الحلقة الأولىيدعي الملحد أن الكفار أيضًا يفعلون الخيرات، وأنجلينا جولي تساعد الفقراء وتؤمن بالقيم.
الرد:
صراحةً شمامسة الإلحاد يروجون كثيرًا لهذه الدعايات، ومع أن أنجلينا جولي لا يوجد جزم بإلحادها أصلاً، والحديث عن الإلحاد في المجتمع الأمريكي شيء ممجوج ومستقبح للغاية ويدعو للغثيان- ولذا نادرًا ما يُعلن شخص عن إلحاده-.
ومع ذلك فتصرفات أنجلينا جولي الأخلاقية، تؤكد على قيمة الأخلاق ومطلقيتها وأن الجميع يعتنقونها بوعي وبغير وعي، فالبشر ليسوا مُخيرين في رفض التكليف الإلهي، فالأخلاق يعتنقها الجميع ويؤمنون بمعناها، مع أن هذه الأخلاق ليست ربحية، فقيمة الأخلاق ليست من هذا العالم، فالأخلاق الأصلية تأتي دائمًا ضد المصلحة الشخصية وضد المادة، وفي هذا توكيد سامق على استحالة رد الإنسان للنموذج المادي، أو تحليله في إطار حتميات مادية.
فالقيمة لها معنى غير مادي وتستمد قيمتها من عالم آخر ولا تعتمد على نزوات البشر أو طموحاتهم فهي غير مادية وغير مصلحية وغير عقلية، بل إن الأخلاق والقيمة على المستوى المادي ضارة، ويقرر ذلك ماندفيل Bernard mandeville أستاذ علم الأخلاق الإنجليزي حين سُئل: ما أهمية الأخلاق لتقدم المجتمع والتطور الحضاري ؟ وأجاب ببساطة : لا شيء بل لعلها تكون ضارة.
بل إن قصور الإنسان في القوة ناتج عن إلتزامه الأخلاقي القيمي، فالقيم لا معنى لها من هذا العالم، فهي تحمل في طياتها معنى التكليف الإلهي، ولذا فحتى الملحد لا يستطيع أن يرفض ذلك التكليف الإلهي، ثم إن الملحد يفترض مسبقًا مطلقية القيمة ولذا يُعطي أحكامًا ويطرح رؤيةً ويقرر الصواب والخطأ وينتقد ويمتدح بناءًا على هذا الوعي الفطري داخله بمطلقية القيمة، وفي هذا الحجة الأولى والأكبر للدين.
لكن هنا قد ينتفض الملحد العربي ويعترض ويفضل نسبية القيمة، ولتذهب أعمال أنجلينا جولي إلى الجحيم، في مقابل أن يحتفظ بأُسس إلحاده سليمة دون تشكيك، وهنا طبقًا لرؤية الملحد العربي ذاته تصبح أعمال أنجلينا جولي الخيرية مرذولة ومستهجنة ولا معنى لمدحها أو حتى التفكير فيها، لأن المسألة في النهاية نسبية.
فإما أن تكون أعمالها الخيرية عظيمة فعلاً وساعتها لا معنى للإلحاد، وإما أن تكون أعمالها الخيرية بلا معنى وساعتها لا مجال لمدحها.
إذن أعمال أنجلينا جولي أو غيرها تؤكد سخافة الإلحاد وأنه لا يصلح لتحليل ظاهرة الوجود الإنساني، لكن الملحد العربي عبيط ينقل ما يفضح كهنوته وينسف إلحاده دون أن يعي.
لكن قد يسأل سائل: هل أنجلينا جولي تنال ثواب مقابل عملها هذا ؟
يقول الشيخ عبد العزيز الزنداني حفظه الله في كتابه التوحيد ص9ما يلي :
إن الذين لا يؤمنون بالله ولا يرجون ثوابه، ولا يخافون عقابه يعملون أعمالهم وهم لا يريدون بها وجه الله، ولا يبتغون رضاه ولا يهمهم هل عملوا حلالاً أم حرامًا ، فهم بهذا لا يستحقون الثواب على العمل وإن كان صالحًا، لأنهم كفار لم يقصدوا به أن ينالوا ثواب ربهم، ولا ابتغوا به رضا خالقهم . والكافر مُعاقب على كفره وضلاله ؛ لأنه لم يبحث عن دين الله ولم يحاول الإستماع إلى البيان الإلهي الذي جاء به المرسلون، زيادةً على ذلك فهو إذا سمع آيات الله تُتلى عليه ، اتخذها هزوًا، لذلك فعمله مردود وهو معاقب على كفره {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} ﴿٢٣﴾ سورة الفرقان.
{مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد} ﴿١٨﴾ سورة إبراهيم.
{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} ﴿٣٩﴾ سورة النور.
ويضرب الدكتور الزنداني مثالاً جميلاً إذ يقول " دخل رجل إلى بستان كبير لا يملكه فأكل وشرب وظل يلهو ويعبث داخل البستان، بينما دخل البستان رجل آخر فقال لا أفعل شيئًا حتى أتصل بصاحب البستان أو مَن ينوب عنه وأخذ يسأل ويبحث، فإذا بمندوب صاحب البستان يصل إلى الرجلين، ووبخ اللامبالاة وعدم الإمتنان الذي يبديه الرجل الأول، وشكر للرجل الثاني صنيعه وبحثه، وظل الرجل الأول على استهتاره وعبثه فهل هذا حتى لو أحسن في البستان ينتظر أن يُكافأ؟ إنه لم يفعل ذلك إلا لمصلحته هو ولذته هو ولا يبالي بصاحب الحق –صاحب البستان-شيئًا.
وكذلك هذه الأرض وما فيها ملك لله ورسل الله هم المندوبون، والمؤمن هو الذي يتبع سبيل الرسل، والكافر هو الذي يتصرف بلا إرشادات . "
إن القضية ليست فعل الخير وإنما القضية الآكد هي لمن تفعل الخير وهل تفعله اتفاقًا وتفعله لمصلحتك الشخصية كمزيد سعادة أو تسميع في الدنيا، أم انكسارًا لله ورضًا بعبوديته؟
Bookmarks