الحمدُ للّه ربّ العالمين , والصّلاة والسّلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين , وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد :

فقد أطلعني البعض على مشهدٍ لشّاردٍ عن الصّراط المستقيم , " عدنان إبراهيم " يحكي فيه ما وسوس له شيطانه بردّ حديثٍ في الصًحيح , بحجّة أنّ الشك قد وقع في الوحيّ ! , ثم بنى الإستحالة على فهمٍ مغلوطٍ , فتمخض عن فهمه نتاج منكوس ! .

والحديث هو ما رواه الامام مسلم (7573) من وصفه عليه الصّلاة والسّلام لمكان الدّجال حيث قال : " ألا إنه فى بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو ». وأومأ بيده إلى المشرق .

بدايةً لا بُدّ وأن يتقرر أمرين اثنين أولهما : جواز اجتهاد الأنبياء في أٌقضياتهم , ثم إمّا يقرّهم الوحي أو ينبهم إلى ما فيه الصّواب , كقول الله تعالى " عفى الله عنك لم أذنت لهم .." , وقوله " يا أيها النّبي لم تحرم ما أحلّ الله لك .. " .

- والأمر الآخر في بيان الوحي , وكيفيّة تواصله مع الأنبياء وطرق ذلك : فللوحي ثلاثة طرق منها أن يأتي الوحي عن طريق الملك على صورته فيكلم النّبي بالوحي .

- وتارةً يأتيه متشكّلاً فيبلغه الأمر الغيبي .

- وتارةً يكون سماعاً , أو مناماً فلربّما استعجل النّبي صلى الله عليه وسلم بعض الوحي حال السّماع , فأخذ بحكاية ذلك قبل تمامه , فأمره الله تعالى بأن يتريث , فقال : " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه " , ولمّا سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " . البخاري

وربّما يرى الوحي والبلاغ والأمر الغيبي مناماً أو مكاشفةً , كما في صحيح مسلم (6513) أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ ! ".

وقد كانت رؤيا مناميّة حيث قال صلىّ الله عليه وسلم : " رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو الهجر فإذا هي المدينة يثرب " بخاري (6629) .
و(الوهل) بالسكون: الوهم, وبالتحريك: الفزع, أي ذهب ظني إلى أن الأرض التي رأيت المهاجرة إليها يمامة أو هجر, وكانت المدينة. تحفة الابرار (3-196)

- وتخاريج أهل العلم في لفظة (ما )إمّا على أنّها زائدة لا نافية , والمراد إثبات أنه في جهة المشرق , وقيل : يجوز أن تكون موصولة أي الذي هو فيه المشرق , ويحتمل أنها نافية أي : ما هو إلا فيه .. " انظر عون المعبود (11-319)

فالحاصل أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم , لربّما يتعجل في تأويل ما يراه من الأخبار المغيّبة قبل أن يأتيه تمام الوحي , وتأويله , ويفصم عنه , حتى يذهب ظنه ووهله إلى أمرٍ ومكانٍ ماشبهاً لما يراه ويسمعه حتى يأتيه ما عليه حقيقة الوحي ,فقد ظنّ ما راه من الأرض ذات النخل على أنّها اليمامة , حتى أتاه حقيقة ما رآه من الوحي على أنّها المدينة .
فإذا تقرر ما مر ذكره , كان وصف مكان الدّجال والتّردد فيه تردداً في وصفه لا في وحيه , حيث قال النّبي صلى الله عليه وسلّم : " قال في الدجال : " ألا إنه في بحر الشأم أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق " رواه مسلم (5228) , فاستقر ما آل إليه حقيقة الوحي على أنّه خارج من قبل المشرق , كما قرره صلّى الله عليه وسلم بإيمائه إلى المشرق أخيراً .

ومما يؤيد هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الدّجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان " رواه الترمذي (2163) , صححه الألباني صحيح الجامع الصغير(3398) .

وقوله صلّى الله عليه وسلّم : " يخرج الدّجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان " رواه أحمد (12865) .

والله أعلم

وصلّى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .