النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: السلوكية الراديكالية وفشلها في اختزال الإنسان

  1. #1

    افتراضي السلوكية الراديكالية وفشلها في اختزال الإنسان

    السلوكية الراديكالية radical behaviorism أو علم نفس العناصر ، مدرسة يمكن اعتبارها الخلفية العلمية للإلحاد في إنكار كل ما يتعلق بالروح من قيم ما ورائية كالعقل والإدراك والمنطق ، وهي الحديقة الخلفية للملحدين في تفسيراتهم المادية للشعور والقيم الإنسانية العليا كالوجدانيات والعواطف والإنفعالات ، يصح وصفها أيضا بالجبرية الحديثة فالسلوكانية تقول بحتمية السلوك الإنساني بوضعها السبب خارج الشخص الذي يحتم عليه السير بموجب ذلك السبب أو المثير الخارجي ، فالإنسان بمنظور هذا التيار عبارة عن آلة ميكانية قائمة على المبدأ البافلوفي مثير-إستجابة ، وتصرفاته لا تزيد عن كونها ردود أفعال جبرية فرضها المحيط حيث لا إرادة ولا اختيار وبالتالي لا مكان ولا مجال للحديث عن المسؤولية ولا عن غيرها من القيم الاعتبارية التي نادت بها الأديان.

    ترجع الأصول الأولى لهذا التيار إلى نظرية الحس المشترك ، النظرية التي تعتبر العقل صفحة بيضاء tabula-rasa وأن هذا العقل يتزود بالمعرفة عن طريق التجربة ، ومن التجربة وحدها تنبع جميع معارفنا ، فحواسنا تنقل إلى العقل عدة إدراكات حسية تربط بينها قوانين تسمى قوانين الترابط. وأشهر من نادى بهذا التفسير من الفلاسفة جون لوك ، دافيد هيوم ، هوبز باركلي وغيرهم .. ولهذا سمي المذهب السلوكي بالترابطية الحديثة نظرا لما أخذه عن هؤلاء من أسس ومبادي أولية، ثم بتأثيرِِ من بالبيولوجيا الداروينية التي سادت آنذاك و بظهور علم نفس الحيوان الامريكي أُسِّسَ المذهب الذي يرى في مجال التعلم أننا لسنا سوى ما نتعلمه.
    الترابطية الكلاسيكية تُمثِّل الأسس النظرية الأولى غير أن التبلور التام واتخاذ الصبغة العلمية للسلوكية كان مع بزوغ علم نفس الحيوان على يد لويد مورغان الذي صاغ المبدأ القائل بأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تفسير عمل ما على أنه نتيجة ملكة ذهنية عالية..ثم تسارع هذا البزوغ مع إيفان بافلوف باكتشافه الإنعكاس الشرطي لدى الكلاب ، حيث تُرْبَطُ الإستجابة عند الكلب بمثيراتٍ خارجية كدق الجرس ينتج عنها رد فعل حركي عكسي. إضافة إلى تجارب فلاديمير بشتيريف Bechterew في دراسة الإنعكاسات الحركية للكلاب بواسطة الصدمات الكهربائية ، وقد كان لهاته التجارب تأثيرا هائلاً في تشييد علم نفس لا يعترف بالوعي على يد العالم الأمريكي جون.ب واطسون j.Broadus.Watson حيث كانت نقطة التحول مع هذا الأخير بانتقاله من علم نفس الحيوان إلى علم نفس الإنسان ناقلا معه مناهج الميدان الأول ليطبقه على الإنسان ولتتأسس على يديه المدرسة السلوكية في علم النتفس ، المدرسة التي تُعرِّف علم النفس على أنه علم الإنعكاس Réflexologie علم نفس لا يعترف بالوعي ولا يعترف بالروح ولا الإدراك والفكر الغائي ، يُعرِّفُهَا البعض في كلمات وجيزة بعلم نفس الغائب! وذلك لكونها تقوم على مبدأ الإنعكاس الشرطي البافلوفي الذي وقع تعميمه وصار هو القانون الأوحد في تفسير سائر تصرفات الإنسان فألغيت الحياة الداخلية للبشر وسائر النشاطات الفوق فيزيائية وأحالت كل فهم وكل تفسير إلى النشاطات الغددية والسلوك المجرد ، وصار يُعَرَّفُ الإنسان على أنه هو السلوك! أي لا وجود للصورة العقلية ولا وجود لما نسميه فكر أو أفكار فهي مدرسة لا تؤمن إلا بالحقيقة المادية الملموسة وتختزل الإنسان وتحصره في السلوك ونعني هنا بالسلوك مجمل الإستجابات Réponse على المثيرات Stimuli لا غير..وعَرَّفَتِ الإنفعالات بالمعادلات الفيزيائية فالغضب هو هرمون في الدم مع تسارع في دقات القلب وتغير في الجهاز التنفسي ولا شيء غير ذلك واختزلت المعاني الكلية فجمالية الزهرة الحمراء كما يعرفها الذهن اختزلت في ترددات وموجات وكذا وكذا ولا شيء يزيد عما هو مادي.. لذلك اختزلت دراسة الإنسان مقارنة بالدراسة التقليدية للإنسان وعوضت بدراسة القرينين مثير-استجابة أي دراسة ردود الفعل أو العناصر الفيزيائية التي يمكن أن تلاحظ والتي يؤديها الجسم جوابا منه على المثيرات المتأتية من البيئة المحيطة.

    لكن سرعان ما اتضح أن أحداث الوعي قل أن تخضع للطرائق التجريبية والأساليب السائدة في العلوم الوضعية ، وانهال النقد والتجارب المضادة للإنعكاس الشرطي ، كتجارب غولدشتاين التي أكدت أننا لا نستطيع دائما تحقيق الإنعكاس ذاته عند الحيوان إذا أثرنا نفس النقطة المسببة لهذا الإنعكاس..ثم تجارب كوغهيل على صغير الضفدع أثبت من خلالها أن الإنعكاس لا يكون بشكل آلي حيث يهتم كل عنصر بالمهمة الخاصة به وإنما الإنعكاس يكون بشكل كلي يحاول فيها الكائن الإبتعاد بشكل كلي لا فقط إبعاد العضو المنبه بمثير خارجي ، فالأجزاء هنا تهتم بالكل بعكس المفهوم الآلي..أضف أيضا أن السلوكية لم تدرس كافة الإستجابات المعقدة لقد اقتصرت على استجابات نوعين فقط من الحاجات الأساسية: الطعام والجنس وهذا يعتبر غير كاف وغير دقيق..ثم نقد آخر وجه للجدوى من تطبيق علم نفس الحيوان على الإنسان..وهو نقد لخصه بيار جانيه بقوله: (( تصبح سيكولوجية السلوك ناقصة عندما يكون الأمر متعلقا بالإنسان )) (1)
    وهو نقص ظهر جليًّا في العجز عن تفسير الفوارق البشرية لكونها تفسير أحادي تعميمي ، وهو الخلل الذي أظهره وجلاه علم النفس الفارقي فيما بعد.. كما عجزت عن تفسير الكثير من الحوادث النفسية التي لا تقبل التموضع أو التشيأ ، لحودث التي لا تلمس ولا تقاس..عجزت عن فهو سيكولوجيا الإنتحار فالتجربة هنا محدودة النطاق وتعجز عن إيجاد حلول أو طرق تقتحم بها أغوار هذه السيكولوجيا..كما عجزت عن تفسير الإضطربات النفسية ، يقول الدكتور حسين عبد الفتاح الغامدي : « كيف يمكن لهم تفسير الأحلام..أنماط الهيستيريا التحولية والتفككية، المشيء أثناء النوم، الإضطرابات المزاجية (الهوس والإكتئاب)، إنفصام الشخصية الموسوم بتفكك البنية المعرفية نفسها والبنية الوجدانية للشخص وإنفصالهما عن الواقع وما به من مثيرات إلخ..إلخ »(2)
