"وَكَذَٲلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّ۬ا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٌ۬ فِى ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٌ۬ فِى ٱلسَّعِيرِ" [الشورى: 7].
لن ألتزم بتقسيمة الأدلة التي كتبتها في منشور 13 لاتساع التأويل فيها،لكن سأناقش قضيتين في الآية السابقة:
1) عربية القرآن.
2) أم القرى.
____________________________1) عربية القرآن:
إذا كنت من كرواتيا وتريد تعلم لغة ثانية، ستتعلم اللغة العربية أم اللغة الإنجليزية ؟
إذا كنت تريد أن تتواصل مع أكبر قدر ممكن من البشر، فستتعلم اللغة الإنجليزية، أما إن كنت تنوي التواصل مع العرب فقط،فستتعلم العربية.
ماذا نستنتج ؟
أنك إذا أردت إيصال رسالة اليوم لأكبر قدر ممكن من الناس، فستوصلها بأشهر لغة، أما إن كانت وجهة رسالتك محلية، ستلتزم باللغة المحلية لوجهتك.
قفزة إلى زمن نزول القرآن ونظرة إلى واقع العرب، أمة متخلفة، لا يهتم بها لا فرس ولا روم، وإن عرفوا أنهم يعبدون موز النخيل فلن يهتموا.
فلا ثقافة ولا صناعة ولا زراعة ولا إنتاج في أي مجال.
النتيجة: أن لغتهم العربية محلية جداً، لن يهتم بها إلا من يريد التواصل معهم في تجارة، أو العمل كترجمان في بلاط الحاكم.
إذا كان الله سيبعث برسالة عالمية للبشر كلهم، ألن يبعث على أحسن تقدير برسالة بأشهر لغة في ذلك العصر ؟
لكن ستظل مشكلة، إذا نزل القرآن بلغة الروم مثلاً فلن يفهمه الكثير من العرب، وفي هذا ظلم لهم لأن الرسالة عالمية.
إذن ففي الحالتين هناك ظلم، إذن فما الحل إذا كان الله يريد هداية كل البشر ؟
أن يبعث برسالة لكل أمة بلغتها المحلية.
أنا متوقع منك 3 ردود:
1) من الممكن أن نترجم له معاني القرآن.
حسناً، لكن على فهم من ؟
هناك عشرات التفاسير والأفهام للآية الواحدة، غير أن اللغة (وخاصة العربية) متغيرة جداً، خذ عندك كلمة "الملحد" مثلاً، اليوم هي تعني الكافر بالله، رغم أنها تعني في القرآن المستهزئ.
وخذ عندك المعارك والجدالات العقائدية والفقهية التي نشأت عن تأويل القرآن.
وعلى هذا فأنت لن تقدم له القرآن، بل ستقدم له اجتهاد إنسان في فهم قرآن.
وإذا علم الشخص هذا، فأنت تكلفه بأن يقرأ في الكتب الأخرى بحثاً عن المعنى الحقيقي للقرآن.
هل هذا ما يريده الله ؟ أن يشقى الإنسان بحثاً عن الحق ؟ بينما هو بسيط للغاية وهو أن يعيش دنياه بما يرضي ربه ؟
2) فليتعلم اللغة.
طب ومن لا يملك القدرة ؟ أو من تشكل له العربية صعوبة ؟
وهل لكي أصل لالله لابد أن أصل له بلغة معينة ؟ أم يكفي قلبي ؟
ستقول لي "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، لكن مع ارتفاع مقام اللغة العربية لمجرد نزول القرآن بها سيبقى حزن وإحساس بالظلم والقهر في قلب المسلم الأجنبي.
لكي تستطيع فهمي، تخيل أن القرآن نزل باللغة الصينية، وتخيل الإحساس الذي سيتولد في قلبك.
ولكي تستطيع أن تفهم أكثر، تخيل أن هناك كاتباً تنتظر انتظاراً أحر من الجمر لقراءة كتابه الجديد، ثم تفاجئ بأنه أنزله باللغة الصينية، كيف سيكون إحساسك ؟
ستنتظر الترجمة ؟ إذن فلتنتظر حتى تنزل ترجمة جيدة للكتاب، وحتى مع الترجمة الجيدة لن تصلك كل معاني الكتاب.
ونقطة أخرى، أليس في تفضيل اللغة العربية فقط لأنها نزلت على قوم بعينهم عنصرية ؟
3) جمال اللغة العربية وأصالتها.
على افتراض ذلك، لكن هذا لا يعني شقاء الإنسانية، فليس هدف الله أن يتحفنا بما يستطيع قوله بالعربية، بل ببساطة أن يهدي الإنسان.
والله يستطيع أن ينزل كتاباً أخر في جمال القرآن بلغة أخرى.
* الخلاصة: نزول كتاب سماوي بلغة معينة لكل البشر هو إعاقة لباقي البشر الغير متعلمين لهذه اللغة عن الحق، فالأرحم هو أن ينزل الله رسالات بلغة كل أمة، ولا يلزم رسالة بعينها على باقي الأمم، فالهدف هو هداية البشر، لا أن يتطبعوا كلهم بثقافة معينة.
____________________________2) أم القرى:
حين أقول "القاهرة ومن حولها"، فما قصدي ؟
أ) مصر وما حولها من دول.
ب) مصر كلها.
الأكثر منطقية هي الإجابة (ب).
أم القرى هي مكة، فحين أقول "أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا" يُستنتج من ذلك ببساطة الجزيرة العربية كلها.
إذن فالآية تقول أن الله بعث النبي محمد " لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا"، وهذا دليل قاطع على محلية رسالة النبي محمد.
فمن أين جاء الفهم الملتوي "مكة وما حولها من أمم" ؟ هذا فهم لا يتناسب مع سياق أو منطق.
أنا متوقع رد معين، لكن سأنتظره.
Bookmarks