بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين,

تكرم الله علي أن أمضي فترة يسيرة في التعرف على عالم الكلى. ذلك العضو الذي يسكن في الظهر ويلعب دورا بالغ الاهمية في المحافظة على حياتنا ولا مجال لسرد مجموعة الوظائف التي يؤديها. وعندما يصاب المرء بفشل كلوي فإنه سيخضع حينها لحياة قاسية ينفلق لها القلب شفقة. كيف لا وعليه ان يسلخ من عمره أياما يغسل فيها دمه مع مراقبة الاطباء والادوية بل وتشديد الرقابة على طعامه وشرابه إلخ... أما آلة الغسيل فهي علبة كبيرة, لا تكفي! هي آلة, لا بد من طبيب مراقب ويدقق! لا بد من ممرض يركب ويفك "الشرايين" الاصطناعية! لا بد من قمع النفس أمام الطعام والشراب! لا بد من التعويض عن بعض الوظائف بالادوية! كل ذلك, الآلة بتكنولوجيا عالية, العقل البشري الذي درس سنينا كطبيب, اليدان البشريتان بعد تدريب وتدريب, المركبات الكيميائية في المختبرات بعد سنين من البحوث. بل ان امد الحياة يقل عند من يغسل. ذلك كله قطعة "لحم" صغيرة تؤديه على أحسن وجه!!!

ثم يتبادر السؤال مباشرة. من؟ لماذا؟
لا أظن انه من الصعب أن نرد ذلك الى غير الله عز وجل. لكن لماذا؟
نعم, هدف الكلى المحافظة على الحياة. هدف الرئتين كذلك. والجهاز الهضمي.الخ... كل ذلك في خدمة الانسان. بل كل الطبيعة في خدمة الانسان. السؤال: ما هو هدف الانسان؟ ما هو دوره؟ وظيفته؟

أرأيت لو ماتت وظيفة الكلى, ستفقد اهميتها ولو ظلت هي قابعة في ظهر الانسان. فماذا لو مات هدف الانسان؟! سيكون والله جثة متحركة لا أكثر حاله كحال أصحاب القبور أو آلة اصطناعية تعمل وتعمل لكنها تبقى قطعة حديد! الله أكبر... ما نفع الجسد دون روح؟! يعني الكون كله يخدم الانسان وأعضاؤه تجتهد لذلك وروحه ميتة! ما نفع المال ان سلبت الطمأنينة من الصدر والمال اصلا وسيلة مزعومة من أجل ذلك؟! ما نفع الجاه والمنصب والخدم والحشم ان كان الانسان بلا روح؟! ما نفع الطعام والشراب والزواج ان كانت تؤمن حياة لمن لا حياة له؟! فما الحل...
ان فشلت الكلى تذهب الى طبيب كسبب والله المتصرف!

فإن فشل العقل... والروح... وكل الانسان... لا بد أن تذهب الى خالقه... وبارئه... والذي صوره في الرحم... العليم لا يخفى عليه شيء... والله ستعود اليك الروح! كيف لا تطمئن وانت تعلم انه جل وعلا قادر على كل شيء! كيف لا ينشرح صدرك وانت تعلم انه هو الرزاق... فلا تخاف من تأمين مستقبلك! كيف لا تذوب سعادة وتعلم انه الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء وأن أعظم جرائمنا يغفرها لنا ان استغفرناه... كيف لا تتقطع شوقا اليه وهو رب العالمين الذي ربانا بنعمته فكنت جنينا لتسعة أشهر وحماني من خطر التشوه في أي لحظة... الذي حمل البحر في الغيوم بل ونقاه من الملح, أكبر مضخة لا تفعلها!... ثم ساقه الى كل الارض ولم يجعله يصب في منطقة واحدة! ونزل حبة حبة ولم ينزل كما هو فيهلكنا! ثم أمن لنا أن يعود الى البحر! أخبرني بالله عليك كيف لا تحب الله بعدها... ولا تتذلل له!حب في غاية الحب مع تذلل له وخضوع واقرار بالضعف... حب وخضوع يساوي العبادة! اياك نعبد...(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ()مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ()إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) هذا هو الهدف... ان تخلع كل المعبودات وتسلم لله فهو وحده يستحق العبادة وما سواه مخلوق ضعيف محتاج مثلك مثله!والله ليس كمثله شيء! قال الله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

سبحان الله! التوحيد... لا إله إلا الله! ألا بذكر الله تطمئن القلوب. وأي شيء يحزنها ان اطمأنت. أي شيء يغمها ان رضي عنها خالقها وأرضاها! قال احد الاوروبيين الذين اسلموا لله... بمعناه: "تخيل أعمى وفجأة أبصر!" نعم هكذا! لكنه عمى القلوب ولا مقارنة... من الموت الى الحياة... من عبادة العباد (المال, الجاه, المعجبون, النساء الخ) الى عبادة رب العباد... من الظلمات الى النور... لذلك انزل الله القرآن :
(الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)
فيصطدم بنا سؤال آخر... ماذا عن الاقوام قبل نزول القرآن؟ ذات الشيء... ذات الهدف للانسان... لا يمكن ان يعيش بدونه! اسمع قول الله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) فكل الانبياء والرسل عليهم السلام بعثوا من أجل نشر التوحيد... لا إله إلا الله! التسليم لله :

(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ()إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ()وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)


(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ()وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

كيف يتقبل الله ممن فتح عبادة على حسابه غير آبه بما أرسل الله من الرسل!!! لكأنه رفض سفير الملك!!! وكيف تعرف ما يريده الله ان لم تسمع رسله؟!

فموسى عليه السلام دعا الى التوحيد... ثم عيسى عليه السلام... ولما طمت الظلمات الارض فانحرف الناس عن التوحيد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الانبياء فكان القرآن من بعد موته.
لذلك يجب غسل الادمغة بأسرع وقت... لتصبح مستعدة لتلقي هذا النور... فتنقذ نفسك من موت الروح لا الجسد هذه المرة... ان تغسلها من الاهواء والشهوات التي قد تؤثرها على الحق... ان تغسلها من التقليد الاعمى للآباء... ان تغسلها من الاحكام المسبقة والشبهات... ان تغسلها من التكبر عن تقبل الحق...
فتعطرها بالتوكل على الله والطلب منه وحب الحق والسعي اليه والتفكر والدليل والبرهان واليقين الخ
ولله الحمد والمنة

ملاحظة: استخدمت تعبير غسل الادمغة لشيوعه بغض النظر عن المكان الحقيقي للعقل