    عجزت عن فهم الفكر المنطقي ، يقول بول جييوم: « التحديد المنطقي إنما هو علاقة باطنية بين الأفكار يستحيل خفضها إلى مجرد علاقة خارجية ناشئة عن الترابط، لقد قيل في تفسير الإرتباطات بنشأة وصلات مادية دائمة ما بين المناطق الدماغية التي نالها تأثير المنبهات المتآنية، ولكن كيف لنا أن نترجم إلى لغة الفيزيولوجيا أثر التلائم المنطقي للأفكار، وأثر تناغم الكل وقيمته، وما هو المكافئ الدماغي الذي نستطيع أن نقدمه لاتجاه مجرى الأفكار بفعل قاعدة، ولقوة الدليل وجاذبية المثل الأعلى ؟ ... لقد عيب على النظرية الترابطية منذ نشأتها أنها لا تعرف إلا الإراتباطات الخاريجية بين العناصر وأنها عجزت عن فهم الفكر المنطقي هذا الذي تتلاحق فيه اللحظات بفعل ضرورة باطنية، وبصورة أعم فإنها لا تتيح فهم الإنتظام أو الغائية وهما خاصيتان بارزتان للفكر، فكيف لميكانيزم كالترابط أن يفسر تبعية الوسائل للغايات وأن يلائم الأفعال بصورة متناغمة مع المواقف الجديدة ؟..والتعارض الذي يتبدى هاهنا إنما هو حالة خاصة للتعارض العام ما بين التفسير الميكانيكي والتفسير الغائي، ما بين فكرة الفوضى وفكرة النظام، وإذا كانت التفسيرات الميكانيكية تقصر عن فهم النظام الفيزيولوجي فإنها ليبدو أنها أقل صلاحية لإتاحة فهم التكيفات الراقية للسلوك، من قبيل الإبتكار في حل المسائل والتفكير الإستدلالي. »(3)
    أضف أيضا لهذه الإشكاليات ما يمكن استخلاصه من نقد غالبية الإبستيمولوجيين على اختلاف مشاربهم..يقول جوردن ألبرت : « السلوكية تدرس الإنسان كما لو كان فارغا ولعلَّ في تقدم علم النفس المعرفي وخاصة المعالجة المعلوماتية والذكاء الصناعي ما دحض الفكر السلوكي خاصة في ظل الوصول إلى نماذج معرفية تقوم على أساليب البحث العلمي المتشدد » (4)..أيضا النقد الموجه من بياجيه وخصوصا كارل بوبر الذي انتقد الترابطية بشقيها الكلاسيكي والحديث واعتبر نظرية tabula-rasa نظرية ساذجة وتهدد العلم وانتقد أيضا السلوكية وقدم نظرته التي لخصها في أنطولوجيا العوامل الثلاثة: عالم الأشياء الفيزيقية وعالم حالات الوعي والإستعدادات الذهنية ثم عالم المنتوجات من نظريات علمية وأعمال فنية. (5)

    كلها عوامل كانت كفيلة بإحداث ثورة على المذهب السلوكي ، ثورة جاءت من الداخل والخارج..بدايتها كانت بظهور السلوكية القصدية أو السلوكية الإجتماعية المعرفية Social-cognitive Behaviorism على يد تولمان ، تيلكن ، كانتور وغيرهم..ثورة جائت لتخفف من شطط السلوكية الميكانيكية وصار المذهب غائيا وقصدانيا وأبدت اهتماما بالعمليات العقلية الوسيطة.. فالسلوك صار ذو نزعة قصدية وهادفة لغرض ما وتغيرت العلاقة من مثير-استجابة إلى مشكل-بحث عن حل..وأجريت تجارب في هذا الصدد أهمها تلك التي أجريت على القطط أثبتت أن الهر يجرب ويحاول حتى يصل إلى هدفه ثم فيما بعد يكتشف الطريقة الأسرع بغية الوصول إلى هدفه. فالسلوك هنا هو ترابط أعمال ذات وحدة عضوية وذات غاية لا مجرد تلاصق اعتباطي بين حركات مستقلة..والفرق هو أن إضفاء القصدية على السلوك تعني الإقرار بوجود الشعور لدى الكائن الحي المعنى الذي ترفضه الواطسونية لكونه يتناقض مع الأسس التي أقيم عليها التيار، لأن الشعور وكما يعرفه علماء النفس هو: « إدراك المرء لذاته أو لأحواله وأفعاله إدراكا مباشر وهو أساس كل معرفة..وكما يقول هاميلتون هو أحد معطيات الفكر الأولية »(6)، الأمر الذي ترفضه الواطسونية لأن إدراك الكائن لأفعاله يثبت الوعي والقصدية ويخرج أساس المعارف عن التجربة والعالم المحسوس. فهي معانِِ تعتبر ماورائية عمد المذهب السلوكي إلى إلغائها لعدم القدرة على إثباتها وتشييئها تجريبيا..أيضا انتقد تولمان النظرة السلوكية للفكر حيث كان يعتبر عند واطسون كلام تحت صوتي sub-vocal speeck أي وقع تشيئ الفكر واختزاله في الكلام القابل للقياس وإن لم يكن منطوقا! وهي نظرية حركية أضاف إليها تولمان في سلوكيته القصدية نظرة ذهنية لتكون شبه عودة لعلم النفس التقليدي في فهم الفكر. وفكرة اختزال الفكر في الكلام القابل للقياس تعرضت إجمالاً لعدة انتقادات منها عجزها عن تفسير قدرة الأطفال على التفكير قبل تطور القدرة على الكلام لديهم أو حتى القدرة على فهم معنى الكلام لديهم. وفي إحدى التجارب الخاصة بعلم النفس المعرفي أعطيَ لبعض الأفراد مخدرا نتج عنه شل جهاز النطق لديهم وبالرغم من ذلك استطاع هؤلاء الأفراد وعي وإدراك ما يدور حولهم وكانت لديهم القدرة على التفكير -راجع علم النفس المعرفي للدكتور رافع وعماد زغول ص260-
    مثلت السلوكية القصدية البدايات الأولى للثورة على الواطسونية ، الثورة التي ستبلغ أوجها على يد أهم مدارس علم النفس الحديث ونعني مدرسة علم نفس الشكل أو علم النفس الغشتلطي بإصطلاحه الألماني..وهي ثورة كانت مختلفة عن ثورة السلوكية القصدية حيث اتسمت بالرفض المطلق للمبائ الترابطية للسلوكية والتي اطلقت عليها اسم: سيكولوجيا القرميد والملاط Breack and mortar psycology أي أنها تبني القرميدات (الأحاسيس) وتجمعها بواسطة الطين (قوانين الترابط) وهي نظرة مثلها بول جيوم بالفيزياء الأرستطالية يقول : « إن الفيسيولوجيا الترابطية والفيزيولوجيا الجشتلطية هما في نفس العلاقة القائمة ما بين الفيزياء الأرستطالية وفيزياء نيوتن ، فالنظام في حركات الأجرام السماوية ما كان ليمكن أن يقوم في رأي أرسطو إلا بفعل كرات جامدة بلورية كانت النجوم في ظنه مثبتة عليها ، في حين أن نيوتن يضع مكان هذه الآلة الصلات اللامادية لحقل الجاذبية »(7) كما تَعتبر أن الأصيل هو إدراك المجملات بقوانين خاصة رافضة بذلك المذهب الذري في علم النفس مستعينة بتجارب علمية في المختبر وعلى الطفل وعلى البدائي بل وحتى على الحيوان كتجارب كيلر التي أظهرت « أن الحيوان يبدو أنه يواجه المسألة بطريقة تنم عن الذكاء وأنه يستوعب أبرز ملامحها قبل أن يحاول حلها عمليا »(8)
    أهم مبادي علم النفس الغشتلطي اعتبر صدمة لأنصار المناهج التجريبية الراديكالية وهو المبدأ الذي صار فيما بعد العمود الفقري لعلم النفس الحديث علم نفس التصرف العلم الذي أسس على يد دانيال لاغاش وبيار جانييه وغيرهم وهو المبدأ الذي أعادنا إلى مفهوم الروح والقيم الماورائية من الباب الواسع رغم إنكار البعض ..والمبدأ يتلخص في تعريف مصطلح الجشطلت نفسه فهو كمصطلح يعني البنية..الشكل..الصيغة لكن كمعنى يعرفه بول جييوم في كتابه علم نفس الغشتلط بقوله : « فالجشطلت هي شيء آخر أو هي شيء يزيد على حاصل جمع أجزائها..إن لها خصائص لا تنتج من مجرد جمع خصائص عناصرها. ذلك ما يوضحه إهرنفيلز (von ehrenfels) بالطريقة التالية : فلنأخذ قطعة موسيقية تتألف من "ن" من الأصوات الموسيقية..ولنأخذ عددا مسوايا من الأشخاص..ولنجعل كل شخص من الأشخاص يسمع صوتا من الأصوات..هذه الإدراكات لا تشتمل على شيء من خصائص الميلوديا ذاتها..لا شيء من الخصائص البنيوية أو من خصائص المركب التي تظهر عندما تقدم هذه الأصوات متتابعة إلى شعور شخص واحد…فتحليل الإدراك إلى إحساسات يغفل إذن وجها جد هام من الواقع »(9)
    إذن فالعناصر لا تؤلف واقعية الشيئ والكل هو شيء ما غير مجموع العناصر وهي ذات الفكرة التي ذكرها كوهلير في كتاب علم نفس الشكل حيث اعتبر أن الجشطلت هو شيء مختلف عن الخصائص الحسية فيه ويقول –أي كوهلير- « إن هذه الأخيرة (أي الخصائص الحسية) تنتج عن مثيرات حسية لكن ما هو المثير الذي يولد إدراك الشكل أو الكل ؟ مستحيلة هي الإجابة ! » (10) مما يعني أن الغضب لا يساوي هرمون في الدم مع نبضات في القلب وتغير في الجهاز التنفسي كما عرَّفته لنا السلوكية الكلاسيكية وإنما هو مفهوم أو هو شيء آخر غير مجموع أجزائه..وجمالية الزهرة كما يعرفها الوعي هي معنى أو شيء يفوق مجموع أجزائه الفيزيائية المتكونة من ترددات وموجات وكذا وكذا..ولكن هل هذا المعنى يعتبر ثنائية تعيدنا للثنائية التقليدية روح-جسد..في هذه النقطة افترقت الجشتلطية إلى فريقين تيار ثنائي تمثله مدرسة كُرتْسْ النمساوية التي أسسها مينونغ Meinong وتلميذه فيتوريو بينوسي Benussi تقول أن إدراك الكل ليس معطى قادم من الحواس وإنما هو منتوج العقل وذو مصدر خارج عن الحواس وتستدل على هذه الاطروحة بأمثلة عديدة منها إمكانية إدراك شيئين مختلفين وحسب المشيئة في نفس المعطيات الحسية وهو ما يسمى بقانون الصورة والأرضية ويمكننا تجسيد القانون في الصورة التالية:

    الاســـم:	615204493.jpg
المشاهدات: 5164
الحجـــم:	29.9 كيلوبايت

    فإذا كان الأسد هو الصورة لعب الفأر دور الأرضية والعكس بالعكس فنحن لا نستطيع الوصول إلى الإدركاين بطريقة متزامنة، فإذا بدا الواحد اختفى الآخر، وإدراكنا لأي منهما يخضع للمشيئة بمعنى أننا نغير إدراكنا من النقيض إلى النقيض حسب مشيئتنا لا حسب المعطيات الحسية فهي ثابتة لم تتغير..واستنتجت أيضا أنه يؤدي إلى تراتب في الإدراكات وفي منزلة الأشياء وفي تقدم فكرة ما أو تاخرها وبالتالي استنتجت ان تعميم المثيرات الحسية الذي انتهجته السلوكية هو تعميم فاشل لإمكانية تباين فهم المعطيات الحسية من شخص لآخر فالغابة مثلا يختلف تأثيرها وإدراكها من الفنان عما هو عند الصياد أو المتنزه أو الباحث أو مكافح الحريق..
    التيار الثاني هو التيار الأحادي رفض فكرة الثنائية واعتبر أن الإدراك يقع بطريقة متزامنة مع المعطيات الحسية ولا يوجد فصل بينهما خوفا منهم من الوقوع في الثنائية..وهذا الخوف أدى بهم إلى تقديم دلالة غير واضحة في بعض الأحيان لمفهوم الكل أو الغشطلت وهذا باعتراف علماء الغشطلت أنفسهم إذ يقول جييوم بأنه لا بد من تعريف هذا المصطلح تعريفا دقيقا..ولكن في كل الأحوال هم لم يخرجوا عن التعريف الميتافيزقي القديم..يقول الدكتور علي زيعور: « رغم أنها ترفض بحزم التقسيم الإزدواجي جسم-روح فإننا نلاحظ أنها تجعل من الشكل (البنية) ما كان يراه الفلاسفة الأقدمون أو علماء النفس التقليديون في الروح ، تقول إن الغشتلط (شيء) مجرد غير موجود في العناصر ، ألا يوحي ذلك ويعيد لذهننا مفهوم الروح والعالم الماورائي ؟...يقولون إنها شيء غير الأشياء المكونة لها: أليس ذلك ما يعيدنا للروح التي كانوا يقولون إنها موجودة في المادة ولكنها غير المادة ؟ »(11)

    نختم بالقول أن علم النفس الحديث لم يقف في حدود الغشتلطية وإنما عمل بمقولة ليبينتس: "إن كل مذهب هو صحيح من جهة ما يؤكد وخاطئ من جهة ما ينفيه"..فلا يوجد أي مذهب من مذاهب علم النفس استطاع أن يفسر أو يفهم الإنسان كما يجب أن يفسر وهي ذات الفكرة التي خلص إليها يونغ مؤسس علم النفس التحليلي وبالتالي أخذ علم النفس الحديث من كل التيارات دونما استثناء أخذ من السلوكية ما حققته من فوائد في جانب التجريب وعلاقة الجسم ببعض المشاكل النفسية رغم فشله كمذهب وأخذ من الغشتلطية مبدأ الكلية وأن الكل أكبر من مجموع العناصر..وأقر المنهج العيادي أهم مبادئ علم نفس التصرف أي معاملة الإنسان ككائن واعي مفكر..المنهج الذي يعتمد على الإستماع والمحادثة والوعظ! والإقناع! يعتمد على إرادة الإنسان وشخصيته في العلاج إنه المنهج الذي يقر سلطة النفس على الجسد..يقول زيعور: « أنار علم النفس المعاصر سلطة النفسية على البدن ومفاعيلها على توجيه الإنسان وعلاجه...فالصحة العقلية والعلاج النفساني يستلزمان طرقا تقوم على الإيمان بقوة النفسية على البدني: الإيحاء الذاتي، الإقناع، إن علم النفس العيادي من ثمرات هذا القرن يقدم خدمات جلى في هذا المضمار ، لكن الإقرار بهذه السلطة والتأثير للنفسية على الجسم لا يعني بالبداهة عودة للمفاهيم الروحية العتيقة التي تجعل الإنسان نفسا فقط وتهمل البدن ، فالبدن هو بدوره أيضا غير معزول عن النفس ولا هو قائم بمعزل عنها وظيفيا كان أو غير ذلك »(12)

    1- مذاهب علم النفس والفلسفات النفسانية 217
    2- مدارس علم النفس ونظريات الشخصية..محور الإنتقادات الموجهة للفكر السلوكي..
    3- بول جييوم علم نفس الجشطلت 23-25
    4- مدارس علم النفس ونظريات الشخصية..محور الإنتقادات الموجهة للفكر السلوكي
    5- فلسفة كارل بوبر 133-154
    6-د.جميل صليبا المعجم الفلسفي ج1 ص703
    7- علم نفس الجشطلت 67
    8- زانجويل مدخل إلى علم النفس الحديث 63
    9- علم نفس الجشطلت 27
    10- مذاهب علم النفس والفلسفات النفسانية 349
    11- مذاهب علم النفس 376-403
    12- مذاهب علم النفس 401-402
    التعديل الأخير تم 01-19-2018 الساعة 01:02 PM
    التعقيد في الفلسفة بمثابة أوثان مقدسة يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم
    فمن خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء