى الإقتتال الداخلي ..

تفرّق المجاهدون ، وتوقّف الزحف نحو القرى النصيرية في الساحل ، وضعفت قوة المجاهدين نتيجة تنازعهم ودخول الكثير من المندسّين والعملاء بينهم ، وكبر المكر وزاد الغدر حتى ظن الأعداء أنهم نجحوا في القضاء على الجهاد الإسلامي في سوريا ، وقد نجحوا فعلاً في تحجيمه وتقزيمة بسبب غفلة كثير من المجاهدين الذي خسروا الكثير من العدّة والعتاد بعد غياب اليقضة والوقوع في فك التنازع والتفرّق الذي هو آفة العمل الإسلامي في العقود الماضية لغياب الوعي الكافي في القيادات والأفراد ..

في هذه الأثناء خرج المسلمون في العراق يُحاكون ثورة مصر ، فوقفوا في الميادين يطالبون بحقوقهم "المشروعة" ، وظلوا أكثر من سنة يهتفوت ويصرخون حتى استلهم المالكي فكرة "فض رابعة" من أخيه السيسي ، فهجم على هذه المخيمات والميادين وفضّها بالقوة ..

في خضم هذه الأحداث كانت هناك عمليّة عسكرية سياسية يُخطط لها من قبل المجاهدين في العراق ، وارتكزت هذه العملية على أسس سليمة من بدايتها ، فجمعت أكبر قدر ممكن في المؤيدين ، ومن أهل الخبرة والدراية في شتى الميادين ، ومن مجاهدين باعوا أنفسهم من أجل الدين ، فاجتمعت الخبرة العسكرية مع العدد والعدّة والإصرار على التمكين ، وبحركة مفاجئة مذهلة : زحف هؤلاء على مقرات الأمن والجيش الرافضي ، وركّزا على مستودعات الأسلحة والذخيرة ، وأستخدموا الدعاية الإرهابية المرعبة التي أثخنت في العدو قبل سلاحهم ، فهرب جنود المالكي تاركين أسلحتهم وبدلاتهم العسكرية وكل شيء ، لا يلوون على شيء ، وأخذ المجاهدون باقتناصحهم وإعدامهم وذبحهم في عاصفة جهادية عارمة زلزلت الأرض تحت أقدام أعداء الإسلام في العراق والشرق والغرب ..

إنه البغدادي .. وإنه الذبح .. كذا كان يصرخ عشرات الآلاف من جنود الرافضة وهم يهربون من أمام بضع مئات من جنود الدولة الإسلامية الذي انقضوا على مستودعات الأسلحة ، وانضم إليهم الكثير من الجنود العراقيين السنّة ، والكثير من أبناء العشار العراقية الحرّة ، فكان فتحاً بكل المقاييس ..

الذين لم يرضوا بحكومة الإخوان في مصر ، وعملوا على الإطاحة بها لأنهم ظنوا أنها تمثل خطراً عليهم ، هم الآن في ورطة كبيرة أمام هذا المدّ الجهادي الجارف المسلّح تسليحاً كبيراً ، والمدعّم بخبرات كثير من ضباط الجيش السوري والعراقي والمصري ، والمؤسَّس من مجاهدين لهم خبرات حربية كبيرة في العراق وأفغانستان والقوقاز والبوسنة وليبيا والجزائر وتونس ومصر واليمن وجزيرة العرب ، ثم من انضوى تحت رايتهم خلاصة الشباب الموتور من أوروبا وأمريكا ودول آسيا ، هؤلاء كلّهم خلاصة نخبة الجماعات "المتشدّدة" ، والتي لا تعرف غير لغة الرصاص ، فعصارة الإرهاب الإسلامي في العالم اجتمعت تحت قيادة البغدادي ، ولا زالت البيعات تتوالى ..

