عميلة جراحية...

وصلتني رسالة على جوالي تنبئني أن العملية ستبدأ بعد قليل... تركت كل ما في يدي... هرولت وقد كنت حريصا على ألا تفوتني أي لحظة!... لكأني أم تتشوف لرؤية مولودها الجديد... كيف لا وقد أسكنته أشهرا عديدة في ظلمات جوفها... أما أنا فقصتي أقصر منها وقد بدأت منذ أيام خلت... حينما عهد إلي أن أقوم بفحص دوري لمريضة قد ربطتني بها علاقة إنسانية... علاقة إنسانية لا بد وأن تبنى متى إلتقى إثنان وإن اختلفت هندستها بين إحترام أو خوف أو شفقة أو عداوة أو لين أو أو أو أو ... إلى أن جاء يومنا هذا... كنت في إجازة نوعا ما... ومع ذلك أصررت... لأني اليوم سأستبيح النظر إلى تلك العلبة... وجها لوجه... لم أكن للحقيقة أنوي التعلم في هذه اللحظة... القضية أكبر من ذلك بكثير... انها قضية حياة... أقف أمام سر من أسرار الوجود... ثم تريدني أن أتعلم؟!... أول سر تقف مشدوها أمامه هو النوم العميق... إنسان أمامك بكل أعضائه... بكل خلاياه... لم تنقص منه قطرة دم... ومع ذلك هو ليس أمامي... أين هو... لا تسألني... لا أدري!...البارحة كنت عنده!... يخاف من العملية... سئم من طول المكوث...مازحني... الآن أصبح كتلة لحم... تحت تأثير المخدر... لقد إختفى... وهو أمامك!... لا تصرخ، لا جدوى!... ثم تأتي إلى سلخ أعظم منه للإنسانية... وهو سلخ الجلد لفصله عن الجمجمة... أتدري؟... نحن نلبس جلدة رقيقا جدا... نلبسها كثيابنا... لا أكثر... لكننا في النهاية قطع من الحديد الأبيض... الجراح يسلخها وقلبي ينسلخ عجبا!... وصل إلى الناصية أو أعلى أو أدنى... ولو أنه نزل إلى الوجه لم تعد تعرف أيهما ذلك الإنسان الذي بنيت معه علاقة... هل الوجه الذي بيدك أو ذلك الوجه الخشبي المخيف الذي يوضع رمزا لمواد سامة أو للخطر أو يرفرف على راية القراصنة؟!... أيعقل اننا نختفي خلف قناع... هو الذي يضحك... يبكي... يسامح... يعاتب... يتوتر... يستحي بالأحمر... ويخاف بالأصفر... هل نحن مجرد هياكل تمشي على الأرض؟... الجواب يأتيك عندما تكسر العلبة... نعم... تكسرها... فتصل إلى قطعة من الدهن بيضاء... إن قلبتها ذات اليمين وذات الشمال فهي قطعة دهن... أين المعلومات؟... أين مستودع الأفكار؟... أين خزينة الذاكرة؟... وبنك الأحاسيس؟... أين أنت موجود؟... وها قد فضحنا أي كشفنا مكان وجودك!!!... لكننا لم نعثر عليك... أين اختفيت في نومك إذا؟... لو أراد الجراح أن يلعب لأمكنه أن يضغط في منطقة ما ليحرك رجلا أو يدا أو وهذا معروف... هذا الجراح!... لكن من أنت حتى تحرك ذلك... الجراح عنده أدوات... أنت إن اغلقنا عليك باب الجمجمة... ليس معك أداة... ومع ذلك تحرك رجلك ويدك!... من أنت؟... أين تسكن؟!... لماذا أنت موجود؟... من أوجدك؟؟... الآن لماذا لا تتألم.... من الذي يتألم أصلا؟؟!!... صحيح أن المريضة قد ذهبت إلى عالم آخر... لكني أيضا ذهبت إلى عالم آخر... ليس عالمها فلم التق بها هناك... لكنه عالم بالتأكيد أعظم بكثير من عالم المادة... ومن عالم الطب!

اختم بقولي: تبا للإلحاد