صفحة 6 من 9 الأولىالأولى ... 45678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 76 إلى 90 من 124

الموضوع: كي لا تنخدع بالإلحاد ( متجدد )

  1. #76
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الملحد واستنكاره استعمال الإسلام لأسلوب الترغيب والترهيب

    د.ربيع أحمد












    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول بإذن الله استنكار الملاحدة لاستعمال الإسلام لأسلوب الترغيب والترهيب .


    إنكار الملاحدة لأسلوب الترغيب و الترهيب

    ينكر الملاحدة حض الإسلام على فعل الخير عن طريق ذكر الثواب و المكافأة على فعله ،وهو ما يعرف بالترغيب ،ويستنكرون أيضا حث الإسلام على ترك الشر عن طريق ذكر العقاب و العواقب الوخيمة له ،وهو ما يعرف بالترهيب ويعللون ذلك أن مجرد معرفة الإنسان بالخير كفيلة بأن تجعله يفعل الخير ،ومعرفة الإنسان بالشر كفيلة بأن تجعله يجتنب الشر ومن ثم فلا حاجة و لا قيمة لأسلوب الترغيب و الترهيب .
    .

    ويقول بعض الملاحدة : " من يفعل الخير حبا لذات الخير هو أفضل من الذي يفعل الخير طمعا أو خوفا من رقيب نحن الملحدين لسنا بحاجة لرقيب و لسنا أطفال بحاجة لـ big brotherـ" .

    و يقول آخرون : " إن ما يحرّك الإنسان على الخير وأداء الأمانة والالتزام الأخلاقي وأداء واجباته بضمير والرحمة بالمتألمين والمبادرة إلى نجدتهم هو فعل الخير لذات الخير ،وليس رجاء الثواب من إله أو إنسان.

    ويقول أحدهم : " فعل الخير يجب أن يطبق بصرف النظر عما يترتب عليها من جزاء أو مكافأة "

    ويقول آخر: " الافتراض بأنّ الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ يصور الإنسان كأنه شرّيرٌ بالفطرة لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحّش "
    وبالغ بعضهم فقال: الحض على فعل الخير عن طريق ذكر الأجر و الثواب عبارة عن رشوة للناس كي يفعلوا الخير .
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  2. #77
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    معرفة الخير لا تكفي لإلزام الناس به

    معرفة الخير لا تكفي وحدها لإلزام الناس به ،ومعرفة الشر لا تكفي وحدها لصرف الناس عنه فقد لا يعمل الشخص بما علم بسبب هوى في النفس أو شبهة أو مغالطة أو تعلق قلبه بشيء آخر ،وعلى سبيل المثال كثير ممن يدخن يعلم الآثار السيئة للتدخين ومع ذلك يدخن ،ومن يقتل شخصا يعلم أن القتل مجرم قانونيا ومع ذلك يقتل ،و الناس تعلم و تتيقن أن النار محرقة و بعضهم يحرق نفسه بالنار و بعض الناس تعلم أن الزنا يكون سبابا في العديد من الأمراض الجنسية و مع ذلك يرتكبه .

    و إذا كانت معرفة الخير لا تكفي وحدها لإلزام الناس به ،ومعرفة الشر لا تكفي وحدها لصرف الناس عنه فلا معنى لمعرفة الخير دون إلزام بفعله ،و لا معنى لاستحسان الخير دون إلزام بفعله إذ بدون الإلزام لا يهتم الإنسان بفعل الخير ولا يعيره اهتماما و بانعدام الإلزام تنعدم المسؤولية التي تلزم الإنسان بعمل الخير ، وإذا انعدمت المسؤولية التي تلزم الإنسان بعمل الخير ،ولا يوجد ما يحمل الإنسان على الالتزام بفعل الخير يضيع الخير فكل شخص يفعل ما يحلو له .



    من طبيعة النفس البشرية التصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع

    من طبيعة النفس البشرية التصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع ،وهذا ليس عيبا فيها بل هو من طبيعتها و مما جبلت عليه كما جبلت على حب البقاء و الجمال والتكاثر .

    و كثير ما تفعل النفس البشرية الخير لأجل جلب مصلحة أو لدفع مفسدة أو للاثنين معا ،وقلما تفعل لأجل الخير ذاته .

    وتجد الواحد من الناس يفعل أمرا طمعا في شيء معين و لا يفعل أمر آخر خوفا من شيء معين ،و على سبيل المثال يعمل الإنسان طلبا للمال ويزيد في عمله ويجد في عمله طمعا في الحوافز والترقيات ولا يتأخر عن عمله خوفا من الجزاءات والعقوبات ،والطالب يذاكر طمعا في النجاح و خوفا من الرسوب ،والسائق يلتزم بإشارات المرور خوفا من الغرامة وحفظا على السلامة .

    والملحد نفسه يتصرف في حياته اليومية وفق الخوف والطمع فهو يذاكر أملا في النجاح وخوفا من الرسوب ويعمل طلبا للمال وأملا في حسن المعيشة وهل وجدنا ملحدا يعمل ولا يريد أجرا على عمله ؟!! ،وهل وجدنا ملحدا يتفوق في الامتحان ،ولا يريد شهادة تقدير على تفوقه ؟!! ،ولو قال الملحد أنا لا أسرق ؛ لأني لا أحب أن يسرقني أحد فهو يريد أن يعامل بالمثل ،ومن ثم يريد مقابل معاملته معاملة مثلها و بالتالي فهو لا يسرق ؛ لأن السرقة شر لكن لا يسرق ؛ لأنه يريد ألا يسرقه أحد .

    أسلوب الترغيب والترهيب يتفق مع طبيعة النفس البشرية

    أسلوب الترغيب و الترهيب يتفق مع طبيعة النفس البشرية فالنفس البشرية تحب ما فيه نفعها ومصلحتها وتقبل عليه وتكره ما يضرها ويؤذيها وتنفر منه ،والترغيب في الخير يحث الناس و يدفعهم إلى فعله ،والترهيب من الشر يحث الناس على تركه و يدفعهم إلى اجتنابه .

    استعمال أسلوب الترغيب و الترهيب في الحياة اليومية

    يعد أسلوب الترغيب و الترهيب من أكثر الأساليب المستخدمة في حياتنا اليومية ولما لا و هذا الأسلوب يوافق الفطرة و طبيعة النفس البشرية .

    و من أمثلة استعمال أسلوب الترغيب و الترهيب في الحياة اليومية : المدرس في المدرسة يحض الطلبة على المذاكرة بالترغيب والترهيب،والأستاذ في الجامعة يحض الطلبة على المذاكرة والبحث بالترغيب والترهيب ،والأب والأم في المنزل يحضا ابنهما على عمل شيء معين بالترغيب والترهيب ،والبائعون يروجون سلعتهم بالترغيب و الترهيب ،ومدير العمل يحفز موظفيه على الالتزام بالعمل بالترغيب و الترهيب .

    وما زال الدعاة و المصلحون و القادة و الإعلاميون يستعملون أسلوب الترغيب و الترهيب في حمل الناس على فعل الخير و التحلي بالفضائل ،وحمل الناس على ترك الشر و ترك اقتراف الرذائل .

    أهمية أسلوب الترغيب و الترهيب

    يكتسب أسلوب الترغيب والترهيب أهمية بالغة لشدة أثره و تأثيره على الناس في حملهم على فعل الخير و ترك الشر ،ولذلك كثر في القرآن و السنة الترغيب بالجنة والترهيب من النار، وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار، ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه، وضعفت همته، ووهى باعثه، وكلما كان أشد طلبا للجنة، وعملا لها كان الباعث له أقوى، والهمة أشد، والسعي أتم. وهذا أمر معلوم بالذوق[1].


    وربط عمل الخير بالجزاء ،والمكافأة أمر ضروري؛ لأنه يزيد قيمة عمل الخير كما تزيد قيمة الشجرة ثمرتها والجزاءات المترتبة على عمل الخير و ترك الشر تعد من أقوى الحوافز والدوافع القوية إلى الالتزام الدائم بعمل الخير و ترك الشر ذلك أنه بقدر ما يعرف الإنسان قيمة الشيء يلتزم به وبقدر ما يعرف العواقب الوخيمة لعمل الشر يجتنبه ،وعمل الخير من غير جزاء ومكافأة عمل جاف لا طعم فيه أو قليل الفائدة وناقص القيمة .


    و أي نظام لا يطبق فيه مبدأ الثواب والعقاب و الترغيب والترهيب فهو نظام قصير الأجل لا يصمد إلا فترة وجيزة من الزمن .

    و دون الترغيب و الترهيب لا يشجع الناس على فعل الخير و ترك الشر ،ومن ثم يقل الخير و يزداد الشر والخبث .

    دوافع عمل الخير عند المسلم

    يخطئ من يتوهم أن المسلم يفعل الخير طلبا للجنة وخوفا من النار فقط فدوافع عمل الخير أكثر من ذلك ،و إن كان الله – سبحانه وتعالى - يحب من عباده أن يسألوه جنته، ويستعيذوا به من ناره، فإنه يحب أن يسأل. ومن لم يسأله يغضب عليه. وأعظم ما سئل الجنة وأعظم ما استعيذ به من النار فالعمل لطلب الجنة محبوب للرب، مرضي له. وطلبها عبودية للرب. والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها [2].

    ومن دوافع عمل الخير عند المسلم :
    عمل الخير طاعة لله فالله قد أمرنا بكل خير و نهانا عن كل شر ،وبالتالي فعلنا للخير يكون امتثالا لأمر الله .
    وعمل الخير حبا لله ،وابتغاء وجه الله والمسلم يحب الله ، و الذي يحب شيئا يطيعه ويفعل ما يحب حبيبه .
    وعمل الخير من أجل رضا الله فالله يرضى عمن يطيعه و يفعل الخيرات و يجتنب المنكرات .
    وعمل الخير شكرا لله على نعمه التي لا تعد ولا تعصى فمن شكر النعم استعمال نعم الله في مرضاة الله و التي منها عمل الخير .
    وعمل الخير من أجل حب الله لنا فالله يحب المطيعين له .
    وعمل الخير اتقاءا لغضب الله .
    وعمل الخير طمعا في زيادة الحسنات و تكفيرا للسيئات فالحسنات يذهبن السيئات .
    يقول الدكتور : عمر الأشقر : " العباد يقصدون ربهم من جوانب مختلفة، فمنهم الذي يعبده تعظيما له وتوقيرا، ومنهم الذي يقصد الدخول في طاعته وعبادته، ومنهم الذي يطلب رضوانه ورضاه، ومنهم الذي يقصد الأنس به، والتلذذ بطاعته وعبادته، ومنهم من يرجو التنعم برؤيته في يوم لقياه، ومنهم من يطلب ثوابه من غير أن يستشعر ثوابا معينا، ومنهم من يطلب ثوابا معينا، ومنهم من يخاف عقابه من حيث الجملة غير ناظر إلى عقاب معين، ومنهم من يخشى عقابا معينا.

    وتنوع المقاصد باب واسع، والعبد قد يقصد هذا مرة، وهذا مرة، وقد يقصد أكثر من واحد من هذه المقاصد، وكلّها تنتهي إلى غاية واحدة، وتعني في النهاية شيئًا واحدا، أنّ العبد يريد الله سبحانه، ولا يريد سواه، وكل ذلك محقق للإخلاص. وأصحاب هذه المقاصد على الصراط المستقيم، وعلى الهدى والصواب، وإن كان العبد لا ينبغي أن يخلي قصده من الحبّ والخوف، فإن قوام العبادة بهما، ومدارها عليهما " [3].

    ومن هنا يتبين خطأ الملاحدة في دعواهم أن محرك فعل الخير عند المسلمين هو الطمع في الجنة والخوف من النار فقط ،والواحد من الناس قد يطيع أباه حبا لأبيه و خوفا من عقابه وطمعا في إحسانه و من أجل إرضائه و ومن أجل ألا يغضبه فهناك أكثر من دافع و أكثر من محرك على الطاعة و كذلك المسلم مع ربه مع الفارق بين الرب و الأب .

    و لتعدد دوافع عمل الخير عند المسلم أثر كبير في زيادة عمل الخير في البلاد التي تلتزم بتعاليم الإسلام حيث يعم الخير و السعادة و الرخاء هذه البلاد ،و صدق الله القائل : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (النحل:97) ، و القائل : ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾ ( طه :123-124 ) ،والقائل : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ ( الأعراف : 96 ).


    [1] - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم 2/79

    [2] - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم 2/79

    [3] - مَقَاصِدُ المُكَلفينَ فيمَا يُتعَبَّدُ به لِرَبِّ العَالمين للدكتور عمر سليمان الأشقر ص 409
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  3. #78
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي



    تصحيح فهم خاطئ للملاحدة عن الجنة

    يتوهم الملاحدة – هداهم الله – أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل، والشرب، واللباس، والنكاح، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات ،وهذا فهم خاطئ ينم عن ضعف الأرضية الثقافية الدينية عند الملاحدة فالجنة اسم جامع لكل نعيم وأعلاه النظر إلى وجه الله كما في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد. يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه » وهو الزيادة [1].

    و يقول ابن القيم : " الجنة ليست اسما لمجرد الأشجار والفواكه، والطعام والشراب، والحور العين، والأنهار والقصور. وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل.

    ومن أعظم نعيم الجنة التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه. فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور، إلى هذه اللذة أبدا. فأيسر يسير من رضوانه أكبر من الجنان وما فيها من ذلك. كما قال تعالى: ﴿ ورضوان من الله أكبر ﴾ ( التوبة: 72 ) . وأتى به منكرا في سياق الإثبات؛ أي: أي شيء كان من رضاه عن عبده: فهو أكبر من الجنة " [2].


    نظرات في كلام الملاحدة

    يقول بعض الملاحدة : " من يفعل الخير حبا لذات الخير هو أفضل من الذي يفعل الخير طمعا أو خوفا من رقيب نحن الملحدين لسنا بحاجة لرقيب و لسنا أطفال بحاجة لـ big brotherـ" وكلامهم كلام بلا دليل فضلا عن مخالفته للواقع فالذي يفعل الخير من أجل هدف وغاية - كالطمع في شيء أو الخوف من شيء - أثبت على فعل الخير ممن ليس عنده هدف وغاية ،ومن يفعل الخير من أجل هدف وغاية أحرص على فعله ممن ليس عنده هدف وغاية ، ومن يفعل الخير من أجل هدف وغاية أكثر سعادة بفعل الخير ممن ليس عنده هدف وغاية ،ومن ينجح في الامتحان بعد جد و كفاح وطموح في التفوق و النجاح يمدحه الناس و يثنون عليه أكثر ممن نجح بلا هدف و طموح .

    وقولهم : " نحن الملحدين لسنا بحاجة لرقيب و لسنا أطفال بحاجة لـ big brother" كلام بلا دليل و فيه نبرة الكبرياء و الغرور بالنفس مما ينم عن نفسية غير سوية ،وإذا كان العلماء و الناجحون و المبدعون يحتاجون إلى من يشد أزرهم و يحمسهم ،وإذا كان قادة الجيوش يحتاجون إلى من يشد أزرهم و يحمسهم فكيف بهؤلاء الشرذمة القليلين ؟!! وهل يوجد إنسان لا يحتاج إلى تشجيع ؟!!

    و أي إنسان ليس ملاكا و ليس معصوما من الخطأ ولذلك فهو بحاجة إلى رقيب عليه و أمور الناس على هذا سواء مؤسسات حكومية أو غير حكومية لكن الملاحدة يجهلون الواقع .

    و يقول بعض الملاحدة : " إن ما يحرّك الإنسان على الخير وأداء الأمانة والالتزام الأخلاقي وأداء واجباته بضمير والرحمة بالمتألمين والمبادرة إلى نجدتهم هو فعل الخير لذات الخير ،وليس رجاء الثواب من إله أو إنسان " وهذا كلام بلا دليل و مخالف للواقع ،والملحد نفسه يخالفه فهو يعمل طلبا للمال والأجر وهل وجدنا ملحدا يعمل ولا يريد أجرا على عمله ؟!!

    ويقول أحد الملاحدة : " فعل الخير يجب أن يطبق بصرف النظر عما يترتب عليها من جزاء أو مكافأة " ،وهذا الكلام إن صلح لفئة من الناس فلا يصلح للفئات الأخرى ،وكيف تقبل النفس على عمل ليس فيه جلب مصلحة لها أو دفع مضرة عنها ؟!! ومن طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه[3] وعمل الخير من غير جزاء ومكافأة عمل جاف لا طعم فيه أو قليل الفائدة وناقص القيمة .



    ويقول أحد الملاحدة: " الافتراض بأنّ الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ يصور الإنسان كأنه شرّيرٌ بالفطرة لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحّش " وهذا الكلام فيه تشويه للحقائق إذ من طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه ، و يعد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية ، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان [4] .


    و الإنسان بطبيعته يتصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع, فهو يفعل أمرا طمعا في شيء معين و لا يفعل أمر آخر خوفا من شيء معين ،و على سبيل المثال يعمل الإنسان طلبا للمال ويزيد في عمله ويجد طمعا في الحوافز والترقيات ولا يتأخر عن عمله خوفا من الجزاءات فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟ ،والطالب يذاكر طمعا في النجاح و خوفا من الرسوب فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟،والسائق يلتزم بإشارات المرور خوفا من الغرامة فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟


    ويقول أحد الملاحدة : " الحض على فعل الخير عن طريق ذكر الأجر و الثواب عبارة عن رشوة للناس كي يفعلوا الخير " وهذا الكلام فيه تشويه للحقائق فالمؤمن يعبد الله و يعمل الخير طاعة لله المتفضل عليه بالنعم و خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فأين هذا الحال من حال المرتشي والراشي الذي يفعل فعلا مشينا ؟!! والناس تحب و تمدح من يعبد الله خوفا من العذاب وطمعا في الثواب لكنها تذم المرتشي والراشي فأين هذا من هذا ؟

    و الرشوة كل مال دفع لذي جاه عوناً على ما لا يحل أما فعل الخير خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فهو فعل ما يستحسن أن يفعل – أي فعل الخير - و يستقبح ألا يفعل - أي ترك فعل الخير - فأين هذا من هذا ؟ والرشوة يترتب عليها ضياع الحقوق وفساد المجتمعات و عمل الخير طاعة لله وخوفا من العذاب وطمعا في الثواب يترتب عليها سعادة الفرد والمجتمع و صلاح الفرد والمجتمع فأين هذا من هذا ؟

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
    مراجع المقال :
    بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي
    مجموع الفتاوى لابن تيمية
    مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم
    مَقَاصِدُ المُكَلفينَ فيمَا يُتعَبَّدُ به لِرَبِّ العَالمين للدكتور عمر سليمان الأشقر

    [1] - مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/62
    [2] - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم 2/79
    [3] - بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي ص 45
    [4] - بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي ص 45
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  4. #79
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    التحميل من هنا أو هنا
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  5. #80
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الملحد وتشنيعه على حد الرجم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .
    و في هذا المقال سنتناول بإذن الله تشنيع الملاحدة على حد الرجم ودعواهم أن الرجم عقوبة وحشية همجية في غاية القسوة والبشاعة والعنف والتخلف ،ودليل على انعدام الرحمة عند المسلمين


    شناعة جريمة الزنا

    لاشك أن الزنا جريمة من أقبح الجرائم و موبقة من أخبث الموبقات و فاحشة من أشد الفواحش و منكر من أبشع المنكرات ، والزنا جريمة شنيعة مشينة منكرة مستقذرة في جميع الشرائع والملل والأعراف الأخلاقية في كل عصر ومصر .

    و النفوس مجبولة على النفرة من الزنا و الزناة وبغض الزنا والزناة ، ومن من الناس لا يستقبح و لا يستنكر و لا يستبشع أن تزني زوجه أو ابنته أو أمه أو أخته إلا عديم الرجولة والمروءة خبيث النفس والطباع ؟!! وهل توجد امرأة عفيفة لا تستقبح و لا تستنكر و لا تستبشع أن يزني زوجها أو ابنها أو أبوها أو أخوها ؟!!!
    ولو وقعت جريمة زنا في حي أو قرية علم بها الأهالي لوجدتهم مشمئزين غاضبين مسارعين في الانتقام من الزاني والزانية ينهالون عليهما ضربا وسبا إلى أن يتم تسليمهم للأولي الأمر .

    مفاسد جريمة الزنا

    للزنا العديد من المفاسد في العاجل والآجل منها هتك الأعراض واختلاط الأنساب وانحطاط الآداب وإلقاء العداوة والبغضاء بين الناس و فساد المجتمع وتهديده بالفناء والانقراض عن طريق إشاعة الفحش و الفجور والتبرج والسفور و انتشار الأمراض الجنسية المعدية و فقد الثقة بين الأزواج والزوجات وتقطيع العلاقات الزوجية و تفكك الروابط الأسرية و تعريض النسل للخطر والضياع والتشرد و الانحراف .

    والسعي لإشباع الغريزة الجنسية بالحرام يؤدي لعزوف الشباب عن الزواج فيقل بناء الأسر التي هي لبنة المجتمع فيضمحل المجتمع .
    و المرأة إذا حملت من الزنا فربما قتلت ولدها و بذلك تجمع بين الزنا والقتل وإذا كانت متزوجة و قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل والخيانة الزوجية ، والزنى قد ينتج عنه الحمل و يتوهم الزوج أنه منه فينسبه إليه و يقوم بتربيته ويرث هذا الولد ممن ليس بأبيه ،والزانية تجلب العار لزوجها وأهلها وولدها وربما قتلت زوجها من أجل عشيقها والرجل إذا رأى زوجته تزني ربما قتلها و قتل عشيقها وربما يشك في أولاده أهم من صلبه أم لا فيقتلهم أو يعاملهم أسوأ معاملة .


    الزاني المحصن يستحق الرجم

    من الأمور التي يجب معرفتها أن العقوبة المستحقة لابد أن تتناسب مع جسامة الجريمة التي ارتكبها المدان فكلما زادت جسامة الجريمة زاد العقاب فمثلا عقوبة من قتل شخص أشد و أغلظ من عقوبة من ضرب شخص ،وعقوبة من خان الدولة أشد و أغلظ من عقوبة من خان فرد من أفراد الدولة ،و عقوبة القتل العمد أشد و أغلظ من عقوبة القتل شبه العمد ،وعقوبة اللواط أشد و أغلظ من عقوبة فعل مقدمات اللواط ،وعقوبة من زنا بامرأة أشد و أغلظ من عقوبة من قبل امرأة ،وعقوبة من اعتدى على مجتمع أشد و أغلظ من عقوبة من اعتدى على فرد .

    و الزنا فيه اعتداء على العرض و المجتمع .

    والعرض أغلى ما يملك المرء بعد دينه ،والعرض أعز من نفس الإنسان وماله ،وإذا زنى الإنسان فقد هتك عرض أخيه الإنسان ،وحكم على طهر أخته في الإنسانية بالإعدام ،والناس قد تسامح من قتل شخصا عزيزا لهم لكن لا تسامح من هتك عرضا لهم .

    والزانية تلحق بأهلها وزوجها – إن كانت متزوجة - عار يجعلهم مقتولي الكرامة بين الناس و عرضة للنقص والازدراء من قبل الآخرين.

    و الزنا أقوى معول يهدم كيان الأسرة ويفكك رابطتها، ويأتي على بنائها من أساسه و يعرض الأولاد للخطر والضياع والتشرد و الانحراف .

    والزنا يضعف قوى المجتمع إذ ماذا يبقى للمجتمع من قوة إذا تهدمت الأسر وانحلت روابطها وتحطمت قواها بسبب الزنا وهل المجتمع إلا مجموعة أسر ؟.

    والزاني المحصن عنده الحلال الطيب فيتركه ويذهب للحرام الخبيث فيهتك العرض ويشيع الفاحشة و يخون الزوجة إلى غير ذلك من المفاسد .

    والزاني المحصن قد تمَّت عليه النعمة بالزوجة، فإقدامه على الزنا يعد دليلاً على أنَّ الشر متأصل في نفسه، وأما غير المحصَن فلعلَّ داعي الشهوة غلبه على ذلك، فخُفِّفَ عنه الحد – بالجلد - مراعاة لحاله وعذره [1].

    و استحق الزاني المحصن أشد العقوبة وهي الرجم نكالا من الله لشناعة فعله وبشاعة جريمته وقذارتها و عظم آثارها السيئة والمدمرة على الفرد و الأسرة والمجتمع فالعقوبة تكون على الجريمة و الآثار الناتجة عنها، والأضرار المترتبة عليها ، والجزاء من جنس العمل .





    [1] - توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام للبسام 6/218
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  6. #81
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    رجم الزاني المحصن فيه ردع لمن تسول له نفسه بالزنا

    إن من تسول له نفسه بالإقدام على الزنا إذا استحضر عقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت فقد يستيقظ ضميره و ويؤنب نفسه ويرجع عن الزنا ،وبذلك تكون عقوبة رجم الزاني المحصن وسيلة لكف الناس عن الإقدام على الزنا وليرتدعوا أشد الردع فكلما اشتدت العقوبة قوى المنع .

    و رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة بالحجارة حتى الموت ليرتدع الباقون عن الزنا خير من أن يعاقبا بعقوبة أخف من الرجم فيأمن الناس و يرتكب بعضهم الزنا ويستشري الزنا في المجتمع إذ من أمن العقوبة الرادعة أساء الأدب ،ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالا وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله، وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة[1].

    وقد غلظ الله جل وعلا عقوبة المحصن بالرجم تغليظا أشد من تغليظ عقوبة البكر بمائة جلدة ; لأن المحصن قد ذاق عسيلة النساء ، ومن كان كذلك يعسر عليه الصبر عنهن ، فلما كان الداعي إلى الزنا أعظم كان الرادع عنه أعظم وهو الرجم [2].





    رجم الزاني المحصن فيه ضرب من القسوة لمصلحة الفرد والمجتمع

    إن رجم الزاني المحصن و الزانية المحصنة فيه ضرب من القسوة والغلظة لمصلحتهما ومصلحة المجتمع الذي يعيشا فيه فقبل الإقدام على جريمة الزنا إذا تذكر المرء أنه سيرجم بالحجارة حتى الموت ربما خاف وارتدع فيمتنع عن الزنا ويكف عنه فيسلم .

    والتشديد في عقوبة الزنا فيه ردع لأفراد المجتمع عن اقتراف هذه الفعلة المشينة وبذلك يأمن كل فرد من أفراد المجتمع من أن يدنس عرضه فتحفظ أعراض الناس وبذلك يكون إقامة حد الزنا على المحصن أنفى للزنا ويشعر كل إنسان في المجتمع بأنه مصون في عرضه .
    وفي رجم الزاني المحصن صيانة للمجتمع باستئصال الفرد الفاسد منه ليدفع شره البالغ غاية الشناعة والبشاعة عن المجتمع الذي يعيش فيه ،وفي ذلك رحمة بالمجتمع بإنقاذه من الفساد والمفسدين ،واستئصال الفساد والمفسدين .

    ومن لم يبال بغلظة العقوبة وأقدم على الزنا فلا بد من تطهيره ، وتطهير المجتمع منه كي لا يفسد باقي المجتمع كما يستأصل العضو الفاسد في جسد الإنسان كي لا يفسد باقي الجسد وقتل مرتكب الزنا بالرجم أقل ضررا من ظهور الآثار السيئة التي يسببها الزنا في المجتمع .

    ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضا، وفسد نظام العالم، وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش أحسن من حال بني آدم[3]
    رجم الزاني المحصن فيه شفاء لنفوس أهل الزانية وزوجها – إن كانت متزوجة -

    حادثة الزنا تجلب لأهل الزانية وزوجها – إن كانت متزوجة - الخزي والعار والحزن والأسى فتثير في نفوسهم الانتقام شر الانتقام ممن فعلا هذه الفعلة المشينة فشرع الله إقامة الحد ليشفي نفوسهم ويذهب غيظ قلوبهم ،و يرد اعتبارهم وحين يعلموا أن الزاني الذي انتهك عرضهم سيرجم فإن في ذلك شفاء لصدورهم فلا يفكرون في الانتقام.
    والزانية والزاني حينما أقدما على الزنا لم يراعا مصلحة الآخرين ولم يبالا بحق الآخرين ولم يبالا بالفاحشة التي ارتكبت والعرض الذي انتهك والعار الذي سيلحق بالأهل ولذلك ليس لهما أن يطمعا في تخفيف العقاب ومن لا يرحم لا يرحم .




    رجم الزاني المحصن و الزانية المحصنة فيه قسوة عليهما قسوة فيها رحمة

    إن رجم الزاني المحصن و الزانية المحصنة فيه ضرب من القسوة والغلظة والعذاب نكالا لهما على ما اقترفاه من الذنب العظيم ،والفاحشة المبينة ،فهذه القسوة التي في العقوبة سببها فعل أشد قسوة بل فعل همجي بهيمي ولعظمه وعظم آثاره عظم الحد و العقاب.

    والرجم ليس مكافأة بل عقوبة على فعل مُجَرَم ،و لا عقوبة بلا قسوة و ألم ،و القسوة ليست شرا في كل أحوالها ،و لابد أن تشتمل العقوبة على عقاب رادع و ألم حسي أو معنوي أو الاثنين معا يزداد بزيادة جسامة الجريمة ،وإلا لما كان للعقوبة أثر في الزجر والردع .

    ولما كان الداعي إلى الزنا داع قوي في الطباع غلظت هذه العقوبة لمقابلة قوة الداعي رحمة بضعاف النفوس ،وإعانة لهم على النفور من هذه الفعلة الشنيعة فلا يقدمون عليها فإذا أقدموا عليها بعد هذا التحذير الشديد كان العقاب شديدا .

    [1] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/69
    [2] - أضواء البيان للشنقيطي 3/37
    [3] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/69
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  7. #82
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    حقا إن الرجم رحمة

    في رجم الزناة المحصنين تطهير للمجتمع من الأفراد الفاسدين ،وهذا رحمة .

    في رجم الزناة المحصنين ردع لباقي أفراد المجتمع عن الوقوع في الفاحشة فيأمن الناس على أعراضهم ،وهذا رحمة .

    مع رجم الزناة المحصنين لا تشيع الفاحشة في المجتمع ،وهذا رحمة .

    في رجم الزناة المحصنين حفظ للأعراض من الانتهاك ،والأنساب من الاختلاط ،وهذا رحمة .

    في رجم الزناة المحصنين مكافحة للأمراض الجنسية المعدية التي يسببها الزنا كالإيدز و الزهري و في ذلك حماية للمجتمع منها ومن أخطارها وهذا رحمة .

    في رجم الزناة المحصنين توطيد للعلاقة الزوجية ومنع للخيانة ، وحفظ للرابطة الأسرية من التفكك وحفظ لكيان الأسرة ،وهذا رحمة .

    وكما أن عَقوبة الزنا مشددة فأدلة إثباته كذلك فشرط إقامة الحد على الزاني المحصن والزانية المحصنة إما الاعتراف القاطع الصريح وإما بشهادة أربعة شهود برؤية الفعل على حقيقته مبالغة في الحيطة والحذر حتى لا يرمى بها الأبرياء وتغليظا على المدعي وسترا على العباد،و هذا رحمة .

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  8. #83
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    التحميل من هنا أو هنا
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  9. #84
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    الملحد وتشنيعه على حد السرقة

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول بإذن الله تشنيع الملاحدة على حد السرقة ودعواهم أن قطع يد السارق عقوبة وحشية فيها ضرب من القسوة التي تبعث على الاشمئزاز و تتنافى مع الإنسانية الراقية الرحيمة ، وتصيب الإِنسانِ الذي طبق عليه هذا الحد بالإِعاقةِ والبِطالة إذ يصير مقطوع اليد لا يستطيع العمل إذا كان في عمله يعتمد على يده فيصبح عالة على المجتمع ، و إذا قطع يد شخص بريء ظنا من القضاء انه سارق فلا يمكن رد يده إليه لكن في عقوبة الحبس يمكن أن يتم تعويض الشخص عنها ، و قطع يد شخص سوف يولد منه شخصا حاقدا على المجتمع و سوف يحول مشاعر الحب في قلبه تجاه الناس و المجتمع إلى مشاعر انتقام و سوف يبقى يحلم بيوم ينتقم فيه منهم ، و عقوبة قطع اليد سوف تؤثر على نظرة المجتمع للسارق حيث أنه سوف يعرفه الجميع بسبب يده المقطوعة و لن يعود يثق به أحد وقبل بيان فساد هذه الشبهة يحسن بنا ذكر بعض مفاسد السرقة .



    مفاسد السرقة

    للسرقة العديد من المفاسد منها :
    ظلم الناس بالتعدي على أموالهم والاعتداء عليها ،وضياع أموال الناس وأكلها بالباطل ،وأخذها بغير حق وحرمان الناس من أموالهم ،وإفساد معاشهم وترويعهم ،و اضطراب أمنهم على أموالهم ،وإذا انتشرت السرقة أدت إلى إشاعة الخوف بدل الأمن والقلق بدل الطمأنينة والفوضى بدل الاستقرار .


    استحقاق السارق لقطع يده التي باشر بها السرقة


    من المسلم به أن عقاب أي شخص لابد أن يتناسب مع جسامة الجريمة التي ارتكبها فكلما زادت جسامة الجريمة زاد العقاب ،والسارق قد اعتدى على أموال الناس و أخذها بغير حق بغيا وظلما وحرم صاحب المال من ماله ،وأفسد على الناس معاشهم وظلمهم أشد ظلم وروعهم أشد الترويع ،وتعتبر يده أكبر مساعد له على فعله فهي آلة و أداة ظلمه وعدوانه وبطشه وسطوه فاستحق بذلك قطعها و إتلافها جزاءا وفاقا .

    واللهُ – عز وجل - هو الذي مَنَحَ الإنسان اليَدَ ليكسبَ بها ويَعتاشَ ويرتزق، ولكنَه حَوَّلَها إِلى أَداةٍ للعدوان، فناسَبَ أَنْ تُقْطَع، وأَنْ تُزالَ القُوَّةُ الباغيةُ التي يَعْتَدُّ بها، ويَعْتَدي بها على الآخَرين، وهو الذي أَساءَ لنفسِه وليدِه، وهو الذي عَطَّلَها عن مهمتِها الإِيجابية، وحَولَها إِلى وسيلةٍ تخريبية، ولذلك أَدَّبَهُ اللهُ بقَطْعِها[1].

    وقطع يد السارق فيه ضرب من القسوة والغلظة والعذاب نكالا له على ما اقترفه من الجرم العظيم ،وهذه القسوة التي في العقوبة سببها فعل أشد قسوة ولعظمه وعظم آثاره عظم الحد و العقاب.

    وحد السرقة ليس مكافأة بل عقوبة على فعل مُجَرَم ،و لا عقوبة بلا قسوة و ألم ،و القسوة ليست شرا في كل أحوالها ،و لابد أن تشتمل العقوبة على عقاب رادع و ألم حسي أو معنوي أو الاثنين معا يزداد بزيادة جسامة الجريمة ،وإلا لما كان للعقوبة أثر في الزجر والردع .

    ومن لم يبال بغلظة العقوبة وأقدم على السرقة فلا بد من إقامة الحد عليه بقطع يده لتطهير المجتمع منها كي لا يفسد باقي المجتمع كما يستأصل العضو الفاسد في جسد الإنسان كي لا يفسد باقي الجسد .

    وقد يقول قائل : "إن قطع يد السارق يساوى من سرق قطعة ذهب مع من سرق ألف قطعة ، و من سرق للمرة الألف مع من يسرق للمرة الأولى " ،ويقول آخر : "إن عقاب السارق بقطع يده ليس فيه مساواة بين الجريمة والعقاب، فقد يكون المسروق ضئيلاً، ولقد حدَّ نصاب السرقة على مذهب من حده بقدر ضئيل، وهو ربع دينار أو عشرة دنانير.." ، وإن ذلك الكلام يبدو بادئ الرأي وجيهاً وهو عند الله و عند أهل الفكر والإصلاح والعدل الاجتماعي والرحمة العامة الشاملة ليس بوجيه، لأنه التماثل بين الجريمة والعقوبة ليس بشرط - لا في نظر القانونيين ولا في شريعة السماء، إلا إذا كانت العقوبة قصاصا، فإن القصاص أساسه التساوي .

    وأما فيما عدا القصاص فالتساوي ليس بشرط لأن المقصد من العقوبة ليس هو المقصود من الضمان المالي، بأن يضمن المعتدي على مال غيره بقدر ما أتلف له من مال، وما ضيع له من منافع، إنما المقصود من العقوبة هو الردع، ومنع التفكير فيها من كل أمرئ تكون نفسه مستعدة لهذا الأثم، وحاله تسهل له ارتكاب ذلك الجرم، فالعقوبة إصلاح اجتماعي وتهذيب عام وزجر نفسي للآحاد و الشذاب .

    ولقد نهجت القوانين الحديثة ذلك المنهاج فهي لا تنظر في جرائم السرقات ونحوها إلى مقدار المسروق بمقدار نظرها إلى نفس السارق، وما يترتب على جريمته من إشاعة للخوف وإزعاج للأمن، ولذلك تضاعف العقوبة إذا اعتاد الجريمة وتكررت منه، وقد تحكم ببضع سنين في سرقة بضعة جنيهات، والتفاوت كبير بين الجريمة والعقاب، بل تعطي الجريمة وصفاً إن ارتكبها من غير اعتياد، ووصفاً آخر إن اعتادها وألفها، فتكون العقوبة بمقدار خطر المجرم على المجتمع، وبمقدار الجرأة على الشر، ينشرها بتركه فيفسد الناس[2].


    قطع يد السارق من باب ارتكاب أخف الضررين و دفع أعلى المفسدتين

    لاشك أن قطع يد السارق فيه ضرر ومفسدة عليه وقد يعيقه عن العمل لكن في ترك قطعها وبقاءها سليمة شر على المجتمع ،وضرر على المجتمع ،و من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها قطع يد السارق فإنه إفساد لها، ولكنه زاجر حافظ لجميع الأموال فقدمت مصلحة حفظ الأموال على مفسدة قطع يد السارق [3].



    وقد يقول قائل : " إن قطع يد السارق يربح المجتمع شخص معاق وعالة على غيره " والجواب أن مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد ،والإضرار بالسارق أحد أفراد المجتمع عن طريق قطع يده أقل ضررا ومفسدة من اضطراب أمن المجتمع ،وعيش المجتمع في رعب وذعر وقلق إثر تفشي السرقة والسراق .

    وإقامة حد السرقة يحتاج لإثبات شروط و انتفاء موانع والحدود تدرأ بالشبهات ،و كما أن العَقوبة مشددة فإن أدلة الإثبات كذلك مشددة فيها ،و قطع يد السارق قطع ليد شريرة لا تعمل ولا تنتج، بل إنها يد خبيثة تعطِّل العمل والإنتاج وتضيِّع على العاملين المنتجين ثمرات أعمالهم وإنتاجهم .

    وكل ذي لب يدرك أن قطع يد السارق أقل ضررا من ظهور الآثار السيئة التي تسببها السرقة في المجتمع ،ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضا، وفسد نظام العالم، وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش أحسن من حال بني آدم[4].

    ويد السارق يد خبيثة خائنة ،واليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل مما اتفقت عليه الشرائع والعقول [5].

    و قطع يد السارق أهون عند الله وعند كل من يفهم حكمة شرع الله، من أن تنتهب الأموال ويسود الخوف بدل الأمن ، وترتكب الجرائم والجنايات على الأرواح في جنح ظلام الليل البهيم ، وليسأل الذين ينفذون حكم الشارع في هذا: كم جريمة سرقت أفضت إلى موت المسروق؟ وكم يد تقطع كل عام إذا أقيم حد السرقة؟ مع ملاحظة أن الحد لا يقام إلا إذا انتفت كل شبهة، كما قال عليه السلام: "أدرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" إن نتيجة الإحصاء ستوضح لا محالة أن عدد المقطوعين بحكم الله دون من يموتون تحت سلطان الهوى وغواية الشيطان[6].

    و قد يقول قائل : " إن عقوبة قطع اليد سوف تؤثر على نظرة المجتمع للسارق حيث أنه سوف يعرفه الجميع بسبب يده المقطوعة و لن يعود يثق به أحد ،وفي هذا إضرار بالغ بالسارق" ،والجواب هذا مطلوب لمزيد من الزجر والردع على جريمة السرقة ففي القطع تنفير للمجتمع من السارق كي يعتبر به غيره ، إذ يعرف كل من يرى يده المقطوعة أنه قد سرق وأقيم عليه الحد فيعتبر و يرتدع من أن يفعل مثل فعله فلا يقدم على السرقة ، و أيضا إذا علم الإنسان أن هذا الشخص قد قطعت يده بسبب السرقة فإنه سيحذر منه و يحتاط منه حتى لا يسرقه .



    [1] - القرآن ونقض مطاعن الرهبان للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي ص 382
    [2] - شريعة القرآن من دلائل إعجازه لأبي زهرة ص 76
    [3] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام 1/99
    [4] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/69
    [5] - فقه السنة للشيخ سيد سابق 2/485
    [6] - شريعة القرآن من دلائل إعجازه لأبي زهرة ص 76
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  10. #85
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    في قطع يد السارق ردع لمن تسول له نفسه بالسرقة


    إن من تسول له نفسه بالسرقة إذا استحضر عقوبة السرقة ،وأنه إذا سرق ستقطع يده فقد يستيقظ ضميره و ويؤنب نفسه ويرجع عن السرقة ،وبذلك تكون عقوبة قطع يد السارق وسيلة لكف الناس عن الإقدام على السرقة وليرتدعوا أشد الردع فكلما اشتدت العقوبة قوى المنع ،وكم من إنسان يرتدع عن السرقة إذا علم أنه إذا سرق قطعت يده فصار في ذلك حفظ لأموال الناس .

    و قطع يد السارق خير له و للمجتمع من أن يعاقب بعقوبة أخف من قطع اليد فيتجرأ بعض الناس على السرقة وتستشري السرقة في المجتمع إذ من أمن العقوبة الرادعة أساء الأدب ،ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالا وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله، وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة[1].


    وقطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته ويسمه بميسم الذل والعار وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم ، وكذا على أرواحهم ؛ لأن الأرواح كثيرا ما تتبع الأموال، إذا قاوم أهلها السراق عند العلم بهم[2] .

    ولأن الداعي إلى السرقة في الغالب رغبة الكسب والثراء وهو داع قوي في الطباع ،ومن يسرق مرة كثير ما يتشوق إلى السرقة مرة أخرى إذا لم يجد عقاباً يردعه ويمنعه ،و من يأخذ القليل كثير ما يتدرج على سرقة الكثير ،ولذلك غلظت عقوبة السرقة لمقابلة قوة الداعي رحمة بضعاف النفوس ،وإعانة لهم على النفور من السرقة فلا يقدمون عليها فإذا أقدموا عليها بعد هذا التحذير الشديد كان العقاب شديدا .



    في قطع يد السارق معاقبة له بنقيض قصده

    إن السارق حينما يفكر في السرقة إنما يفكر أن يزيد كسبه بكسب غيره، فهو يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال، ويريد أن ينميه عن طريق الحرام ، وهو لا يكتفي بثمرة عمله فيطمع في ثمرة عمل غيره، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق ، أو الظهور ليرتاح من عناء الكد والعمل ، أو ليأمن على مستقبله ، فالدافع الذي يدفع إلى السرقة ويرجع إلى هذه الاعتبارات وهو زيادة الكسب أو زيادة الثراء .

    وقد حاربت الشريعة الإسلامية هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع؛ لأن قطع اليد أو الرجل يؤدي إلى نقص الكسب؛ إذ اليد والرجل كلاهما أداة العمل أيا كان، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء ، وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور ، ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد على المستقبل .

    فالشريعة الإسلامية بتقريرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية، وارتكب الإنسان جريمة مرة كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارفة، فلا يعود للجريمة مرة ثانية [3].

    قطع يد السارق فيه قسوة هي عين الرحمة

    لا ننكر أن قطع يد السارق فيه ضرب من القسوة والغلظة ،ولكن هذا الضرب من القسوة والغلظة لمصلحته ومصلحة المجتمع الذي يعيش فيه فقبل الإقدام على السرقة إذا تذكر المرء أنه ستقطع يده ربما خاف وارتدع فيمتنع عن السرقة ويكف عنها فيسلم ،ويسلم المجتمع من شره .

    والتشديد في عقوبة السرقة فيه ردع لأفراد المجتمع عن اقتراف هذه الفعلة المشينة وبذلك يأمن كل فرد من أفراد المجتمع من أن تسرق أمواله فتحفظ أموال الناس وبذلك يكون إقامة حد السرقة أنفى للسرقة ويشعر كل إنسان في المجتمع بأنه مصون في ماله .

    وفي قطع يد السارق صيانة للمجتمع باستئصال اليد الخبيثة منه ليدفع شرها البالغ غاية الخطورة عن المجتمع ،وفي ذلك رحمة بالمجتمع .

    ومن يدعي أن قطع اليد ليس من قوانين الرحمة فقد نظر إلى الرحمة بالسارق وترك الرحمة بالمسروق ،و بين أيدينا اثنين: سارقاً ومسروقاً معتديا ومعتديا عليه جانيا ومجنيا عليه ووراء ذلك مجتمع يجب أن يسوده الأمن والأمان لا الفوضى والاضطراب والقلق، فإذا أراد ذو عقل أن يخص برحمته أحد الفريقين، أيخص برحمته من اعتدى وسرق وروع الآمنين أم يخص برحمته من اعتدى عليه، والمجتمع الذي يجب أن يبدل خوفه أمنا، ويسوده الأمان ؟

    والسارق لم يرحم الناس بل ظلمهم وروعهم و اعتدى على أموالهم و أخذها بغير حق فاستحق بذلك عدم تخفيف العقوبة ،ووجوب تنفيذ الحد عليه ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله .

    إن قانون العقل يقول: إن الرحمة تكون بمن وقعت عليهم الجريمة، وهم الآحاد والجماعة، والنكال الشديد بمن وقعت منه الجريمة، وإن النكال بهذا هو الرحمة بهؤلاء، فلينل حكم الله من جريمته ولتكن شاهد عار إلي يوم القيامة، ليرتدع من غوى ولا يضل من اهتدى، وعسى أن يكون العقاب لذنبه إن تاب وأناب[4].


    [1] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/69
    [2] - تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا 6/314
    [3] - التشريع الجنائي في الإسلام لعبد القادر عودة 1/653
    [4] - شريعة القرآن من دلائل إعجازه لأبي زهرة ص 76
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  11. #86
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    مفاسد استبدال عقوبة قطع يد السارق بحبسه لمدة معينة

    إن استبدال عقوبة قطع يد السارق بالحبس لمدة معينة له العديد من المفاسد والسلبيات ،ولقد لخص "عبد القادر عودة"رحمه الله عيوب عقوبة الحبس بعدة نقاط مؤيدة بالأرقام الإحصائية فذكر منها :
    أولا: إرهاق خزانة الدولة وتعطيل الإنتاج فلاشك أن الدولة سوف تتحمل نفقات كبيرة لإعداد السجون وصيانتها والعناية بها، ومع ذلك فلا يزال السجناء يعانون في كثير من الدول من قلة العناية والرعاية.
    ثانيا: إفساد المسجونين ويقول بهذا الصدد وكان من الممكن أن تتحمل الجماعة هذه الخسارة الكبيرة سنوياً أي نفقات هذا السجن والسجناء لو كانت عقوبة الحبس تؤدي إلى إصلاح المسجونين، ولكنها في الواقع تؤدي بالصالح إلى الفساد وتزيد الفاسد فساداَ على فساده، فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الإجرام وتمرس بأساليبه، وبين المجرم المتخصص في نوع من الإجرام وبين المجرم العادي، كما يضم السجن أشخاصاً ليسوا بمجرمين حقيقين، وإنما جعلهم القانون مجرمين اعتبارا كالمحكوم عليهم في حمل الأسلحة أو لعدم زراعة نسبة معينة من القمح والشعير، وكالمحكوم عليهم في جرائم الخطأ والإهمال، إلى آخر ما ذكره رحمه الله. فحاصل ما ذكر أن السجن أصبح مدرسة إجرامية يلقن فيها المجرمون العتاة والمعتادون المبتدئين من المجرمين.

    إلى أن قال: ولقد دلت المشاهدات على أن الرجل يدخل السجن لأمر لا يعتبره العرف جريمة كضبط قطعة سلاح معه، وكان المعروف عنه قبل دخوله السجن أنه يكره المجرمين ويأنف أن يكون منهم، فإذا خرج من السجن حبب إليه الإجرام واحترافه بل صار يتباهى به إلى آخر ما ذكر، وهو كلام جيد مدعم بالإحصائيات فيحسن الرجوع إليه.

    ثالثا: قتل الشعور بالمسئولية: وعقوبة الحبس فوق أنها غير رادعة فإنها تؤدى إلى قتل الشعور بالمسئولية في نفوس المجرمين، وتحبب إليهم التعطل، خاصة من يقضى منهم مدة طويلة في السجن.

    رابعا: انعدام قوة الردع: إن عقوبة الحبس قد فرضت على أساس أنها عقوبة رادعة ولكن الواقع قد أثبت أنها لا فائدة منها ولا أثر لها في نفوس المجرمين، فالذين يعاقبون بالأشغال الشاقة وهى أقصى أنواع الحبس لا يكادون يخرجون من السجن حتى يعودوا لارتكاب الجرائم، ولو كانت العقوبة رادعة لما عادوا، لما عوقبوا عليه بهذه السرعة ثم ذكر إحصائيات تدعم ذلك.
    ومن الطريف ما ذكره بعض الكتاب أنهم في أمريكا قاموا بعرض أفلام على السجناء عن بعض المجرمين وكيف كانت نهايتهم المحزنة، وأن الجريمة لم تجرهم إلا إلى الخيبة والفشل، ثم استطلعوا آراء السجناء ليعرفوا مدى تأثرهم بهذه الأفلام وتأثيرها في سلوكهم، وكان الباحثون يتوقعون أن يعتبر السجناء بمصير المجرمين ويتعظوا، ولكن الذي حصل هو أن السجناء كانوا يركزون على البحث في نقاط الضعف في الخطط التي سلكها المجرمون، ويركزون على الأخطاء التي صدرت عنهم، وكانت سببا في القبض عليهم، فكانوا يقولون لو أن المجرم عمل كذا لنجا، ولو أنه لم يعمل كذا لما قبض عليه وهكذا، مما يدل على تأصل الروح الإجرامية في هؤلاء، وأن السجن لم يزدهم إلا عتوا وتمردا، مصادقا لما ذكره عودة رحمه الله.

    خامسا: ازدياد سلطان المجرمين بعد خروجهم من السجن وتمردهم على المجتمع.

    سادسا: انخفاض المستوى الصحي والأخلاقي نظرا لأن السجون ثابتة المساحة. بينما السجناء يزداد عددهم يوما بعد يوم، وبالتالي ينخفض مستوى الخدمات التي تقدم لهم.

    سابعا: ازدياد الجرائم: وقد وضعت عقوبة الحبس على اختلاف أنواعها لمحاربة الجريمة ولكن الإحصائيات التي لا تكذب تدل على أن الجرائم تزداد عاماً بعد عام زيادة تسترعى النظر وتبعث على التفكير الطويل ثم أورد الإحصائيات الرسمية التي تؤيد ذلك.

    ثامنا: وأمر مهم أغفله "عودة"رحمه الله ألا وهو وضع عوائل المسجونين. من ينفق عليها، ومن يقوم بشأنها، ومن يتولى تصريف شئونها وتدبير أمورها، من يغمر صغارهم بالعطف والمودة، لاشك أن أسرة السجين سوف تتعرض للضياع، وربما لحقت بوليها في ركاب الإجرام نتيجة الانحراف الذي ينجرف بها إلى الإجرام، وبسبب الحاجة الماسة وانعدام الشفقة والعطف، وربما قيل إن المجرم وجوده كعدمه في الأسرة. بل قد يكون وجوده وبالا عليها وسببا في ضلالها وانحرافها إن كان وليا لها أو مجرد فرد من أفرادها ربما قيل ذلك.

    ولكننا نقول أولا : إن أكثر المسجونين والعدد الأكبر منهم ليسوا مجرمين بمعنى الكلمة كما ذكر "عودة"رحمه الله، وليست قضاياهم بالقضايا الإجرامية الخطيرة، بل قد لا تكون جريمة على الإطلاق، ولكنها مخالفة بسيطة وبالتالي فلا خوف على السجين لأنه ليس مجرما.

    ثانيا: إن المجرم مهما كان متماديا في الأجرام فإنه أولى برعاية أسرته وهو أشفق عليها وأرحم بها من غيره، كما أن الحيوانات المتوحشة تعطف على أبنائها وتربيهم رغم ما فيها من القسوة والوحشية، فكذلك هذا الإنسان المجرم اللهم إلا في الجرائم الخطيرة جدا وهي قليلة نادرة فقد تقتضي المصلحة عزلة الَمجرم وإبعاده عن أسرته لألا يفسدها وهذا نادر[1].

    و قد يقول قائل : " إذا قطع يد شخص بريء ظنا من القضاء انه سارق فلا يمكن رد يده إليه لكن في عقوبة الحبس يمكن أن يتم تعويض الشخص عنها فلابد من استبدال القطع بالحبس" ،والجواب أن الشرع اشترط شروطا صارمة لإثبات حد السرقة على المدعى عليه فلا يثبت حد السرقة إلا بالإقرار من السارق أو شهادة عدلين ، ، وألزم القاضي بعدم الحكم بعلمه الشخصي، بل بالقرائن الظاهرة و الأدلة المقدمة في الدعوى ، وبذلك يندر أن يحدث خطأ في الحكم،والعبرة بالغالب لا بالقليل النادر .

    وإن حدث خطأ في الحكم فلا يسأل القاضي في هذه الحالة؛ لأنه حكم بمقتضى ما توفر له من أدلة ،والعقوبة بالحبس غير رادعة ولها العديد من السلبيات ،واستبدال حد السرقة بالحبس بحجة إمكانية الخطأ في الحكم ،وأن اليد لا ترد إن قطعت كمثل من يريد استبدال عملية بتر عضو لوجود ورم خبيث به يخشى تفشيه في الجسد بالدواء بحجة إمكانية خطأ الطبيب في التشخيص أو البتر .


    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات



    [1] - دفاع عن العقوبات الإسلامية لمحمد ناصر السحيباني 81-83
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  12. #87
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    للتحميل من هنا أو هنا
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  13. #88
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول بإذن الله الرد على سؤال سأله أحد الملاحدة العرب في مدونته الكفرية ،وهذا السؤال هو : "هل سيعذب في الآخرة ؟" و قد ذكر السؤال خلال كلامه بصيغة أخرى وهي : " هل من سيعذبون يوم القيامة أو ينعمون هم من كانوا يعيشون على الأرض أم نسخ أخرى لمخلوقات مخلوقة لغرض التنعيم أو العذاب ؟" ورجح هذا الملحد أن النعيم أو العذاب سيقع لمخلوقات جديدة مستنسخة من البشر مخلوقة لغرض التنعيم أو العذاب ،واستدل على فريته بأن المشاهد أن من يموت يهلك و يتحلل ،ومن ثم فمن سينعم أو يعذب مخلوق جديد مستنسخ من الإنسان الذي مات ،وليس الإنسان نفسه .

    وعلى كلامه الخاطئ يعترض هذا الملحد على قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : 24 ] ،ويقول : " كيف يقول القرآن أن أيديهم و أرجلهم ستشهد عليهم بما كانوا يكسبون ،و هي أيدي و أرجل جديدة لم تكن في الدنيا و لم ترتكب أي شيء و عيون لم تر شيئا و آذان لم تسمع شيئا ... بل هو كائن أخر جديد مزود بنسخة لذكريات كائن أخر كان يعيش في عالم أخر ليعذب هو بما فعله هذا الكائن الأخر للأبد "

    وقد قال الملحد بمثل ما قال الكفار الأولون ،واستدل بمثل ما استدل به الكفار الأولون ، فقد ذكر الله سبحانه و تعالى مقولة قوم عاد : ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 35] , وَقَالَ تَعَالَى مبيناً مقولة منكري البعث من كفار مكة: ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الْمُؤْمِنُونَ: 81-83 ] ،وجاء أبي بن خلف بعظم نخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يذروه في الريح , فقال: أيحيي الله هذا يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: « نعم يحيي الله هذا ويميتك ويدخلك النار»[1] .

    و من هنا ندرك أن إنكار الكفار قديما وحديث للبعث سببه استبعادهم إعادة الأجسام بعد الموت بعد أن تصير تراباً وعظاماً على ما يعهد من عادة البشر فيقولون كيف يبعث الإنسان بعد أن بلي وصار ترابا وعظاما ،وهو استبعاد ناشئ عن جهلهم بقدرة الله ،وعلم الله ،وقياسهم قدرة الخالق على قدرة المخلوق ، وعلم الخالق على علم المخلوق .


    [1] - انظر تفسير عبد الرزاق 3/87 رقم 2498 ،وتفسير مقاتل بن سليمان 4/30
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  14. #89
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    وقد ذكر القرآن شبهة منكري البعث ،ورد عليها بأبلغ رد و أقوى رد في العديد من الآيات منها قوله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [ يس: 78 - 83] .

    ومعنى الآيات أن هذا الكافر ذكر أمرا عجيبا ينفى به قدرة الله عز وجل على إحياء الخلق، فقال: من يحيى العظام وهي رميم ؟ ونسى خلق الله عز وجل له ، أفلم يكن هذا المجادل في يوم من الأيام نطفة من ماء مهين فجعله الله خلقا سويا ناطقا ؟! ولا شك أن من فعل ذلك لا يعجزه أن يعيد الميت حيا، والعظام الرميم بشرا كهيئته التي كان عليها قبل الموت.

    وقد أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب هذا الكافر المنكر للبعث عن استبعاده لإعادة الأجسام بعينها بعد الموت بعد أن تصير تراباً وعظاماً بتذكيره بما نساه من حقيقة أمره وخلقه من العدم فقال: ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ أي قل يا محمد لمن قال لك: من يحيى العظام وهى رميم؟ يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا .

    ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق، وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك بقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته، ومواده وصورته، فكذلك الثاني، فإذا كان تام العلم، كامل القدرة ، كيف يتعذر عليه أن يحي العظام وهي رميم؟[1] كيف يعجز عن إعادة العظام بعدما تفرقت وهو -سُبحانه وتعالى- يَعلم كيف يَخلق الأشياء، وكيف يُكوِّنها ،ويعلم أجزاء العظام بعد تفرقها و يعلم أين ذهبت تلك الأجزاء وكيف تفرقت فلا يَعجز عن إعادة خلقه لها وجمع هذه الأجزاء المتفرقة إلى ما كانت عليه قبل ذلك .

    و من المسلم به أن القادر على ابتداء صنع شيء قادر على إعادة صنعه ،و من ينشئ شيئاً يسهل عليه أن يعيد إنشائه ،والقادر على إنشاء الإنسان ثم إحلال الحياة فيه لا يعجزه إعادته مرة أخرى كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ﴾ [ الروم : 27 ] ،وكل شيء هين على الله ، وكل شيء يسير على الله ،و إعادة الخلق عنده عز وجل أقل شأناً من ابتدائه ،و إعادة الخلق تعني إرجاع الخلق إلى الحالة التي كان عليها في البداية، والإعادة فرع عن البداية.


    وبعد الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة ذكر سبحانه وتعالى دليلا ثانيا على إثبات البعث يرفع استبعاد هذا المجادل بالباطل ويبطل إنكاره فقال : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر ( النار ) ، الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة، من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة ، فالذي يخرج الشيء من ضده ، وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه، من إحياء العظام وهي رميم[2] فإذا أخرج النار اليابسة من الشجر الأخضر الذي هو غاية الرطوبة مع تضادهما وشدة تخالفهما، فإخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك[3].

    و في قوله تعالى : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ قال ابن عباس: هما شجرتان يقال لإحداهما المَرْخُ وللأخرى العَفَار فمن أراد منهما النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خَصْراوان يقطران الماء فيسحق المرخ على العفار فيخرج منهما النار بإذن الله تعالى[4].

    وبعد الاستدلال بإخراج النار من الشجر الأخضر ذكر سبحانه وتعالى دليلا ثالثا على إثبات البعث يرفع استبعاد هذا المجادل بالباطل ويبطل إنكاره فقال : ﴿ أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ فاستدل بخلق السماوات والأرض على القدرة على البعث فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السَّمَواتِ والأرض كما قال تعالى : ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ غافر : 57 ] ،و من لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمَّت وبلِيَت؟ [5] .

    و إذا نظرنا إلى السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الأرض وما فيها كذلك ونظرنا إلى الإنسان فإننا نجده لا شيء إذا قوبل بالسموات والأرض فنحكم بأن من خلق السموات والأرض على عظمها قادر من باب أولى على خلق الإنسان مرة أخرى بعد موته وبلاه وفنائه[6] كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف :33 ] أي من قدر على خلق السموات و الأرض و هما في غاية العظم قادر من باب أولى على إعادة خلق الإنسان إذ القادر على الأعلى قادر على ما دونه .

    و بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض على القدرة على البعث ذكر سبحانه ما هو كالنتيجة لما سبق من تقرير واسع قدرته، وإثبات عظيم سلطانه فقال : ﴿ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ أي إنما شأنه سبحانه وتعالى في إيجاد الأشياء أن يقول لما يريد إيجاده: تكوّن فيتكوّن ويحدث فورا بلا تأخير فالله عز وجل لا يستعصي عليه شيء أراده فلا يستعصي عليه إعادة خلق الإنسان مرة أخرى .

    وبعد أن أثبت سبحانه وتعالى لنفسه القدرة التامة والسلطة العامة، نزّه نفسه عن العيب ، والنقص ، والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة فقال : ﴿ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي تنزه ربنا عن كل سوء .

    وقوله تعالى : ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي وإليه يرجع العباد يوم المعاد، فيجازى كل عامل بما عمل، وهو العادل المنعم المتفضل[7].


    [1] - شرح الطحاوية لابن أبي العز 2/594
    [2] - شرح الطحاوية لابن أبي العز 2/595
    [3] - تفسير السعدي ص 699
    [4] - اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 16/267
    [5] - تفسير الطبري 20/556
    [6] - أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 4/395
    [7] - تفسير المراغي 23/39
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

  15. #90
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,239
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    و من أدلة القرآن على إثبات البعث أيضا قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ [فصلت : 39] فمن يقدر على إحياء الأرض بعد موتها , يقدر أيضاً على بعث الأجساد بعد موتها



    و إن قال الملحد كيف يحيى الله الإنسان من جديد بعد أن يضمحل و يتلاشى بدنه فيستحيل إعادة الإنسان بعد أن يصير عدما ؟ و الجواب : أن الملحد هداه الله يعتقد بأن حقيقة الإنسان هي عبارة عن هذا البدن المادي الذي يهلك و يتلاشى بالموت، وإذا ردت له الحياة من جديد بعد الموت، فهو إنسان آخر لا هو عين الأول ، لأن إعادة المعدوم أمر محال .

    و هذا لجهله أن المعاد ليس من باب إعادة للمعدوم ، بل عودة الروح الموجودة إلى نفس الجسد المادي التي كانت متصلة به مرة أخرى فالبعث إعادة و ليس خلقا جديدا البعث إعادة لما زال و تحول ؛ فإن الجسد يتحول إلى تراب ، و العظام تكون رميما ؛ يجمع الله تعالى هذا المتفرق ، حتى يتكون الجسد ، فتعاد الأرواح إلى أجسادها ، و أما من زعم بأن الأجساد تخلق خلقا جديدا ؛ فإن هذا زعم باطل بنص القرآن قال تعالى : ﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [ الأعراف: 29]

    وقال تعالى : ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : 24 ] وهذه الآية تدل صراحة على أن جوارح الإنسان التي كانت في الدنيا من لسان و يدين ورجلين هي نفس التي تبعث يوم القيامة فتشهد عليه بما اقترف من أعمال إذ الشاهد يكون حاضرا على ما يشهد به مما يدل أن هذه الجوارح التي تشهد على الإنسان، هي الجوارح التي كانت موجودة في الدنيا بعينها لا جوارح جديدة .

    وقال تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾[ الروم : 27 ]

    وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرضُ أبداً فيه يركب يوم القيامة. قالوا: أيُّ عظم هو يا رسول الله؟ قال: عجب الذنب» [1]فقوله " فيه يركب " أي يعود الجسم إلى ما كان عليه، بعد ما دفن في قبره وأكلته الأرض مما يدل أنه نفس الجسد الذي كان في الدنيا .

    وإن قال قائل: فما فائدة إبقاء عجب الذنب دون سائر الجسد؟ فقد أجاب ابن عقيل فقال: لله سبحانه في هذا سر لا نعلمه، لأن من ينحت الوجود من العدم لا يحتاج أن يكون لفعله شيء يبنى عليه، فإن علل هذا، فيجوز أن يكون الباري سبحانه جعل ذلك للملائكة علامة على أنه يحيي كل إنسان بجواهره بأعيانها، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم من كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هذا جزء منها، كما أنه لما أمات عزيرا وحماره، أبقى عظام الحمار وكساها ليعلم أن هذا المنشأ ذلك الحمار لا غيره، ولولا إبقاء شيء لجوزت الملائكة أن تكون الإعادة للأرواح إلى أمثال الأجساد لا إلى أعيانها[2].

    و إن استدل البعض بأن أشكال الناس وقاماتهم ستغير في الآخرة على أن الأجسام تخلق خلقا جديدا فهذا لا يصح ؛ لأن تغير هيئة الشخص ليس معناه تحوله لشخص آخر ،ومعلوم أن من رأى شخصا وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخا، علم أن هذا هو ذاك، مع أنه دائما في تحلل واستحالة, وكذلك سائر الحيوان والنبات، فمن رأى شجرة وهي صغيرة، ثم رآها كبيرة، قال: هذه تلك [3].

    لقد جهل الملحد حقيقة الإنسان أنها من روح وبدن , و أن الروح باقية لا تنعدم , و إنما كانت متلبسة بالبدن ثم تفارقه عند الموت , و أما البدن فإنه لا ينعدم و إنما يتحلل إلى عناصره بعد أن كان مركباً والتحلل إلى العناصر الأصلية لا يسمى عدماً. فلو فرضنا أن هناك مهندس فكك سيارة بصورة تامة إلى أجزائها الأولية ثم أعاد تركيبها فهل هذا يسمى عدماً للسيارة ؟! فتحصل لدينا أن الموت لا يعني عدم الإنسان أما الروح فهي باقية,وأما البدن فهو يتحلل إلى عناصره ولا تنعدم هذه العناصر.

    و إذا قيل : ربما تأكل السباع الإنسان ، و يتحول جسمه الذي أكله السبع إلى تغذية لهذا الآكل تختلط بدمه ولحمه وعظمه وتخرج في روثه وبوله فكيف يعاد هذا الجسد ؟ و الجواب : أن الأمر هين على الله ؛ يقول للشيء كن فيكون ، و يتخلص هذا الجسم الذي سيبعث من كل هذه الأشياء التي اختلط بها ، وقدرة الله عز وجل فوق ما نتصوره ؛ فالله على كل شيء قدير ، وقال رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَامْتُحِشَتْ فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ»[4] .


    و إن قال الملحد لا أتصور إعادة جسدي بعدما يهلك ويتحلل ،و الحكم على الشيء فرع عن تصوره فالجواب عدم تصورك إعادة جسدك بعدما يهلك ويتحلل لا يعني امتناعه في نفسه، فقد تعجز العقول عن تصور أمور كثيرة كعجزها عن تصور حقيقة العقل رغم أنه داخلنا ولا يمكن أن نفكر بلا عقل و عجزها عن تصور حقيقة الروح رغم أنها بداخلنا ، فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يخضع بعقله أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهم ،و الشيء الذي لا نشاهده في الواقع الحسي لا يلزم عقلاً أن يكون غير ممكن الوجود ، فعدم الوجود لا يدل على استحالة الوجود .

    وختاما اذكر هذا الملحد بقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ آل عمران : 116] ، وقوله تعالى: ﴿ وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [التوبة : 68 ]،وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [ الأحزاب : 64 - 65 ] .

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات


    [1] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 2955
    [2] - كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/454
    [3] - شرح الطحاوية لابن أبي العز 1/411
    [4] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 3479
    طبيب بشري قليل الوجود في المنتدى
    قد يتأخر بيان وجهة نظري أو ردي أياما أو أسابيع فأعذروني
    العمر قصير و العلم غزير فلا وقت للكسل بل الجد والعمل هكذا علمنا البشير النذير
    مقالاتي على شبكة الألوكة
    العلم و الإيمان

صفحة 6 من 9 الأولىالأولى ... 45678 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء