المتن: يكفرون بالله لوجود الشر في العالم .. ثمّ يعظمون العقل البشري!!

الشرح:أرجو الوقوف على محل الإلزام في موقف الملحد ومن شابهه، فالملحد يُلزِم المؤمن بانتقاص الخالق أو إنكاره جملةً بسبب وجود الشر في العالم ولا يلتزم هو نفسه بانتقاص العقل أو إنكاره بسبب وجود الشر في العالم..

فلا ننكر أن العقل يصدر عنه الخير والشر وفق مذهبهم، ولا ننكر أن التنافس في مذهبهم قد يدفع لسلوك مسالك الشر، إنما الذي ننكره عليهم موقفهم من تعظيم العقل البشري والاعتماد عليه وتسليم القياد لأحكامه دون تحفظ.. نريد أن نسمع لهم –بناءً على وقوع الشر من العقل البشري- تحجيمًا لدور العقل البشري، وريبة من قدرته على الحكم، وتشكيكًا في أحكامه، وافتراضًا أن أحكامه شريرة لا ينبغي أن تتبع، وأن تمييز هذه الأحكام الشريرة من غيرها لا يكون بالعقل البشري لأنه لا يسوغ أن يكون الخصم والحكم وإلا وقعنا في الدور الممتنع!

ولا ينفك إلزامهم بدعوى أن هناك شرورًا تقع وليست في يد الإنسان من الزلازل ونحوه، إذ يقول المؤمن بالخالق إن هناك شرورًا تقع بمعصية الإنسان لأوامر الرب الشرعية الذي جعل الدنيا دار تكليف.. وما الفرق بين مقدمةٍ مفادها "عظمة الخالق وحكمته" ينقضها الملحد بدعوى وجود الشر المطلق في العالم –وهو لا وجود له أصلًا ولا قدرة له على الحكم عليه من جهة فعل الخالق- بينما هو نفسه –ذاك الملحد- يؤمن بنتيجة مفادها "عظمة العقل البشري وحكمته" وهو يرى الشر المطلق يقع من ألمع عقول البشر في أمورٍ ليس أهونها تغيير نتائج البحث العلمي ولا أعظمها أسلحة الدمار الشامل!!

ولا ينفك إلزامهم بدعوى أن العقل البشري قد وقع منه الخير الذي يغمر هذا الشر، لأن المؤمن يقول لهم إن الخالق معظم خلقه خير –بحسب قولهم هم- والشر مغمور في هذا الخير، كما يقول الملحد الأشهر دوكنز "نحن نعيش على كوكبٍ ملائم تمامًا لحياتنا، ليس شديد الحرارة ولا شديد البرودة، يستدفئ بآشعة الشمس اللطيفة، وترويه المياه بلطف، وتتعاقب عليه مواسم الحصاد الخضراء والذهبية .. نعم –وللأسف- توجد الصحاري ومواطن الذل، ويوجد الجوع والبؤس المدقع، ولكن ألق نظرة على المنافسة .. بالمقارنة بغالبية الكواكب فإنّ هذه الأرض تُعد جنّة، وأجزاء الأرض هي جنّة بأيّ مقياس.. ما هي احتمالات أن كوكبًا التُقط عشوائيًّأ تتوفر فيه كل هذه الخصائص اللطيفة؟! حتى أفضل الحسابات تفاؤلًا كانت لتجعل النسبة أقل من واحد في المليون!"

ولا ينفك إلزامهم بدعوى أن العقل لا يحمل المسؤولية الأخلاقية لأنه محكومٌ بغريزته إلا بقدر ما يضر بني جنسه، لأن المؤمن بالخالق يلزمهم باطراد قولهم فيكون العقل لا يتعلق به فضيلة أخلاقية لأنه محكوم بغريزته مستفيد من فائدة بني جنسه كما في تفسير نظرية التطور للإيثار altruism، فكما لا يُذم بالشر، فكذا لا يمدح بالخير، ولا يجوز لهم تعظيمه، فلم ينفك الإلزام بل زاد، إذ ألزموا أنفسهم أنّ شأن العقل ليس إلا شأنًا من شؤون المادة تحكمه قوانينها كما هو مذهب قومٍ من الملحدين، وبالتالي فأحكامه نفسها على الخير والشر صارت محل تشكيك، بل قدرته على الحكم نفسها صارت محل نظر!

وهكذا .. لا يأتون بقولٍ إلا خذلهم في رفع الإلزام أو زاده قوة!