صفحة 3 من 9 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 45 من 124

الموضوع: كي لا تنخدع بالإلحاد ( متجدد )

  1. #31
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    مفهوم الداروينية الاجتماعية

    الداروينية الاجتماعية كلمة منسوبة إلى اسم تشارلز داروين (1731 ـ 1820) . وهي فلسفة علمانية شاملة، واحدية عقلانية مادية كمونية تنكر أية مرجعية غير مادية، وتستبعد الخالق من المنظومة المعرفية والأخلاقية وتَرُد العالم بأسره إلى مبدأ مادي واحد كامن في المادة وتدور في نطاق الصورة المجازية العضوية والآلية للكون.


    والآلية الكبرى للحركة في الداروينية هي الصراع والتَقدُّم اللانهائي وهو صفة من صفات الوجود الإنساني. وقد حققت الداروينية الاجتماعية ذيوعاً في أواخر القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي تَعثَّر فيها التحديث في شرق أوربا، وبدأ فيها بعض يهود اليديشية في تبنِّي الحل الصهيوني للمسألة اليهودية، كما بدأ التشكيل الإمبريالي الغربي يتسع ليقتسم العالم بأسره. ويمكن القول بأن الداروينية هي النموذج المعرفي الكامن وراء معظم الفلسفات العلمانية الشاملة، إن لم يكن كلها.

    ويرى دعاة الداروينية الاجتماعية أن القوانين التي تسري على عالم الطبيعة والغابة هي نفسها التي تسري على الظواهر الإنسانية، التاريخية والاجتماعية. وهم يذهبون إلى أن تشارلز داروين قد وصف هذه القوانين في كتابيه الكبيرين: حول أصل الأنواع من خلال الانتخاب الطبيعي وبقاء الأجناس الملائمة في عملية الصراع من أجل الحياة. وقد ذهب داروين إلى أن الكون بأسره سلسلة متواصلة في حالة حركة من أسفل إلى أعلى وأن الإنسان إن هو إلا إحدى هذه الحلقات، قد يكون أرقاها ولكنه ليس آخرها. ويرى داروين أن تَقدُّم الأنواع البيولوجية الحية يعتمد على الصراع من أجل البقاء الذي ينتصر فيه الأصلح .
    الطبيعة محايدة

    من المعلوم أن الطبيعة محايدة لا تعرف الخير أو الشر أو القبح أو الجمال ،والطبيعة محايدة لا تعرف ما هو أخلاقي و ما هو غير أخلاقي ، والإنسان لا يمكن أن يكون محايدا بالنسبة للأخلاق ولذلك فهو إما أن يكون صادقا في أخلاقه أو كاذبا، أو مازجا بين الصدق والكذب، وهي حالة أكثر شيوعا بين البشر , فكيف تكون الطبيعة المحايدة مصدرا لشيء غير محايد ؟! والإنسان عنده وعي أخلاقي و الطبيعة ليس عندها وعي أخلاقي و الملحد إذ اعتبر نفسه مادة فهذا يستلزم ألا توجد أخلاق عنده ؛ لأن المادة لا أخلاق عندها ،و كيف تكون الأخلاق في الإنسان مستمدة مما لا خلق عنده ؟!! وحسبُ التناقض دليلاً على إسقاط أيّ مذهب .


    الطبيعة حتمية

    الطبيعة عند الماديين خاضعة لقوانين آلية ثابتة ومنتظمة وصارمة و مطردة ولا إرادة فيها و لا اختيار وما يميِّز فعل الإنسان الأخلاقي عن أيِّ فعل آخر هو المصدر الدافع إليه ؛ إذ يصدر الفعل الأخلاقي من داخل النفس البشرية من المبادئ والقيم والمُثُل المغروسة فيها دون قسر أو إكراه خارجي عليه فالإنسان يتمتع بالإرادة ،وحرية الاختيار فيمكن أن يفعل الشيء بإرادته واختياره ويمكن ألا يفعل الشيء بإرادته مثلا : يمكن أن يصدق بإرادته واختياره ويمكن ألا يصدق ،ويمكن أن يفي بعهد من العهود بإرادته واختياره و يمكن ألا يفي ،ويمكن أن يرفق بالإنسان والحيوان بإرادته واختياره و يمكن ألا يرفق ،ويمكن أن يحترم غيره بإرادته واختياره ،ويمكن ألا يحترم ،فكيف تكون الطبيعة التي لا إرادة فيها ولا اختيار مصدرا لأخلاق الإنسان التي يتحلى بها عن إرادة واختيار وفاقد الشيء لا يعطيه ؟!!

    وكيف تكون الطبيعة حتمية و الإنسان لا تجوز عليه الحتمية ثم يقال أخلاق الإنسان صادرة من الطبيعة ،و الناس ليسوا كرات بليارد تتحرك بحتمية قوانين الطبيعة ؛ ولكنها مجموعة إرادات حرة تدخل في علاقات متعددة يستحيل فيها التنبؤ القائم على قوانين مادية ؟!!

    و إذا كان الإنسان يسرى عليه ما يسرى على الطبيعة وهو من الطبيعة و ابن الطبيعة فكيف يتمرد عليها من أين له حرية الإرادة و القدرة على التمرد على الطبيعة ؟

    والحتمية إنما تنطبق على ما هو من الكون مجبور لا اختيار له، فهي لا تنطبق على سلوك الحيوان الذي عنده هامش من الإرادة فضلا عن الإنسان الذي يمتلك حرية الإرادة والاختيار .






    الطبيعة مادية

    إذا كانت الطبيعة هي المادة ،والمادة هي الطبيعة والمادة تدرك بالحواس ،و الأخلاق صفات معنوية ،وليست صفات حسية تدرك بالحواس فلا أحد يرى أو يسمع أو يشم أو يتذوق أو يلمس أي خُلق من الأخلاق الحميدة كالشجاعة و الكرم و أداء الأمانة والاحترام والتوقير، والاعتدال والتوسط، والإخاء ، والإصلاح بين الناس، والإيثار، والإخلاص، والاستقامة، ، والحياء، والرحمة، والرفق ، والبر، والشكر، والصدق، والعدل، والعفة وغير ذلك.

    ولا أحد يرى أو يسمع أو يشم أو يتذوق أو يلمس أي خُلق من الأخلاق السيئة كالكبر، والاعتداء، والإفساد، والإسراف ، والتشاؤم ، والمن، والبخل، والبغي، والبغض، والبهتان، والتبذير، والجبن، والتجسس، والتواكل، والحسد، والخيانة، والرياء، والشماتة و السباب، والسخرية، وسوء الظن، والطمع، والظلم،والعجب، والغدر، ونقض العهود، والعنف، والغضب، والغيبة، والنميمة، والغيرة، والغش، والغرور، والجفاء، والتعيير، والفجور، والكذب، وقول الزور، ، والكبر وغير ذلك ،وعليه كيف تكون الطبيعة أو المادة مصدرا لشيء غير مادي ،ومن المعلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه ؟!!!

    أخبرونا أيها الملاحدة : من أي مادة جاءت الرحمة ؟
    ومن أي مادة جاء العدل ؟
    ومن أي مادة جاء الكرم ؟
    ومن أي مادة جاء الإيثار ؟
    ومن أي مادة جاء الصدق ؟
    ومن أي مادة جاءت الشجاعة ؟

    وفي إطار المرجعية المادية يصير كل شيء مباحاً ونسبياً فعلى أي أساس مادي يمكن أن نحكم على سلوك الإنسان أنه سلوك حميد أو سلوك مذموم ؟!
    وفي إطار المرجعية المادية كيف نحب الصدق و نكره الكذب ؟!،و كيف نحب العدل ونكره الظلم ؟!! وكيف نحب الكرم و نكره البخل ؟!! وكيف نحب الشجاعة و نكره الجبن ؟!! و كيف نحب الأمانة و نكره الخيانة ؟

    و في إطار المرجعية المادية كيف يكون عندنا إدراك للأخلاق الحسنة و إدراك للأخلاق السيئة من الطبيعة التي ليس لديها إدراك ؟!!

    وإذا كنا في إطار المرجعية المادية نعجز عن تفسير الأخلاق فإننا نعجز أشد العجز عند تفسير خلق كالإيثار و التضحية ،و لا يوجد أي تفسير مادي يجعل المادة تؤثر مادة على نفسها ،ولا يوجد أي تفسير مادي يجعل المادة ترفض ما هو أصلح لها كمادة وتقبل التضحية من أجل مادة غيرها .

    والأخلاق تضع الملحد في مأزق فليس أمامه إلا خيارين إما أن يؤمن بوجودها و بذلك يؤمن بوجود مصدر غير مادي تسبب في نشأتها ،وإما ألا يعترف بوجودها وبذلك يصبح كائن غير أخلاقي مثله مثل الجماد .
    الطبيعة تتميز بالوحدة و السببية

    الطبيعة عند الماديين تتسم بالوحدة فهي نظام واحد صارم ، وفعلها متشابه لأنها واحدة في نفسها لا تفعل بإرادة ولا مشيئة فلا يمكن اختلاف أفعالها، ولا يوجد شيء متجاوز لها أو دونها أو وراءها ، و الطبيعة أيضا سببية فلكل ظاهرة سبب، وكل سبب يؤدي إلى نفس النتيجة في كل زمان ومكان مثلا الماء يغلي في كل الأماكن عند 100 درجة مئوية والتفاحة تسقط على الأرض ولن ترتفع إلى السماء في كل مكان ، ولا تكترث الطبيعة عندهم بالخصوصية ولا التفرد .

    والإنسان يتميَّز كل فرد فيه بخصوصيات لا يمكن محوها أو تجاهلها، فالأفراد ليسوا نسخاً متطابقة يمكن صبها في قوالب جاهزة وإخضاعها جميعاً للقوالب التفسيرية نفسها ،و من المشاهد و الملاحظ تباين طباع الناس وأخلاقهم ، فلو كانت الطبيعة مصدر الأخلاق فمن أين لها هذا الاختلاف ؟ وكيف تختلف أفعالها ؟! و لو كانت الطبيعة مصدر الأخلاق لكان الخلق متساوين في الأخلاق غير متفاوتين .

    و الإنسان حر في اختياره قادر على اتخاذ قرارات أخلاقية وعلى تحمُّل المسئولية ومقاييس مثل الحرية والقدرة على الاختيار مقاييس تستند إلى الإيمان بوجود شيء ما غير مادي، شيء متجاوز المادة شيء متجاوز الطبيعة .

    القول بأن مصدر الأخلاق هو الطبيعة يلغي إرادة الإنسان ومسئوليته تجاه أفعاله

    القول بأن مصدر الأخلاق هو الطبيعة يلغي إرادة الإنسان ؛ لأن الطبيعة تتسم بالحتمية فلا معنى لحرية الإرادة و الاختيار بل يصبح الإنسان كالريشة في مهب الريح، لا تملك لنفسها تصريفاً ولا توجيهاً ،و الحرية ترتبط دائما بالمسئولية، فإن لم يكن الشخص حر الإرادة، فلا مسئولية عليه وبذلك يصبح القول بأن مصدر الأخلاق هو الطبيعة ملغيا لالتزام الأفراد ومسئولياتهم و إرادتهم و يهدم المسئولية الأخلاقية من أساسها ، و لا تستقيم أمور الدنيا علي ذلك ؛ لأن الإنسان لابد أن يحاسب بعمله، ويحاسب على تصرفاته والقول إذا كان يلزم منه اللازم الباطل فهو قول فاسد لا اعتبار له .

    و هل يمكن أنْ نكلّف شخصاً بأيّ تكليف، ونحمّله مسؤولية ذلك إذا لم يكن له الخيار فيما يفعل؟ وكيف نمدح الناجح في عمله و نذم الفاشل إذا لم يكن له الخيار فيما يفعل ؟

    و في عالم الحتمية لا معنى للخير و الشر ،ولا معنى للثواب والعقاب ولا معنى للمدح و الذم ،ويصبح الحديث عن القيم الأخلاقية العليا لغوا لا معنى له إذ كل شيء يجري وفق قوانين ثابتة لا يمكن أن يحيد عنها .


    و في عالم الحتمية المحسن لا يكون مختاراً عندما يحسن، ولا المسيء يكون مختاراً عندما يسيء .
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  2. #32
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    القول بأن مصدر الأخلاق هو الطبيعة يلغي دور الإنسان في التاريخ و الحضارة

    إذا كان الإنسان يخضع لحتميات الطبيعة فلا إرادة عنده و لا عزيمة و لا اختيار و لا رغبة في التغيير و لا إرادة للتغيير مثله مثل أي كائن آخر في الطبيعة .

    وأحد دعائم التاريخ و الحضارة العنصر البشري الذي مهمته التغيير و البناء و الابتكار و الإبداع و هذا يحتاج إرادة ذاتية وعزيمة داخلية تنبعث في نفس الإنسان تحثّه على التغيير و البناء و الابتكار و الإبداع ،ومن خلال العقل المدرك الذي وهبه الله للإنسان و العزيمة الداخلية و الإرادة الذاتية و الطاقات التي زوده بها يستطيع الإنسان أن يصنع تاريخه و حضارته على هذه الأرض .

    و الواقع العملي أثبت الدور الإيجابي للإنسان في صنع التاريخ والحضارة لكن الماديين يريدون سلب هذا الدور من الإنسان و بذلك يلغون مصدر أصيل في إنشاء التاريخ إذ الحتمية تفترض أنه لا إرادة للإنسان ،وكأن الإنسان يشاهد حركة التاريخ و يرى ما يحدث له وللمجتمع دون أن يشارك فيه وهذا مخالف للواقع .





    التفسير الدارويني لنشأة الأخلاق

    فسر كثير من الملاحدة نشأة الأخلاق بالتطور الدارويني الذي آليته الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح فكل كائن حي يسعى من أجل بقائه، و ينتهي هذا السعي إلى التنازع من أجل البقاء، وهذا التنازع ينتهي إلى الانتخاب الطبيعي، وانتخاب الأصلح و عليه فأخلاق البشر تطورت تطورًا تدريجيًّا ثم استقرت تبعا لما يحقق للإنسان المصلحة والتفوق والانتخاب الطبيعيّ هو صاحب الكلمة الأخيرة في تقرير سلوك الإنسان ،و قد أنتج هذا الانتخاب عند الكائن البشريّ نوع من القاعدة الأخلاقيّة الكونيّة فالأخلاق ما هي تكيف بيولوجي تطوري لتنظيم عملية التكاثر الذي يخدم بقائنا والعملية البيولوجية هي معيار الأخلاقيات، وكل شيء يدعمها فهو خير، وكل شيء يعارضها فهو شر .

    و زعم الدارونيين أن كل كائن حي يسعى من أجل بقائه، و ينتهي هذا السعي إلى التنازع من أجل البقاء، وهذا التنازع ينتهي إلى الانتخاب الطبيعي، وانتخاب الأصلح زعم باطل ورجم بالغيب فمن المشاهد و الملاحظ وجود تعاون بين الأنواع أكبر من التنازع، وهناك تلاقي و تعاون و تكامل بين الكائنات أقوى من الصراع ،وهذا الالتقاء والتعاون والتكامل هو دافعها إلى الحركة والقوة والنماء.