ولإعطاء فكرة بسيطة عن حجم هذا الإرهاب يكفينا أن نقول بأنه يمتلك من آبار النفط ما لا تمتلكه بعض دول الخليج الغنيّة ، ويمتلك من الخبرات المتراكمة في المجال التقني والعسكري ما لا تمتلكه – ربما - الجيوش العربية مجتمعة ، فكثير من خبراء الجيش العراقي ومهندسيه وصانعي أسلحته انضموا للدولة ، وهؤلاء لهم ثأر عند الدول التي ساندت أمريكا لاحتلال العراق وجعلها في يد الرافضة يسومونهم سوء العذاب ، وانضم إلى الدولة ضباط وجنود من الجيش السوري والمصري والليبي والتونسي والقوقازي والتركي وغيرهم ، والدولة عندها إمكانيات مادية لإقامة مصانع أسلحة متطورة ، وقد سمعنا عن أسلحة جديدة لم يعهدها العالم استُخدمت ضد الرافضة في العراق ، ولعلنا نرى قريباً أسلحة نوعية تُطيح بالطائرات الأمريكية ، وهذا إن حصل فإن للدولة كلام آخر مع أعدائها .. أما أقوى سلاح تمتلكه الدولة فهو قواتها الخاصة من المجاهدين الذين يسترخصون حياتهم في سبيل مبادئهم ، فالواحد منهم ينغمس بشاحنة تحمل أطناناً من المتفجرات في أي معسكر وتجمّع فيقتل الجموع الغفيرة بمفرده ، ولا يمكن مقارعة هؤلاء بأي سلاح ، ويمتلك البغدادي مخزوناً هائلاً من الإنغماسين لا يوجد نظيره في الأرض كلها ..

لقد كان "محمد مرسي" رجلاً مصرياً إسلامياً وطنياً إخواني ، ولو بقي لوجّه الإخوان ضد "الدولة الإسلامية" ، ولكن ذهابه بهذه الطريقة جعل كثير من شباب الإخوان يلتحق بالعراق وسوريا ، وجعل كثير من الشباب يُعيد النظر في قضيّة السلمية والوسطية والديمقراطية ، فالديمقراطيّة كانت أضعف من الرصاص في مصر ، والوسطية ديست بأرجل العساكر ، والسلميّة انتُهك عرضها في السجون ، وجاءت لغة "البغدادي" التحريضية الجهادية لتُلغي كل النظريات الأخرى في عقول الشباب ، ثم زاد الإقتناع بعد هذه الفتوحات العراقية ، وبعد القمع والتعسف والظلم العسكري في مصر ..

إن ربط ما حدث في رابعة ، وما حدث في ميادين العراق ، أصبح شغل عقول الشباب الشاغل ، والردّ الذي جاء في العراق كان أشفى للصدر من الرد الذي في مصر ، وميزة عقل الإنسان أنه يقيس بين الأمور المتشابهة : فهناك يتم الدعس على العدو بقوة السلاح ، وهنا يُدعس المتظاهر السلمي بقوّة السلاح ، فالسلاح أصبح العامل المشترك بين الموقفين ..

هذه هي الورطة الأولى التي سقط فيها أعداء الإسلام الذين لم يرضوا بمرسي ليخرج لهم "البغدادي" من تحت الأرض .. مرسي كان سيعمل ضمن حدوده الجغرافية ، أما البغدادي فقد ألغى الحدود .. مرسي كانت حلوله سياسية ، والبغدادي سيفه صلتَ يمينه .. مرسي كان يعمل ضمن إطار المنهج الإخواني السلمي ، أما البغدادي فمنهجه أبعد ما يكون عن السلميّة ..

دخل البغدادي الموصل ، وكسر أبواب السجون بيديه ، وحرر النساء والرجال ، وقتل كل من تمكّن منه من أعداء الإسلام انتقاماً لأعراض المسلمات ، ثم اجتاح الولايات الأخرى وعينه ترمق بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، ثم أعلن بأنه سينتقم من كل دولة تساند المالكي أو أمريكا في حربها ضد الدولة الإسلامية ، ثم فجّر قنبلة من العيار الثقيل حينما أعلن الخلافة الإسلامية ..

ما معنى إعلان الخلافة ؟

دولة ذات سيادة ، عندها موارد اقتصادية كبيرة ، وجيش على درجة عالية من الكفاءة يحمل عقيدة إسلامية وعزيمة قوية وإصرار على تحقيق أهداف يستميت من أجلها ، مثل هذا الجيش الذي يقوده قيادة لا تعرف أنصاف الحلول ، ولا تعترف بأي حدود ، ولها رؤية بعيدة تجلّت بإعلان الخلافة الإسلامية التي حدودها الطبيعية الأصلية من شرق الصين إلى جنوب باريس ، هذه الخلافة استقطبت جموعاً غفيرة من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في بضعة أيام حتى باتت الحكومات تراقب الكلام والهمس والفكر في العقل والنيّة في القلب تخوّفاً من انفلات الأمور في بلادها ..

لو أن أعداء الحراك الإسلامي تركوا الأمر ينفرج قليلاً في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والجزائر لصالح الشعوب الإسلامية التي تريد بعض الحرّيّة والكرامة لكان الأمر - بالنسبة لها – أفضل بكثير من خروج هذا المارد الجهادي العملاق ، فطموحات الشارع العربي كانت متواضعة ولا يمكن مقارنتها بطموحات "الدولة الإسلامية" ومن سينضم إليها من جماعات وأفراد كلّهم يحملون حقداً وحنقاً وغيظاً على أعداء دينهم وسالبي كرامتهم اللاعبين بمستقبل أمتهم ، فالأمر لم يعد ديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية ، الأمر الآن : قصاص وحرب وإزاحة لكل الحكومات ، وإخضاع بالقوّة .. العجيب أن بعض الدول العربية لا زالت تعمل دعاية للدولة الإسلامية بقمعها للحريات في بلادها وسجنها للعلماء والمصلحين والشباب ، ولو أننا لا نعلم حقيقة هذه الحكومات علماً يقينياً - لا يساوره أدنى شك - لقلنا بأنها تعمل لصالح البغدادي !!

أمريكا تخاف من الإنزلاق في حرب بعد خسائرها في أفغانستان والعراق والصومال ضد جموع قليلة غير مسلّحة ، وقد تكبدت خسائر فادحة كادت تعصف بدولتها اقتصادياً ، وعصفت بها سياساً وأخلاقياً ، وإيران تتدخّل في العراق على استحياء خوفاً من صواريخ "الدولة الإسلامية" التي غنمتها من مخازن السلاح ، وهي أسلحة متطوّرة فتّاكة تصل إلى جميع المدن الإيرانية بكل سهولة ، والدول العربية لزمت الصمت وتعمل تحت الطاولة خوفاً من انتقام البغدادي ، فالكل خائف ، والكل يعلم أن البغدادي لن يتردد في استعمال ترسانة أسلحته ضد أي عدو ، والكل يعلم بأن الرجل عازم على المضي قدماً في تحقيق حلمه باسترداد الخلافة الموعودة ، والكل يعلم بأنه قادر على فعل كل ما يقول ..

إن لكل دولة عظمى قوية أو فاعلة أو غنيّة في عالمنا اليوم : يدٌ قذرة تطلقها كلما احتاجت إلى ضرب أعدائها دون تلطيخ ثيابها ، ويد أمريكا القذرة في العراق هو المالكي ، ويد إيران القذرة هي "حزب اللات" اللبناني ، وأصبح النصيرية في سوريا يداً لأمريكا وإيران والمالكي ، ويريد آل سعود أن يجعلوا من إيران والمالكي يدهم القذرة لضرب الدولة الإسلامية ، وتريد إيران من أمريكا أن تصبح يدها القذرة في ضرب الدولة الإسلامية ، فالكل يريد أن ينأى بنفسه عن المواجهة المباشرة مع الدولة ، والكل يحاول استخدام الآخر ..

ما رأيناه من انسحاب جيوش المالكي من الحدود الجنوبية قد يكون اتفاقاً بينه وبين آل سعود لنقل جنود المالكي إلى الجبهات الأمامية بينما يتكفّل آل سعود بحماية الحدود ، أو كان سحب الجنود من قبل المالكي لتوريط آل سعود في مواجهة مباشرة مع الدولة الإسلامية ، وأياً كان فإن ثلاثين ألف جندي سعودي لا يستطيعون حماية مركز واحد من جنود الدولة ، ولو اقتربت الدولة فإن نصف هؤلاء الجنود سيهربون ، والنصف الآخر سينضم إلى الدولة ، فكثير من جنود الدولة من جزيرة العرب ، وأهل الجزيرة ملّوا من حكم آل سعود الذين يحكمونهم بسياسة "جوّع كلبك يتبعك" ، هذه السياسة التي قد تنفع مع كثير من شعوب الأرض ، أما أهل الجزيرة فأُسدٌ يموت الواحد منهم جوعاً ولا ينجّس فمه ، ولا يأكل الجيفة ، ولا ما ولغ الكلب فيه ، ولا يلتقط لقمته من على الأرض ، بل ينتهشها انتهاشاً من جسد فريسته ، ولذلك أكثر المجاهدين المهاجرين في الجبهات من جزيرة العرب ..

ماذا يفعل العالم اليوم ؟

محاولة التقليل من شأن الدولة في الإعلام الرسمي في الدول الغربية والعربية يحمل تحت طياته خوفاً كبيراً من هذه الدولة ، وهذا التجنيد الدولي الغير مُعلن يخبرنا عن مدى الرعب الذي أحدثته الدولة في العالم ، وكم يتحسّر أعداء الإسلام اليوم على أسامة – رحمه الله – وأيامه الجميلة ، وكم يتوق هؤلاء للعودة إلى أيام الزرقاوي الذي ذبح بعض الرجال هنا وهناك ، أما الآن فأصبحت دولة "ذبّاحة" لها امكانيات وأعلنت الخلافة ، ولا يعتقد أحد بأن الغرب نسي الخلافة الإسلامية كما نسيها المسلمون ، فالغرب لا زالوا يذكرون الفتوحات الإسلامية الأولى للشام ، ثم مصر والمغرب والأندلس وجنوب إيطاليا وشرق أوروبا وجنوب فرنسا والقسطنطينية ، ويعرفون جيداً وعد روما ، وها هم ساسة الغرب وقساوستهم يولولون في كنائسهم وبرلماناتهم خوفاً من الخلافة الإسلامية القادمة ..

أذكر أنني كتبت منذ زمن بعيد عن أجيال الجهاد ، لا أذكر اسم المقالة ، ولكن قلت فيها بأن جيل أسامة ليس هو جيل الفتح ، وإنما هو جيل مؤسّس لما يأتي بعده ، وقلت بأن الجيل الذي يليه أيظاً ليس هو جيل الفتح ، ولا زلت أرى بأن جيل الزرقاوي وعمر وأبو بكر البغداديان وخطاب وشامل ليس هو الجيل الذي يجب أن يخشاه الكفر العالمي خشية كاملة ، إنه الجيل الثالث الذي يعقب هذه الأجيال ، الجيل الذي سيكون حقاً جيلٌ إرهابي بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، ولو كنت من أعداء الأمة لحرصت أشد الحرص على حياة الشيخ الظواهري والبغدادي وأقرانهما اليوم ، فهؤلاء رحمة إذا ما قورنوا بالجيل القادم ..

الذي بقي على البغدادي فعله الآن : هو التصالح مع الجماعات الإسلامية بشتى أطيافها ، والعمل على وقف الإقتتال الداخلي في سوريا وتوحيد صفها ، وتحرير دمشق وبغداد من النصيرية والرافضة مما سيكون له أثر كبير على الأمة الإسلامية ، والعمل على التصالح مع القيادات المجاهدة في خراسان ، وهذا من شأنه أن يجمع كلمة المجاهدين في الأرض ويقوي موقف الدولة في العالم الإسلامي أجمع ، وعليه أن لا يخطو خطوة قبل أن يحسب لكل شيء حساب ، فالبداية دائماً صعبة وحسّاسة ، وأقل خطأ قد ينحرف ببوصلة الدولة إلى غير ما قامت من أجله ، فالحذر الحذر ..

وأنصح قادة الجبهات في الأرض أن يبعثوا برسلهم للقاء قادة الدولة ، فإن وجدوهم على ما يحبون فالواجب جمع الكلمة ، وإن كانت لهم تحفظات على بعض الأمور تشاوروا فيما بينهم ، وإن لم يكن كل هذا فلا أقل من نصرة الدولة حتى تقضي على الحكم الرافضي النصيري في العراق والشام ..

أُذكّر قادة الجهاد بأن المواقف السياسية ليست ثوابت شرعية ، فلا بأس أن تتغيّر بتغيّر الأحداث ، ولا ينبغي التمسّك بالرأي إن بدى لنا خيراً منه ، فالمقصود نصرة الدين وليس نصرة الرأي المجرّد ، ولو اجتمعت كلمة المجاهدين في العراق والشام وخراسان والمغرب والقوقاز وجزيرة العرب اليوم فإن الأمة لهم تبع ، وهذه فرصة قلما تتكرر في التأريخ ، فلا ينبغي تضييعها بضيق الأفق ، وعلينا اقتناص هذه اللحظة التاريخية للنهوض بالأمة .. اليوم .. اليوم يا قادة الجهاد نستطيع استرجاع كرامة الأمة .. إن اجتمعت كلمتكم اليوم فإنه التمكين ، وإنها العزّة ، والأمة كلها ترتقب كلماتكم ، والأمّة مهيّئة اليوم أكثر من أي وقت مضى ..

يا قادة الجهاد : أعملوا عقولكم ، وحكّموا قلوبكم ، واستنهضوا هممكم ، وتشاوروا فيما بينكم ، وتجاوزوا زلاتكم ، وتناسوا خلافاتكم ، وأخلصوا نياتكم ، واعتصموا بحبل ربّكم ، وأعلنوا الوحدة الإسلامية المنشودة ، وأسمعوا العالم صرخة "الله أكبر" مدوية مزلزلة ترتجّ منها الجبال ..


والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
5 رمضان 1435هـ