بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السّلام على من لا نبيّ بعده ، و بعد ...
كلّ مسلم يدعو الآخرين إلى الإسلام ، فهو بالضرورة سيواجَه بسؤال هو الأهم على الإطلاق و هو : أثبت أن القرآن الكريم هو كلام الله !!!!
و تختلف الإجابة من مسلم إلى آخر حسب درجة العلم التي يمتلكها ، وقوّة الحجّة و المنطق التي يستخدمها .. و في بعض الأحيان يقدّم المسلم إجابات يظنّها تحقّق المطلوب ، في حين أنّها بعيدة تماما عن جوهر السؤال ، مما يجعل الآخر يعتقد بأنّ المسلم لا يملك دليلا على كون القرآن كلام الله !!!
و عليه ،، فمن الواجب على كل مسلم لا سيّما المنشغل بالدعوة ، من الواجب عليه دراسة هذا السؤال بتعمّق و معرفة كيفيّة الإجابة الحقيقيّة الصحيحة لهذا السؤال ..
و السؤال يقول : كيف تثبت أنّ القرآن الكريم كلام الله ؟؟!!
في بادئ البدء لابدّ من معرفة أنّ هذا السؤال قد يطرحه إنسان متديّن بديانة أخرى و قد يطرحها إنسان لا يدين بأيّة ديانة . و بالتالي لابدّ من أخذ حالة السّائل في عين الاعتبار ، قبل الشّروع في الإجابة.
السؤال يحتوي على ثلاث مقدّمات أساسيّة :-
المقدّمة الأولى : الله موجود .
المقدّمة الثّانية : الله يتكلّم .
المقدّمة الثالثة : القرآن الكريم كلام .
المطلوب من المسلم هو إثبات النتيجة التالية : كلام القرآن الكريم هو من ضمن كلام الله ، باعتبار أن الله موجود متكلّم .
و بالاعتماد على المنطق فإنّه لا يصحّ الخوض في إجابة السؤال ، إلا إذا تمّ التسليم بالمقدّمات الثلاثة ، فيكون الإشكال محصور فقط في النتيجة التي يتبنّاها المسلم .
و عليه فهناك ثلاثة موانع لطرح هذا السؤال :
المانع الأوّل : لا يجوز أن يطرح هذا السؤال ملحد لا يؤمن بوجود الله . حيث أن عدم وجود الله يلزم عدم وجود كلام له ! و عليه سيتحوّل الحوار مع الملحد إلى قضيّة : هل الله موجود ؟! أو يسلّم الملحد جدلا بوجوده لكي يصحّ منه السؤال عن القرآن ، و إلاّ فطرحه للسؤال مرفوض منطقيا .
المانع الثّاني : لا يجوز أن يطرح هذا السؤال معطّل لا يؤمن بصفات الله ، لا سيّما صفة التكلّم . حيث أن عدم تكلّم الله يلزم عدم وجود كلام له ! و عليه سيتحوّل الحوار مع المعطّل إلى قضيّة : هل الله يتكلّم ؟! أو يسلّم المعطّل جدلا بصفة الكلام لله لكي يصحّ منه السؤال عن القرآن ، و إلاّ فطرحه للسؤال مرفوض منطقيا .
المانع الثّالث : لا يجوز أن يطرح هذا السؤال مخرّف لا يقرّ بأن القرآن الكريم كلام أو كتاب . و طبعا لا أحد يقول بهذا فالقرآن الكريم موجود لدينا و هو كلام من مصدر متكلّم.
و بعد تأصيل الموضوع و حصره في نقطة البحث ، سنخوض في الخطوات المنطقيّة الصحيحة لإثبات أن القرآن الكريم كتاب الله .
يقوم الإثبات على فكرة جوهريّة واحدة و هي : إثبات أنّ القرآن الكريم كلامٌ صدر منذ أكثر من 1400 سنة ، و في مكان يعجز جميع الناس فيه من الإتيان بهذا القرآن . و حيث أنّ الإنسان في ذلك المكان و ذلك الزمان عاجز عن الإتيان بالقرآن ، فقد جاء القرآن من مصدر فوق الإنسان ، من كيان متكلّم فوق الإنسان . و حيث أنّ الكلام نفسه منسوب إلى الله ( و هو كيان موجود متكلّم حسب المقدمات المسلّم بها ) ، فيكون القرآن الكريم كلامه فعلا .
الإشكالات التي تحول دون الإثبات :-
الإشكال الأوّل : عدم الاعتراف بأن القرآن الكريم صدر منذ أكثر من 1400 سنة ، و الزعم بأنه كتاب جديد لا يتجاوز عمره الـ 400 سنة !!!
الإشكال الثّاني : عدم الاعتراف بعجز النّاس عن الاتيان بالقرآن ، و الزّعم بأنّ الرسول محمد و غيره يملكون القدرة على الإتيان بالقرآن !!!
لا شكّ أنّه لا يوجد عاقل يتبنّى الإشكال الأوّل ، فقد ثبت تاريخيّا أن القرآن الكريم كتاب قديم يتجاوز عمره الألف سنة ، و المخطوطات تشهد بذلك . فتبقى المشكلة في الإشكال الثاني فقط و هو نفي الإعجاز عن القرآن .
أوجه الإعجاز في القرآن الكريم خمسة أوجه :-
الوجه الأول : الإعجاز اللغوي ،، و هو صياغة القرآن بطريقة لغويّة تُعجز كلّ الفصحاء و البلغاء .
الوجه الثّاني : الإعجاز المنطقي ،، و هو عدم وجود تناقض في القرآن برغم صدوره بشكل متدرّج في فترة زمنيّة طويلة مع تكرّر مواضيعه .
الوجه الثّالث : الإعجاز المعرفي ،، و هو احتواء القرآن على معلومات يستحيل توفّرها في مكان و زمان الصدور .
الوجه الرابع : إعجاز التحدّي ،، و هو عجز البشر حتّى الآن عن الإتيان بمثل القرآن برغم تحدّي القرآن كلّ النّاس بذلك.
الوجه الخامس : إعجاز النّظير ،، و هو عدم وجود كتاب ديني مقدّس ينافس القرآن في محتواه ، برغم تعدّد الكتب المقدّسة للأديان المختلفة.
هذه هي أوجه الإعجاز في القرآن الكريم ، و كلّ أوجه الإعجاز التي تحتويها الكتب هي تندرج تحت هذه الأوجه الخمسة .
و من الجدير بالذكر التنويه إلى خطأ شائع يقع فيه الكثير من الدعاة بما فيها بعض المشايخ ، و هو القول بأن تواتر القرآن دليل على كونه من الله !! و الصحيح هو أن تواتر القرآن دليل أن القرآن الذي بين يدينا هو نفسه القرآن الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و آله و سلم . بمعنى لو شكّك أحدهم في كون القرآن الحالي يختلف عن القرآن في زمن الرسول ، سيكون تواتر القرآن دليل على عدم تحريف القرآن .. و لكن السؤال هو : هل القرآن الحالي الذي هو نفسه قرآن الرسول ، هل هو كلام الله أم لا .. ؟
فهنا ،، نفترض أننا في زمن الرسول و نحاول إثبات ذلك .. و بذلك لا دور للتواتر هنا .. إذ القرآن وقتها نأخذه من الرسول مباشرة.
و عليه ،، فإثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله يكمن في إثبات أحد أوجه الإعجاز الخمسة . و المسلم يختار الوجه الأسهل و يحاور المخالف بها ..
ولابدّ من التنويه أن الأوجه الثلاثة الأولى حين ثبوتها يجعل القرآن الكريم كلام الله لذاته ، بينما الوجهين الرابع و الخامس يجعلانه كلام الله لغيره .
في المقابل ، سيحاول المخالف التشكيك في كلّ وجه من الأوجه الثلاثة للإعجاز ، بالقول :
1- لا يوجد إعجاز لغوي ، فشعراء الجاهليّة جاؤوا بأشعار أفصح و أبلغ !
2- لا يوجد إعجاز منطقي ، فهناك آيات متناقضة كثيرة !
3- لا يوجد إعجاز معرفي ، فكل المعلومات الموجودة في القرآن موجودة في كتب أخرى و يعرفها أهل ذلك الزمان !
و حينها سيتحوّل الحوار بين المسلم و غير المسلم إلى نقض ادعاءات غير المسلم ، و محاولة غير المسلم إثبات مزاعمه .. و هكذا يستمرّ الحوار إلى ما شاء الله !
لذا فلا أسهل من استخدام الحجة الرابعة و الخامسة : إذ لا يستطيع أحد الزعم بأنّ هناك كتاب الآن في مثل القرآن .. كما لا يستطيع عاقل الزعم بأن هناك كتاب مقدّس لدينٍ ما ، و يكون ذلك الكتاب أفضل من القرآن .
وباستخدام الحجة الخامسة نخرج بنتيجة أنّه : إذا كان الله موجودا ، وكان الله متكلّما ، و كان له كتاب ، فلا يوجد كتاب في العالم يستحقّ أن يكون كتابه سوى القرآن .. فيكون القرآن كلام الله ؛ لعدم وجود كتاب آخر يستحقّ هذا الوصف !
و لا ريب أنّه يمكن إثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله لذاته ، بغضّ النظر عن سوء الكتب المقدّسة الأخرى ،، و لكن هذا يحتاج إلى تعمّق و تفصيل لأوجه الاعجاز الثلاثة .. و المقام هنا لا يتسّع لذلك .. لذا سأقوم بتفصيل أوجه الإعجاز الثلاثة في وقت لاحق بإذن الله تعالى .
ملاحظة : هذا الموضوع في غاية الأهميّة ؛ لذا لا بأس من نشره لكي يصل إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين .
)( .... أبو عمر النفيس ... )(
Bookmarks