    و قد شهد التاريخ ببطلان نظرية التنازع من أجل البقاء والبقاء للأصلح والأقوى فإذا نظرنا إلى تاريخ البشر نجد خلاف هذه النظرية فها هم أهل الكتاب يهود و نصارى عاشوا ضعاف في الدولة الإسلامية 12 قرنا ، ومازالوا باقين ،و هاهم المسلمون كانوا هم حاكمي البلاد و بالتالي هم الأقوياء و مع ذلك بقي أهل الكتاب في حكمهم و هاهم المسلمون كانوا في بداية الدعوة ضعفاء ثم قويت شوكتهم ،و هاهم النصارى كانوا ضعفاء في الدولة الرومانية ثم قويت شوكتهم ،و هاهم اليهود كانوا في بداية دعوة موسى عليه السلام ضعفاء ثم قويت شوكتهم .

    و من المعلوم بالحس و المشاهدة أن أي دولة من الدول تجد فيها الضعيف و القوي و مع ذلك لم ينقرض الضعفاء و مازال الأقوياء موجودين .

    و بالنسبة للحيوانات و الطيور و الأسماك و النباتات فليس هناك تنازع من أجل البقاء و لا بقاء للأقوى و الأصلح بل بقاء الحيوانات و الطيور و الأسماك و النباتات يرجع لعدم وجود عوامل الانقراض و التي من أهمها :
    القطع الجائر للنباتات .
    الصيد الجائر للحيوانات والطيور و الأسماك .
    تعديل البيئة فتعديل البيئة يؤدي إلى إبادة كثير من الأنواع النباتية والحيوانية و العديد من الطيور .
    تلوث البيئة ،وقد أهلكت الملوثات المائية من زيت البترول و العناصر الثقيلة و المبيدات العديدة من الطيور المائية و الأحياء البحرية الدقيقة و الأسماك التي تتغذى عليها .

    و ترجع عوامل البقاء إلى توافر مقومات الحياة ،و عدم وجود عوامل الانقراض ،و لو كان البقاء للأقوى لما انقرضت الديناصورات و بقيت الحشرات .

    ومن المعروف أن الكثير من الكائنات الحية لا تستطيع إنتاج غذائها بنفسها فتتغذى على غيرها ،وغيرها يتغذى عليها و هذا من التكامل بين الكائنات مثلا يأكل الأرنب الأعشاب و تأكل البومة الأرنب و تموت البومة فيأكلها الضبع و يموت الضبع فتتغذى عليه الكائنات المحللة أو قمح يأكله فأر و الفأر يأكله ثعبان و الثعبان يأكله نسر و النسر يموت فتتغذى عليه الكائنات المحللة و هكذا .

    و الذكر القوي إذا تزوج بأنثى قوية لا يستلزم ذلك إنجاب ولد قوي فقد ينجبا ولدا ضعيفا حسب قوانيين الوراثة و كم رأينا من رجل جميل يتزوج بامرأة جميلة و ينجبا طفلا غير جميل و رأينا العكس أيضا .

    و عقليا ومنطقيا البقاء عن طريق التعاون بين الإنسان والحيوان والنبات أكبر وأوسع من البقاء عن طريق التنازع .

    و تفسير نشأة الأخلاق بالتطور الدارويني الذي آليته الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح تفسير لا يفرز إلا الوحشية والدناءة ، فالتطور الدارويني لا يُنتج إلا أمثال هتلر، والمجتمع الدارويني لا يكون إلا مجتمعاً فاشيا ينتشر فيه التعصب العنصري والتصفية العرقية .

    و قد كان الفكر التطوري الدارويني سببا في نشأة اثنين من أسوأ النظم الاجتماعية والسياسية الشيوعية في الاتحاد السوفيتي ،والنازية في ألمانيا ،وقد طبق الفكر السياسي الاستعماري هذه النظرية على الشعوب المستعمرة وجعلوا منها مبرراً لسيطرة المستعمرين .

    و دارون يعتبر الأخلاق من نتائج الانتخاب الطبيعي في المجال السلوكي مثلها مثل أي صفات بيولوجية أخرى مثل منقار الطائر هل يوصف منقار الطائر بأنه خير أو شر ؟ إنه فقط مفيد للقيام بوظائفه لهذا الطائر بالتحديد تحت هذه الظروف في هذه الفترة من الزمن لذلك فاستخدمنا لاصطلاح جيد أو سيء يكون من منطق الفائدة المادية ،وليس القيمة الأخلاقية أي ليس هناك أخلاق فاضلة و أخرى شريرة ، ولكن هناك سلوكيات و مفاهيم تعين بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع من أجل البقاء .

    و إذا كان الانتخاب الطبيعي مبني على تحقيق المنفعة الفردية حيث كلُّ فرد لا يهمه إلا نفسه في صراعه مع الآخرين من أجل البقاء، فهذا التفسير يلغي الأخلاق إذ من قوام الفضائل الأخلاقية التضحية و الإيثار و التعاطف مع الآخرين وفي التضحية يبذل الشخص النَّفس أو الوقت أو المال لأجل الآخرين دون مقابل منهم ، وفي الإيثار يقدم الإنسان حاجة الآخرين على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه و في التعاطف يضع الشخص نفسه محل الآخر ويتبنى مشاعره وأحاسيسه وآلامه ،وكل هذه السلوك الأخلاقية من منطلق مادي لا تخدم البقاء و ليس فيها تحقيق منفعة للفرد بل تحقق منفعة لغيره ولذلك هذه السلوك الأخلاقية تضع الانتخاب الطبيعي في مأزق .

    والانتخاب الطبيعي يعجز عن تفسير وجود أخلاق حميدة تمارسها الكائنات تجاه كائنات من أنواع أخرى كالرفق بالحيوان و الشفقة على الحيوان فهذه السلوك الأخلاقية لا تخدم البقاء و ليس فيها تحقيق منفعة مادية للفرد .

    و إذا كانت نشأة الأخلاق تفسر بالتطور الدارويني و الانتخاب الطبيعي فما المصلحة من وجود الأخلاق السيئة كالكذب و الغش و الغدر و الخيانة و القتل فهل مثل هذه الأخلاق تخدم البقاء أم تساعد على الفناء ؟!! والإنسان يقوى بإخوانه فهل قتل الناس بعضهم بعضا يخدم البقاء أم يساعد على الفناء ؟

    و إذا كانت الأخلاق نشأة بآلية الصراع من أجل البقاء و البقاء للأصلح فلماذا يوجد الخلق و ضده فإما الخلق الحسن هو الذي يخدم البقاء فيصطفيه الانتخاب الطبيعي أو الخلق المذموم هو الذي يخدم البقاء فيصطفيه الانتخاب الطبيعي .

    وحسب الانتخاب الطبيعي فأي شيء يحافظ على بقاء صور الحياة الأكثر تعقيداً والأفضل تكاملاً يوصف بالخير ، وما يعوق التطور الدارويني يعتبر شراً ولو تركنا قانون الغاب يعمل عمله بأن يبقى الأصلح وحده ، فإن سلوكنا عندئذ يكون صواباً لأن الاتجاه الرئيسي للتطور الدارويني يكون قد حقق الهدف منه ، ولكن لو تدخلنا في مسار التطور الدارويني بمعاونة الأضعف على البقاء ، فإن سلوكنا عندئذ يكون من الناحية الأخلاقية خاطئاً .

    و في عالم دارون تصبح الدعوى إلى حماية الضعفاء والمرضى والمعاقين و الإشفاق عليهم والعناية بهم دعوى ضد الطبيعة ضد الانتخاب الطبيعي و البقاء للأصلح .

    و في عالم دارون تصبح الدعوى إلى الإنفاق على الفقراء واليتامى والمساكين دعوى ضد الطبيعة ضد الانتخاب الطبيعي و البقاء للأصلح .
    و في عالم دارون تصبح الدعوى إلى تحريم الزنا و زواج المحارم دعوى ضد الطبيعة و ضد الانتخاب الطبيعي .

    و إنسان دارون إنسان الغاب لا مانع عنده أن تخونه زوجته أو يزني بمحارمه .

    و الإنسان يمكن أن نسميه كائناً أخلاقياً بينما لا نسمى الحيوان كائناً أخلاقياً ، إذ لا معنى للحديث عن قيم خلقية وسلوك خلقي ومسئولية و جزاء في عالم الحيوانات فالأخلاق مرتبطة بالاختيار ، ويقوم الاختيار على الوعي بمبادئ وقواعد يتصرف الإنسان وفقاً لها ، ولا ترتبط هذه القواعد والمبادئ بالغريــزة والحاجة القريبة دائماً ، لكن سلوك الحيوان محدود بحاجاته القريبة فقط .

    إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم سواء في تحقيق حاجاته الطبيعية أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى، فالآداب زينة الإنسان من حيث الجنس والأكل والشرب والنظافة، وتذوق السلوك الجميل وتمييزه عن السلوك القبيح، والبحث عن أفضل العلاقات وأحسنها في المعاشرة والمحادثة والتعاون والتآلف وتبادل المحبة والإكرام والإحسان والتراحم والتعاطف وغيرها ولهذا فالآداب الأخلاقية زينة الإنسان وحليته الجميلة، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالا وبهاء، وقيمة إنسانية .

    وإذا كانت الأخلاق التي يتحلى بها الجنس البشري يتحلى بها عن وعي كامل و قدرة على الاختيار ، ولا نجد في غيره من الكائنات مثل ذلك فلماذا حصل هذا التطور عند النوع الإنساني دون غيره ؟ أي إذا كان الإنسان على زعمهم يمثل امتدادا طبيعيا لمن سبقه في سلم التطور البيولوجي فلماذا خضع الإنسان للتطور في الأخلاق دون غيره ؟.

    و الزعم بأن أخلاق البشر تطورت تطورًا تدريجيًّا يحتاج إلى دراسة تاريخية متعمقة تشمل الإنسان الأول إلى أن تصل للإنسان المعاصر ، وتسير الدراسة مع الإنسان سيراً متأنياً لتكشف عن سلوكه و أخلاقه خلال الظروف والأحوال التي تحيط به .

    و لابد للدراسة أن تبين هل كانت هناك مؤثرات خارجية غيرت من سلوك الإنسان الأخلاقي أم لا ؟ والإنسان يتميَّز كل فرد فيه بخصوصيات لا يمكن محوها أو تجاهلها، فالأفراد ليسوا نسخاً متطابقة يمكن صبها في قوالب جاهزة وإخضاعها جميعاً للقوالب التفسيرية نفسها .

    و يصعب إخضاع السلوك الإنساني الأخلاقي للتجربة ،والتأكد من صحة الفروض شرط أساسي من شروط المنهج العلمي فإن التجربة تقتضي قدرة الباحث على التحديد والضبط و التحكم في السلوك الإنساني الأخلاقي محل البحث وضبط كل المتغيرات المؤثرة فيه ،و لخصوصية السلوك الإنساني فهو أمر يصعب ضبطه ويستحيل أن يطلب الباحث من الإنسان تكرار السلوك الإنساني بهدف إجراء التجربة .
    و لا يخضع الإنسان لمبدأ الحتمية التي تخضع لها الظواهر الطبيعية بل يخضع للأهواء و الميولات و التقلبات وهذه الأمور و غيرها تجعل القول بأن أخلاق البشر تطورت تطورًا تدريجيًّا تحكم علمي ومجازفة ورجم بالغيب .

    و الزعم بأن الأخلاق تكيف بيولوجي تطوري لتنظيم عملية التكاثر الذي يخدم بقائنا يجعل الأخلاق نسبية غير مطلقة وتختفي مع النسبية أي معايير أخلاقية ، وبالتالي تلغى الأخلاق فقد يكون السلوك الأخلاقي محرماً عند شخص ولكنه محلل ‏عند شخص آخر ، وقد يكون السلوك محمودا عند شخص ولكنه مذموم عند شخص آخر ،وقد يكون الفعل من قبيل الرحمة عند شخص ،وعند شخص آخر من قبيل القسوة ،وهذا الكلام مخالف للواقع والتاريخ .

    والخير خير عند الصالح والطالح والشر شر عند الصالح والطالح و هناك سلوكيات مستهجنة عند جميع المجتمعات كالسرقة و الكذب و الغدر و الخيانة و البخل وهناك سلوكيات مستحسنة عند جميع المجتمعات كالصدق و العدل والأمانة و الوفاء والكرم .

    و ثبات الأخلاق يبعث الطمأنينة و السعادة في حياة الفرد، و المجتمع ،و لا تتأتى السعادة والأمن والاستقرار إذا لم يكن هناك أخلاق يمارسها الفرد ويتوقعها من الآخرين حوله .

    و في عالم دارون عالم الغاب لا يأمنُ الناسُ على أنفسهِم ولا أموالهِم ولا أعراضهِم، وكفى بذلك سبباً في عدمِ الأمنِ والاستقرارِ، وانتشارِ الخوف، واضطراب حياةِ الناس .
    و الزعم بأن الأخلاق تكيف بيولوجي تطوري يلغي التزام الأفراد ومسئولياتهم و إرادتهم و يهدم المسئولية الأخلاقية من أساسها فلا معنى للخير و الشر ،ولا معنى للثواب والعقاب ولا معنى للمدح و الذم .

    و في الختام أهمس في أذن كل ملحد قائلا إذا كانت الأخلاق قد نشأت عن طريق التطور الدارويني و تنازع البقاء و انتخاب الأصلح – على حد زعمك - فمن الذي يصطفي هذا الخلق دون غيره ؟!!

    والانتخاب الطبيعي ما هو إلا وصف لظاهرة ،وليس هو سبب الظاهرة فمن الذي ينتخب و يصطفي ويختار هل هو الطبيعة أم الانتخاب نفسه أم شيء غير الطبيعة و الانتخاب ؟!! إن قلت الطبيعة فهذا خطأ ؛ لأن الطبيعة لا إرادة لها ولا اختيار ،وإن قلت الانتخاب نفسه فهذا خطأ ؛ لأن الانتخاب حدث و الحدث لابد له من محدِث فيتعين أن هناك شيء غير الطبيعة هو الذي يصطفي و يختار فأنت من هذا المنطلق تثبت شيء غير الطبيعة و المادة ،وهذا يخالف ويناقض اعتقادك .

