ثانياً: هل هناك ما يمكن أن نعتبره إجماع من الأمم يخالف الإلحاد؟
أعتقد لا أيضاً، فلا يوجد إجماع سواء من الأمم الموجودة حالياً أو سابقاً، ففي حين يؤمن المسلمون بوجود إله خالق للكون غير محدود وعادل ... إلى آخر كل الصفات التي تعلمها ولا شك، يؤمن المسيحيون بإله شهيد فدى البشر بنفسه بعد أن تجسد في صورة إنسان، ثم قام مرة ثانية من بين الأموات!! (وهذا ما يذكرنا بآلهة شعوب حوض المتوسط الشرقي من آتيس وأدونيس إلى ميثهرا،..... الخ، فكل منهم كان آله شهيد فدى البشر ثم قام من بين الأموات ... إلى آخر هذه الأطروحة المسيحية الحديثة أو الفينيقية القديمة أو الفرعونية الأقدم).
في قول آخر الإله في المنظور المسيحي محدود أو على الأقل يمكن أن يكون محدود ويحده جسد في بعض الأحيان. كما أن المدقق في العقيدة المسيحية لا يصعب عليه اكتشاف أن هذا الإله ليس قادر على كل شيء مثلاً. ولا يمكن أن نعتبر أن ما تتحدث عنه الديانة المسيحية هو نفس ما يتحدث عنه الإسلام، ولو أضفنا إلى هذا اليهود ومعتقداتهم وما في العهد القديم، ستجد الوضع أكثر تعقيداً، فنظرة سريعة كافية لإعطاء فكرة عن الاختلاف الشاسع بين مفهوم الإله لديهم عن الإسلام، فهم يؤمنون بإله لا يختلف عن البشر في شيء تقريباً!!!!
فهو خلق الإنسان على مثاله (تكوين 1-26) كما أنه ينسى ويحتاج لشيء يذكره (تكون 9-14) ويندم (تكوين 6-5) !!! بل يمكن أن يـُصارعه الإنسان ويصرعه كذلك ( تكوين 32-23)!!!
بل المُدقق في العهد القديم يجده يُثبت ضمناً وجود عده آلهة أفضلهم وأحقهم بالعبادة هو الإله اليهودي "يهوه" أو "إيل" (لاحظ كمثال صيغة الجمع في تكوين 1-26 وهو ليس جمع للتفخيم أبداً، وكذلك تكوين 12-7 وهناك الكثير غير هذا).
هذه نظرة سريعة جداً ومختزله للغاية على الاختلافات بين الديانات الإبراهيمية الثلاثة في فكرة وجود وجوهر الإله، لا أهدف منها إلا لتأكيد: أن اعتبار أن هناك إجماع أو حتى شبه أجماع لا يستقيم والواقع أبداً، فكل ديانة من الثلاثة تتحدث عن
موضوع مختلف بكل ما في الكلمة من معنى.
إذا أضفت لهذا باقي الديانات سواء المعاصرة أو السابقة (والتي لن تقل بحال عن 3000 ديانة وعقيدة مختلفة)، ستجد الأمر يزداد تعقيداً والاختلافات تصل لأقصاها، كمثال البوذية Buddhism بفرعيها (الهينايانا Hinayana والماهايانا Mahayana) لا تطرح فكرة وجود إله بالمرة، وأن كانت هناك بعض المذاهب القليلة جداً التابعة للماهايانا تعتبر بوذا إله ولكنها هي الاستثناء وليست القاعدة أبداً، فالبوذية ديانة يتبعها الملايين في سيلان وبورما وسيام وكمبوديا ولاوس والتبت ومنغوليا والصين واليابان وليس لهم أي اقتناع بوجد أي إله بالمرة، فأين الإجماع هنا؟
ولو نظرنا لديانات الرافدين القديمة لوجدنا جوقة إلهية تتصارع مع بعضها البعض، كما أننا نجد فكرة أن إله مثل "يم" خلق نفسه بنفسه من العدم!! فهل نعتبر هذا دليل على أمكانية ظهور شيء من عدم، أم نعتبره دليل على وجود إله؟ في رأيي لا هذا وذاكتجتمع الأمم على وجود/عدم وجود إله حتى الآن، ومن طرحوا فكرة وجود إله، لهم في هذا أفكار شتى بعضها عكس بعض، فلا يمكن الخروج بأي أتفاق عام بينهم، وحتى بفرض إجماعهم على شيء فليست العبرة بالعدد بل بالأدلة والبراهين.خلاصة ما أريده من هذا الجزء: لا يوجد أي شيء يمكن أن نطلق عليه "إجماع الأمم" فلم
إذا كنت تقصد أن معظم الأمم تقتنع بوجود إله واحد على أقل، فهذا كلام سليم لا غبار عليه، ولكن لا أظن أنه سيفيد في قضيتنا هذه، فكما ذكرت سابقاً الأمر يتوقف على الأدلة والبراهين وليس رأي الأغلبية.
[/color]
.
Bookmarks