    و إني أسأل كل من يدعي أن الطبيعة مصدر الأخلاق : كيف عرفت أن الطبيعة هي مصدر أخلاقك ؟ هل أعلمتك ذلك أم رأيتها تعطيك الأخلاق أم ماذا ؟

    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


    مراجع المقال :
    التعريفات للجرجاني
    الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان للدكتور عبد الوهاب المسيري
    خرافة الإلحاد للدكتور عمرو شريف
    علم النفس الإسلامي العام والتربوي للدكتور محمد رشاد خليل
    علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن
    موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز
    موسوعة الفلسفة للدكتور عبد الرحمن بدوي
    موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  3. #33
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    تحميل الملحد ودعواه أن الأخلاق مصدرها الطبيعة من هنا أو هنا
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  4. #34
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الملحد ودعواه نسبية الأخلاق


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    وفي هذا المقال سنتناول بإذن الله دعوى يرددها الكثير من الملاحدة واللادينين ألا وهي نسبية الأخلاق و حسب كلامهم أن الأخلاق أمور اعتبارية نسبية لا ثبات لها فهي تختلف من شعب إلى شعب، ومن أمة إلى أمة، ومن زمان إلى زمان... فبعض الأمور تعتبر منافية لمكارم الأخلاق عند شعب من الشعوب أو أمة من الأمم في حين أنها غير منافية لمكارم الأخلاق عند شعب آخر أو أمة أخرى، وبعض الأمور كانت في زمان مضى أموراً منافية لمكارم الأخلاق، ثم صارت بعد ذلك أموراً غير منافية لها؛ وهذا يدل على أن الأخلاق مفاهيم اعتبارية تتواضع عليها الأمم والشعوب، وليس لها ثبات في حقيقتها، وليس لمقاييسها ثبات.

    و يقول بعض الملاحدة واللادينين : من المستحيل أن تعمم على جميع البشر .. نعم قد يتفق مجموعة من الأشخاص على مفاهيم أخلاقية معينة ولكن هذا لا يعني أن التعميم في الأخلاق مستساغ من قبل جميع الناس ؛ لأنه بكل بساطة عادات الناس وطبائعهم مختلفة بعضها عن بعض... فماذا نقول عن بعض المجتمعات التي من عادتها في استقبال الضيوف جلوس الضيف على حضن المستضيف كنوع من التكريم أو التعبير عن المحبة ونجد أن هناك عادات غربية قد يستهجنها الشرقيين وهذا أمر طبيعي ونستطيع أن نطلق إذا صفة النسبية على الأخلاق.

    ويقول بعضهم : كل الأخلاق أخلاق نسبية قد تكون صحيحة هنا و خطأ هناك .

    و يقول بعضهم : الأخلاق مبنية على المنفعة ،ومنفعة الإنسان هي بالطبع السعادة أو البعد عن الألم علي أقل تقدير. و لهذه السعادة متطلبات تختلف من مجتمع لأخر بناءا علي اختلاف الاحتياجات و الخبرات و الثقافات و بالتالي تصبح الأخلاق علي إطلاقها نسبية و لكن بدور في غاية الأهمية ؛ لأنها تضع القوانين التي يستطيع أفراد المجتمع أن يحققوا بها سعادتهم من خلال البناء الاجتماعي و بدون القلق من تعرض أمانهم للاعتداء من الآخرين ... و من هنا تتطور الأخلاق, فكل ما يهدم هذا البناء الاجتماعي و يجعل الفرد في حالة انعدام للأمان هو لا أخلاقي ؛ لأنه يعود بالإنسان ( و لو في لحظة) لحالة العشوائية و قانون الغاب الذي هجره الإنسان ليصل إلي ما هو أفضل منذ أزمان بعيدة .
    ويقول بعضهم: لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن المرغوب فيه يختلف تبعا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة .

    ويقول بعضهم: المبادئ الأخلاقية نسبية ومتغيرة ومتطورة؛ لأنها ترتبط بعجلة التطور الاجتماعي، وتخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والدينية والثقافية والتاريخية، وهذه كلها متطورة ومتغيرة من عصر إلى عصر، وعليه تتطور الأخلاق بتطور هذه المؤثرات.

    ويقول بعضهم: إن الخير والشر والمرغوب فيه أو غير مرغوب فيه هو ما تقرر الثقافة (والثقافة وحدها هي الحكم) أنه كذلك، فالحرب، والأخذ بالثأر، وقتل أسرى الحرب، واحتكار الأقلية لأرض، والديكتاتورية، كل هذه أمور تكون مرغوبا فيها وذات قيمة إذا قررت الثقافة ذلك، فالقيم إذن نسبية إلى طبيعة الإنسان، كما تتضح هذه الطبيعة في فعله وتفاعله الاجتماعي والثقافي .

    وقبل الرد على هذه الدعاوي لابد من بيان مفهوم الأخلاق ،ومفهوم النسبية الأخلاقية .
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  5. #35
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    مفهوم الأخلاق

    الأخلاق مفرد كلمة خلق ،و الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه .

    والذي يفصلُ الأخلاق وُيميِّزُهَا عن غيرها هي الآثار القَابلة للمدح أو الذَّم، وبذلك يتميز الخُلُق الحسن عن الغريزة فالأكل مثلا غريزة، والإنسان عند الجوع يأكلُ بدافع الغريزة وليس مما يمدح به أو يذم. لكن لو أنَّ إنسانَا أكلَ زائدًا عن حاجته الغريزية، صارَ فعله مذمومًا، لأنه أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الطمع، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود، وهو القناعة. كذلك فإن مسألة حبّ البقاء ليست محلًا للمدح أو الذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الخوف الزائد عن حاجات هذه الغريزة أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الجبن، أما الإقدامُ الذي لا يصلُ إلى حد التهور، فهو أثر لخلق في النفس محمود، وهو الشجاعة .

    وهكذا سائرُ الغرائزِ والدوافع النفسية التي لا تدخلُ في باب الأخلاق، إنَّما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورًا طبيعية ليست مما تُحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم .


    و الخُلُق منه ما هو طبيعي أي فطري يولد الإنسان مجبولا عليه كالحلم والتؤدة والحياء ، ومنه ما هو مكتسب ينشأ من التعود والتدرب والبيئة كالشجاعة والكرم .























    مفهوم نسبية الأخلاق

    نسبية الأخلاق تعني أن الأخلاق تتغير بتغير الزمان والمكان و الثقافة و الأشخاص والمجتمع فلا توجد أخلاق مطلقة، وعليه ليس هناك صواب وخطأ أخلاقي فقد يكون السلوك الأخلاقي محرماً عند شخص ولكنه محلل ‏عند شخص آخر ، وقد يكون السلوك محمودا عند شخص ولكنه مذموم عند شخص آخر ،وقد يكون الفعل من قبيل الرحمة عند شخص ،وعند شخص آخر من قبيل القسوة ،وقد يكون السلوك محمودا في مجتمع ولكنه مذموم في مجتمع آخر .











    مخالفة القول بنسبية الأخلاق للواقع

    إن القول بنسبية الأخلاق يخالف الواقع إذ توجد مجموعة من الأخلاق تفرض نفسها على الجميع فرضا فيوجد سلوكيات مستهجنة عند جميع المجتمعات كالسرقة و الكذب و الغدر و الخيانة و البخل ويوجد سلوكيات مستحسنة عند جميع المجتمعات كالصدق و العدل والأمانة و الوفاء والكرم .

    ومن المستحيل أن يكون الصدق فضيلة عند مجتمع معين و يكون رذيلة عند مجتمع آخر ،ومن المستحيل أن يكون العدل فضيلة عند مجتمع معين و يكون رذيلة عند مجتمع آخر ،ومن المستحيل أن يكون الوفاء فضيلة عند مجتمع معين و يكون رذيلة عند مجتمع آخر ،ومن المستحيل أن يكون الصدق فضيلة في زمن معين و يكون رذيلة في زمن آخر.








    مع القول بنسبية الأخلاق لا يمكن التمييز بين الخير والشر
    مع القول بنسبية الأخلاق لا يمكن التمييز بين الخير والشر فليس لدينا مقياس نفرق به بين الخير والشر ،و ليس لدينا معيار نحكم به أن هذا الخلق خير و هذا الخلق شر ،و ليس لدينا قيم أخلاقية ثابتة مطلقة يمكن أن نحتكم إليها ،و تجعل بوسعنا الحكم والتمييز بين ما هو خير من الخلق و ما هو شر ، و إذا كان مع القول بنسبية الأخلاق لا يمكن التمييز بين الخير والشر ،وهذا أمر باطل فالقول بنسبية الأخلاق قول باطل ؛ لأن ما يلزم منه اللازم الباطل فهو باطل لا اعتبار له .

    و نحن في الكثير من الأحيان نستطيع التّمييز بسهولة بين ما هو خير وما هو شرّ، و إن كان في أحيان أخرى لمؤثرات معينة قد يلتبس علينا الأمر فنظن أن الشيء فيه خيرًا وهو شر، أو نظن أن الشيء فيه شرا وهو خير ،و تمييزنا في كثير من الأحيان بين ما هو خير وما هو شر يدل أن لدينا معايير نحكم بها على أن هذا الخلق خير و هذا الخلق شر ،وهذا يناقض القول بنسبية الأخلاق .

    و من مساوئ القول بالنسبية الأخلاقية أنها تساوي بين قتل عشرات الناس و بين إطعام عشرات الناس فعلى النسبية الأخلاقية قتل عشرات الناس لا خير فيه و لا شر ، وإطعام عشرات الناس لا خير فيه و لا شر .

    و من مساوئ القول بالنسبية الأخلاقية أنها تساوي بين اغتصاب فتاة و بين إنقاذ فتاة من خطر معين فعلى النسبية الأخلاقية اغتصاب فتاة لا خير فيه و لا شر ، وإنقاذ فتاة من خطر معين لا خير فيه و لا شر .
    مع القول بنسبية الأخلاق تلغى الأخلاق

    مع القول بنسبية الأخلاق تلغى الأخلاق فما هو حسن عند شخص يكون قبيحا عند آخر ، و ما هو مستحسن في مجتمع يكون مستقبحا في مجتمع آخر ،وما هو خلق رفيع في زمان يكون خلقا وضيعا في زمان آخر وبالتالي تختفي مع النسبية أي معايير أخلاقية ؛ لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الأخلاق وتحتكم إليه مفقود ،وعليه فالدعوة إلى النسبية الأخلاقية دعوة إلى التحرر من القيم الأخلاقية ودعوة إلى إلغاء القيم الأخلاقية .

    وكيف نحكم على سلوك أنه موافق للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟

    وكيف نحكم على سلوك أنه مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟

    وكيف نحكم أن القتل مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الغدر مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الظلم مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الغش مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الاغتصاب مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟

    القول بنسبية الأخلاق يهدم المسئولية الأخلاقية

    لو كانت الأخلاق نسبية فستفقد قوتها الإلزامية إذ لا معنى للخير و الشر ،ولا معنى للثواب والعقاب ولا معنى للمدح و الذم في وجود النسبية الأخلاقية ، وكيف يلتزم الإنسان بقيم خلقية يؤمن بأنها متغيرة و نسبية ؟ وكيف يشين المجتمع سلوكا معينا لشخص إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف يشيد المجتمع بسلوك معين لشخص إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وعليه فالقول بنسبية الأخلاق يفقد الأخلاق قوتها الإلزامية وبالتالي يهدم و ينكر مسئولية الفرد الأخلاقية ،و إنكار مسئولية الفرد الأخلاقية مخالف للواقع .

    وكيف للناس تجريم القتل إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تجريم الاغتصاب إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تجريم الغش إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟

    وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص الأمين إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص الشجاع إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص المصلح إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص المخلص إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص الشهم إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟

    ولو كانت الأخلاق نسبية لما جرم القاتل إذ له أن يحتج بأنه تصرف وفق رأيه الشخصي ومعاييره الخاصة التي يراها صحيحة ، ولو كانت الأخلاق نسبية لما جرم المغتصب إذ له أن يحتج بأنه تصرف وفق رأيه الشخصي ومعاييره الخاصة التي يراها صحيحة ، ولو كانت الأخلاق نسبية لما وجد الكثير من الناس حرجا في التحلي برذائل الأخلاق ،و من هنا ندرك أن الدعوة إلى نسبية الأخلاق دعوة إلى الانحراف الأخلاقي ،ودعوة إلى اقتراف الجرائم و الأخلاق المشينة إذ مع نسبية الأخلاق لا معنى للعقاب و لا معنى للذم و لا معنى للتجريم .








    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  6. #36
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي












    الناس أنفسهم يعملون بخلاف القول بنسبية الأخلاق

    الناس أنفسهم يعملون بخلاف القول بنسبية الأخلاق فتجد الواحد من الناس يحكم على بعض السلوكيات أنها منافية للأخلاق مثل زنا المحارم و السباب و الفساد في الأرض مما يدل على وجود قيم أخلاقية مطلقة ،ومن خلال مطلقيتها حكم الشخص على بعض السلوكيات أنها منافية للأخلاق .

    والواحد من الناس يحكم على بعض سلوكيات الأفراد أنها حميدة مثل الشجاعة والشهامة والكرم مما يدل على وجود قيم أخلاقية مطلقة ،ومن خلال مطلقيتها حكم الشخص على بعض السلوكيات أنها حميدة .

    وهناك سلوكيات كالبخل و الجشع و السباب يذمها جميع الناس إلا النذر اليسير مما يدل على وجود قيم أخلاقية مطلقة ،ومن خلال مطلقيتها حكم الشخص على بعض السلوكيات أنها مذمومة .

    و الناس تمدح الشخص ذي الأخلاق الحسنة وتذم الشخص ذي الأخلاق السيئة ،ولو كانت الأخلاق نسبية لما كان للمدح أو الذم معنى .

    وأي دولة من الدول تجرم بعض السلوكيات من الأفراد ،وتعاقب على فعل بعض السلوكيات و أي مجتمع من المجتمعات يجرم بعض السلوكيات من الأفراد ، ويعاقب على فعل بعض السلوكيات مثل الخيانة والاعتداء والفساد ولو كانت الأخلاق نسبية لما كان للتجريم أو العقاب معنى .
    بعض ملامح المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق

    المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا يأمنُ الناسُ فيه على أنفسهِم ولا أموالهِم ولا أعراضهِم، وكفى بذلك سبباً في عدمِ الأمنِ والاستقرارِ، وانتشارِ الخوف، واضطراب حياةِ الناس إذ كل شخص يفعل ما يريد وفق رأيه الشخصي ومعاييره الخاصة التي يراها صحيحة .

    المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا سعادة فيه ولا أمن ولا استقرار إذ كيف تتأتى السعادة وكيف يأتي الأمن والاستقرار إذا لم يكن هناك أخلاق حميدة يمارسها الفرد ويتوقعها من الآخرين حوله ؟!!.

    المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا يشجع على فضيلة ،ولا يُبَغِض في رذيلة فيقل فيه فعل الفضائل و يكثر فيه فعل الرذائل .

    المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا قيمة فيه للعفة و الطهر فيكثر فيه الزنا وإتيان الفواحش .

    المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع يصبح الإنسان فيه كالحيوان فكما أن سلوكيات الحيوان لا تمدح و لا تذم فكذلك إنسان المجتمع النسبي الأخلاق سلوكياته لا تمدح و لا تذم .

    المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع ضعيف مفكك لكثرة النزاع والصراع فيه و لا وجود لقيم ثابتة يحتكم إليها الناس فتفض النزاع .















    القائل بنسبية الأخلاق يناقض نفسه

    نجد الكثير من القائلين بنسبية الأخلاق يناقضون أنفسهم فمنهم من يستقبح الظلم و يستحسن العدل و يحب الخير و يكره الشر ،وهذا يخالف مذهبه بنسبية الأخلاق إذ استقباح الظلم و استحسان العدل وحب الخير وكراهة الشر دليل على وجود أخلاق مطلقة .

    ومنهم – إن لم نقل كلهم - من يقابل الظلم في حقه بالانتقام فلما يقابل الظلم في حقه بالانتقام ،والظلم عنده نسبي فما يراه ظلما قد يراه غيره عدلا ؟!!

    ومنهم– إن لم نقل كلهم - من يعاقب ابنه على فعل سلوك غير أخلاقي كالكذب ،ويمدح ابنه على فعل سلوك أخلاقي كالصدق فلما يعاقب ابنه على الكذب و يمدح ابنه على الصدق ولا معنى للعقاب ولا معنى للمدح في إطار نسبية الأخلاق .






    المغالطات التي لجأ إليها الملاحدة و غيرهم من المضللين لتسويغ القول بنسبية الأخلاق

    بعد أن بينا أن القول بنسبية الأخلاق قول باطل يخالف الواقع ،ويستلزم لوازم باطلة ويعمل الناس بخلافه حتى من يعتقد به قد لا يعمل به حري بنا أن نبين المغالطات التي لجأ إليها الملاحدة وغيرهم إلى تسويغ القول بنسبية الأخلاق من كلام الشيخ عبد الرحمن الميداني – رحمه الله – فقد بين و أجاد و أفاد ،وذكر أن المغالطات التي لجأ إليها الملاحدة وغيرهم إلى تسويغ القول بنسبية الأخلاق كالتالي:
    مدُّ عُنوان الأخلاق مداً يشمل التقاليد والعادات والآداب، وبعض الأحكام الدينية التي لا علاقة لها بموضوع الأخلاق من حيث ذاتها.
    مفاهيم بعض الناس للأخلاق ولأسسها، مع أنها مفاهيم غير صحيحة.
    اضطراب الفكر الفلسفي في تحديد المبادئ التي يرجع إليها الأخلاق، كالقوة، والمنفعة، واللذة، وغيرها.

    ومن التعميم الفاسد الذي يطلقونه ويقررونه، ومن مفاهيم بعض الناس غير الصحيحة للأخلاق، ومن اضطراب الفكر الفلسفي في تحديده للمبادئ التي ترجع إليها الأخلاق، يجد المضلون أمامهم مجالاً مُهَيّأً لاستغلال أمثلة تدخل في هذه الأُطر العامة الموسّعة بالباطل، وهذه الأمثلة تخضع للتغيّر والتبدّل، ولا تظهر فيها قِيمٌ خلقية ثابتة، لأنها في الحقيقة ليست من الأخلاق، وإنما دُسَّت في الأخلاق تزييفاً لنقض الأخلاق بها.
    و اللعبة تتم على الوجه التالي: هذه أمثلة من مفردات الأخلاق التي يؤمن بها الأخلاقيون.
    هذه الأمثلة تخضع للتغيّر والتبدّل، فليس لها قيم ثابتة.
    إذن فالأخلاق كلها أمور ذات مفاهيم متغيرة متبدلة.
    إذن فالأخلاق كلها ليس لها قيم ثابتة.
    إذن فالأخلاق أمور اعتبارية، أو نسبية.
    وبلعبة المغالطة هذه يسهل على مدمري الأخلاق في المجتمعات الإنسانية، إفساد الأجيال، حتى تتمرد على جميع الضوابط الخلقية، التي تُمثّل في الأمم قوى مترابطة وتماسكها، وعناصر الدفع لارتقائها الإنساني، وشروط المحافظة على أمجادها الموروثة والمتجددة بأعمالها.


    شرح وتحليل :

    منشأ المشكلة يرجع إلى الخطأ في تحديد مفهوم الأخلاق، وتحديد دوافعها وغاياتها، وتحديد مستوياتها، من قِبَل كثير من الناس، وفيهم كثير من الباحثين في علم الأخلاق، من فلاسفة ومفكرين.
    وهذا هو الذي يفتح الثغرة الفكرية التي يعبُر منها الخبثاء الماكرون، ليهدموا الأبنية الأخلاقية الحصينة التي تتمتع بها الشعوب العريقة بأمجادها، لا سيما المسلمون الذين سبق أن رفعتهم الأخلاق العظيمة إلى قمة مجد لم يطاولهم فيها أحد.

    وحين يتبصر الباحث بالأسس الأخلاقية، التي تم فيها تحديد مستوياتها، وفق المفاهيم المقتبسة من التعاليم الإسلامية، يتبين له بوضوح تساقط أقوال الذين يزعمون أن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وأنها من الأمور التي تتواضع عليها الأمم، وأنها ليست ذات قيم حقيقية، أو حقائق ثابتة .


    فالباحث المتحري للحقيقة يستطيع أن يكتشف بسرعة عناصر المغالطة التي يصطنعها هؤلاء المضللون، إذ يأتون بأمثلة جزئية يزعمون أنها من الأخلاق، ثمّ يثبتون أنها أمور اعتبارية أو نسبية تتواضع عليها الأمم، وليس لها حقائق ثابتة في ذاتها، ثمّ ينقضون بها ثبات الأخلاق نقضاً كلياً، بطريقة تعميمية لا يقبل بها العلم، حتى على افتراض أن هذه الأمثلة هي من الأخلاق فعلاً، لأنه لا يجوز علميّاً الحكمُ على النوع كله من خلال الحكم على بعض أفراه، ما لم يثبت أن سائر الأفراد مشتركة بمثل الصفة التي كانت علة صدور الحكم على بعض الأفراد .


    إن مغالطتهم هذه تشبه مغالطة من يأتي بمجموعة من القرود، ويلبسها لباس بني آدم، ويدخلها بين مجموعاتهم ثمّ يقول: إن الناس جميعهم لهم صفات القرود، بدليل أن هذا الإنسان - ويشير إلى بعض قروده - له صفات القرود، بدليل أن هذا الإنسان - ويشير إلى فرد آخر من هذه المجموعة المزيفة- له صفات القرود. وهكذا يأتي بأمثلة متعددة من هذا العنصر الدخيل، ثمّ يصدر حكمه التعميمي في مغالطة أخرى، فيقول: ومن هذا يتبين لنا أن جميع الناس لهم صفات القرود.


    إن هذه العملية قد تضمنت مغالطة مركبة تمت على مرحلتين:
    المرحلة الأولى: إدخال عنصر ليس من البشر تحت عنوان البشر.
    المرحلة الثانية: تعميم الحكم الذي يَصدر على هذا العنصر الدخيل، وجعله شاملاً للناس جميعاً.


    وهذا مثال مطابق تماماً لمغالطتهم في موضوع الأخلاق، فهي أيضاً تشتمل على إدخال ما ليس من أفراد الأخلاق تحت عنوان الأخلاق، ثمّ تعميمهم حكمهم على هذه الأفراد الدخيلة، وجعله شاملاً لجميع أفراد الأخلاق الحقيقية .

    نماذج من الأمثلة التي يدخلونها في الأخلاق وهي ليست منها :

    فمن الأمثلة الجزئية التي يدخلونها في الأخلاق وليست منها، وغرضهم من ذلك التمهيد لنقض الأخلاق بها، ما يلي:
    1- يقولون: إن أكل لحم الميتة أمر لا يعتبر منافياً للأخلاق عند بعض القبائل، بينما يعتبر منافياً للأخلاق عند الذين لا يأكلون لحم الميتة، حتى حين تأكل بعض القبائل موتاها من الناس فإن لها في ذلك مبرراتها الاقتصادية، إذ ترى أن انتفاعها بلحوم موتاها خير من تركها للدود، وخير من دفنها في التراب، وتركها تتعفن وتتفسخ وتتحلل.

    وهذا يدل على أن الأخلاق أمور اعتبارية ونسبية، وليس لها قيم حقيقية ثابتة، وهي قابلة للتغير والتبدل من زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة.

    2- ويقولون: إن بعض الأمم تحرم شرب بعض أنواع من الأشربة، كالخمور، وتعتبر شربها عملاً منافياً للأخلاق، بينما ترى أمم أخرى أنه لا شيء في شربها.

    3- ويقولون: إن بروز المرأة بزينتها، وتعريها من ثيابها، وعرضها مفاتنها للرجال الأجانب، أمرٌ لا يعتبر منافياً للأخلاق عند كثير من الشعوب، بينما يعتبر عند شعوب أخرى من الرذائل الخلقية.

    ويأتون بمثال تعدد الزوجات وإباحته عند أمة وتحريمه عند أمة أخرى.

    4- ويقولون: إن دعم مراعاة الأنظمة المتبعة في الطعام والشراب واللباس عند بعض الأمم، يعتبر من الأمور المستنكرة جداً، والمنافية للأخلاق، بينما ترى أمم أخرى خلاف ذلك، إذ ترى أن ترك الإنسان حراً يتصرف كما يحلو له في طعامه وشرابه ولباسه هو الفضيلة الخلقية.

    ويأتون بأمثلة الطقوس في البلاد الأقيانوسية، ومنها تحريمهم الطعام تحت سقف، والمكث في المسكن إذا كان الإنسان مريضاً، وتحريمهم استعمال الأيدي في تناول الطعام بعد فراغ الإنسان من حلق شعره، أو بعد فراغه من صنع زورق، وهكذا يوردون أمثلة هي من العادات والتقاليد الاجتماعية، أو من الظواهر الجمالية، أو من الأحكام الدينية لدين صحيح أو لدين وضعي من وضع البشر.

    قالوا: وكل هذا يدل على أن الأخلاق أمور اعتبارية ونسبية، وليست لها قيم حقيقية مطلقة ثابتة، وهي قابلة للتغير والتبدل من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن بيئة اجتماعية إلى بيئة اجتماعية أخرى، ومن أمة إلى أمة أخرى.

    وحين يورد المضلون مثل هذه الأمثلة الجزئية، لا يعرجون على أخلاق الصدق، والعدل، والأمانة، والوفاء بالعهد والوعد، والكرم، والشجاعة وأمثالها، ولا يذكرون الرذائل الخلقية المضادة لها، كالكذب، والجور، والظلم، والخيانة، والغدر، والشح، والجبن في المواطن التي تحسن فيها الشجاعة، وأمثالها.


    المناقشة:

    لدى تحليل الأمثلة التي يذكرونها لنقض الأخلاق بها، يلاحظ الباحث الفاحص أنها ليست في الحقيقة من فروع الأخلاق، وإنما ترجع إلى أصول أخرى.

    فالمنع من أكل لحم الميتة مثلاً، أو شرب الخمور يرجع إلى أنه حكم دينيٌّ، لابتلاء إرادة الإنسان في الحياة الدنيا، وهو من ناحية أخرى حكم تقتضيه موجبات الحماية الصحية.

    فإدخاله في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلطٌ فكري، أو مغالطة وتزييف.

    وحجاب المرأة وإلزامها بالحشمة، وعدم عرض زينتها ومفاتن جسمها للرجال الأجانب، حكم ديني لابتلاء إرادة الإنسان في الحياة الدنيا، وهو أيضاً أمر اقتضته قاعدة سد الذرائع، فهو يساعد على درء الفتنة، وحماية المجتمع من أن تنتشر فيه الفاحشة، التي يتولد عن انتشارها اختلاط الأنساب، وتفكك الأسر، وانهيار المجتمعات.

    فإدخال هذا الموضوع في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلطٌ فكري، أو مغالطة وتزييف.

    وتعدد الزوجات حكم ديني روعيت فيه مصالح إنسانية لا دخل له في الأخلاق .

    ومراعاة الأنظمة المتبعة عند بعض الأمم في الطعام والشراب واللباس، أمرٌ من الآداب الجمالية الحضارية لديهم، وليس فرعاً من فروع الأخلاق.

    فإدخاله في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلط فكري، أو مغالطة وتزييف.

    أليس عجيباً أن يدخلوا مثل هذه الأمثلة في باب الأخلاق مع أنها في جوهرها من أبواب غير باب الأخلاق، فهي إما أحكام دينية، أو طقوس وعادات وتقاليد؟! وإدخالها في باب الأخلاق مغالطة.

    ولستر مغالطتهم التي يدخلون بها في الأخلاق ما ليس منها، تمهيداً لنسف الأخلاق من جذورها، يعتمدون على مفاهيم بعض الناس الخاطئة للأخلاق، إذ يعتبرون أن هذه المفاهيم جزء من حقيقة الأخلاق.

    مع أن مفاهيم الناس قد تصدق وقد تكذب، فهي لا تمثل جزءاً من حقيقة الشيء الذي هو موضوع البحث، وإنما تمثل مقدار إدراك أصحابها لحقيقة الشيء، وهذا الإدراك قد يكون مطابقاً لحقيقة الشيء، وقد يكون مخالفاً لها، وقد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، وهو لا يؤثر بحالٍ من الأحوال على حقيقة الشيء.

    لقد كان للفلاسفة القدماء مفاهيم عن السماء، وهذه المفاهيم مخالفة لواقع حال السماء، ومع ذلك فإن أي ذي عقل سليم لا يقبل اعتبار هذه المفاهيم جزءاً من حقيقة السماء.
    وللناس مفاهيم كثيرة باطلة عن الخالق، ولا يجوز مطلقاً أن تكون هذه المفاهيم جزءاً من حقيقة الخالق.

    وينكر كروية الأرض منكرون، ولكن مفاهيمهم هذه لا يمكن أن تجعل الأرض في واقع حالها غير كروية.

    على مثل هذا الغلط الفكري يدخل كثير من الناس في الأخلاق ما هو ليس من الأخلاق، كتقاليد، وعادات، وأحكام وضعية، ليس لها أسس ولا جذور تجعلها نابعة من الأسس الخلقية، أو منبثقة عنها.

    كذلك يجحد كثير من الناس بعض ما هو من الأخلاق فعلاً، فيزعم أنه لا داعي للتقيد بقواعد الأخلاق فيها.

    فهل يؤثر هؤلاء أو هؤلاء على الحقيقة المطلقة للأخلاق؟!.

    إن مفاهيم الناس ليست هي التي تصنع الحقائق، بل وظيفتها أن تعمل على إدراك الحقائق، حتى تكون صورة الحقائق فيها مطابقة لما هي عليه في الواقع.

    وما قيمة مفاهيم الناس حول حقيقة من الحقائق، ولنفرض أن بعض الناس استحسنوا رذائل الأخلاق، ولم يجدوا أي رادع من ضمائرهم يردعهم عنها، فمارسوا الظلم بمثل الجرأة التي يمارسون بها العدل، ومارسوا الخيانة بمثل الجرأة التي يمارسونها بها الأمانة، ومارسوا قسوة القلب بمثل الجرأة التي يمارسون بها الشفقة والرمة، ومارسوا الكذب الضار بمثل الجرأة التي يمارسون بها الصدق النافع، أفيغير ذلك واقع حال الرذائل فيجعلها من قبيل الفضائل؟!.

    كم نشاهد من شعوب تألف القذارات، وتعيش فيها، ولا تشعر بأنها تعمل عملاً غير مستحسن أو غير جميل، فهل تغير مفاهيمهم من واقع حال القذارة القبيح شيئاً؟!.

    إن فساد مفاهيم الناس حول حقيقة من حقائق المعرفة لا يغير من واقع حال هذه الحقيقة شيئاً، وجميع حقائق المعرفة تتعرض لمشكلة فساد مفاهيم الناس عنها، وفساد تصور الناس لها.

    ويوجد سبب آخر للخطأ الذي يقع فيه الباحثون في علم الأخلاق، هو اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، ونسبوا إلى هذا المقياس العصمة عن الخطأ مع أنه مقياس غير كافٍ وحده، فقد يخطئ، وقد يُصابُ عند بعض الناس بعلةٍ من العلل المرَضِيَّة، فيعشى أو يعمى، أو تختلُّ عنده الرؤية، فيصدّر أحكاماً فاسدة .


    تلخيص لأسباب الغلط أو المغالطة:

    مما سبق يتضح أن أسباب الغلط أو المغالطة عند القائلين بأن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وليس لها ثبات ولا قيمٌ حقيقية مطلقة، ترجع إلى ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: تعميم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميّزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور اعتبارية أو نسبية.

    الأمر الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدراً يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أن في كثير من هذه المفاهيم أخطاءً فادحة، وفساداً كبيراً، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضاً إلى أمور أخرى غير ذلك.

    والتحري العلمي يطالب الباحثين بأن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون , وينكرها منكرون، ويتشكك فيها متشككون، ويتلاعب بها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.

    الأمر الثالث: اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، مع أن هذه عرضة للصواب والخطأ .








    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  7. #37
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي













    نظرات في كلام بعض الملاحدة

    يقول بعضهم : ( من المستحيل أن تعمم الأخلاق على جميع البشر .. نعم قد يتفق مجموعة من الأشخاص على مفاهيم أخلاقية معينة ولكن هذا لا يعني أن التعميم في الأخلاق مستساغ من قبل جميع الناس ؛ لأنه بكل بساطة عادات الناس وطبائعهم مختلفة بعضها عن بعض ) ،وهذا الكلام باطل إذ المستحيل خلافه فمن المستحيل ألا تعمم الأخلاق على جميع البشر ،ويوجد الكثير من الأخلاق المطلقة التي لا تتغير من أمة لأمة و لا من زمن لزمن كفضيلة الصدق و الوفاء والعدل و الأمانة فكل الأمم تحب مثل هذه الأخلاق و تستحسنها و يوجد خلق أخرى تستقبحها و تكرهها جميع الأمم كالغدر والخيانة و الكذب .

    والاستدلال بتغير عادات الناس وطبائعهم استدلال في غير محل النزاع فليست العادات والطباع من قبيل الأخلاق فالعادات من اسمها أمور تعود الناس على عملها أو القيام بها أو الاتصاف بها ، وتكرَّرَ عملها حتى أصبحت شيئاً مألوفاً ، وهي نمطٌ من السلوك أو التصرُّف يُعتادُ حتى يُفعل تكراراً ، ولا يجد المرء غرابة في هذه الأشياء لرؤيته لها مرات متعددة في مجتمعه وفي البيئة التي يعيش فيها ،وما يكون معهودا في مجتمعه وبيئته قد لا يكون معهودا في مجتمع آخر .

    والطباع مفرد طبع و هو كل ما كان في أصل خِلقة الإنسان، وجُبِلَ عليه أي ثابت الأخلاق التي جبلت النفوس عليها فالطبع مجموعة من السمات الداخلية في الإنسان تؤثر في سلوكه ومن الناس من جبل على الخلق الحسن فيتخلق به ومنهم من جبل على الخلق الرذيل فيتخلق به ، وطباع الإنسان الْخُلُقيِّة يمكن تغييرها بالتهذيب والتربية ،ونحن لا نتكلم عن طباع خلقية يمكن تغييرها بل نتكلم عن استحسان الخلق الحميد و استقباح الخلق الرذيل نتكلم عن وجود أخلاق يمدح صاحبها و أخلاق أخرى يذم صاحبها نتكلم عن أخلاق يحبها جميع الناس و أخلاق أخرى يكرهها جميع الناس .

    ويقول بعضهم : ( كل الأخلاق أخلاق نسبية قد تكون صحيحة هنا و خطأ هناك ) ،و هذا الكلام باطل إذ من الأخلاق ما يكون خيرا و يمدح فاعله بإطلاق كالصدق والعدل والكرم والأمانة ومن الأخلاق ما يكون شرا ويذم فاعله كالكذب والخيانة والإفساد في الأرض فيوجد أخلاق محمودة عند جميع الناس و أخلاق مذمومة عند جميع الناس .

    و يقول بعضهم : ( الأخلاق مبنية على المنفعة ،ومنفعة الإنسان هي بالطبع السعادة أو البعد عن الألم علي أقل تقدير. و لهذه السعادة متطلبات تختلف من مجتمع لأخر بناءا علي اختلاف الاحتياجات و الخبرات و الثقافات و بالتالي تصبح الأخلاق علي إطلاقها نسبية ) و الأخلاق التي تبنى على المنفعة هي الأخلاق النفعية و الأخلاق النفعية خارجة عن محل النزاع إذ هذه الأخلاق لا تحمل من الأخلاق إلا اسمها ،واعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يجعل الأخلاق نسبية ومتغيرة ، فيصبح السلوك الواحد خيرا وشرا في آن واحد ، خيرا عند الذي حقق له منفعة ، وشرا عند الذي لم يتحقق له منفعة وبالتالي لا يوجد خلق حميد و لا خلق رذيل وهذا مخالف للواقع بدليل وجود قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك كالعدالة و الفضيلة والكرم.

    و اعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يلغي الأخلاق ؛ لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الأخلاق وتحتكم إليه مفقود فالمنافع متعارضة ، وما ينفعني قد لا ينفع غيري مما يؤدي لحدوث التنازع و اصطدام مصالح الناس بعضها ببعض وعموم الفوضى .
    و ربط الأخلاق بالمنفعة يحط من قيمة الأخلاق ؛ لأنه ينزلها إلى مستوى الغرائز ،والغرائز موجودة في الإنسان و الحيوان معا فيصبح سلوك الإنسان لا يتميز عن سلوك الحيوان .


    ويقول بعضهم: ( لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن المرغوب فيه يختلف تبعا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة ) ،و الجواب أن الثقافة هي الإطار الأساسي والوسط الذي تنمو فيه الشخصية وتترعرع، فهي التي تؤثر في أفكاره ومعتقداته ومعلوماته ومهاراته، وخبراته ودوافعه، وطرق تعبيره عن انفعالاته ورغباته، كما تحدد له القيم والمعايير التي يسترشد بها وتفرض عليه التقاليد التي يتمسك بها .

    ويمكن أن نعرف الثقافة بأنها الطريقة التي يفكر بها الناس في مجتمع ما، ويعملون بها، وتقوم عليها نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والطريقة التي يتحدثون بها, ويسيرون بها في الشوارع، ويقودون بها السيارات، ويتعاملون بها مع بعضهم البعض داخليا، ومع الآخرين خارجيا، وعاداتهم وتقاليدهم.. إلخ .

    و يمكن أن نعرف الثقافة بأنها مجموعة الأعراف والطرق والنظم والتقاليد التي تميز جماعة أو أمة أو سلالة عرقية عن غيرها .
    ولكل أمة ثقافة و أسلوب للحياة و طريقة للتعايش الناس بعضهم مع بعض تتسق مع عقيدتها ،والذي يتغير تبعا للثقافة هو عادات الناس وتقاليدهم فهذه عرضة للتغيير والتبديل أما الأخلاق فلا تتغير بتغير الثقافة بدليل وجود قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها خير عند جميع الأمم كالعدالة و الأمانة والكرم ،ويوجد قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها شر عند جميع الأمم كالكذب و الخيانة ،والشر محبب عند جميع الأمم والثقافات و الشر مذموم عند جميع الأمم والثقافات و الصدق والعدل والكرم والأمانة والشجاعة أخلاق محمودة عند جميع الأمم والثقافات والكذب والغش والخيانة أخلاق مذمومة عند جميع الأمم والثقافات.

    ويقول بعضهم: ( المبادئ الأخلاقية نسبية ومتغيرة ومتطورة؛ لأنها ترتبط بعجلة التطور الاجتماعي، وتخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والدينية والثقافية والتاريخية، وهذه كلها متطورة ومتغيرة من عصر إلى عصر، وعليه تتطور الأخلاق بتطور هذه المؤثرات ) والجواب أن الذي يتغير هو أعراف الناس وتقاليدهم وعاداتهم لكن الأخلاق تتمتع بالثبات فكل العصور و كل الأمم عندها الصدق فضيلة والكذب رذيلة ،و كل العصور و كل الأمم عندها الأمانة خير و الخيانة شر ،و كل العصور و كل الأمم عندها الكرم محمود و البخل مذموم.

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات


    مراجع المقال :
    التعريفات للجرجاني
    الثقافة والشخصية لسامية الساعاتي
    كواشف زيوف الشيخ عبد الرحمن الميداني
    علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن
    مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها لعلى أحمد مدكور
    موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  8. #38
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    التحميل من هنا أو هنا
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  9. #39
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول إن شاء الله وقدر تشكيك الملاحدة و اللادينين في مصدرية الدين للأخلاق بالعرض والنقد ،وقبل بيان دعاويهم والرد عليها لابد من معرفة مفهوم الأخلاق ومفهوم الدين

    مفهوم الأخلاق

    الأخلاق مفرد كلمة خلق ،و الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه[1] .

    والذي يفصلُ الأخلاق وُيميِّزُهَا عن غيرها هي الآثار القَابلة للمدح أو الذَّم، وبذلك يتميز الخُلُق الحسن عن الغريزة فالأكل مثلا غريزة، والإنسان عند الجوع يأكلُ بدافع الغريزة وليس مما يمدح به أو يذم. لكن لو أنَّ إنسانَا أكلَ زائدًا عن حاجته الغريزية، صارَ فعله مذمومًا، لأنه أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الطمع، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود، وهو القناعة. كذلك فإن مسألة حبّ البقاء ليست محلًا للمدح أو الذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الخوف الزائد عن حاجات هذه الغريزة أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الجبن، أما الإقدامُ الذي لا يصلُ إلى حد التهور، فهو أثر لخلق في النفس محمود، وهو الشجاعة .

    وهكذا سائرُ الغرائزِ والدوافع النفسية التي لا تدخلُ في باب الأخلاق، إنَّما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورًا طبيعية ليست مما تُحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم [2].



    مفهوم الدين


    الدين له عدة تعريفات منها الشرع الإلهي المتلقَّى عن طريق الوحي[3]،ومن تعريفات الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول - باختيارهم إياه - إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل[4]،ومن تعريفات الدين كل ما يتخذه الناس ويتعبدون له سواء كان صحيحاً، أو باطلاً [5].















    الشبه التي لجأ إليها الملاحدة لتشكيك في مصدرية الدين للأخلاق

    لجأ الملاحدة للعديد من الشبه للتشكيك في مصدرية الدين للأخلاق فقالوا : وجدت الأخلاق قبل الدين ،و اخترع الدين لتنظيم المسيرة الأخلاقية فالأخلاق مستمدة من احتياجات الإنسان و اهتماماته بل الإنسان إذا وجد بعض القيم الخلقية في الدين فإنها مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين .

    وقال آخرون : وجود بعض الأخلاق في بلاد لا تدين بدين سماوي ،ووجود بعض الأخلاق في بلاد يكثر فيها الإلحاد ،و انتشار الفساد في البلاد الإسلامية الأخلاق أي يوجد من هو متدين وليس لديه أخلاق ، بينما يوجد من هو لا ديني ولديه أخلاق ،وهذا دليل على عدم مصدرية الدين للأخلاق .

    واحتج بعضهم : أن الدين ثابت و أخلاقيات بعض المنتسبين إلي الدين تتغير مع الوقت .

    و قال البعض : ليس من الأخلاق قطع يد السارق و رجم الزاني ،وكيف يكون الدين مصدرا للأخلاق و يشترط شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا فلو فعلها الشخص دون علم لأحد أو أمام سيدات لا بأس بذلك ؟ .

    و قال البعض : ليس الدين مصدر الأخلاق إذ كيف يضبط السلوك الاجتماعي عن طريق التهديد بالعذاب الأبدي بواسطة كائن فوق الطبيعة ؟ و عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب ،و أسلوب الترغيب في الأخلاق الحسنة بدخول الجنة والترهيب من الأخلاق السيئة بدخول النار ليس من الأخلاق في شيء .

    وقال البعض : لا يحق لأي دين أن يفرض رؤيته للفضيلة الأخلاقية و الإثم و السلوك الجنسي و الزواج و الطلاق و التحكم في النسل أو الإجهاض أو أن تسن القوانين بحسب تلك الرؤية على بقية المجتمع ،والمبادئ الأخلاقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور الأخلاقي و الديموقراطية .

    وقال البعض : العقل و الإنسانية كفيلان بجعل الإنسان يتخلق بالخلق الحسن ،ومن طبائع الإنسانية و دون حاجة لتوجيه ديني مباشر أو غير مباشر مسائل مثل تجريم القتل و السرقة و الخيانة المالية و الزوجية و العلاقات الممنوعة بين المحارم ، والأخلاق موجودة في الضمير الإنساني ،والحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل الإنسان هو شيء خاطئ يصور الإنسان كأنه كائن لا أخلاقي وحوش ، وإذا كان هذا الوحش موجوداً داخل أي إنسان فلن ينفع لا الدين ولا القوانين بالقضاء عليه.

    وقال البعض : الافتراض بأنّ الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ يصور الإنسان كأنه شرّيرٌ بالفطرة لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحّش .

    وقال البعض : القول بأن الأديان مصدر الأخلاق مسألة غير عملية لا تصمد أمام التجارب الحقيقية على أرض الواقع

    وقال البعض : إن خصصنا الأديان كمصدر للأخلاق لوجود نصوص أخلاقية فعليه سنقول الأديان مصدر القتل لوجود تعاليم ترتبط بالقتل و أنها مصدر الحرب لوجود تعاليم ترتبط بالحرب .

    وقال البعض : لنفرض أن أمامنا عدة كتب (التوراة، الإنجيل، القرآن، ...) كل منها يزعم أنه الصحيح ويحتوي الأخلاق الصحيحة وفقط هو يمتلك هذه المعرفة. كيف سيكون بإمكاننا معرفة أي منها هو الصادق إذا لم نعرف أصلاً ما تعنيه الأخلاق ؟ أي كيف يمكننا أن نقول أن كتاباً معيناً هو الصحيح من وجهة نظر أخلاقية إذا لم تكن لدينا فكرة مسبقة مستقلة عما يعنيه أن يكون حكماً ما أخلاقياً أو لا؟ بأي معيار أستطيع أن أقول أن كتاباً معيناً صادق بحكم أخلاقي ما (أو بكل أحكامه الأخلاقية) بدون أن أعرف ما تعنيه الأخلاق؟ بالتالي من هنا ضرورة أن تكون المعرفة الأخلاقية سابقة ومستقلة وذات أولية على الدين ما يؤدي إلى أن الكتب الدينية لا يمكنها أن تكون مصدراً للأخلاق .


    وقال البعض : الدين هو مصدر الأخلاق هي مقولة خاطئة لأنها تؤدي إلى تناقض ذاتي: لنفرض أن إنسان أ1 يتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د1 وأما الإنسان أ2 فيتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د2. في حال اختلاف الدينين فيما يطالبان به بخصوص حالة معينة (كضرورة أو عدم ضرورة رجم الزانية مثلاِ) فإن هذا يؤدي العمل ذاته سيكون أخلاقياً من منظور الدين الأول وغير أخلاقي من منظور الدين الثاني. أي أن الحكم الموضوعي على العمل نفسه لن يكون ممكناً إذا كان مرجعنا فيما يجب فعله أو الاستنكاف عن عمله هو فقط ما يسوغه دين معين أو غيره .




    [1] - التعريفات للجرجاني ص 104
    [2] - موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز ص 22-23
    [3] - دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف ص 9
    [4] - دائرة المعارف للبستاني مادة (دين).
    [5] - دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف ص 10
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  10. #40
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الأخلاق قيمة مطلقة ثابتة

    الأخلاق قيمة مطلقة ثابتة لا يعتريها التبديل من عصر لعصر ولا من بلد لبلد ولا من شخص لشخص شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان .

    و رغم أن العديد من الناس لديهم ممارسات أخلاقية مختلفة، إلا أنهم يتشاركون في مبادئ أخلاقية عامة مثلا، يتفق مناصري الإجهاض ومعارضيه أن القتل أمر خاطئ، و لكنهم يختلفون حول ما إذا كان الإجهاض يعتبر قتلاً أم لا. لهذا، حتى في هذه الحالة تثبت حقيقة وجود الأخلاقيات العامة المطلقة ، و لا يوجد مجتمع بكامله يمكن أن يرى أن زنا المحارم مسألة عادية و ليس أمرا مشينا ، نعم قد يوجد بعض الأفراد الشواذ الذي يرون أن زنا المحارم مسألة عادية فالعيب في هؤلاء الأفراد الشاذين وليس في المجتمع .


    و يوجد قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها خير عند جميع الأمم كالعدالة و الأمانة والكرم ،ويوجد قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها شر عند جميع الأمم كالكذب و الخيانة .

    وتجد جميع الأمم والشعوب في كل الأزمان و كل الأماكن تحب الخير وتمدحه و تكره الشر وتذمه ،و تحب الفضيلة و تكره الرذيلة وتحب الصدق وتمدحه و تكره الكذب وتذمه ،وتحب الأمانة وتمدحها وتكره الخيانة وتذمها ،وتحب الشجاعة وتمدحها وتكره الجبن وتذمه ،و تحب الكرم وتمدحه و تكره البخل وتذمه ،وتحب الاحترام وتمدحه وتكره الاحتقار وتذمه ،وتحب العدل وتمدحه وتكره الظلم وتذمه ،ولا معنى للمدح والذم ،ولا معنى لحب الخير و كره الشر إذ لم تكن الأخلاق مطلقة .

    وتجد جميع الأمم والشعوب تشيد أو تكافئ على فعل بعض السلوكيات الحسنة كالشجاعة والوفاء والإخلاص ، وتجرم أو تندد أو تعاقب على فعل بعض السلوكيات السيئة كالسباب و الفساد والقتل والغش ،ولا معنى للثواب والعقاب إذ لم تكن الأخلاق مطلقة ،ولا معنى للمكافأة و المعاقبة و التجريم في غياب الأخلاق المطلقة .

    و لا توجد أمة من الأمم في أي وقت و أي زمان تجعل السرقة عملا بطوليا و لا توجد أمة من الأمم في أي وقت و أي زمان تمتدح الكذب و لا توجد أمة من الأمم في أي وقت و أي زمان تعظم الخيانة .

    و إذا كان الواحد منا يرى بعض السلوكيات فيرفضها ،ويقول أنها منافية للأخلاق كقتل الرجل لأبيه أو سب الرجل لشخص فهذا دليل على مطلقية الأخلاق و من خلال مطلقيتها حكمنا على بعض السلوك أنه منافي للأخلاق .



    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  11. #41
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    أهمية وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة

    إن وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يجعل من السهل الحكم على بعض السلوكيات بالخير أو الشر ، بالخطأ أو الصواب ،بالحسن أو القبح لوجود مبادئ أخلاقية مطلقة و ثابتة يمكن أن نحتكم إليها و نستند في حكمنا على السلوكيات عليها .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يسهل التمييز بين السلوك المحمود والسلوك المذموم ،و يسهل التمييز بين السلوك الحسن و السلوك القبيح لوجود معايير أخلاقية مطلقة و ثابتة يمكن أن تدلنا على السلوك الحسن والسلوك القبيح .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يسهل التحفيز على فعل السلوك المحمود و التنفير من فعل السلوك المذموم ،و يسهل الالتزام بالقيم الأخلاقية .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يميز الإنسان بين السلوك الحسن و السلوك القبيح ، و يبحث عن أفضل العلاقات وأحسنها في معاشرة الناس ،و بذلك يتميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم و يحافظ الإنسان على إنسانيته التي يترتفع بها عن الحيوان .


    أهمية الالتزام بالقيم الأخلاقية

    إن الالتزام بالقيم الأخلاقية ذو أهمية بالغة إذ مع الالتزام بالقيم الأخلاقية يكثر الخير والصلاح والصالحون، ويقل الشر والفساد و المفسدون .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يتحلي أفراد المجتمع بها و يلتزمون بها تجد الفرد والمجتمع يعيشون في سعادة إذ الكل يفعل الخير ويجتنب الشر فتنتشر الفضيلة وتختفي الرذيلة و العيش في ظل الفضيلة يبعث السعادة والبهجة .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يتحلي أفراد المجتمع بها و يلتزمون بها تجد الفرد والمجتمع يعيشون في طمأنينة و أمان و سلام إذ الكل يفعل الخير ويتوقعه ممن حوله .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يتحلي أفراد المجتمع بها و يلتزمون بها يتخلص المجتمع من ظاهرة القلق والاضطرابات التي تسوده لانتشار الخير و الثقة المتبادلة والألفة والمحبة بين الناس .




    أهمية الإلزام بالقيم الأخلاقية

    القيم الأخلاقية لا معنى لها إذا لم تكن ملزمة ،و لا أخلاق بدون إلزام إذ بدون الإلزام لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما و بانعدام الإلزام تنعدم المسؤولية الأخلاقية ، وإذا انعدمت المسؤولية الأخلاقية التي تلزم الإنسان بالعمل الخلقي ،ولا يوجد ما يحمله على الالتزام ضاعت الأخلاق فكل شخص يفعل ما يحلو له .











    مصدر الإلزام الأخلاقي في غياب الدين

    إذا كانت الأخلاق لا معنى لها دون إلزام فما مصدر الإلزام الأخلاقي في غياب الدين هل هو الضمير أم العقل أم المجتمع أم المنفعة أم القانون ؟


    و إن قيل مصدر الإلزام الضمير فالجواب لا يكفي وازع الضمير الإنساني وحده لحمل الإنسان على التحلي بالفضائل فمن الناس من يتميز بضعف الضمير وكثيرا ما تتغلب العواطف والانفعالات والعادات والتقاليد والمواقف الخاصة والمصالح الشخصية في ضمائر الناس وأحكامهم ، وقد يخطئ الضمير بسبب العديد من المؤثرات ، وقد ينحرف بسبب العديد من المؤثرات الخارجية فيرى المنكر معروفا والمعروف منكرا والضمير ليس ملكة معصومة من الخطأ بل يحتاج إلى من يرشده .

    و الضمير يختلف في البيئة الواحدة وفي الجماعة الواحدة فما يمليه ضمير شخص قد لا يمليه ضمير شخص آخر ،و كما قيل : الناس في كل العصور، وفي جميع الأقطار، يستشيرون ضمائرهم، ولكنها لا تسمعهم جميعاً لحناً واحداً إذ أن ما يظهر عدلاً وخيراً لبعض النفوس المخلصة في عصر خاص، لا يظهر عدلاً ولا خيراً لنفوس أخرى، هي أيضا مخلصة، ولكنها عاشت في عصر آخر أو مكان آخر .

    و إن قيل مصدر الإلزام الأخلاقي العقل فالجواب لا يكفي وازع العقل وحده لحمل الإنسان على التحلي بالفضائل فالعقول قاصرة لا تهدي أصاحبها في جميع الأحوال و أحكام العقول متناقضة ، وما يحكم عليه شخص بأنه خير له يحكم عليه آخر بأنه شر له ،والأخلاق عقليًا من منظور مادي غير مربحة بل ضارة بل هي أكبر عبء على صاحبها .

    وقد يخطئ العقل بسبب العديد من المؤثرات ، وقد ينحرف بسبب العديد من المؤثرات الخارجية فيرى المنكر معروفا والمعروف منكرا ، وقد يصاب عند بعض الناس بعلة من العلل المرضية، فيعشى أو يعمى أو تختل عنده الرؤية، فيصدر أحكاماً فاسدة ،والعقل ليس ملكة معصومة من الخطأ بل يحتاج إلى من يرشده .


    و إن قيل مصدر الأخلاق و الإلزام الأخلاقي هو المجتمع الذي يعيش فيه الفرد فالجواب لا يمكن أن يكون المجتمع مصدرا للأخلاق ولا مصدرا للإلزام الأخلاقي إلا إذا اعتبرنا المجتمع مجتمعا مثاليا أضف إلى ذلك أن ليس كل فرد مندمجا في المجتمع فالقيم الأخلاقية تتباين داخل المجتمع الواحد ،و لك أن ترجع إلى التاريخ لترى أن بعض الأفراد من أنبياء ورسل ومصلحين كانوا مصدرا لقيم أخلاقية ساعدت المجتمعات على النهوض والتقدم .

    و أعراف الناس متغيرة وغير ثابتة إذ تختلف الأعراف باختلاف الزمان والمكان فما كان مألوفا متعارفا عليه في زمان أو مكان قد يكون منكرا ومستهجنا في زمان آخر أو مكان آخر ، والأخلاق تتمتع بالمطلقية والثبات في كل زمان ومكان .

    و اعتبار المجتمع مصدر الأخلاق و الإلزام الأخلاقي يجعل الأخلاق خاضعة إلى ما تواضع عليه الناس في المجتمع ، وبدلا من أن تُحدث القيم الأخلاقية تحولات في الواقع والمجتمع تصبح الأخلاق مجرّد انعكاس لهذا الواقع وتبريراً له وبالتالي تفقد الأخلاق مطلقيتها و إلزامها و ماذا لو تواضع الناس على جواز الزنا و جواز اللواط وجواز زنا المحارم هل يلتزم الفرد بمثل هذه السلوكيات الفاسدة أم يخالف مجتمعه ؟.

    و إن قيل مصدر الأخلاق و الإلزام الأخلاقي هو المنفعة فالجواب الأخلاق التي تبنى على المنفعة هي الأخلاق النفعية ،و الأخلاق النفعية لا تحمل من الأخلاق إلا اسمها ،واعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يجعل الأخلاق نسبية ومتغيرة ، فيصبح السلوك الواحد خيرا وشرا في آن واحد ، خيرا عند الذي حقق له منفعة ، وشرا عند الذي لم يتحقق له منفعة وبالتالي لا يوجد خلق حميد و لا خلق رزيل وهذا مخالف للواقع بدليل وجود قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك كالعدالة و الفضيلة والكرم.



    و اعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يلغي الأخلاق ؛ لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الأخلاق وتحتكم إليه مفقود فالمنافع متعارضة ، وما ينفعني قد لا ينفع غيري مما يؤدي لحدوث التنازع و اصطدام مصالح الناس بعضها ببعض وعموم الفوضى .

    و ربط الأخلاق بالمنفعة يحط من قيمة الأخلاق ؛ لأنه ينزلها إلى مستوى الغرائز ،والغرائز موجودة في الإنسان و الحيوان معا فيصبح سلوك الإنسان لا يتميز عن سلوك الحيوان .

    و إن قيل مصدر الإلزام الأخلاقي هو القانون فالجواب لا يكفي القانون وحده وازعا لحمل الناس على التحلي بالأخلاق إذ يمكن التحايل عليه ويستطيع الإنسان الإفلات منه و تجاوزه والهروب من العقوبة ،و سلطان القانون على الظاهر لا على الباطن والقانون قد يعاقب المسيء لكنه لا يكافئ المحسن ، و إذا كانت القوانين عاجزةً عن أن تزجر الإنسان عن الشر والفساد بدليل كثرة الشر والفساد ، فهي أشدُّ عجزاً من أن تدفع الإنسان إلى الخير والإصلاح.
    ومن هنا لا يكفي كل من الضمير و العقل و المجتمع و المنفعة و القانون لأن يكون أحدهم مصدرا للإلزام الأخلاقي ، و الاكتفاء بوضع باعث واحد للالتزام أدعى إلى عدم الالتزام .

    و لو جعلنا طرق الإلزام كل هذه الطرق دون الإلزام بوازع الدين فهذا لا يصح أيضا ؛ لأن الضمير متفاوت متغير و العقول قاصرة متفاوتة في إدراك ما ينفعها و المنفعة نسبية فما ينفعني قد لا ينفع غيري و المجتمع متغير و ما هو سائد في هذا المجتمع قد لا يكون سائدا في مجتمعي ،والقانون سلطانه على الظاهر دون الباطن فلابد من مصدر متعالي يهيمن على كل هذه المصادر و يرشدها ويوجهها ويقومها إذا إعوجت.




    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  12. #42
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الحاجة إلى الدين في تأسيس الأخلاق و الإلزام بها

    إن القيم الأخلاقية لا معنى لها إذا لم تكن مطلقة وملزمة ، ولا تكون القيم الأخلاقية كذلك إلا إذا استمدت وجودها و إلزاميتها من مصدر متعالي ،وهذا المصدر المتعالي هو الدين ، وأمام الدين يصبح الإنسان أمام مرجعية عليا للأخلاق بحيث يستند إليها في تقرير صحة القواعد والمبادئ الأخلاقية من ‏عدمها، و المبادئ التي جاء بها الدين في المجال الأخلاقي ‏مبادئ ثابتة ومطلقة وغير قابلة للتغير والتبدل ، وعزل القيم الأخلاقية عن هذا المصدر المتعالي يؤدي إلى زوال حقيقتها فتصبح خاضعة إما للضمير المتقلب المتغير أو للعقل القاصر المتفاوت أو للمنفعة النسبية أو للمجتمع المتغير غير المثالي.


    وبغير الدين لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما ،و لم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية و تقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام إلا الوازع الديني الذي يجعل الإنسان يشعر الإنسان بمراقبة الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلزام للإنسان ،و هو خير ضمان لاستقامة الفرد في حياته .

    و إن حضور الدين في مشاعر الحب والخوف والرضا والغضب والرغبة والكره تنمي في شخصية الإنسان مقاومة الانحراف و الشر ، بينما خلو المشاعر من التدين يؤدي إلى سهولة انحراف الإنسان ، والذي يستشعر أن الله سبحانه هو الحسيب والرقيب يكون من أبعد الناس عن الغش والكذب والظلم ،والذي لا يؤمن بإله خالق حسيب ورقيب يكون من أقرب الناس إلى الغش والكذب والظلم ،و يقول البعض : إذا لم يكن إله ولا دين فليس غريبا ولا مجافيـا للواقع أن تعيث في الأرض فسادا ولو على حساب الآباء والأبناء ،ويقول آخرون : إذا لم يكن لك دين فلا مانع أن تخونك زوجتك ويسرقك خادمك .


    و في المجتمعات غير الملتزمة بالدين يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال المنافية للأخلاق لكن الشخص المتدين حق التدين لا يمكن أن يفعل الأعمال المنافية للأخلاق مثلا لا يقبل أن يتعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب بعد الموت أما ّالشخص غير المتدين فلا يمنعه شيء عن ارتكاب هذه الأعمال .

    و ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين : أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا آخذ رشوة أو أن يقول : أنا لا أؤمن بالله و لكنني لا أقامر أو أن يقول : أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا أسرق أو أن يقول : أنا لا أؤمن بالله و لكنني لا أزني و السبب أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته، ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أي فعل من هذه الأفعال عند تغير المواقف أو الأوضاع من حوله .

    وإذا قال شخص ما : أنا ملحد ولكنني لا أزني فالشخص نفسه قد يرتكب الزنا في مكان يعتبر فيه الزنا أمرا عاديا. وممكن للشخص الذي لا يأخذ رشوة أن يقول : إني أحتاج المال فعلي أن أقبل الرشوة هذا إذا لم يكن في قلبه خوف من الله تعالى.

    وفي حالة غياب الدين ، فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة فالإنسان الذين لا دين له يمكن ألا يعتبر - حسب رأيه - أن أخذ المناشف وأدوات الزينة من الفنادق سرقة.
    و من ناحية أخرى فإن الشخص المتدين لا يظهر مثل هذا العمل ؛ لأنه يخشى الله ويعلم أن الله يعلم سره وعلانيته، فالمؤمن يعمل بإخلاص ويتجنب المعاصي، ويمكن لملحد أن يقول : أنا ملحد ولكنني أتسامح مع الناس، فأنا لا أشعر برغبة في الانتقام ولا أكره أحدا ، ولكن في يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن يحاول قتل شخص ما أو إيذائه لأن الأخلاق التي لديه تتغير بحسب البيئة والظروف التي يوجد فيها ،وانعدام الوازع الديني عند الملحد يجعله كلما تحركت في نفسه شهوة أو نزوة سارع إلى قضائها .

    أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان فلا يحيد أبدا عن الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات ، فأخلاقه غير متقلبة ،و الوازع الديني عنده ومراقبة الله والخوف من ارتكاب الإثم يجعله يتجنب الوقوع في رذائل الأخلاق .











    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  13. #43
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    نظرات في كلام الملاحدة واللادينين


    قال بعضهم : ( وجدت الأخلاق قبل الدين ،و اخترع الدين لتنظيم المسيرة الأخلاقية فالأخلاق مستمدة من احتياجات الإنسان و اهتماماته بل الإنسان إذا وجد بعض القيم الخلقية في الدين فإنها مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين ) ،و هذا الكلام غير صحيح إذ مبناه أن الدين جاء بعد فترة زمنية من وجود البشر ،و الدين موجود منذ أن وجدت البشرية ،ولا يوجد على الإطلاق في أي عصر من العصور ، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين و لا بلا إله معبود حقاً كَانَ أو باطلاً فهناك اتجاه فطري إِلَى أن يكون هناك دين ، و إله معبود و كما قال البعض : لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ، و لم توجد جماعة بغير ديانة و ذكر آخرون أن فكرة التدين لم تخل منها أمة من الأمم في القديم و الحديث .

    و لا يضير الدين الحق وجود أديان باطلة فكل هذه أمور طارئة والإنسان قد تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف عن الدين الحق فإذا لم يهتد الإنسان إلى الله تعالى و إلى الدين الحق فإنه يُعبِّد نفسه لأي معبود آخر ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين ، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولو كان خبيثا ليسد به جوعته .


    والدين ليس اختراعا بشريا بل عطاءا ربانيا من الله للبشر ليهدي البشرية ويوجهها ويرشدها إلى خير الدنيا و الآخرة .

    ولا يختص الدين بتنظيم السلوكيات الأخلاقية بل يختص بتنظيم جميع السلوكيات و جميع أمور الناس إذ يوجد بالدين جميع أنواع التشريعات من تشريعات اجتماعية و تشريعات اقتصادية وتشريعات دولية وتشريعات جنائية وتشريعات أسرية وتشريعات سياسية وغير ذلك من التشريعات فالدين منهج حياة .

    والزعم بأن الأخلاق مستمدة من احتياجات الإنسان و اهتماماته زعم باطل وكلام بلا دليل فأين الحاجة للتضحية و الفداء ؟ وأين الحاجة للكرم والجود ؟ وأين الحاجة للإيثار ؟ وأين الحاجة للعطف على الحيوانات ؟وأين الحاجة للعطف على الفقراء والمساكين والمرضى ؟ وأين الحاجة للتعاطف مع الناس ؟

    والزعم بأن القيم الأخلاقية الموجودة في الدين مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين زعم باطل وكلام عار عن الصحة فكم عارض الدين أخلاقيات المجتمع الذي وجد فيه والدين يصحح أخلاقيات المجتمع فيرفض الأخلاقيات السيئة كالعري و زنا المحارم وزواج المثليين و اللواط و تبرج النساء والظلم والعدوان .


    و قال بعضهم: ( وجود بعض الأخلاق في بلاد لا تدين بدين سماوي ،ووجود بعض الأخلاق في بلاد يكثر فيها الإلحاد ،و انتشار الفساد في البلاد الإسلامية أي يوجد من هو متدين بدين وليس لديه أخلاق ، بينما يوجد من هو لا ديني ولديه أخلاق ،وهذا دليل على عدم مصدرية الدين للأخلاق ) و هذا قول باطل إذ وجود بعض الأخلاق في بلاد لا تدين بدين سماوي ،ووجود بعض الأخلاق في بلاد يكثر فيها الإلحاد ليس دليلا على عدم مصدرية الدين للأخلاق بل دليل على وجود دين كانت تدين به هذه البلاد ،و هذه الأخلاق من بقايا آثار هذا الدين .

    وإن كان مصدر الأخلاق هو الدين إلا أن ممارسة الأخلاق قد تستمر مع غياب هذا الدين أو اندثاره فتظل الأخلاق موروثاً دينياً يمتد حتى بعد غياب الدين أو تشوه حقائقه كما تظل بعض التقاليد والعادات تنتقل بين الأجيال برغم تغير الأديان والعقائد والثقافات، فتظل موروثاً ثقافياً مستمراً وإن جهلنا أصله ومنشأه .

    وقولهم يوجد من هو متدين بدين وليس لديه أخلاق ، بينما يوجد من هو لا ديني ولديه أخلاق ليس دليلا على عدم مصدرية الدين للأخلاق إذ الأخلاق كمبدأ لا يمكن وجودها بغير دين أما الأخلاق كممارسة أو حالة معينة من السلوك فإنها لا تعتمد مباشرة على التدين .

    والإيمان بالشيء لا يستلزم العمل له و إن كان دافعا على العمل له فالناس تعلم و تتيقن أن النار محرقة و بعضهم يحرق نفسه بالنار و أيضا قد تجد أن الولد الذي يعلم أن فلان أبيه لا يبر هذا الأب و أيضا قد تجد أن الدائن لا يعطي المال للمدين و بعض الناس تعلم أن الزنا يكون سبابا في العديد من الأمراض الجنسية و مع ذلك يرتكبه و بعض الناس تعلم أن من قتل سيعاقب من الحكومة و مع ذلك يقتل .


    واحتج بعضهم : ( أن الدين ثابت و أخلاقيات بعض المنتسبين إلي الدين تتغير مع الوقت ) والجواب أن تغير أخلاقيات بعض المنتسبين إلي الدين دليل على ضعف التدين عندهم ، و ليس دليلا على عدم مصدرية الدين للأخلاق ففرق بين العلم بالدين وبين العمل بالدين أو ممارسة الدين فقد لا يعمل الشخص بما علم بسبب هوى في النفس أو شبهة أو مغالطة أو تعلق قلبه بشيء آخر ،وعلى سبيل المثال كثير ممن يدخن يعلم الآثار السيئة للتدخين ومع ذلك يدخن ،ومن يقتل شخصا يعلم أن القتل مجرم دينيا وقانونيا ومع ذلك يقتل .
    و قال بعضهم : ( ليس من الأخلاق قطع يد السارق و رجم الزاني ،وكيف يكون الدين مصدرا للأخلاق و يشترط شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا فلو فعلها الشخص دون علم لأحد أو أمام سيدات لا بأس بذلك ؟ ) و قطع يد السارق و رجم الزاني من الأحكام الدينية ،وليس من الأحكام الأخلاقية فإدخاله في الأخلاق مغالطة وتزييف ، والعقوبة على قدر الجريمة و غلظة العقوبة بسبب غلظة الجريمة ،و هذه العقوبات المغلظة الهدف منها التخويف والردع وهؤلاء الملاحدة نظروا إلى غلظة العقوبة و لم ينظروا إلى شناعة الجريمة وهذا ليس من العدل و الإنصاف في شيء .

    أما قول بعضهم : (و يشترط شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا فلو فعلها الشخص دون علم لأحد أو أمام سيدات لا بأس بذلك ؟ ) فهذا الكلام ينم عن الجهل الشديد بالشريعة الإسلامية و أحكامها فقد اشترط الشرع شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا تغليظاً على من يرمي شخصا بالزنا ؛ لأن شهادة المدعي قد يترتب عليها قتل وعار دائم ،وليس هذا الشرط لجواز الزنا بل لسدّ السبيل على الذين يتهمون الأبرياء ظلماً، وكذلك سدّ السبيل على الذين يريدون إشاعة الفاحشة في المجتمع .

    والإسلام قد حرم الزنا فقد قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ (الإسراء: الآية 32) ،وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ ( الفرقان : الآية 68 ) ،وقال تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ( الأعراف : الآية 33 ) ،ومن المعلوم أن الزنا من أفحش الفواحش وأشد الجرائم ، وأبشع المعاصي ، وأقبح الذنوب.


    و قال البعض : ( ليس الدين مصدر الأخلاق إذ كيف يضبط السلوك الاجتماعي عن طريق التهديد بالعذاب الأبدي بواسطة كائن فوق الطبيعة ؟ و عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب ،و أسلوب الترغيب في الأخلاق الحسنة بدخول الجنة والترهيب من الأخلاق السيئة بدخول النار ليس من الأخلاق في شيء ) و دعواهم أن السلوك الاجتماعي لا يضبط عن طريق التهديد بالعذاب كلام مخالف للواقع فكم من شخص ارتدع عن فعل معصية خوفا من عذاب الله يوم القيامة لكن الناس طبائع شتى منهم من يرتدع بالترهيب و منهم من يرتدع بالترغيب ومنهم من يرتدع بوازع الضمير ومنهم من يرتدع بوازع العقل ومنهم من يرتدع بوازع السلطان ،والدين قد عدد طرق الإلزام لمعرفته بطبيعة النفس البشرية .

    وقول بعضهم عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب و أسلوب الترغيب في الأخلاق الحسنة بدخول الجنة والترهيب من الأخلاق السيئة بدخول النار ليس من الأخلاق في شيء ) فيه تشويه للحقائق فالمؤمن يعبد الله و يتخلق بالخلق الحسن طاعة لله المتفضل عليه بالنعم و خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فأين هذا الحال من حال المرتشي والراشي الذي يفعل فعلا مشينا ؟!! والناس تحب و تمدح من يعبد الله خوفا من العذاب وطمعا في الثواب لكنها تذم المرتشي والراشي فأين هذا من هذا ؟

    و الرشوة كل مال دفع لذي جاه عوناً على ما لا يحل أما التخلق بالخلق الحسن خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فهو فعل ما يستحسن أن يفعل – أي التحلي بالخلق الحسن - و يستقبح ألا يفعل - أي عدم التحلي بالخلق الحسن - فأين هذا من هذا ؟ والرشوة يترتب عليها ضياع الحقوق وفساد المجتمعات و العبادة والتخلق بالخلق الحسن طاعة لله وخوفا من العذاب وطمعا في الثواب يترتب عليها سعادة الفرد والمجتمع و صلاح الفرد والمجتمع فأين هذا من هذا ؟


    والملحد يتوهم أن أسلوب الترغيب والترهيب يقلل من الأخلاق ،و كأنه يريد أن يقول أن الأخلاق الحسنة يجب فعلها بصرف النظر عما يترتب عليها من جزاء أو مكافأة و أن الأخلاق السيئة يجب تركها بصرف النظر عما يترتب عليها من عقاب وهذه أخلاق كانط و مثل هذه الأخلاق إن تصلح لفئة خاصة أمثال كانط فإنها لا تصلح لجميع الفئات، والأخلاق الإسلامية جاءت لجميع الفئات مراعية لجميع النفوس ولجميع الفروق الفردية .

    ومن طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه ، و يعد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية ، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان ،وربط الأخلاق بالجزاء أمر ضروري؛ لأنه يزيد قيمة الأخلاق كما تزيد قيمة الشجرة ثمرتها وبذلك اختلفت الأخلاق الإسلامية عن الأخلاق الكانطية التي لا تربط الأخلاق بالجزاء والمكافأة, والأخلاق من غير جزاء ومكافأة جافة لا طعم فيها أو قليلة الفائدة وناقصة القيمة .



    وقال البعض : ( لا يحق لأي دين أن يفرض رؤيته للفضيلة الأخلاقية و الإثم و السلوك الجنسي و الزواج و الطلاق و التحكم في النسل أو الإجهاض أو أن تسن القوانين بحسب تلك الرؤية على بقية المجتمع ،والمبادئ الأخلاقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور الأخلاقي و الديموقراطية ) وهذا الكلام فيه إجحاف لحق الخالق فالخالق له الحق أن يشرع لخلقه ما يصلحهم و هو أعلم بمصالح خلقه منهم ،و لو كلّ فرد في المجمتع له الحق في أنْ يفعل ما يريد ويشتهي، ولا يحقّ للدين أنّ يمنعه فإنّ ذلك سيستلزم حدوث الهرج والمرج .


    وقول بعضهم : (والمبادئ الأخلاقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور الأخلاقي و الديموقراطية ) كلام في غاية السخف والسقوط ،و الناس بفطرتهم يحبون الأخلاق الحسنة كالعدل و الكرم والوفاء ، كما ينفِرون بفطرتهم من الأخلاق السيئة كالكذب والغدر والخيانة ،وهل مثل هذه الأمور تحتاج للتشاور ؟ إن من يريد التشاور في معرفة الأخلاق الحسنة و السيئة كمن يريد التشاور في معرفة أن الواحد نصف الاثنين ،وأن النقيضين لا يجتمعان .

    وإن أرادوا التشاور في الإلزام بالأخلاق الحسنة و اجتناب الأخلاق السيئة عن طريق وضع قانون فهذا القانون سلطانه على بعض الظاهر فضلا عن الباطن ،وهذا القانون من الممكن التحايل عليه والإفلات منه والقانون من الصعب أن يطبق على كل الأخلاق .

    والقوانين ليس لها سلطان على النفوس، ولا تقوم على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام، ولهذا فإنَّ النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك، وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء، ورأت في هذه المخالفة إتباعا لأهوائها وتحقيقًا لرغباتها.

    إنَّ القانون لا يكفي أن يكون صالحًا، بل لا بُدَّ له من ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات إيجاد ما يصل هذا القانون بنفوس الناس، ويحملهم على الرضى به، والانقياد له عن طواعية واختيار.

    ولا يحقق مثل هذه الضمانة مثل الإسلام؛ لأنه أقام تشريعاته على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، وأن الالتزام الاختياري بهذه التشريعات واحترامها هو مقتضى هذا الإيمان .

    وقال البعض : ( العقل و الإنسانية كفيلان بجعل الإنسان يتخلق بالخلق الحسن ،ومن طبائع الإنسانية و دون حاجة لتوجيه ديني مباشر أو غير مباشر مسائل مثل تجريم القتل و السرقة و الخيانة المالية و الزوجية و العلاقات الممنوعة بين المحارم ، والأخلاق موجودة في الضمير الإنساني ،والحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل الإنسان هو شيء خاطئ يصور الإنسان كأنه كائن لا أخلاقي وحوش ، وإذا كان هذا الوحش موجوداً داخل أي إنسان فلن ينفع لا الدين ولا القوانين بالقضاء عليه ) وهذا الكلام باطل و مخالف للواقع فمن الناس من لا ينفع معه وازع العقل و لا ينفع معه وازع الضمير الإنساني وكم من أناس خالفوا عقولهم وباعوا ضمائرهم بسبب الهوى والشهوة ،ومن الممكن أن ينحرف العقل والضمير عن الحق بسبب بعض المؤثرات ولذلك لابد من موجه ومرشد للعقل والضمير حتى لا يحيدا عن الحق .

    أما قول بعضهم : ( الحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل الإنسان هو شيء خاطئ يصور الإنسان كأنه كائن لا أخلاقي وحشي ) فهذا الكلام ينم عن الجهل الشديد بالدين فالدين لا يعرفنا الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة فقط بل يلزمنا بفعل الخلق الحسن و اجتناب الخلق الرذيل و يعرفنا ثواب الخلق الحسن وعقاب الخلق الرذيل و يشجعنا على فعل الخلق الحسن و اجتناب الخلق الرذيل وبذلك يكون الدين عونا في إيقاظ الدوافع النبيلة في النفس البشرية و عونا في إخماد دوافع الشر في النفس البشرية .

    ولأن من الناس من يقل عنده الوازع الديني ومنهم من لا يجدي معه وازع الترغيب والترهيب ومنهم من لا يجدي معه وازع العقل ، ومنهم من لا يجدي معه وازع الضمير لذلك نوع الشرع طرق الإلزام فمن لا يجدي معه وازع الدين قد يجدي معه وازع المجتمع الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ، و من لا يجدي معه وازع الدين قد يجدي معه وازع السلطان .

    أما قول بعضهم : ( وإذا كان هذا الوحش موجوداً داخل أي إنسان فلن ينفع لا الدين ولا القوانين بالقضاء عليه ) فهذا الكلام مخالف للواقع والتاريخ فكم غير الدين مجتمعات كانت تألف المحرمات وترتكب المحظورات وتفعل الموبقات ،وكم غير بعض المصلحين مجتمعاتهم .

    وقال البعض : ( الافتراض بأنّ الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ يصور الإنسان كأنه شرّيرٌ بالفطرة لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحّش ) ،وهذا الكلام فيه تشويه للحقائق إذ من طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه ، و يعد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية ، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان .

    و الجزاءات المترتبة على السلوكيات الأخلاقية تعد من أقوى الحوافز والدوافع القوية إلى الالتزام الدائم بالقيم الأخلاقية ، ذلك أنه بقدر ما يعرف الإنسان قيمة الشيء يلتزم به وبقدر ما يعرف العواقب الوخيمة لسلوكيات سيئة يتجنبها ، وهذا وذلك يدفعانه إلى مزيد من التضحية من أجل التمسك بالقيم في هذه الحياة .

    و الإنسان بطبيعته يتصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع, فهو يفعل أمرا طمعا في شيء معين و لا يفعل أمر آخر خوفا من شيء معين ،و على سبيل المثال يعمل الإنسان طلبا للمال ويزيد في عمله ويجد طمعا في الحوافز والترقيات ولا يتأخر عن عمله خوفا من الجزاءات فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟ ،والطالب يذاكر طمعا في النجاح و خوفا من الرسوب فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟،والسائق يلتزم بإشارات المرور خوفا من الغرامة فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟


    وقال البعض : ( القول بأن الأديان مصدر الأخلاق مسألة غير عملية لا تصمد أمام التجارب الحقيقية على أرض الواقع ) وهذا الكلام مخالف للحقائق إذ الدين موجود منذ أن وجدت البشرية ،ولا يوجد على الإطلاق في أي عصر من العصور ، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين ،و يمثل الاهتمام بالأخلاق قاسماً مشتركاً في جميع الأديان ،ولا توجد ديانة إلا وهي تدعو أتباعها إلى الالتزام بالقيم الأخلاقيّة على اختلاف في التفاصيل .

    ولم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية و تقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام إلا الوازع الديني الذي يجعل الإنسان يشعر الإنسان بمراقبة الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلزام للإنسان ،و هو خير ضمان لاستقامة الفرد في حياته وبغير الدين لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما.


    وقال البعض : ( إن خصصنا الأديان كمصدر للأخلاق لوجود نصوص أخلاقية فعليه سنقول الأديان مصدر القتل لوجود تعاليم ترتبط بالقتل و أنها مصدر الحرب لوجود تعاليم ترتبط بالحرب ) وهذا الكلام تشويه للحقائق فالدين مصدر الأخلاق ؛ لأنه منهج حياة وضعه الله للبشر لسعادة الدارين ،و الدين عقيدة وعمل والدين عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق، والكلام عن الأخلاق الدينية فرع عن الكلام عن الدين فإذا ثبت بالأدلة أن دين معين هو الدين الحق فلابد من الإيمان والانقياد والتسليم لكل ما جاء به هذا الدين من عقائد وعبادات ومعاملات و أخلاق ، و عزل القيم الأخلاقية عن الدين يؤدي إلى زوال حقيقتها فتصبح خاضعة إما للضمير المتقلب المتغير أو للعقل القاصر المتفاوت أو للمنفعة النسبية أو للمجتمع المتغير غير المثالي.


    وقال البعض: ( لنفرض أن أمامنا عدة كتب (التوراة، الإنجيل، القرآن، ...) كل منها يزعم أنه الصحيح ويحتوي الأخلاق الصحيحة وفقط هو يمتلك هذه المعرفة. كيف سيكون بإمكاننا معرفة أي منها هو الصادق إذا لم نعرف أصلاً ما تعنيه الأخلاق؟ أي كيف يمكننا أن نقول أن كتاباً معيناً هو الصحيح من وجهة نظر أخلاقية إذا لم تكن لدينا فكرة مسبقة مستقلة عما يعنيه أن يكون حكماً ما أخلاقياً أو لا؟ بأي معيار أستطيع أن أقول أن كتاباً معيناً صادق بحكم أخلاقي ما (أو بكل أحكامه الأخلاقية) بدون أن أعرف ما تعنيه الأخلاق؟ بالتالي من هنا ضرورة أن تكون المعرفة الأخلاقية سابقة ومستقلة وذات أولية على الدين ما يؤدي إلى أن الكتب الدينية لا يمكنها أن تكون مصدراً للأخلاق ) ،وهذا الكلام سفسطة باطلة إذ الكلام عن الأخلاق الدينية فرع عن الكلام عن الدين فإذا ثبت بالأدلة أن دين معين هو الدين الحق فلابد من الإيمان والانقياد والتسليم لكل ما جاء به هذا الدين من عقائد وعبادات ومعاملات و أخلاق ، و صدق الدين يستلزم صدق التعاليم التي جاء بها والتي من ضمنها التعاليم الأخلاقية ،و صدق الدين يستلزم أن تكون تعاليمه مصدر للعقيدة ومصدر للعبادات ومصدر للمعاملات ومصدر للأخلاق.

    والمعرفة الأخلاقية لا تستقل بنفسها في تأسيس الأخلاق بل تحتاج إلى الدين ،ولا يمكن أن نستغني بها عن الدين إذ القضية ليست مجرد معرفة الحسن والقبح للسلوك الأخلاقي فقط فما فائدة العلم بحسن الصدق مع عدم التحلي به ،وما فائدة العلم بقبح الكذب مع اقترافه وعليه فالمعرفة الأخلاقية لا تؤتي ثمرتها إذ لم يعمل بمقتضها ،وكي تؤتي المعرفة ثمارها لابد أن تكون ملزمة وهذا قدر زائد على المعرفة يتميز به الدين عن المعرفة إذ الأخلاق الدينية ملزمة ،والأخلاق الدينية يترتب عليها ثواب وعقاب أي مرتبطة بالجزاء وربط الأخلاق بالجزاء يزيد قيمة الأخلاق ،و الأخلاق من غير جزاء ومكافأة قليلة الفائدة وناقصة القيمة.

    و الدين يعرفنا الأخلاق المحمودة و يلزمنا بها و يحث على فعلها و يبين ثواب الامتثال بالفعل و يكون عونا في إيقاظ دوافع السلوك الحميد في النفس البشرية ويعرفنا الدين أيضا الأخلاق المذمومة ويلزمنا بتركها ويحثنا على تركها و يبين عقاب عدم الامتثال بالترك ، و يكون عونا في إخماد دوافع السلوك المذموم في النفس البشرية .

    ولم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية و تقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام إلا الوازع الديني الذي يجعل الإنسان يشعر الإنسان بمراقبة الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلزام للإنسان ،و هو خير ضمان لاستقامة الفرد في حياته وبغير الدين لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما.


    وقال البعض : ( الدين هو مصدر الأخلاق هي مقولة خاطئة لأنها تؤدي إلى تناقض ذاتي: لنفرض أن إنسان أ1 يتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د1 وأما الإنسان أ2 فيتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د2. في حال اختلاف الدينين فيما يطالبان به بخصوص حالة معينة (كضرورة أو عدم ضرورة رجم الزانية مثلاِ) فإن هذا يؤدي العمل ذاته سيكون أخلاقياً من منظور الدين الأول وغير أخلاقي من منظور الدين الثاني. أي أن الحكم الموضوعي على العمل نفسه لن يكون ممكناً إذا كان مرجعنا فيما يجب فعله أو الاستنكاف عن عمله هو فقط ما يسوغه دين معين أو غيره ) وهذا الكلام سفسطة فمن المشاهد أن أهل كل مجال معين قد يختلفون في الحكم على شيء معين لكن هذا لا ينفي مصدريتهم في الحكم على هذا الشيء ،وعلى سبيل المثال مريض يشتكي من أعراض مرضية لمرض معين يمكن أن يذهب لخمسة أطباء كل منهم يشخصه غير الآخر بل عكس الآخر هل يمكن أن ننفي مصدرية الأطباء في الحكم على المسائل الطبية بسبب هذا الاختلاف ؟ ،ومثال آخر مسألة قانونية تعرض على عشرة مستشارين كل منهم يحكم فيها غير الآخر بل عكس الآخر هل يمكن أن ننفي مصدرية المستشارين في الحكم على المسائل القانونية بسبب هذا الاختلاف ؟

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
    مراجع المقال :
    أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان
    الإسلام بين الشرق والغرب للفيلسوف على عزت
    التعريفات للجرجاني
    بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي
    دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف
    علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن
    موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  14. #44
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    للتحميل من هنا أو هنا
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  15. #45
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الملحد وزعمه الجائر أن الخالق لا يستحق العبادة تعالى الله عما يقول الظالمون













    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول - إن شاء الله وقدر - زعم الملاحدة الجائر بأن الله – سبحانه وتعالى – لا يستحق العبادة - تعالى الله عما يقول الظالمون - .

    عرض زعم الملاحدة الجائر

    يزعم الملاحدة أن الله – سبحانه وتعالى – لا يستحق العبادة - تعالى الله عما يقول الظالمون - ويبرر أحدهم هذا الزعم الجائر قائلا : أن قيمة الأشياء تتميز في مقدار تأثيرها علينا ،و تأثير الله علينا هو الخلق ،والخلق ليس سببا كافيا للعبادة ؛ لأن الخلق لابد أن يكون له هدف سامي ،و غياب أي الهدف يجعل عملية الخلق عبثيةً ،و في حالة وجود هدف، فالهدف في حد ذاته ينسف صفة الكمال والاكتفاء الذاتي عند الله، وفي حالة غياب أي هدفٍ أو غايةٍ للخلق فلماذا سنعبده ؟

    ويستطرد في سفسطته قائلا : ربما عظمته وجلاله في حد ذاتها سببٌ كافي يدفعنا للعبادة... ربما السبب أن الله بنفسه طلبَ مِنا عبادته ،و طلبه هذا جاء من كائنٍ في موقع قوةٍ تجاه كائنٍ آخر في موقع ضعف ،وهذا فيه استغلال للقوة و القدرة في إيذائنا ليفرض أحكامهِ علينا بل يلجأ للتهديد والترغيب (قانونياً هذه جريمة ابتزاز) لإجبارنا على تنفيذ أوامره التي لا نعرف سببًا واضحًا لها أو غايةً معينة بل إن ضررها في أغلب الأحيان أكثر من فوائدها لما تثيره من تبلدٍ للفكر (ترديد نفس العبارات مراراً وتكراراً) وإضاعةٍ للوقت وتبذيرٍ للجهد.

    ثم يفترض هذا الملحد افتراض خاطئ أن الله يحتاج لعبادتنا ومن ثم هذا ينفي عنه صفة الكمال لثبات حاجته ثم يقول هذا الملحد : ولو افترضنا نحن حاجتنا لعبادته فإن تلك الحاجة تنفي التكليف الذي يفرضه علينا، لأن العبادة حينها ستكون حاجةً طبيعيةً مثل الحاجات الإنسانية الأخرى كالهواء والغذاء .وقبل الرد على هذه الدعاوي والتفاهات لابد من بيان مفهوم العبادة .
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

صفحة 3 من 9 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء