صفحة 4 من 12 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 46 إلى 60 من 177

الموضوع: فى المعجزات وخوارق العادات بين الانكار والاثبات .

  1. #46
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مقاربات لتجلية فهم حديث سجود الشمس:
    1- لا ينبغي معالجة الحديث على انفراد، بل يجب ربطه بما جاء في كتاب الله تعالى أولاً، ثم ما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً، وعن كل المتعلقات المرتبطة.
    2- الانتباه إلى أن تضعيف الحديث لعلة ما، تضعيف عام لتلك العلة حيثما ترد، في القرأن أو السُنّة.
    3- مراعاة جواز صحة أصل الحديث، وأن روايته قد تكون بلغة الراوي، على ما قد يكون اعتراه تبديل بعض الألفاظ، أو إسقاطها أو إضافتها بغرض التفسير، والتي إن حدثت، فغالباً ما تكون حسب فهم الراوي، والمرتبط بالثقافة الشائعة في عصره.
    4- مراعاة التمييز بين الجري الحقيقي للشمس بجِرمها، والحركة الظاهرة لها في السماء، والناتجة عن دوران الأرض حول محورها. وهل قصد الحديث جرياً حقيقيا، وذلك ما تمليه اللغة والسياق، أم محض ظهور الشمس في السماء كما هي مرئية على الأرض كما يمليه الفهم السريع، وهذا يتضح أكثر وأكثر بجعل القرآن مرجع الفهم أولاً، ثم الوقائع المادية الكاشفة لمزيد من التفصيلات العينية لموضوع الدراسة؛ أي "الشمس" في مسألتنا هنا، ثانياً. ومن ثم:
    5- مراعاة عدم إهمال الظواهر الطبيعية المحققة في موضوع الحديث. فما كان من حديث عن الشمس، وجب استحضار ما علمه الإنسان عنها علماً جازما أو راجحاً، كلٌّ بقدره.
    نقول: إذا راعينا الاعتبارات السابقة، فلا بد أن نصل إلى أنه:
    1- إذا تم رد الحديث لما ورد فيه من أن الشمس تسجد، سواء لاستنكار مبدأ السجود بسبب عدم تصوره، أو لعدم القدرة على الجمع بين سجود الشمس ودوام حركتها، فسيكون رفضاً ضمنياً، أو تشكيكاً، لكل خبر ورد فيه ذكر سجود للشمس أو ما يُلحَق بها من جنسها، على ما تيقّن للإنسان من علم لاحق؛ أي: "النجوم"، أو حتى عموم الأجرام. ومن ذلك قول الله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَ.."(الحج:18)، وقوله تعالى "وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ"(الرحمن:6)، ويلحق به قوله تعالى "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ..."(الإسراء:44)، وقوله تعالى "كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ"(النور:41). هذا بالرغم من أن الله تعالى قد يسر علينا قبول هذه الحقائق، الغائب عنّا كثير من أسرارها، بقوله تعالى "وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"(النور:41).ويُعد الرفض مشكلة كبرى في حق الرافض! لأن تكذيبه أو تشكيكه سيطال أثره هذه الآيات الصادقات من حيث ينتبه أو لا ينتبه!
    2- إذا تم رد الحديث لما يتبادر إلى الذهن أو الوهم من انتقال حقيقي للشمس من موضعها في قلب مجرة درب التبانة - التي هي عليه الآن - إلى مسامتة العرش والسجود (الشبيه أو غير الشبيه بالسجود الإنساني) تحته مباشرة، فهو رفض الأصل لوجه تأويلي واحد - شديد الضعف - وكان يناسب ثقافة قديمة، وقد قيد به صاحبه معنى الحديث من عند نفسه. هذا رغم أن الوجوه التفسيرية منفتحة بقدر ما ينفتح من العلم الصحيح أبواب بالمسألة، تعمل على مزيد من الإحاطة بها.
    3- إذا تم رد الحديث لتصور تعارض بين سجود مؤقت للشمس عقب غروبها، باعتبار أنه وقت لا يزول لدوام غروب وطلوع الشمس بلا انقطاع عن مواقع متتابعة على الأرض، فهو رفض ينال قول الله تعالى "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"(الرحمن:29) بشكل من الأشكال، باعتبار أن اليوم – والذي علامته طلوع الشمس- ظاهرة مستمرة لا تنقطع عن الأرض. ولما كان المعنى الراجح لهذه الآية الكريمة أنَّ شأن الله تعالى لا ينتهي مثلما لا ينتهي دوام الأيام واتصال بقائها، والتي تتوالي مع كل أنة من أنات الزمان، فكذلك سجود الشمس عند غروبها، هذا إن كان ذلك هو المعنى الفريد للحديث! غير أنه ربما لا يكون الأمر كذلك بالضرورة على سجود الشمس في مستقرها على ما سيتبين! رغم أن الشمس قد تكون مُسبحة دوماً تسبيحاً عاماً، إضافة إلى سجود خاص في المستقر، مثلما أن المسلم مكلف بسجود عام متجدد خمس مرات كل يوم إضافة إلى سجودات خاصة بالجُمَع والأعياد والحج والعمرة.
    4- إذا تم رد الحديث لاستعصاء تصور مدلول الحديث – من ذهاب للسجود تحت العرش - في إطار طلوع الشمس وغروبها اليومي على الأرض، فليس هناك ما يمنع من أن الحديث لا يعالج الحركة الظاهرة للشمس كما أملتها الثقافة القديمة والبسيطة، بل يعالج ذهاباً حقيقياً، وجرياً موضوعياً للشمس بعيداً عن تبعات دوران الأرض حول نفسها، وأن سياق الحديث قد اشتبك مع الغروب عَرَضَاً، لعلة مخصوصة تناسب إطار الدرس التعليمي للنبي صلى الله عليه وسلم للأمة – وكما أوردناه في قصة الغلام وأمه وأبيه الصياد أعلى - بحيث لا يستنكره ناقل الحديث، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن تمييز الناس إلى ثلاث فئات: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير (وهذه هي الفئة الأولى)، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا (وهذه هي الفئة الثانية التي حفظت لنا علماً ننتفع به الآن وإن لم تنتفع هي به لاستعصائه عليها)، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ (وهذه هي الفئة الثالثة التي لم تنتفع بالعلم، ولم تحفظ العلم لغيرها، بل أنكرته أو أضاعته)، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم (أي: الفئتان الأولى والثانية)، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (الفئة الثالثة)"(رواه البخاري). ومثال لهذا الذي استعصى على الفئة الأولى، لعدم اكتمال نصابه بعد، وأنكرته الفئة الثالثة لظنها بكمال العلم في نفسها بما يمكنها به نبذ ما لا تستسيغه - هو مسألة سجود الشمس - والتي يمكن فهمها على النحو التالي:
    - أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن ذهاب حقيقي للشمس للسجود الخاص بها ("صلاتها وتسبيحها")، وهذا يناسبه أن تكون الشمس غير مرئية، إذ لا مفر من أن يستنكر السامع حكاية النبي عن ذهاب الشمس في وقت تكون الشمس أمام عينيه، لذا ناسب الحكمة أن يتوحد ذهابها الظاهر مع ذهابها الحقيقي. ويكون البعيد هو المقصود، وإن لم يعيه السامع والراوي وظل عليه مشتبهاً، ومن ماثله في الثقافة (وهذه هي الفئة الأولى في الحديث السابق)، لأن رسالة الحديث على تفصيلها ستُفهم لاحقاً (من الفئة الثانية)، وإن كان مضمونها يشمل الجميع، وهذا هو الحال الذي نُرجِّحه مع الآيات المتشابهات، وخاصة ما كان منها يتعلق بالأمور الكونية، والتي أُمر المؤمنون باعتقادها رغم اشتباهها عليهم.
    5- أن عبارة " فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس" هي لفظ الراوي (أبو نعيم)، وأن صحيحها "أين تذهب الشمس" كما نقلتها رواية محمد بن يوسف. ومما يؤكد ذلك أنها وردت في الروايات الخمس التي استقصيناها من الصحيحين على الصورة "أين تذهب"، وفي رواية واحدة فقط وردت "أين تغرب". وربما أن الرواي قد أتى بلفظ "أين تغرب" وهو يقصد الذهاب حسبما فهم هو من الحديث، وأنه أتى بلفظه هو دون ما كان عليه النص الأصلى لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وربما أن "تغرب" كانت عند الراوي بنفس معنى "تذهب"، لذا لم يجد غرابة في ترادفهما، كما تقول العرب (غرب الجبل وغاب، إذا ما أبعدوا عنهم حتى اختفى عنهم)، وكما جاء في لسان العرب: (الغَرْبُ الذهابُ والتَّنَحِّي).
    6- إذا تم رد الحديث لتصور أن "تحت العرش" لا تعني إلاً فوق السموات السبع وتحت العرش مباشرة كما ذكر ذلك الألوسي – في روح المعاني- حين قال: [المراد من تحت العرش مكانا مخصوصا مُسَامِتاً لبعض أجزاء العرش] فهذا تحكُّم ممن يرفض الحديث، لقيام رفضه على تخصيص معنى بما لا مخصص له في أصل النص. وقريباً منه من يفهم من قول الله تعالى (على لسان إبراهيم عليه السلام): "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ"(الصافات:99) بأنه ذاهب إلى لقاء ربه لقاءاً عيانياً!. وإذا كان الخبر يتكلم عن ذهاب الشمس، فلا بد أن يذكر لها موضعاً تذهب إليه، وإذا كان تصور الموضع العيني للسامع القريب مُشكل، عُمم له الكلام، ليستسيغه، وسيفهمه مَنْ وراءه - إذا جاء أجل ظهور المعنى - بما يكشفه الله تعالى له من قرائن. ومن المواطن الشبيهة التي نتعرض لها أن يسأل بدوي عن موضع جبال الجليد – ولا خبرة له بالجغرافيا – فنُجيبه بأنها وراء البحر المحيط. أو يسأل طالب صغير عن موضع الإلكترونات، فنجيبه بأنها تحت السطح المرئي للمادة، والمعنى الفريد في كلا هذين السؤالين أخص من التعميم الوارد في إجاباتها. وكذلك هنا في حالة الشمس. إذ أن "تحت العرش" عام – الكون بأكمله - أريد منه خاص. ولن يُعْلَم هذا الخاص إلا بالقرائن. وقد ناسب ذكر هذا العام "تحت العرش" غرض الذهاب، أي السجود. فكان تعميماً يُسَوّغ المعنى للسامع، ويناسب غرض الذهاب، ويُعلًّق فيه خاص المعنى على ما يظهر لاحقاً من قرائن.
    7- إذا كان رد الحديث بسبب ما جاء في فهم المفسرين من ثقافة قديمة، علمنا لاحقاً أنها تبدلت بما كشفه الله تعالى من معارف جديدة، فالسالك هذا المسلك – إن كان على منهج علمي مُطَّرِد - عليه أن يرد أيضاً الآيات التي فُهمت بثقافة قديمة لم يعد لها من العلم المعتبر نصيب، وهو منهج معهود لغير المؤمنين بالقرآن، لأنهم يتعللون بما يوافق أغراضهم، حتى وهم يعلمون أن هذه العلل المفهومية من أخطاء البشر، ولا علاقة لمعاني القرآن بها. وأمثلة ذلك ما قيل(5) في معنى قول الله تعالى "وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ"(الانفطار:2): من أنها (تساقطت على وجه الأرض). وهذا التفسير مردود بكل المعايير. ولو أراد أحدٌ ممن ينكر القرآن ويبحث عن ذريعة يُبرِّر به جُرأته، لكفاه هذا التفسير لرد الآية، ولارتكس من حيث زعم أن مراده الحق. وأمثلة هذه التفسيرات المردودة الآن من الكثرة البالغة، مما لو اعتمدها أحدٌ على أنها المرادة من عين ما تفسره، لنفض يده من الدين، كل الدين. بل الحق أن الدين هو النافض يده من تكلُّس قد استحكم على بعض الأفهام. لا تستفهم إلا في إطار ثقافتها، فإن امتنع عندها الفهم، قدمت الإنكار أو التعطيل!

    مقاربات في الفروق اللغوية:
    1- بين يقِر ويستقِر، ومن ثم؛ بين القرار والمستَقر:
    2- بين الفلك والمستَقر:
    3- بين السباحة والجريان:
    4- بين يجري إلى، ويجري لـ :
    نعمد الآن إلى تفصيل هذه الفروق:
    1- بين يقِر ويستقِر، ومن ثم؛ بين القرار والمستَقر:
    يقر: يسكن في قرار، فلا ينزاح عنه، كالماء يسكن في وعائه. و"القار": لا يعهد له بقاء إلا في محل قراره، بمعنى التحيُّزْ الدائم في مقره، كالماء الساكن في قعر القارورة، ومنه جاء اسمها. ومنه سُمِّيت اليابسة المتصلة على الأرض "القارة" continent لجمودها المعهود على مدار الزمان كما يراه الإنسان. كما سُمّيَ "القرار" decision الذي يقرّه أصحابه لنيتهم في عدم الرجوع عنه. وسُمِّي المَقَرْ headquarter كمركز رئيسي لحكومة أو شركة لكونه الأصل لها، الذي لا أصل أرسخ منه، وهكذا.
    أما (استقر)، فهو مَزِيد عن (قرّ) بالـ (أ، س، ت)، ومعهودها في لغة العرب (طلب حصول الشيء) أي طلب حصول القرار، ولأنه قد ينزاح عنه سُمِّي مستقرا. فيكون الاستقرار طلب المستقر، والمستقر مطلوب غير مأمون، وإلا كان قراراً. وعلى ذلك يكون:
    الاستقرار هو: [طلب (القرار) مع دوام وجود عوارض تحول دون تمام الخلوص إليه على مدار الزمن].
    ويكون المستَقر هو: [(القرار) المطلوب الخلوص إليه، مع وجود عوارض تحول دون تمام ذلك].
    ونسبة المستقِر إلى المستَقر، كنسبة القار إلى القرار.
    ويمكن النظر للفرق بين القار والمستقِر (ومثلهما: القرار والمستَقر) من وجهتين، كلاهما صحيح، كما أن مجموعهما صحيح.
    الأول (وجود العوارض ولو لحظياً): أن القار لا يبرح قراره (الذي هو قار فيه) لانعدام الدافع لذلك. أما المستَقر فالدافع قائم لكنه يغالبه بالتمسك بالمُستَقر، وإلا تركه لمستقر غيره.
    الثاني (المُكث الزمني): أن القار لا يبرح قراره لزمن ممتد، فيَقِر فيه لأمد. أما المستقِر فلا يلبث أن يتزحزح أو يتقلب فيه مع الزمن، حتى وإن قرّ فيه لبرهة عابرة أو فترة زمنية قصيرة غير مأمونة. أي أنه يتعمد المكث فيه لفترة غير محددة، وإلا لم يعد له مستَقَرّا فضلاً عن أن يكون قراراً.
    وبناء على هذا التحليل يمكن فهم الفرق بين كون الأرض قرارا للإنسان في قول الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا"(غافر:64)، وبين أن فيها مستقراً للإنسان في قول الله تعالى "وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"(البقرة:36). فالأرض بجملتها قرار للإنسان، بمعنى أنه لن يتركها ويبقى له دوام وجود في غيرها، وفي هذا تعريج سلبي على طموحات انتقال الإنسان إلى كواكب أخرى صالحة للحياة، إلا إذا كنا مخطئين في تحليلنا، أو أن يعم لفظ الأرض كل كوكب ثابت تحت أقدام الإنسان ويجد فيه أسباب البقاء. أما نواحي الأرض المختلفة، ففيها مستقر للإنسان حيثما يتيسر له من أسباب الحياة، ولهذا يتنقل الإنسان بين هذه المستقرات بلا قطع لأسباب البقاء مثلما ينقطع عنه في حال تركه للأرض الثابتة.
    ويفيدنا هذا التحليل أيضاً في فهم أن صفة القرار للأرض متعلقة بالإنسان، ومثله الأحياء والجمادات وكل ما يطلب قراراً له بحكم خلقته التي خلق عليها، وليست متعلقة بذات الجرم من حيث السكون والحركة. ولو كان ذلك هو المقصود لجاء وصف الأرض بأنها "قارة" وليست قرارا. فالقار هو القار بذاته نسبة إلى محيطه وحامله كالقارات على الأرض، وكالجنين في بطن أمه كما قال تعالى "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ"(المؤمنون:13)، وكالماء في القارورة. أما القرار فهو بالنسبة لما يحمله هو كالأرض لكل ما عليها، وكرحم الأم لجنينها، وكالقارورة لما تحمله من مائع. ومن ثم لا يمتنع أن يكون الشيء قرارا ويتحرك بنفسه لأسباب خاصة به؛ كالأم تحمل الجنين في بطنها، والقارورة وفيها الماء، والأرض تحمل أثقالها. وعلى ذلك يكون من تعلل بقول الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا"(غافر:64) على أنه دليل على سكون الأرض قد أخطأ في الاستدلال.
    والخلاصة: أن المستقًر يمكن لساكنه أن يذهب عنه ويعود إليه، ويكون ذهابه هو الأقل، ومكثه فيه هو الغالب والأصل. أو ينتقل لمستقر آخر، كالإنسان على الأرض يتنقل، بلا انعدام لوجوده، بخلاف القرار، حيث لا انتقال منه. وعلى ذلك، فمَنْ فهِم أن "مستقر الشمس" موضع تذهب إليه الشمس دون نزوع عنه فيما بعد، فقد جعل هذا الموضع لها قراراً، ولأن الله تعالى سماه مستقراً وليس قراراً فيكون هذا الفهم غير صحيح. ويكون المستقر الذي تجري الشمس له يشبه مستقرات الإنسان الفرد على الأرض؛ وهو يتنقل من أحدها إلى الآخر. ولهذا جاء نكرة، ولم يضف إلى الشمس؛ أي لم تأتِ الآية على الصورة "والشمس تجري لمستقرها"، لأنه عندئذ يتعين وينفرد. ولأنه نكرة يصبح غير متعين، أي متعدد، غير أن تلك المستقرات يجمعها فضيلة واحدة وهي أنها مواضع تحقق طلب الشمس الاستقرار فيها دون سواها من مواضع.
    2- الفلك والمستَقر:
    الفلك: معلوم أن معاني الألفاظ تتبدل مع تغير الثقافات، وأن اللفظ الواحد يكون له من المعني في أصل اللغة ما يتم تجاوزه في العلوم المختلفة لمعاني خاصة. وقد يشتهر المعنى الخاص أكثر من أصل المعنى حتى يسود عليه، وينسى الناس الأصل ويلتصقوا بما تبدل به، أو خص له من معنى. وهذا التباس عظيم في التفسير لمن ينكص عن اقتفاء أصول المعاني، ولا يقف على حدودها.
    والأمثلة على هذا المسلك الخطر كثيرة، وسبق أن استعرضنا منها ما جاء في تفسير ("أقطار") في قوله تعالى "إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا"(الرحمن:33)، وعرضنا لمن قال في معناها أنها الأقطار الهندسية، وقد بنى على ذلك أخطاء علمية شنيعة، وفنَّدنا هذا المعنى في دراسة "خطيئة لُغوية وانتكاسة علمية".
    وهنا ..، وفي محاولة التقصي عن معنى "فلك"، وجدنا أن نفس الإشكال يتكرر، وإن كان بصورة خفية، لا يرى فيها المتسرع من إشكال، غير أن الإشكال يتفاقم وينتج عنه تشويشٌ، يضيع معه رهافة الفرق بين معنى السباحة في الفلك ومعنى الجريان! وهذا ما حدا بالمفسرين أن يجعلوهما من المترادفات.

    وما نقصده بالخطأ الذي شاع للفظ "الفلك"، على خلاف معناه الأصلي، أن المعنى الأصلي للفلك في قوله تعالى "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33) هو المجرَى المستدير الذي يسبح فيه السابح، أي النطاق المنغلق على نفسه كما هي فلكة المغزل، شكل (1)، وكما هو فلكة عمود الخيمة. وفي المعاجم والتفاسير القديمة نجدهم يشبهون هذا الفلك بالطوق، فنجد في لسان العرب: [والمنجمون يقولون سبعة أَطْواقٍ دون السماء قد رُكِّبَت فيها النجوم السبعة (يقصد الكواكب)، في كل طَوْقٍ منها نجم، (ونقل عن الزجاج قوله كلٌّ في فلكٍ يَسْبحون؛ لكل واحد، وترتفع (أي تظهر هذه الأفلك) عما حولها. وقال أبو هلال العسكري في الفروق: "الفلك: مدار النجوم"، (يقصد: حيث تدور النجوم)]

    يتبع ======

  2. #47
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مقاربات في الفروق اللغوية:
    1- بين يقِر ويستقِر، ومن ثم؛ بين القرار والمستَقر:
    2- بين الفلك والمستَقر:
    3- بين السباحة والجريان:
    4- بين يجري إلى، ويجري لـ :
    نعمد الآن إلى تفصيل هذه الفروق:
    1- بين يقِر ويستقِر، ومن ثم؛ بين القرار والمستَقر:
    يقر: يسكن في قرار، فلا ينزاح عنه، كالماء يسكن في وعائه. و"القار": لا يعهد له بقاء إلا في محل قراره، بمعنى التحيُّزْ الدائم في مقره، كالماء الساكن في قعر القارورة، ومنه جاء اسمها. ومنه سُمِّيت اليابسة المتصلة على الأرض "القارة" continent لجمودها المعهود على مدار الزمان كما يراه الإنسان. كما سُمّيَ "القرار" decision الذي يقرّه أصحابه لنيتهم في عدم الرجوع عنه. وسُمِّي المَقَرْ headquarter كمركز رئيسي لحكومة أو شركة لكونه الأصل لها، الذي لا أصل أرسخ منه، وهكذا.
    أما (استقر)، فهو مَزِيد عن (قرّ) بالـ (أ، س، ت)، ومعهودها في لغة العرب (طلب حصول الشيء) أي طلب حصول القرار، ولأنه قد ينزاح عنه سُمِّي مستقرا. فيكون الاستقرار طلب المستقر، والمستقر مطلوب غير مأمون، وإلا كان قراراً. وعلى ذلك يكون:
    الاستقرار هو: [طلب (القرار) مع دوام وجود عوارض تحول دون تمام الخلوص إليه على مدار الزمن].
    ويكون المستَقر هو: [(القرار) المطلوب الخلوص إليه، مع وجود عوارض تحول دون تمام ذلك].
    ونسبة المستقِر إلى المستَقر، كنسبة القار إلى القرار.
    ويمكن النظر للفرق بين القار والمستقِر (ومثلهما: القرار والمستَقر) من وجهتين، كلاهما صحيح، كما أن مجموعهما صحيح.
    الأول (وجود العوارض ولو لحظياً): أن القار لا يبرح قراره (الذي هو قار فيه) لانعدام الدافع لذلك. أما المستَقر فالدافع قائم لكنه يغالبه بالتمسك بالمُستَقر، وإلا تركه لمستقر غيره.
    الثاني (المُكث الزمني): أن القار لا يبرح قراره لزمن ممتد، فيَقِر فيه لأمد. أما المستقِر فلا يلبث أن يتزحزح أو يتقلب فيه مع الزمن، حتى وإن قرّ فيه لبرهة عابرة أو فترة زمنية قصيرة غير مأمونة. أي أنه يتعمد المكث فيه لفترة غير محددة، وإلا لم يعد له مستَقَرّا فضلاً عن أن يكون قراراً.
    وبناء على هذا التحليل يمكن فهم الفرق بين كون الأرض قرارا للإنسان في قول الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا"(غافر:64)، وبين أن فيها مستقراً للإنسان في قول الله تعالى "وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"(البقرة:36). فالأرض بجملتها قرار للإنسان، بمعنى أنه لن يتركها ويبقى له دوام وجود في غيرها، وفي هذا تعريج سلبي على طموحات انتقال الإنسان إلى كواكب أخرى صالحة للحياة، إلا إذا كنا مخطئين في تحليلنا، أو أن يعم لفظ الأرض كل كوكب ثابت تحت أقدام الإنسان ويجد فيه أسباب البقاء. أما نواحي الأرض المختلفة، ففيها مستقر للإنسان حيثما يتيسر له من أسباب الحياة، ولهذا يتنقل الإنسان بين هذه المستقرات بلا قطع لأسباب البقاء مثلما ينقطع عنه في حال تركه للأرض الثابتة.
    ويفيدنا هذا التحليل أيضاً في فهم أن صفة القرار للأرض متعلقة بالإنسان، ومثله الأحياء والجمادات وكل ما يطلب قراراً له بحكم خلقته التي خلق عليها، وليست متعلقة بذات الجرم من حيث السكون والحركة. ولو كان ذلك هو المقصود لجاء وصف الأرض بأنها "قارة" وليست قرارا. فالقار هو القار بذاته نسبة إلى محيطه وحامله كالقارات على الأرض، وكالجنين في بطن أمه كما قال تعالى "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ"(المؤمنون:13)، وكالماء في القارورة. أما القرار فهو بالنسبة لما يحمله هو كالأرض لكل ما عليها، وكرحم الأم لجنينها، وكالقارورة لما تحمله من مائع. ومن ثم لا يمتنع أن يكون الشيء قرارا ويتحرك بنفسه لأسباب خاصة به؛ كالأم تحمل الجنين في بطنها، والقارورة وفيها الماء، والأرض تحمل أثقالها. وعلى ذلك يكون من تعلل بقول الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا"(غافر:64) على أنه دليل على سكون الأرض قد أخطأ في الاستدلال.
    والخلاصة: أن المستقًر يمكن لساكنه أن يذهب عنه ويعود إليه، ويكون ذهابه هو الأقل، ومكثه فيه هو الغالب والأصل. أو ينتقل لمستقر آخر، كالإنسان على الأرض يتنقل، بلا انعدام لوجوده، بخلاف القرار، حيث لا انتقال منه. وعلى ذلك، فمَنْ فهِم أن "مستقر الشمس" موضع تذهب إليه الشمس دون نزوع عنه فيما بعد، فقد جعل هذا الموضع لها قراراً، ولأن الله تعالى سماه مستقراً وليس قراراً فيكون هذا الفهم غير صحيح. ويكون المستقر الذي تجري الشمس له يشبه مستقرات الإنسان الفرد على الأرض؛ وهو يتنقل من أحدها إلى الآخر. ولهذا جاء نكرة، ولم يضف إلى الشمس؛ أي لم تأتِ الآية على الصورة "والشمس تجري لمستقرها"، لأنه عندئذ يتعين وينفرد. ولأنه نكرة يصبح غير متعين، أي متعدد، غير أن تلك المستقرات يجمعها فضيلة واحدة وهي أنها مواضع تحقق طلب الشمس الاستقرار فيها دون سواها من مواضع.
    2- الفلك والمستَقر:
    الفلك: معلوم أن معاني الألفاظ تتبدل مع تغير الثقافات، وأن اللفظ الواحد يكون له من المعني في أصل اللغة ما يتم تجاوزه في العلوم المختلفة لمعاني خاصة. وقد يشتهر المعنى الخاص أكثر من أصل المعنى حتى يسود عليه، وينسى الناس الأصل ويلتصقوا بما تبدل به، أو خص له من معنى. وهذا التباس عظيم في التفسير لمن ينكص عن اقتفاء أصول المعاني، ولا يقف على حدودها.
    والأمثلة على هذا المسلك الخطر كثيرة، وسبق أن استعرضنا منها ما جاء في تفسير ("أقطار") في قوله تعالى "إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا"(الرحمن:33)، وعرضنا لمن قال في معناها أنها الأقطار الهندسية، وقد بنى على ذلك أخطاء علمية شنيعة، وفنَّدنا هذا المعنى في دراسة "خطيئة لُغوية وانتكاسة علمية".
    وهنا ..، وفي محاولة التقصي عن معنى "فلك"، وجدنا أن نفس الإشكال يتكرر، وإن كان بصورة خفية، لا يرى فيها المتسرع من إشكال، غير أن الإشكال يتفاقم وينتج عنه تشويشٌ، يضيع معه رهافة الفرق بين معنى السباحة في الفلك ومعنى الجريان! وهذا ما حدا بالمفسرين أن يجعلوهما من المترادفات.

    وما نقصده بالخطأ الذي شاع للفظ "الفلك"، على خلاف معناه الأصلي، أن المعنى الأصلي للفلك في قوله تعالى "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33) هو المجرَى المستدير الذي يسبح فيه السابح، أي النطاق المنغلق على نفسه كما هي فلكة المغزل، شكل (1)، وكما هو فلكة عمود الخيمة. وفي المعاجم والتفاسير القديمة نجدهم يشبهون هذا الفلك بالطوق، فنجد في لسان العرب: [والمنجمون يقولون سبعة أَطْواقٍ دون السماء قد رُكِّبَت فيها النجوم السبعة (يقصد الكواكب)، في كل طَوْقٍ منها نجم، (ونقل عن الزجاج قوله كلٌّ في فلكٍ يَسْبحون؛ لكل واحد، وترتفع (أي تظهر هذه الأفلك) عما حولها. وقال أبو هلال العسكري في الفروق: "الفلك: مدار النجوم"، (يقصد: حيث تدور النجوم)]
    يتبع =============

  3. #48
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكل (1)
    وهنا وقع للمترجمين المحدثين بعد عصر النهضة الأوربية أن أخذوا لفظي (فلك) و (مدار) وطابقوهما بمعنى orbit، والذي يجيء معناه عند أصحابه على أنه المسار الخطي المستدير وإن كان إهليجي الشكل، ويتتابع عليه المركز الهندسي للجرم السماوي، سواء كان قمر (أي: تابع) أو أرض (أي: كوكب) أو شمس (أي نجم).
    فأصبح معنى (فلك) و(مدار) هو: المسار الهندسي الذي يختط الجرم عليه مسار لمركزه. وهذا التخصيص للمعنى خطأٌ كبير، ونت عنه أن جعل سباحة الجرم في فلكه معنى غير متصور على ما تحتمله اللغة، بل أصبح الجرم على مساره كحبة الخرز على سلكه الذي يسلكه. وهذا التصور الأخير يفارق معنى السباحة، التي عمادها انغمار جرم السابح في المسبوح فيه، أو احتوائه بجملته في جوفه. ومما يدعم هذا الاحتواء؛ الحرف (في)، في قوله تعالى "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، مما لا يحتمل معناه أن يكون الفلك هو عين المسار الخطي المجرد، الذي وضعه الفلكيون لغرض التجريد الحسابي.

    شكل (2)
    في شكل (2) يدور القمر حول الأرض، وبالأحرى، حول مركز ثقله مع الأرض Barycenter. ويقترب القمر من الأرض حتى يكون على مسافة 356 ألف كيلومتر، ويبتعد حتى يصل إلى 406 ألف كيلومتر. ومساره هذا – والذي يسمى مساراً إهليجيا elliptic، غير ثابت ثبوتاً مطلقاً، بل يدور أيضاً دوراناً بطيئاً، ليتم دورة كل 18.6 سنة. كما أن مستوى دوران القمر يميل على مستوى دوران الأرض حول الشمس بحوالي 5 درجات. والخلاصة أن المسار الخطي لدوران القمر حول الأرض Orbit ليس مؤهلاً ليكون هو ما أشار إليه القرآن على أنه فلك القمر، في قوله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33)، وما نقترحه لمعنى "الفلك" هو أنه منطقة الدوران بكاملها، وهي التي يمثلها المنطقة الفارغة المستديرة حول الأرض بهذا الشكل، والمحدودة من جهة الأرض بذلك التل العالي، ومن الخارج بمحيط مانع للقمر من الانفلات والخروج من الفلك. ويمثل التل الداخلي ما يواجهه القمر من ممانعة من الاقتراب من الأرض، وذلك أنه في الميل إلى ذلك بفعل الجاذبية، يزداد في سرعته الدوارة، فينشأ عن تلك الزيادة قوة طرد ترده عن الأرض، ويمثلها جدار التل، وإذا تباعد القمر كثيراً يتباطأ فتنتصر الجاذبية وتعمل على منعه من الهروب وتعيد جذبه إلى الداخل، ويمثل ذلك الجدار الخارجي بالشكل. وهكذا يظل القمر في تلك المنطقة البينية، وهي التي نتعرف عليها على أنها "الفلك" الذي تكلم عنه القرآن، وأنه هو الذي يسبح فيه القمر اقتراباً وابتعاداً وميلاً وتأرجحا.

    ويمكن تصور الفلك باعتباره مجرى وعائي (سفح مجالي) لما يجري فيه، وهذا ما نراه في الفيديو الآتي:




    ومن أدلتنا على أن الفلك في القرآن ليس هو عين المسار orbit الذي يجرده أهل الفلك الرياضي تجريداً هندسياً، أنه لو كان هو هو، لوجب أن يكون الجرم الذي يسبح في ذلك المسار، لا ينزع عنه ولا ينفلت منه، وإلا فقد أتى عليه من الوقت ما يكون قد فارق فيه السباحة في الفلك! ولكناا نعلم أن مسارات الأجرام ليست منغلقة على الحقيقة إلا ما ندر، بمعنى أن المسار أو المدار الهندسي الخطي الشكل، مساراً غير منغلق بالضرورة، ولو كان هو هو الفلك المقصود في القرآن لوجب أن يقتفي الجرم أثر ذلك المدار أبداً، إذا أن سباحة الجرم في الفلك تعني أنه لن يتركه، ولأنه يترك ذلك المدار orbit بإزاحات متتالية تجعله ينحرف بدوران المدار نفسُه حول نفسِه، فوجب أن معنى الفلك ليس المسار الخطي. وإذا بطل هذا، فلم يبقَ لنا إلا البديل الثاني والأخير الذي قدمناه أعلى، ونقصد أن الفلك هو كامل نطاق الدوران، وبما يشمل ويحتوي كل المسارات الممكنة للجرم الدوار والتي تتعدل مع الزمن، ولكنها تظل في جوف الفلك. ومن هنا كان الجرم يسبح في الفلك، ولا يخرج عنه.

    وما قيل عن القمر في فلكه حول الأرض، يقال مثله على فلك الأرض حول الشمس، ويقال مثله على فلك شمس حول مركز المجرة. ومن ثم يكون الفلك نطاق الدوران حتى ولو كان ثلاثي الأبعاد، كالإسورة الشفافة كما بالشكل (-أ)، وبداخلها حبة من الماس، تسبح في جوفها، دائبة في دورانها، لا تنفلت منها. ولا يزيد هذا الفلك المجسم عن كونه مجالاً فراغياً غير حاد، بل متصل في قيمه، ويتعين في الفراغ برياضيات الميكانيكا الفلكية، وربما يتمثل أفضل ما يكون بدالة فراغ احتمالية كتلك التي تصف منازل الإلكترونات حول الذرة المادية (شكل - ب)(أحد مدارات ذرة الهيدروجين(6)). وهو الأمر الذي ربما يدفعنا لتعريف مدارت الإلكترونات orbitals في الذرات المادية على أنها تأتي في صورة أفلاك أيضاً بالمعنى القرآني.

    يتبع========

  4. #49
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكل (3)

    ولقائل أن يقول: إن القرآن لم يتكلم عن سباحة للأرض في فلك! فأنَّى لك تدَّعي ذلك؟!

    نقول: نعم، لم نقرأ في القرآن صراحة أن الأرض تسبح في فلك، ولكن هناك تضمينات تدل على ذلك، وهي:

    1- تحليل قول الله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33)، نجد أن لفظ " خَلَقَ " يعم ما جاء قبلها من ليل ونهار وشمس وقمر، وهذا لا خلاف عليه بالطبع، ولكن، هل تعم العبارة "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" ما قبلها بما يشمل " اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ "؟

    وإن كانت تعمها جميعاً، وهذا هو البَيِّن، فلنا أن نسأل: هل " كُلٌّ " تؤول إلى كل مذكور سبقها على انفراد، فيكون الليل يسبح في فلك، والنهار يسبح في فلك؟! أم أن الليل والنهار باعتبارهما لباسان – كما في قوله تعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا"(النبأ:10)، وإن أتت بمعنى سترا - يشيران إلى لابسهما – أي الأرض - في كونها المدرجة في "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "؟!

    نقول: من غير المألوف أن تأتي السباحة من غير ذي جِرم كالليل والنهار، في عدم استقلالهما كظواهر عن الأرض، وأن تأتي فقط من مثل الشمس والقمر، وإن كنا لا نقطع بامتناعه لأن الله تعالى يصف ما شاء بما شاء، لأنه سبحانه أعلم بما خلق، مثلما وصف الليل بملاحقة النهار في قوله تعالى "يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا "(الأعراف:54)، ومعلوم أنّ اللاحق والمُلاحَق يغلب عليهما أن يكون متجرِّمين، إلا أن سباحة الليل والنهار وهما ملبوسان للأرض أقرب في دلالتها على سباحة ذات الأرض، مثلما أن يرى أحدُنا - عن بُعد - قميصاً يسبح في الماء سباحة الإنسان، فلا بد وأن يستدل على أن إنساناً هو الذي يسبح ويلبس هذا القميص.

    ثم أن قبول هذا المعنى لسباحة الأرض وما عليها من ليل ونهار في فلك، يدعم كون الفلك هو الوعاء المستدير الممهد والحاوي للأرض وما عليها – من ليل ونهار- في سباحتها. وذلك ما لا يتحقق لمسار خطي وهمي يشير فقط إلى اتجاه حركة الأرض في فلكها.

    ولكي نقف على وصف سباحة الأرض حول الشمس، ومسارها غير الثابت ولا المنغلق، والمُحْتَوى - من ثمَّ - في نطاق فراغي رحب، نطلع على الفيديو الآتي:




    وهكذا إذاً، يترجح عندنا أن "فلك" الأرض – بالمعنى القرآني - ليس هو مسارها الخطي (المدار orbit) كما هو شائع، والمنزاح على الدوام كما رأينا أعلى في هذا الفيديو إزاحات متتابعة، بل هو الوعاء المستدير الذي يمكن للأرض أن تسبح فيه اقتراباً وابتعاداً عن الشمس، بقدر ما قدّره الله تعالى لها – ولغيرها من أجرام - من سنن الميكانيكا التي علَّم الإنسان شيئاً منها. وتكون سباحة الأرض في فلكها، كما القمر، هو انسياب حركة الأرض في مجراها ذلك، مثلما تسبح الأسماك في جداول مخصوصة لا تستطيع مغادرتها، أو تجاوزها، رغم أنها تتنقل يمنة ويسرة داخل تلك الجداول. ومثلما أن لفظ الجدول لا يتطابق لُغةً مع مسارها داخله، فكذلك "الفلك" – بالمعنى القرآني – لا يطابق المدار orbit، وإنما يحتويه كما يحتوي الجدول مسارات الأسماك.

    ويقال نفس الشيء على كل فلك، فيكون فلك الشمس هو نطاق دورانها (لأن الفلك "مستدير" لغةً) والتي هي فيه دائبة السباحة، ولا تستطيع مغادرته.

    المستقر: إذا كان الفلك هو نطاق ممتد منغلق دائرياً على نفسه، ولا يغادره السابح فيه، بحكم دؤوب السباحة، " وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ "(إبراهيم:33) فلا بد أن مواقع ذلك السابح (هنا نقصد الشمس) في فلكه (ذو السَّمْك وليس المسار الخطي) ليست على نفس المستوى من صلاحيتها للاستقرار، مثلما أن الأرض نطاق وجود الإنسان (قرار) ولكن له فيها مواقع يستقر فيها دون كل الأرض، فيكون الفلك بجملته للسابح فيه (قرار)، وللسابح داخل الفلك مستقرات ينحو إليها بطبعه (خلقته) كما ينحو الإنسان لما يحقق له الاستقرار من مواضع في الأرض، والتي هي بجملتها قرار.

    والسؤال هو: كيف يمكن تمييز هذه المستقرات داخل الفلك بالنسبة لسابح في الفلك؟!

    لا يبدو أن تكون الإجابة لغوية فقط! ومثلما أن معرفتنا بمستقرات الإنسان على الأرض تأتي من تجربة حياة الإنسان على الأرض بمعرفته دواعي استقراره وما ينتقصها أو ينفيها، كذلك مستقرات الشمس (وأي سابح) في فلكه، لا تأتي إلا من معرفة تفصيلية بسلوك الشمس في فلكها. وهذا ما سنراه لاحقاً على التفصيل في المعلومات الفلكية.


    3- بين السباحة والجريان:
    الجامع بين السباحة والجريان هو الانتقال المتتابع. فكل سابح وكل جاري أو حتى ماشي ينتقل على نحوٍ مطَّرد في جهة ما. ولكن السابح يتميز بأنه مغمور في ما يسبح فيه بخلاف الماشي، أما الجاري فيتميز باندفاع وتعجل في انتقاله لجهة بعينها.

    والسباحة تناسب أن يكون المسبوح فيه غمرٌ يتفيأ السابح غِماره، لذلك كانت السباحة في فلك، والذي هو – كما سبق أن بينَّا- نطاق ممتد، وإن كان مستديرا، ومنتهي من جهاته وإن كان فسيحا. وقد يكون السابح بطيئاً أو سريعاً، وقد يكون في مسار ما من الفلك أو أن مساره ينزاح مع الوقت قريباً أو بعيداً عما كان عليه، بما لا يُخرجه عن نطاقه الفلكي. ولا يجرح سباحته أي من هذه الأحوال. فكلٌّها جائز ولا تخرج عن مضمون السباحة.

    أما الجاري، فيتميز عن الماشي وإن كان كلاهما سابح، فإن الجاري عادةً يكون جريه لهدف معين، وهذا غير ضروري في الماشي أو السابح على العموم. ولأن الجاري لهدف يتطلب قوة اندفاع توجهه لهذا الهدف فيكون أكثر خصوصية من أي جاري آخر لجهة ما غير مستهدفة، أو أن تكون مستهدفات الجري متعددة أو متعاقبة.

    وعلى ذلك يكون الجاري لمستقر سابح مقيد (أي: متميز) بثلاث قيود (أي: صفات): تسارع، وقوة موجهة، وموضع مستهدف (أو مواضع متتابعة لأننا وجدنا أنه غير متعين بانفراد).

    أما الموضع المستهدف فهو "المُسْتَقَر"، وأما "القوة الموجهة" و"التسارع" فغير معلومَيْن من اللغة وحدها، وعلينا أن نلجأ إلى علم الميكانيكا الفلكية!

    وهنا نصل إلى أقصى ما يمكن للغة أن تفيدنا به، ويتطلب الأمر دراسة عيانية لموضوعها، أي جرم الشمس وميكانيكية حركتها في السماء.
    4- الفرق بين يجري إلى، ويجري لـ :

    غلب عند المفسرين معنى مستقر الشمس باعتباره موضعاً بعينه تذهب الشمس إليه وتنتهي عنده، حتى وإن عادت أدراجها منه، فهو لها كالغاية والنهاية. والسبب في هذا التصور المكافأة بين "تجري إلى" و "تجري لـ". والحقيقة أنهما غير متكافئان.

    ونورد هنا الآيات التي أتت بمثل هذين التركيبين، أي؛ "إلى أجَل" و "لأجَل"، والأجل هو الزمن المضروب لحدث ما، أي الموعد:

    إلى أجَل:

    1- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"(البقرة:282)

    2- "وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا"(الحج:5)

    3- "لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ"(الحج:33)

    4- "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"(لقمان:29).

    5-"فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ"(الأعراف:135)

    6-"وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ"(النساء:77) [ذهب الطبري والرازي والشعراوي ... إلى أن أجل هنا هو الموت، ولا نراه كذلك، بل الأقرب أنهم يقصدون إلى وقت تالي – أي مزيد من الإمهال في عدم القتال- مثلما تأجل من وقت طلبهم إياه في مكة إلى بعد الهجرة في المدينة. وقولهم "قريب" ينم عن أن إمهال زمني سيكون محبب إلى أنفسهم ولو كان قليلاً، خشية من الموت. وقد رأينا لاحقاً أن سيد قطب ذهب في الظلال إلى ما ذهبنا إليه حين قال: (لو أن الله أمهلهم إلى أجل ، ولم يكتب عليهم القتال الآن!) ونقل تفسير المنار قول من قال: (الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الْقَرِيبِ الزَّمَنُ الَّذِي يَقْوَوْنَ فِيهِ وَيَسْتَعِدُّونَ لِلْقِتَالِ بِمِثْلِ مَا عِنْدَ أَعْدَائِهِمْ)]

    7-15 ... مزيد من الآيات ورد فيها "إلى أجل" بمعنى أجل الموت. ونضم إلى ذلك آية (لقمان:29) في شأن الشمس والقمر، باعتبار أن جملة - كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى – اعتراضية يخبر الله تعالى بها نبيه والناس خبر الشمس والقمر وأن أجلهما مسمى، فيكون " إِلَى أَجَلٍ " بمعنى نهاية أجل دورانهما، فلا يدوران بعدها.

    يتبع=========

  5. #50
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    والخلاصة من ذلك أن "إلى أجل" تستهدف موعداً غائياً يمكن أن يُلتهى عنه إلى حينه، أي لا ضرورة في الالتصاق بِتَرَقّبه.

    لـ أجَل :

    1- " ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ"(هود:103-104): نلاحظ هنا أن أجَل القيامة في هذه الآية لا التهاء عنه، بل متابعة وترصُّد، بدليل وصفه تعالى له بأن أجله "معدود".

    2- "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ"(الرعد:2)

    3- "يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى "(فاطر:13)
    4- "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى"(الزمر:5)
    وفي هذه الآيات الثلاث، لا نرى أن المقصود من الأجل هنا هو أجل نهاية جريان الشمس والقمر، بل الأقرب (بسبب ارتباط حرف الجر لـ بالأجل وليس ورودها (إلى أجل)) هو آجال جريانهما في الدنيا، فالقمر له آجال قدر الله تعالى على الإنسان أن يتابعها بغرض اتخاذها مواقيت، وهي منازل القمر، وخاصة الهلال، وذلك كما في قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ"(البقرة:189). كما أن الشمس لها آجال، منها منافع الناس من مواسم الزرع والحصاد، والصيف والشتاء، ومنها (المستقرات) وهذه التي جاء قول الله تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"(يس:38) لبيانها.
    والخلاصة: أن "تجري لـ" تختلف عن "تجري إلى". فالثانية غائية لموعد منفرد يمكن الالتهاء عنه إلى حينه، أما إنْ تَتَالَى ذلك الموعد، وكانت متابعته ضرورية على الدوام، أتى الجريان له (أي تبعاً أو طلباً له) وليس جرياً إليه. وذلك كسائق السيارة يقودها لـ نهر الطريق، وإلا انحرفت، مع أنه يقودها في نفس الوقت إلى غايته!
    مقاربات فيزيائية وفلكية:
    معنى الاستقرار:
    مقارنة بين معنى الاستقرار في عالم الأحياء وعالم الجمادات


    شكل (5): في عالم الأحياء: العامل الفاعل هو وفرة أسباب الحياة، وحيثما توجد يتجه الإنسان، وحيثما تنعدم يهرب الإنسان، وحيثما تتعادل يتنقل الإنسان. وهذا هو القانون الطبيعي للتنقل الحضري. وفي عالم الجمادات: العامل الفاعل هو السكون (انخفاض الطاقة)، وحيثما يستشعره الجسم على أي من نواحيه أو أطرافه يتجه ناحيته بقوة طبيعية. فيتجه إلى ما يحرره من الطاقة، ويهرب مما يشحنه بها، ويتنقل بحياد إذا تعادلت الطاقة من حوله. وهذا هو القانون الطبيعي لحركة الجمادات.
    والآن، إذا كانت الشمس ساكنة لا تتنقل، ومستقرة في موضع دون سواه (أي: في مستقر)، فلا بد أن يكون وضعها كما بالشكل (5-ج) أعلى، ونقوم بإعادة رسمه في شكل (6) الآتي:.

    شكل (6)

    فإذا أزحنا الجسم (الشمس) عن مستقره، فسوف يعود إليه كما يتضح من الشكل، وذلك لوجود قوة جاذبة إلى المستقر (السهم الأحمر بالشكل -ج)، وإلا لما اتصف المستقر بهذه الصفة. وفي الشكل (-ب) استبدلنا شكل الإناء بسلك تعليق افتراضي، فحصلنا على البندول المألوف. ولم يتغير شيء في الآليات الميكانيكية، ومعادلات الحركة، إلا أننا تخلصنا من توهم وجود احتكاك يعوق حركة الجسم، ومن ثم أصبحت طاقة الجسم محفوظة، وضَمَنَّا مواصلة الجسم في حركته بلا توقف.

    والآن إذا كان هذا الجسم هو الشمس، وكان ساكنا في البداية – أي مستقراً - قبل أن نؤثر عليه بزحزحته عن ذلك المستقر، وظل يتحرك محاولاً العودة إلى مستقره، وفي كل مرة يصل إليه، يكون قد تسارع وزادت سرعته إلى قيمة عظمى (السهم الأزرق بالشكل -ج)، فكيف نصف حركة الشمس في سعيها ذلك. نقول: لا نرى غرابة في أن الشمس تجري (أي تندفع تحت تأثير قوة) لـ مستقرها (لأنها ليس لها سوى هذا المستقر الذي كانت ساكنة فيه في البداية، وكان يحقق لها أدنى طاقة في محيطها)، ولننتبه في أننا قلنا مستقرها ولم نقل مستقر لها. ويشبه هذا أن سيارة ما يخرج بها صاحبها ثم يعود دوماً ليركنها كل يوم في كراج بيته، فهذا هو (مستقرها)، ولكن نفس السيارة على الطريق السريع وأثناء سفر متواصل، سيلجأ بها صاحبها إلى استراحات على الطريق، وعندئذ ستوصف هذه الاستراحات على أنها (مستقرات لـ )السيارة، وهذا هو الفرق بين (مستقرها) ، و(مستقرٍ لها).

    ويبدو أننا اقتربنا من تأليف سياق حركي للشمس يقارب هدفنا من فهم قول الله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها".

    ولنلاحظ، أن الجسم (البندولي) في ذهابه وإيابه المبين، يمر بالمستقر ثم يتركه ويرحل، وهذا يوافق ما وصلنا اإليه من قبل في معاني المستقر، وما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من أن الشمس تذهب للمستقر وتعود تطلع من مشرقها لا يستنكر الناس منها شي، وأن هذا سيظل منوال لها وحتى ذهابها الأخير في الحديث الذي ستعود منه لتطلع من مغربها.

    ولكن، ماذا لو لم تكن الشمس ساكنة في البداية كما افترضنا – وهذا هو الصواب - وكانت تتحرك في اتجاه مثل (أب) في شكل (7) الآتي؟

    إذا كان الخط (أب) هو ما كانت تسكنه الشمس وتستقر فيه، وهي متحركة أبداً، قبل أن تتعرض للاعتراض من القوة (القوى) التي أخرجتها عنه، فهذا الخط (أب) هو مستقرها الدائم. ولكنها أخرجت من! وبحكم أنه كان مساراً مستقراً (مقيداً لها في مسار بقوة جذب مركزية بعيدة كمركز المجرة) فإنها ستعود إليه كما يعود البندول الساكن إلى مستقره في شكل (6) أعلى. وبعودة الشمس إليه، فإنها تعود لتلتقي به ثم تتجاوزه كما كان يتجاوزه البندول الساكن بسبب أنها تصبح سريعة الحركة ولا يمكنها التوقف عنده. أنظر شكل (7)

    يتبع==================

  6. #51
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكل (7)
    وتكون نتيجة هذه الحركة المركبة أن تعود الشمس إلى مستقرها في المواضع المبينة باللون الأصفر، وهي الموضع التي تتقاطع فيها الشمس العائدة مع مسارها الأول.
    وهذا التفسير يستوفي – على الراجح – المعاني التي فهمناها من قول الله تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"(يس:38).
    غير أن هناك مزيداً من التفصيل. فللشمس في الحقيقة أكثر من مستوى من المواضع المستقرة، بعضها محتوى في بعض وليس واحدا فقط بالضرورة. وذلك مثلما أن للأرض مستقرات زمنية يومية محتواة في مستقرات زمنية سنوية، ... وهكذا.
    مسارات الشمس ومستقراتها:
    تسمى المجرة التي نرى أثرها بوسط السماء – وخاصة إذا كان موقعنا في استطلاعها في النصف الجنوبي من كرة الأرض – مجرة درب التبانة The Milky Way. وتتحرك مجرتنا بالفعل في جهةٍ ما، ولكننا لن نستقصيها لأن العلم بهذه الحركة قد لا يفيدنا في دراستنا هذه. وتدور شمسنا في هذه المجرة على نحو معلوم بشكل جيد. وسنوجزه في الآتي:

    1- تدور الشمس في مسار (شبه) دائري، دورة واحدة كل حوالي 250 مليون سنة أو أقل. وذلك بين حشود النجوم الدوارة حول مركز مجرة درب التبانة. وهذا هو المسار الذي نراه من (داخل المجرة) بتتبع العلاقة النسبية بين موقع شمسنا من جهة وقلب المجرة ومواقع وسرعات النجوم فيها من جهة ثانية، وذلك باعتبار باقي المجرات البعيدة خلفية ثابتة. ويمثل الخط (أب)، في شكل (7) المبين أعلى، جزء من هذا المسار الكلي لشمسنا حول المجرة لو كان مستقيما.

    ويأخذ مسار الشمس في مجرتنا الشكل الآتي:


    شكل (8)
    وهذا الشكل صحيح، ومطابق للمعلوم من مسير الشمس، إلا أن تأرج الشمس حول مستوى المجرة مبالغ في قدر ارتفاعه وهبوطه لإظهاره بوضوح. كما وأن التأرجحات عددها 4، وقد يكون الأمر مختلفاً عن ذلك قليلاً، ولا يكون المسار منطبق على نفسه تماما الإنطباق. وتتطلب أرجحة الشمس صعوداً وهبوطاً حوالي 64 مليون سنة! والقوة التي تعيدها دائماً إلى مستوى المجرة هي الجاذبية الكبيرة لما في قرص المجرة من أجرام نجمية، فترتد الشمس عائدة وتسرع، إلا أنها تتجاوز القرص وتخرج منه إلى الجهة الأخرى، وتبتعد حتى تتباطأ وتعود مرتدة، وهكذا كما شرحناه أعلى على نمط البندول. ويكون بذلك مواضع مرور الشمس في قرص المجرة مستقرات للشمس تجري لها، وكلما أتتها تجاوزتها وواصلت مسيرها.
    ويظهر في الفيديو التالي نمذجة رائعة لحركة الشمس وهي تحمل الكواكب، ومنها الأرض، غير أن هذه النمذجة خاطئة في عدد مما تسوقه لنا من معلومات، يمكن للقارئ أن يتنبأ بها إذا قارن بين شكل (8) أعلى وما في الفيديو(1) من مشاهد. وقد علقنا على الفيديو سريعاً بما رأيناه من تلك الأخطاء.




    وعند هذا الحد، علينا أن نسأل: هل مستقرات الشمس المقصودة في قول الله تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"(يس:38) هي تلك المواضع التي تلاقي فيها الشمس قرص المجرة كما تنبأنا أعلى في تحليلاتنا؟
    نقول: يظهر من التحليل الذي أسلفناه بأن الإجابة ينبغي أن تكون: نعم.
    ولكن، هناك إشكال كبير، وهو أن بين كل التقائين بين الشمس وقرص المجرة (أي بين كل مستقرين متتاليين) زمن طويل يصل إلى طول محيط دوران الشمس حول المجرة مقسوماً على 8 كما يظهر في شكل (8) أعلى (أي عدد الانتقالات من اللون الأبيض إلى الأسود على المسار المبين). وحيث أن زمن الدورة المجرية = (224-240) مليون سنة، فيكون الزمن المنقضي بين كل مستقرين هو (224-240) / 8 = (28-30) مليون سنة تقريباً!
    ولكن، هذا لا يستقيم مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي فيه أن الشمس تذهب إلى مستقرها وتعود مراراً لا يستنكر الناس منها شيئاً. أي أن هذه الظاهرة لا بد أن تحدث في عمر البشرية مرات عديدة، أي أن دورة استقرارها قصيرة العمر بما لا يزيد عن آلاف السنين على أقصى تقدير، دون وجود قيد عن ما هو دون ذلك (وربما إلى آحاد السنوات). أما أن يصل عمر الدورة إلى 28 مليون سنة، فهذا غير مقبول. والسبب أن عمر البشرية كما قدرناه سابقاً (أنظر دراسة: عُمْر البشرية، ومنحنى نقصان عُمْر الإنسان لن يزيد عن 3 مليون سنة بأي حال من الأحوال، وذلك إذا جنحنا إلى نهاية الدالة التي استنبطناها هناك. لذلك، نضع هذه النتيجة جانباً الآن لأنها لا تحقق المقصود، وإن كانت مفيدة في علاقتها بها على نحو ما سنرى.
    2- قلنا أن المستَقَر للمتحرك (أي: الشمس) هو المسار الذي يحقق له أدنى طاقة (مجالية، كالبندول). فإذا ما أخرج عنه بقوة عارضة فإنه سرعان ما يجنح إلى العودة إليه، وتكون نتيجة ذلك أن يتأرجح الجرم المتحرك حوله، كلما فاته عاد ورجع إليه. وقد كان المسار الراسخ للشمس الذي يحقق ذلك هو مستوى قرص المجرة، ولما أزيحت عنه الشمس - بفعل تفاعلها التجاذبي مع غيرها من سدم وأجرام نجمية في لحظات نشأتها- حاولت العودة إليه، فكان التقائها به 8 مرات في كل دورة كاملة حول المجرة على نحو ما تم استنباطه من الأرصاد.

    والآن، أصبح هذا المسار المبين في شكل (8) ذو الثماني عقدات (مواضع الاستقرار) هو المسار المستقر الذي أصبح لزاماً على الشمس أن تتمسك بالبقاء فيه. ويأتينا السؤال التالي رغم أنفنا: ماذا لو اعترض الشمس قوة تخرجها عن هذا المسار المِجَرِّي؟

    للإجابة عن هذا السؤال نتفحص حالة الشمس جميعاً، فنجد أنها تسير وسط حشد من النجوم، ويدورون جميعاً حول مركز المجرة في اتجاه واحد مع عقارب الساعة، وذلك باعتبار أن اتجاه الشمال المجري (الاصطلاحي) إلى أعلى. وتقدر سرعة دورانهم حوالي 220 كم/ث. غير أن سرعاتهم البينية متفاوتة مثلما تتفاوت سرعة السيارات التي تجري على طريق سريع واحد. وتجاوز الشمس جيرانها من النجوم بفارق سرعة تم حسابة بـحوالي 19.6 كم/ث.

    ونورد في جدول (1) قائمة بأقرب خمسة نجوم من الشمس، والقائمة طويلة لمن أراد المزيد(7)(8). غير أننا معنيون بما يحقق منها التأثير الأكبر على الشمس، وهذا سيتحقق فقط لدى النجوم الأكبر كتلة، والأقرب مسافة. لذا يكفينا ما هذا الجدول، وخاصة نجمي رجل القنطور، والشعرى اليمانية.


    جدول (1)

    والآن، تجري خطتنا لاختبار تأثير هذه النجوم (الأكبر كتلة) على الشمس، ولنقارنها بتأثير كواكب المجموعة الشمسية على الشمس، وخاصة أكبرها حجماً، أي كوكب المشتري.

    ولما فعلنا ذلك(9)، وجدنا أن تأثير نجم رجل القنطور أكبر من تأثير الشعرى اليمانية، ثم وجدنا أن تأثير رجل القنطور على الشمس أضعف من تأثير كوكب المشتري بنسبة جزء من مليون جزء.

    والنتيجة أن تشويش أكبر الكواكب العملاقة في المجموعة الشمسية (أي المشتري) على مسار الشمس في مجرة درب التبانة أشد مليون مرة من تشويش النجوم القريبة ممثلة في أكبرها كتلة (رجل القنطور).

    والخلاصة في ذلك إهمال تأثير النجوم القريبة على مسار الشمس مقارنة بكواكب المجموعة الشمسية. ومن ثم، نتوجه الآن لنرى كيف تتأثر الشمس بالكواكب التي منها الأرض في مسارها المستقر حول المجرة. (ولنتذكر أن هذا هو المستوى الثانية من الاستقرار، حيث أن الأول هو مستوى قرص المجرة الذي تذهب إليه الشمس مرة واحدة كل 28 مليون سنة تقريبا)
    تأثير الكواكب على مسار الشمس:
    إذا افترضنا أن الشمس ساكنة، ولا تتحرك على مسارها المجرِّي (المبين في شكل (8))، وإذا افترضنا أن كوكب المشترى وحده يدور حول الشمس، فماذا نتوقع له من تأثير عليها؟

    تقول الميكانيكا الفلكية أن تأثير كوكب المشترى وحده يشبه ما نراه في الشكل الآتي (أنقر الصورة):

    يتبع=======================

  7. #52
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكل (9)

    ويُعد فهم هذه الحركة الميكانيكية يسيراً للغاية، إذ أنه ليس إلا اتزان كتلتي الشمس والمشترى حول مركز ثقلهما المشترك، تماماً كالميزان القبان الذي كان يستخدمه أجدادنا، والذي به ذراعان أحدهما طويل والآخر قصير كما بالشكل (10).


    شكل (10)

    ومعلوم أن الاتزان يحدث عندما توضع الكتلة الكبيرة على الذراع القصير، والكتلة الصغيرة على الذراع الطويل، وتكون نسبة الذراع الطويل إلى القصير كنسبة الكتلة الكبيرة إلى الصغيرة. وفائدة ذلك معلومة، وهي أن الميزان يستخدم في قياس كتل كبيرة جداً، دون الحاجة إلى وضع صنجات مكافئة كالميزان المتساوي الأذرع. حيث كان يقاس به أحمال المحاصيل الزراعية، وحالياً تقاس به أوزان السيارات وخاصة سيارات النقل لمعرفة حمولاتها الكبيرة.

    والفرق بين النظام الشمسي وهذا الميزان هو في مسألة الدوران، حيث أنه لو أدير الميزان المعروف حول عمود التعليق (أي مركز الثقل) لما اختلف في شيء عن النظام الشمسي ودوران الكواكب وحتى الشمس نفسها حول مركز الاتزان.

    ونقول لإخواننا الذين ما زالوا يُصرون على أن الشمس هي التي تدور حول الأرض: إصراركم هذا يماثل إصرار من يجبر الميزان القبان على أن يتزن بوضع الكتلة الصغيرة على الذراع القصيرة والكتلة الكبيرة على الذراع الطويلة. وهذا ما لا يمكن أن يحدث. ويبدو لنا أن تفسيرنا هذا - في اتزان الأجرام السماوية - هو مراد الله تعالى في قوله سبحانه "وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ"(الرحمن:7).


    والآن، ماذا يحدث لو أضفنا باقي الكواكب تباعاً لنزنها قبالة الشمس كما فعلنا مع كوكب المشترى؟!

    الحاصل أن كل كوكب سيؤثر على الشمس كما لو كان هو وحده المنفرد بالتأثير عليها، وعندها تعاني الشمس من مجموع هذه التأثيرات جميعاً، والتي تدفعها في جهات عديدة لاختلاف أوضاع الكواكب، وستأخذ الشمس الوضع المُحَصِّل لكل هذه التأثيرات، والنتيجة، هي ما نراه في الفيديو التالي:



    وإذا ما رسمنا موقع الشمس بالنسبة لمركز اتزان المجموعة الشمسية لحصلنا على الشكل الآتي(9):


    شكل (11)

    ويقول هذا الشكل أن الدائرة الصفراء الكبرى تمثل الشمس حجماً وموقعاً. ولا تقع الشمس في مركز الاتزان تماماً إلا إذا توازنت تأثيرات الكواكب عليها وألغي بعضها بعضا، وعندئذ ينطبق مركز الشمس مع النقطة السوداء التي تمثل مركز الاتزان. وهذا لا يحدث إلا في أزمان مخصوصة، وقد وصلت الشمس أقرب ما يكون من هذا الوضع المتزن - أي المستقر - (لو لاحظ القارئ من الشكل خلال الفترة المبينة) حوالي شهر مايو عام 1951، وحوالي شهر إبريل من عام 1991. وفي غير هذه الأزمان المخصوصة - تبتعد الشمس وتقترب حتى يكون بينها وبين مركز الاتزان كما بينها في الصورة وبين النقاط السوداء في الشكل من مسافات (حسب الأزمان المدونة).

    ويمكن أن نطالع نمذجة حقيقية (10). لحركة الشمس حول مستقرها عبر فترة محدودة، ومعها مواقع الكواكب، عبر التسجيل الآتي:



    مواضع اتزان - مستقرات - الشمس عبر التاريخ (منذ 3000 ق. م. - وحتى 3000 ميلادية إذا شاء الله تعالى):
    يظهر في الشكل الآتي حساب العزم الزاوي للشمس حول مركز اتزان المجموعة الشمسية عبر 6000 سنة شمسية(11).
    يتبع=============

  8. #53
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكل (12)

    ويلاحَظ أن المحور الصفري (باللون الأحمر) قد وصل إليه العزم الزاوي للشمس في المواضع المؤشر عليها (بالأسهم والنقاط الملونة). ويعني وصول العزم الزاوي الشمسي للصفر أن الشمس قد وقعت في مركز ثقل المجموعة الشمسية تماماً. هذا وقد ميزنا بين نوعين من الوصول للصفر الزاوي، الأول (باللون الأصفر) وهو وصول للصفر دون تجاوزه، وهذا هو السلوك الطبيعي، أما الثاني (باللون الأحمر) فهو تجوز العزم الزاوي للشمس للصفر الزاوي، ودخوله في عزم زاوي سالب القيمة، ويسمى هذا السلوك دوران عكسي للشمس حول مركز الاتزان (لفترة زمنية قصيرة لا تتخطى أيام)، وهذا السلوك مثير للغاية لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه ارتباط بين ذهاب الشمس للمستقر، وانعكاس طلوعها على الأرض. وهنا نتكلم عن مستقر المجموعة الشمسية وحركة زاوية عكسية للشمس. ونعلم أن هواة الإعجاز العلمي لن يتركوا فرصة مثل هذه إلا ويقتنصوها (لو علموها). ولكننا لن نفعل ذلك، بل لا نرى ارتباطاً حقيقياً بتفسير الحديث، لأن هذه الحركة العكسية للشمس لن تعكس حركة الأرض اليومية للشمس بالنسبة للأرض - والتي تنتج عن دوران الأرض حول نفسها - وهذا هو بيت القصيد في حديث النبي والذي ينتج عنه أن تطلع الشمس من مغربها، أما هنا في حالة العزم الزاوي السلبي للشمس، فالأمر يرتبط بثورة داخلية في جوف الشمس نتيجة وقوعها في المستقر، والذي فيه يكون التنازع بين الكواكب على أشده عليها؛ كلٌّ يجذبها إلى ناحيته، وخاصة الكواكب العملاقة (المشتري وزحل، وبدرجة أقل نبتون وأورانوس). لذا، نرجح أن هذا الهياج الداخلي للشمس - والذي ربطه البعض بالبقع الشمسية، سيعدل مركز الشمس نفسها في غير مركز الدائرة الهندسي البسيط. وذلك مثلما يحدث عند قذف بالونة مملوءة بالماء، أن تتحرك أجزاؤها الداخلية بالنسبة لبعضها، مما يجعلها غير متجانسة، ولا يكون مركز ثقل البالونة هو مركزها الهندسي. لذلك، فالعزم الزاوي السلبي للشمس له تفسير طبيعي لا علاقة له بطلوع الشمس من مغربها على نحو ما قد يظن بها المتهافت على الإعجاز.

    ويلاحظ أننا وضعنا أربعة أسهم على الشكل (12) أعلى، وذلك على أربع التقاءات للشمس بمركز اتزان المجموعة الشمسية (المستقرات)، ونعيد في الشكل التالي(12) بسط هذه المنطقة الزمنية لمزيد من الوضوح والتحليل:


    شكل (13)
    ولنا هنا ملاحظات:

    1- أن الأربع مواقيت (أي: مواقيت المستقرت، وهي السنوات: 1632، و 1811، و 1990، و2169) تحصر بينها ثلاث فترات زمنية، وأن هذه الفترات الزمنية تكاد تتساوى، وتم تقديرها - إذا أخذنا القياسات بمزيد من الدقة - بالقيمة: 178.8 سنة تقريبا.

    2- أن نمط تغيُّر العزم الزاوي للشمس، أي: تقاربها وتباعدها عن المستقر في هذه الفترات الزمنية الثلاث يكاد يتطابق في الفترات الزمنية المتساوية القيمة، وهذا هو السبب في وضع هذه الفترات أسفل بعضها لملاحظة هذا التطابق. (فلينتبه القارئ ويرى كم هو التطابق رائع، رغم وجود بعض الاختلافات الطفيفة). ويكمن أهمية هذا التطابق لنا في موضوعنا في إبراز دورية واضحة لحركة الشمس، حتى وإن كانت هذه الحركة الدورية مرتبكة، وذلك في سعي الشمس، بما يؤثر عليها من قوى، في الوصول إلى عزم زاوي صفرى، وهو الأمر الذي يعيدها إلى مستقرها بين الكواكب، والذي يقع بالتمام على مسارها حول المجرة. والذي لو انعدمت تأثيرات الكواكب عليها لكان مستقرها القريب دائماً، ولم يتبقى لها إلا المستقر البعيد.

    نتيجة الدراسة
    ويلخص الشكل الآتي نتائج هذه الدراسة، من بيان لمواقع مستقرات الشمس البعيدة، والقريبة. وهذه المستقرات القريبة والتي تتكرر كل 170-180 سنة في القرون الأخيرة هي التي نرشحها بأنها المرادة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال: أتدرون أين تذهب الشمس .... الحديث، هذا والله تعالى أعلم.
    يتبع==============

  9. #54
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكل (14)
    الخلاصة:
    1- تجري الشمس في مسار لها حول المجرة (درب التبانة) وتتناوب بين الصعود والهبوط كالبندول بالنسبة لمستوى قرص المجرة أربع مرات تقريباً في كل دورة كبرى كاملة حول المجرة، تقطعها في 240 مليون سنة، وبما يجعل لها ثماني التقاءات - أو عُقد - بمستوى المجرة. ونسمي هذه المواقع الثمانية للشمس المستقرات الكبرى. ويمر بين كل مستقرين متتاليين فترة زمنية طويلة تصل إلى حوالي 28-30 مليون سنة.

    2- وعبر هذا المسار البندولي للشمس تتعرض الشمس لتشويش الكواكب لحركتها، بما يشبه الجنوح عن المسار يمنة ويسرة، وبما يحرفها عن ذلك المسار لمسافات كبيرة في نفس مستوى الكواكب السيارة حولها، وتقدر في أقصاها بحوالي 1.4 مليون كيلومتر. ولكن الشمس لا تلبث أن تعود لتتزن بين الكواكب في ذلك المسار الأول عينه، وقد علمنا مواعيد تلك العودة للمسار المستقر للشمس على مدار 6000 آلاف سنة، وكان الموعد الفائت سنة 1990-1991 ونعلم أن الموعد التالي للتطابق التام مع المستقر هو سنة 2169، غير أنها ستقترب من المستقر كثيراً على فترات أقرب، منها سنة 2030 لحدٍّ ما، وسنة 2130 لحدٍّ كبير (أنظر شكل (13) أعلى).

    3- وعلى ذلك نسمي هذه المواضع التي تعود فيها الشمس لتتزن بين الكواكب عبر مسارها في المجرة، وأزمانها المشار إليها، بالمستقرات القريبة للشمس. ولا يمتنع أن يكون للشمس مستقرات قريبة ومستقرات بعيدة. ولتقريب هذا المعنى نُذّكِّر القارئ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ربط بين مستقر الشمس وسجودها، وأنها مواضع وأزمان مخصوصة تسجد (أي تُسَبِّح) الشمس فيها لخالقها. وكما جعل الله تعالى للمؤمنين على سبيل المثال سجدات يومية (الصلوات الخمس) قريبة من بعضها، وسجدات أسبوعية (الجمع) متباعدة قليلاً، وسجدات سنوية (عيدي الفطر والأضحى) أكثر تباعداً، وسجدات أكثر بعداً (العمرة والحج)، فليس غريباً ولا ينبغي أن يُستنكر أن تتعدد مستقرات الشمس التي تسجد فيها لله تعالى. وربما يكون للشمس مستقرات أعلى من المستويين اللذين تعرفنا عليهما، وذلك مع حركة مجرة درب التبانة بين حشود المجرات، والتي أهملناها في هذه الدراسة.

    4- أزلنا بهذا التفسير الارتباط الموهوم بين غروب الشمس اليومي وذهابها المقصود للسجود. وأتينا بقصة رمزية أوضحت الصورة لمن تبصّر بها.

    5- لم يعد غريباً بعد هذا التفصيل أن توصف تلك المستقرات التي تمر بها الشمس كل 178 سنة (أي القريبة) وتلك التي تمر بها الشمس كل 28 مليون سنة (البعيدة)بأنها تحت عرش الرحمن! حيث أن أجرام السماء ومجراتها إذا غادرنا الأرض ورحلنا مع الشمس في رحلتها، ليست إلا تحت عرش الرحمن؟! جل شأنه وتعالى فوق في عرشه العظيم. ولا ينبغي أن يخدعنا النهار بأن الشمس على بهرجها الذي نراه لها، إنما ذلكم قول الله تعالى "والنهار إذا جلاها"، فما الشمس في الكون إلا نجم متواضح يسبح كما تسبح المليارات من حبات الرمال في بحر السماء.

    6- تبقى لنا أن نتدبر رحلة الشمس الأخيرة - بالنسبة لنا - إلى تلك المستقرات، والتي لن تطلع بعدها على الأرض من مشرقها، بل ستطلع من مغربها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية حديثه الشريف الذي نحن بصدده. ونجعل لهذا الغرض موعد تالي بإذن الله تعالى.

    7- استدراك هام للغاية أضيف لاحقاً (11 مايو 2013):
    معنى جديد للسجود في جرم الشمس: رأينا أن الشمس في المستقرات القريبة التي تعرفنا عليها تقع تحت تأثير الكواكب موزعة عليها من جميع الجهات بحيث تتزن الشمس بينهم جميعاً. ونتيجة لجذب الكواكب العملاقة على الخصوص، والتي ينبغي أن تكون على جهات متقابلة، يمتط جرم الشمس المائع-الغازي المتأين في بنيته، وذلك مثلما يمتط مياه المحيطات والبحار على الأرض جهة القمر فيرتفع عن مستواه العادي ونتعرف عليه بإسم المد حيث يغمر الشواطيء، وفي المقابل ينحسر عن الشواطئ التي على جوانب الأرض بعيداً عن القمر، وهو ما نتعرف عليه بإسم الجذر. فكذلك تمتط الشمس في جهات الكواكب العملاقة المتقابلة، فينتج عنه هيئة مميزة للشمس وكأنها قد امتدت وانبطحت فكانت دائرة استوائها في مستوى الكواكب أكبر ما تكون عليه سعةً، وينتقص ذلك من قطرها الرأسي. وهذا الوصف أشبه ما يكون بحالة التطامن والامتطاط الحاصل في سجود الساجدين. ويحضرنا هنا ارتباط وصفي مع امتداد ظلال الأشياء، والتي يمكن أن نُقرنها بقول الله تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ"(الرعد:15). ومعلوم أن هذه الهيئة من التمطي للأجسام أو الأشياء، والتي تعبر أيضاً عن أقصى درجات الضعف أو الخضوع أو التبعية أو الاستسلام أو التسليم - أو الإسلام إن شئت - أو جملة من ذلك كله، تسمى سجوداً كما في سجود إخوة يوسف له. !!! .........

    ملاحظة: انتبهت لهذا المعنى من مقارنة هيئة الشمس في مستقرها بين الكواكب حين الاتزان، ومحاولة ترجمة كلمة تسجد، فوجدت أنها بالإنجليزية prostrate وهي تعني بالعربية الامتطاط والتمدد مع إنهاك في القوى وذل وانكسار، ومن ثم تصف حالة الساجد. وهي حالة تنطبق على حالة الشمس تتنازعها الكواكب في حالة الاتزان، كلٌّ يجذبها نحوه. هذا والله تعالى أعلم.

    ----------------------------------------------------------------------------------

    الهوامش والمراجع:

    --------------------------
    [1] مجلة المنار، مجلد 32/ العدد 785 – المقال التاسع.
    وأيضاً: "مشكلات الأحاديث النبوية" – عبدالله القصيمي، المجلس العلمي السلفي، شيش محل رود، لاهور، باكستان، ص 110-114. و "ضلالات منكري السنة" - طه حبيشي، ص 433.
    http://www.bayanelislam.net/Suspicio...5&value=&type=
    [2] تفسير "روح المعاني"، شهاب الدين الألوسي،
    [3] المنار، 32/المقال التاسع ص785.
    [4] سنهمل الرد على الحمقى والجهلاء الذين يهاجمون الإسلام بسوء طويتهم، أو بسبب من أخطاء التفسير المنتشرة على الإنترنت التي يعمدون إلى تصيدها للطعن في الإسلام، ومن أمثالهم في المسألة التي ندرسها من يتعالم على الشيخ محمد حسان على الرابط التالي
    [5] تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ)، دار الكتب العلمية – لبنان.
    [6] https://commons.wikimedia.org/wiki/F..._n3_l1_m-1.png
    [7] http://nexusilluminati.blogspot.com/...s-and-new.html
    [8] http://www.chara.gsu.edu/RECONS/TOP100.posted.htm
    http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_nearest_stars
    [9] تم اكتشاف نجم مزدوج سنة 2013 حمل اسم WISE 1049-5319 ويبعد عن الشمس مسافة 6.6 سنة ضوئية، وهذا يضعه في الترتيب الثالث في الجدول (1)، ولأنه من نوع النجوم الأقزام البنية Brown Dwarf، فكتلته صغيرة للغاية، ولن يغير من نتائجنا الحسابية في شيء، وذلك لأن الأقوى في التأثير هما نجمي رجل القنطور، والشعرى اليمانية، والمؤشر عليهما بالجدول.
    http://en.wikipedia.org/wiki/Brown_dwarf
    [9] http://en.wikipedia.org/wiki/Sun#Mot...hin_the_galaxy
    [10] باستخدام برنامج Solar Orbit Simulator 2.
    ويمكن تنزيله من الرابط http://arnholm.org/astro/sun/sc24/sim2/index.html
    [10] http://landscheidt.wordpress.com/6000-year-ephemeris/
    [11] http://landscheidt.wordpress.com/200...24-prediction/
    انتهى .

  10. #55
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    تعليق على كلام الدكتور عدنان إبراهيم حول حد الردة

    الدكتور عبدالله بن سعيد الشّهري

    هذا تعليق متوسط على كلام الدكتور عدنان إبراهيم حول حد الردة وقد حرصت أن آتي فيه على أبرز القضايا التي أثارها وسيجد القارئ أني حرصت على بساطة اللغة والأسلوب كي يتمكن الجميع من فهم ما كتبته قدر الإمكان، وخشية أن يمل بعض القراء. فإليكم ما خطر ببالي من تعليقات وتعقيبات على جهة الاعتدال والله الموفق.

    من أبرز الأدلة التي يتكئ عليها عدنان إبراهيم في إنكار حد الردة قوله تعالى (لا إكراه في الدين). ولا نحتاج إلى تطويل في التعليق على هذه الجزئية لأني من خلال استماعي لمحاضرة الدكتور وجدت أنه غير منكر للسنة فهو يحتج بها في مواضع كثيرة، وأبعد من هذا أنه يحتج بعمل بعض الصحابة وهذا يختصر علينا الكلام جداً لأن السنة وعمل الصحابة هما السياق الأبرز في فهم المراد من آيات القرآن. والمتأمل للسنة يجد عدداً من الأدلة الصحيحة الثابتة على أن قتل الردة كان معروفاً ومعمولاً به أيام النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في عهد الصحابة من بعده، الأمر الذي يوجب فهم الآية أعلاه في ضوء ما كان يحصل فعلاً لا في ضوء ما نعتقده نحن. وهكذا يورد الدكتور مجموعة من الآيات يقول أنها تدور في فلك إقرار حرية اختيار المعتقد وعدم الإكراه منها قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله تعالى (لست عليهم بمسيطر) وقوله تعالى (إن عليك إلا البلاغ) وقوله تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وفي كل هذه الآيات لا دليل على نفي قتل الردة ما دمنا سنفهم المراد منها في ضوء تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وسوف نرى ما هي الحرية المأذون للناس بها في هذه الآيات وكيف ينبغي تُفهم في السياقات المختلفة.

    بدايةً يحسن بنا أن نتعرف على موقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المرتد، وما الذي كان يحدث بالفعل على أرض الواقع في عصر النبوة وعهد الصحابة، فإن مجموع السنة الصحيحة وأفعال الصحابة الثابتة هو السياق الأمثل لتوجيه دلالات القرآن والكشف عن معانيها في مثل هذه المسائل المهمة. كما يعلم الكثير، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن علي بن أبي طالب حرّق غلاة المرتدين وأنكر عليه ابن عباس ذلك ووجهه إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم )من بدّل دينه فاقتلوه) فلم يُنكر عليه القتل وإنما أنكر عليه التحريق لأنه كما جاء في الروايات (لا يعذب بالنار إلا رب النار)، مما يدل على أن ابن عباس – وهو ترجمان القرآن وحبر الأمة – لم يكن يرى تعارضاً بين فعل علي وقوله تعالى (لا إكراه في الدين) ومما يدل أيضاً على أن قتل المرتد أمر معروف متفق عليه بينهم، كما سيتبين من خلال مزيد من الأدلة لاحقاً.

    كذلك من أصرح الأدلة على شيوع عقوبة قتل المرتد بين الصحابة وأنهم كانوا يطبقونها بقضاء الله ورسوله ما أخرجه البخاري أن معاذاً – أعلم الناس بالحلال والحرام بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم - لما ذهب إلى اليمن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجد عند أبي موسى رضي الله عنه رجلاً قد ارتد بعد إسلامه وتحول لليهودية فقال معاذ:" لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله". ومن المهم في هذا السياق التفطن لقول معاذ "قضاء الله ورسوله" – وفي رواية في الصحيح أنه كررها ثلاثاً - إذ يستحيل أن يكون هذا كلاماً اختلقه معاذ من تلقاء نفسه. وهكذا لم ينكر أبو موسى على معاذ حكمه، والأهم أنه حصل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنقل أنه أنكر النبي على معاذ، ومن المعلوم في أصول الفقه أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع وممنوع، ومعنى "ممتنع" أي أنه لا يمكن أن يصدر ذلك من النبي ومعنى قولي "ممنوع" أنه لا يجوز للنبي أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة، مثلما أنه ليس بشاعر ولا كاهن وأنه لا ينبغي له يكون كذلك. ومن المعلوم أيضاً أن ما حدث في حياته ولم ينزل فيه قرآن يمنعه وسكت عليه بأبي هو وأمي فهو تشريع بقضاء الله.

    ومن الأدلة أيضاً ما ثبت في الصحيح من قصة عمر رضي الله عنه مع المنافق بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها قولة عمر الشهيرة: "دعني أضرب عنق هذا المنافق"، فلم يُنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم إرادته القتل من حيث هو حكم للمرتد لا تصريحاً ولا تلميحاً وكل ما قاله صلى الله عليه وسلم هو:"دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"، أو كما قال، فلم يُعلل منعه من قتل المنافق بأنه (لا إكراه في الدين) ولم يعلله بأن الناس أحرار فيما يعتقدون ولا أي شيء من هذا القبيل، وإنما علله بعلّة تقتضيها مصلحة خاصة في التعامل مع المنافقين، لا سيما الذين يظهر منهم ملازمة كثيرة للنبي الأمر الذي يجعل الأمر يلتبس على الناس ويجعلهم ينفرون من دعوة النبي، كيف لا وهو يقتل أقرب الناس إليه وأكثرهم ملازمة له دون سبب واضح أو عذر وجيه فيما يبدو للناس.

    والغريب أن الدكتور احتج بهذه القصة على رأيه بعدم ثبوت قتل المرتد ولاشك أنه فهم هذه القصة خطأ لأنه فهم الآيات مجردة عن أي سياق ثم رجع على السنة يريد أن يؤولها في ضوء ما فهمه من الآيات من وجهة نظره. ومنهج التفسير بمجرد اللغة وإن كان اختار جوازه بعض العلماء إلا أن له قيود تعين على الفهم الأمثل للنص، وهي ليست قيود اعتباطية وإنما قيود منهجية لا تفرض رأياً محدداً.

    من المهم التنبيه أيضاً على أن عدنان تجاهل قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه ولم يوردها على مستمعيه في محاضرته مع أهميتها، ولكن يبدو لي أن قصة معاذ هي نص حاسم في محل النزاع – على فرض أن هناك نزاع وهو غير صحيح لأن إجماع الصحابة والعلماء من بعدهم منعقد على أن المرتد الذي تحققت ردته يُقتل إذا لم يرجع عن ردته – ولذلك ترك قصة معاذ، ويحتمل أنه كان يجهلها وهذا لإحسان الظن به فقط.

    وأما قصة الأعرابي الذي قدم المدينة يبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام فهي ثابتة في الصحيح، وقد احتج بها عدنان لرأيه والغريب أنه لم يفهم المراد من القصة وهي أيضاً حجة عليه لا له. ذلك أن الأعرابي المذكور أراد أن يتراجع عن بيعته لما وعك – أي مرض في المدينة - فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيله ومازال يطلب منه ذلك حتى أقاله، ولكن هل أقاله بمعنى أنه أذن له في الردة عن الإسلام أم ماذا؟ هذا ما أراد عدنان إبراهيم أن يوهم الناس به، أراد أن يوهمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم شخصية "متسامحة جداً" مع الردة و تؤمن بالاختيار الحر أياً كان وبالتالي أذن للإعرابي أن يرتد، والصحيح أن الرسول لم يُقله بيعته على الإسلام من حيث هو اعتقاد ودين وإنما أقاله بيعته على الهجرة والبقاء في المدينة، لأن الهجرة كانت واجبة في أول الإسلام، وكانت من ضمن البيعة على الإسلام بحيث لا تتم ولاية المؤمن إلا بها، كما في قوله تعالى (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا)، قال الإمام ابن التين رحمه الله: "إنما امتنع النبي صلى عليه وسلم من إقالته لأنه لا يعين على معصية، لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرج من المدينة إلا بإذن فخروجه عصيان، وكانت الهجرة إلى المدينة فرضا قبل فتح مكة على كل من أسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة".



    نستطيع أن نقول إذاً أن قتل المرتد أمر متفق عليه بين الصحابة، بل قبل أن يكون أمراً مجمعاً عليه بين الصحابة هو حكم أقرّه الشارع بدليل حديث معاذ بن جبل وهذا في حكم المرفوع قطعاً، لا مجال للشك في ذلك، إلا أن يكون الحديث مع شخص يُنكر السنة النبوية فهذا له تعامل آخر ووضع مختلف. ومن المعلوم أن إجماع الصحابة بالذات من أعلى أنواع الإجماع وهي بمثابة الدليل القطعي لأن الصحابة لا يمكن أن يسكتوا على خطأ أو يجتمعوا على ضلالة، والإجماع من الصحابة منعقد في هذه المسألة لا ريب فيه ولايوجد من خالف. أما ما أورده عدنان إبراهيم من قصة عمر التي فيها أن قوماً من بكر بن وائل ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين فقتلهم المسلمون في القتال، فلما علم عمر بذلك قال: لأن أكون كنت اخذتهم سلما احب الي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء، ثم قال:كنت أعرض عليهم أن يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه فان قبلوا قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن.

    فأقول: هذه القصة ذكرها ابن عبدالبر في الاستذكار وأخرجها بعض أصحاب السنن، والغريب أنه لا دليل فيها على نفي ولا إنكار قتل المرتد، بل فيها دليل على أن قتل المرتد هو الأمر المعروف بين الصحابة بدليل أن أنس بن مالك راوي القصة قال لعمر: وهل كان سبيلهم إلا القتل قوم ارتدوا عن الإسلام؟، أي: لم يكن لنا خيار إلا قتلهم لأنهم ارتدوا عن الإسلام، وفي هذا دليل على أن القتل هو الحكم المعروف في حق المرتد عندهم، وعمر لم يُنكر كلام أنس ولم يتعرض لحكم قتل المرتد بمناقشة من قريب أو بعيد، غاية ما هنالك أنه أراد محاولة تأليف قلوب أولئك القوم لعلهم يرجعون إلى دين الله، ولا شك أن عمر كان سيستتيبهم في السجن لا أنه سيودعهم السجن أبد الدهر ويتركهم على كفرهم، لأن عمر كان يرى قتل المرتد بدليل قوله في القصة التي في الصحيح :"دعني أضرب عنق هذا المنافق". وعلى فرض – وهو فرض خيالي بعيد – أن عمر كان سيبقيهم في السجن بسبب ردتهم، أليس هذا حجة على عدنان لأن هذا التصرّف تقييد لحرياتهم ومحاسبة لهم على اختيار المعتقد الذي أرادوه، والدكتور عدنان قد صرّح في أكثر من موضع أن الردة عن الإسلام اختيار لا ينبغي التعرض له بأي صورة من صور الإكراه والأذى، فماذا نسمي إيداع عمر لهؤلاء السجن لو تم؟ أنسميه نزهة في منتجع أو نقاهة في فندق؟

    ولذلك قال الإمام الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله تعليقاً على قول عمر رضي الله عنه (فان قبلوا قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن)، قال: "يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا فإن لم يتوبوا قتلوا هذا لا يجوز غيره لقول رسول الله ( من بدل دينه فاضربوا عنقه)". انتهى كلام الحافظ. وبهذا تجتمع الأقوال وتتلاءم الأدلة على أحسن ما يكون، وفوق هذا يتم للصحابة إجماعهم على أن الحكم في المرتد هو قتله إذا لم يرجع عن ردته.

    والآن نعود إلى الآيات التي احتج بها عدنان على حرية الاعتقاد وهو يقصد بحرية الاعتقاد هنا حرية الارتداد عن الإسلام، دون مساس بهولاء. طبعاً لم يعد هناك من شك في أن السنة وعمل الصحابة قد دلاّ على أن قتل المرتد هو أمر ليس بخرافة ولا وهم وإنما هو قد وقع فعلاً وثبت عنهم وأنه حدث بأمر النبي تارة (من بدل دينه فاقتلوه) كما في البخاري وغيره، وبإقراره تارة دون أدنى نكير، بدليل قصة معاذ مع المرتد عن الإسلام إلى اليهودية وقصة عمر مع المنافق، وقصة أنس مع عمر، فلا مجال لإنكار هذا فإنه ظاهر وإجماع الصحابة عليه محقق لا مطعن فيه.



    احتج عدنان بقوله تعالى (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا)، ووجه الاستدلال من هذه الآية عند عدنان أن هؤلاء قوم استعلنوا بالكفر عدة مرات ولم يذكر القرآن فيهم عقوبة بالقتل. فأقول: مما يثير الاستياء أن عدنان لا يقدّم الحقيقة كاملة لمستمعيه لأنه لا يوجد جهر ولا استعلان بالكفر هنا لأن الآية عن المنافقين ومن المعلوم أن المنافقين لا يُعلنون كفرهم، والدليل أن الآية عن المنافقين هو الآية التي بعدها مباشرة ولكن عدنان أهملها ولم يعرّج عليها بالكلام. قال تعالى بعد الآية السابقة مباشرة (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)، فسياق الآيات عن المنافقين الذين من شأنهم أن يبطنوا الكفر ويُظهروا الإيمان وهؤلاء قد عاملهم الرسول صلى الله عليه وسلم معاملة خاصة كما سبق ذكره، ولعل هذه المعاملة الخاصة التي جنبتهم القتل وحفظت عليهم حياتهم في الدنيا هي من أسباب مضاعفة العذاب لهم يوم القيامة، حيث قال تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)، إذ جعل الله هذا العذاب الشديد في الآخرة مقابلاً للإبقاء على تمتعهم بردتهم وكفرهم في الحياة الدنيا. وقد أخبرنا الله تعالى أن المنافقين من أخلاقهم المخادعة فلا يستطيع عامة الناس في الجملة الحكم على أعيانهم بالردة في الدنيا، وفي ذلك يقول الله تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم). إضافة إلى أن الحكم على إنسان بعينه بالردة هو أمر يحتاج إلى يقين لأن من دخل الإسلام بيقين لم يخرج منه بمجرّد الظن والتخمين. إذاً، خلاصة الكلام أن الآية السابقة لا جهر فيها ولا إعلان للكفر والارتداد لأنها جاءت في سياق الإخبار عن حال المنافقين.

    ومما احتج به عدنان قوله تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين)، ووجه استدلاله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم عن هؤلاء أنهم مرتدون ومع ذلك لم يقتلهم وإنما عزلهم، أو كما يقول عدنان بعبارته:"...عزل سياسي، لستم من الجماعة، سنعزلكم، هذا هو عقابكم، هذه هي عقوبتكم، أن تعزلوا". انتهى كلامه.
    يتبع==============

  11. #56
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    طبعاً، من اليسير معرفة أن سياق الآيات عن المنافقين الذين يُظهرون الصحبة والملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم ويُبطنون الكفر، وقد سبق الكلام عن المعاملة التي أولاها الرسول هذه الطائفة. والدليل أنهم محسوبون على المسلمين في الظاهر ويشاركونهم في ظاهر إسلامهم مذكور في الآية نفسها فإن مفهوم الآية أنهم كانوا يخرجون مع النبي وأصحابه في غزواتهم وأسفارهم ولما كان شأنهم غامضاً بالنسبة لعامة الناس تكفل الله بعقابهم في الآخرة العقاب الذي يلائم حالهم. فلا حجة في هذه الآية على نفي قتل المرتد الذي أعلن ردته وظهر كفره فكيف إذا ضممنا إلى هذا ما سبق من السنة وما ثبت من فعل الصحابة؟

    احتج عدنان أيضاً بقوله تعالى (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم). وحجته أن هذه لم يرد فيها حكم بقتلهم رغم ردتهم. فأقول: الكلام في هذه الآية كالكلام في سابقتها، فهي في سياق الإخبار عن المنافقين، والقرينة الدالة على ذلك قوله تعالى (والله يعلم إسرارهم) وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وجماعة وهو الصحيح بأدنى تأمل للقرينة والسياق السابق واللاحق، فلا حجة في هذه الآية لمن يُنكر قتل المرتد المعلن لكفره.

    أخيراً، حاول عدنان الطعن في إجماع الأمة على قتل المرتد المعلن لكفره، وكان من جملة ما طعن به أن هاجم مسألة الإجماع من أصلها فقال:"هذا الإجماع يدّعى في كل شيء ولا إجماع"، وأقول: هل هذا كلام علمي ؟ من قال: أن الإجماع يدّعى في "كل شيء" ؟ حتى يُقال أنه لا يوجد إجماع؟ من الواضح أن هذا كلام نظري مرسل لا دليل عليه، إلا أن يكون على سبيل المبالغة، فحتى هنا من الصعب التماس العذر له لأن المبالغات محلها كتب الأدب والبلاغة والشعر، لا الكلام العلمي الدقيق. ومما حاول عدنان الطعن به في الإجماع قوله أن إبراهيم النخعي وسفيان الثوري ممن قالوا بعدم قتل المرتد، والصحيح أنهما لم ينفيا قتل المرتد وإنما اختلفا في مدة أو عدد مرات الاستتابة، بل إن الإمام عبدالرزاق قد روى في المصنف عن سفيان الثوري أنه قال: من قُتِل مرتداً قبل أن يرفع إلى السلطان فليس على قاتله شيء، مما يدل على أن الثوري لا ينفي قتل المرتد، وكما قال الشيخ فهد العجلان وفقه الله في بحث مختصر له:"... وعلى التسليم بأن النخعي والثوري ينكران حدَّ الرِّدة؛ فإنهما يطالِبان بالاستتابة الدائمة، وليس بالحرية الدينية للمرتد؛ وبناءً على ذلك فالإشكال الذي يلاحق حدَّ الرِّدة سيأتي هنا، فإذا كان القتل مرفوضاً في الحرية الدينية المعاصرة، فالملاحقة والاستتابة والسجن مرفوضة كذلك". انتهى.

    وأزيد على ما سبق أنه حتى لو تخيلنا مخالفة هذين الإمامين فإنه لا يعارض إجماع الصحابة، فهما محجوجان بفعل الصحابة وإجماعهم على قتل المرتد من غير خلاف، وأصول الاستدلال كما هو معلوم تقتضي تقديم الإجماع السابق على رأيهم، لا سيما وهو إجماع الصحابة، وهو حجة قاطعة لأن إجماع الصحابة الثابت أقوى أنواع الإجماعات.

    أخيراً احتج عدنان بأدلة يريد أن يخبرنا بواسطتها أن قتل المرتد لا يجوز إلا في حالة واحدة وهي إذا كان المرتد قد جمع إلى ردته الخروج على المسلمين ومحاربتهم، واستدل بحديث ابن مسعود في الصحيح (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، ووجه الاستدلال عنده كامن في قوله (التارك لدينه المفارق للجماعة) إذ يرى عدنان أن قوله (المفارق للجماعة) وصفاً مؤسساً ولا يره وصفاً كاشفاً، ومعنى الوصف الكاشف هو أنه مجرد تفسير وبيان للمراد من قوله (التارك لدينه) وعليه فعند من يراه كاشفاً من ترك الدين فقد فارق الجماعة تلقائياً، وهذا هو الصحيح ولكن عدنان يأبى هذا ويرى أنه لا يجوز قتل المرتد إلا في حالة اجتماع هذين الوصفين بصفتهما مستقلين ألا وهما (ترك الدين ومفارقة الجماعة) ولكن ماذا تعني مفارقة الجماعة عند عدنان؟ مفارقة الجماعة، كما يقول هو، تعني الخروج عليهم بالقتل والمحاربة ، وعليه فشرط قتل المرتد عند عدنان شرط مركّب: أن ينضم إلى ردته مفارقة الجماعة بمحاربتهم والبغي عليهم.

    فأقول: لا عبرة بهذا الشرط لأنه قد تقدم معنا حكم معاذ بقتل المرتد مع أنه لم يخرج على المسلمين لا بسلاح ولا كلمة ومن أراد أن يثبت خلاف هذا فعليه الدليل، وكذلك حرّق علي بن أبي طالب المرتدين بالغلو فيه مع أنهم كانوا في غاية الوداعة والمسكنة واللطف بسبب غلوهم فيه، ولذلك قال الحافظ ابن عبدالبر عند قصة علي هذه:"... وفقه هذ الحديث، أن من ارتد عن دينه حل دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك، وإنما اختلفوا في استتابته". وكذلك قول عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، مع أنه لم يخرج هذا المرتد على المسلمين بحرابة أو قتل أو بغي، غاية ما يمكن أن يقال في هذه المسألة أن المرتد إذا جمع إلى ردته البغي على المسلمين ومحاربتهم فإن عقوبته تكون أفظع وأشنع من مجرد ضرب عنقه بالسيف، وهذا كما حصل في قصة العرنيين الذين جمعوا بين الردة والسعي في الأرض فسادا، وأسوقها إليكم: ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه: "أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في أثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا".



    وهنا اختم بتناقض واضح وقع فيه الدكتور عدنان، فقد سبق أن أوردت رأيه في تفسير قوله تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) حيث استنبط الدكتور منها أن عقوبة المرتدين أن يعزلوا ويُتركوا، ونص كلامه مرة أخرى من المادة المسموعة:" :"...عزل سياسي، لستم من الجماعة، سنعزلكم، هذا هو عقابكم، هذه هي عقوبتكم، أن تعزلوا". انتهى كلامه. إذاً هو يقول بالحرف الواحد عن هؤلاء:"لستم من الجماعة" ، وعملياً هذا الكلام يعني أنهم جمعوا مع ردتهم "مفارقة الجماعة" مع أنهم لم يحصل منهم خروج على المسلمين بسيف ولا سلاح ولا حرابة، ولكن في نفس الوقت يحتج الدكتور بهذه الآية على أن من هذه حاله لا يجوز قتله .



    نقاط ختامية سريعة:

    * لو أردنا حقاً أن نحمل قوله تعالى (لا إكراه في الدين) على ظاهره فنمنح الناس حرية الاعتقاد بناء على هذه الآية لكان لنا أن نتساءل: لماذا إذاً يوجب القرآن فرض الجزية على الكفار؟ هل كانت ستفرض عليهم الجزية لو كانوا مسلمين؟ لماذا يأمر القرآن بمجاهدة الكفار وقتالهم وملاحقتهم ومحاصرتهم في عشرات المواضع؟ هل هذه هي الحرية التي تنسجم مع آية (لا إكراه في الدين) والتي تنفي في ظاهرها كل صور الإكراه؟ إذاً لا مناص من القول بأن قوله تعالى (لا إكراه في الدين) ليس على إطلاقه وأنه يُفهم في ضوء أدلة أخرى من القرآن والسنة وفعل الصحابة، فمعنى (لا إكراه في الدين) أي لا يُجبر أحد على الدخول في دين الإسلام، وحتى لو ارتد وحكم عليه بالقتل فإن القتل ليس المراد منه إكراهه على اعتقاد أن الإسلام حق وإنما الهدف منه في حال إصراره على الكفر القضاء على الفتنة ، مثله مثل حد السرقة ليس الهدف منه إكراه القاتل على اعتقاد حرمة السرقة وإنما القضاء على العضو الذي ألحق الضرر بالمجتمع وسد باب السرقة بأن يكون عبرة لغيره. ومن المعلوم أن الفتنة في الدين أكبر من الفتنة الحاصلة بالقتل والتخريب إذ قال الله تعالى (والفتنة أكبر من القتل)، وقال في موضع آخر (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله) أي حتى لا يعم الافتتان بسبب الكفر فإن الناس عرضة للفتنة في معتقداتهم بسبب الكفر والكفرة، وهل يتصور وجود كفر بلا كفار ؟ ثم إنه يُناقض مقصد الشارع أن يُفتح الباب للناس بأن يرتدوا والله تعالى يقول (ويكون الدين كله لله) فأمر المسلمين أن يقاتلوا الكفار حتى يكون الدين المهيمن كله لله، فكيف يستقيم هذا مع تكثير سواد الكفار بترك أبواب الردة مشرعة إلى يوم القيامة؟ هذا عبث تنزه عن آيات القرآن.



    * في آخر المادة المسموعة: يقول الدكتور عدنان إبراهيم أنه يفتح هذا الملف – ملف قتل المرتد – وهو محرج. ولكن محرج مِن مَن ؟ ليس الحرج من الله ولا رسوله وإنما هو مُحرج من الغرب، لا سيما وهو مقيم هناك منذ زمن بعيد، الذي اندمج معه وتلاقحت مشاعره وأفكاره مع أفراده وثقافته، فأصبح يُشفق على الحضارة التي أنتجت ستيفن هوكنج، وروجر بنروز، وبراين جرين، وجون بارو، وفرانك تبلر، وستيفن وينبرج، وغيرهم في الحاضر والقديم...يشفق على حضارة كهذه من أن يمسّها سيف الردّة لو دخلت في الإسلام يوماً من الأيام. أنا معجب جداً بهذا الحس الراقي وقد شعرتُ به في يوم من الأيام عندما كنت في الغرب، ولكن شرع الله لا يُعاد تشكيله بالمشاعر الشخصية والتجارب الخاصة للإنسان (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه) ولو كره الكافرون.



    *مما يؤسف له أن الدكتور سخي جداً في إطلاق عبارات من مثل "هذا كلامٌ فارغ" و "كلام فارغ لا وزن له" عندما يتعرض لمناقشة آراء أئمة وعلماء من سلف هذه الأئمة لهم الفضل عليه في الكثير من العلم الذي يغترف منه اليوم، ناهيك أيها القاريء أن هذا الأسلوب لا يحمل في داخله قيمة علمية ولكنه مفيد في التأثير على عقلية العوام.



    * من المؤسف ايضاً أن الدكتور يطلق الكلام على عواهنه، ويرسل الكلام بطريقة انفعالية، فهو يقول مثلاً:"رحم الله سادتنا الأحناف غمزوا ومازالوا بالزندقة والكفر لأن لهم عقلاً يفهمون بها شرع الله". فليأذن لي القاريء أن أحلل كلامه - بحكم تخصصي – في ضوء علم اللغة النفسي. أولاً: يقع الدكتور في مشكلة التعميم generalization فيقول "سادتنا الأحناف، أيقصدهم كلهم ؟ يقع الدكتور في مشكلة "الحذف" أو deletion فهو يقول:"غمزوا !" والسؤال: من هؤلاء الغمازون بالتحديد وكيف؟، وهو يقع في مسشكلة التحريف distortion فهو يقول:"لأن لهم عقولاً يفهمون بها شرع الله"، وهذا هو الربط الفاسد بين السبب والمسبب، وهذا الكلام يعني ما يلي: سبب كون السادة الأحناف محل اتهام بالزندقة – وهو كلام فضفاض في ضوء الاعتبارات السابقة – هو أنهم يتمتعون بعقول يفهمون بها شرع الله" !.



    * هذه هي المرة الأولى التي اقتطعت فيها وقتاً لأسمع مادة سمعية كاملة للدكتور عدنان إبراهيم، وقد شكلت رأياً مبدئياً عنه أسرده على شكل عبارات قصيرة: الرجل واسع الإطلاع ولكن لديه أخطاء جسيمة، الرجل عنده غيرة واضحة على الإسلام ولكن ليت هذا يكفي كمعيار للصواب، الرجل لديه لغة جسد فاعلة وكاريزما جاذبة ولكن التأصيل العلمي أقل بكثير من مستوى جاذبيته، أشعر بأني سوف استمتع بالنقاش معه في مباحث العلم الطبيعي وفلسفة العلم والأخلاق لأن لدي اهتمام قديم بها ويعجبني أنه مُلم بكثير من النقاط التي أجيدها، اعتقد أن هذا الرجل مكسب للإسلام في الغرب لو اشتغل على تصحيح بعض الأخطاء المنهجية لديه وعالج كثير من الفجوات المعرفية في تناوله لقضايا الدين والوجود. هدانا الله وإياه للحق والخير أينما كان.

    صلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    انتهى.

  12. #57
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    سلسلة بيان حال خطيب النمسا
    الشيخ طارق الحمودي

    كسر السهام الطائشة بالذب عن طلحة وعائشة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
    فقد كان بلغ مسامعي خبر رجل يتحدث في كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ويتكلم في أحداث ضيقة المسالك من تاريخ الإسلام، يقيم في النمسا كثر استهزاؤه وسخريته بغيره،يزعم التحقيق والبحث العلمي !!!! فرأيت أن أنظر في كلام الرجل بمنظار العلم والتحقيق راجيا من الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وسأجعل مبدأ ذلك مع قصة تعلق طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بعائشة رضي الله عنها وإرادته الزواج منها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان أن رمى هذا الأستاذ طلحة بسهام اتهام وشبهة طاشت في الهواء، وكان أقربها إلى هدفه ثلاثة جمعتها فكسرتها بإذن الله تعالى .
    السهم الطائش الأول:
    روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن رجلا قال : لو قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، لتزوجت فلانة يعني عائشة : فأنزل الله تعالى : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا .
    قال معمر : سمعت أن هذا الرجل طلحة بن عبيد الله
    قلت : قتادة تابعي لم يحضر نزول الآية ولا القصة، فروايته مرسلة، وليس فيها تسمية الرجل بطلحة، وما فعل ذلك إلا معمر قائلا: (سمعت..!) فلم يذكر واسطته في ذلك، فروايته معضلة ضعيفة.
    السهم الطائش الثاني
    روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن السدي، رضي الله عنه قال: (بلغنا أن طلحة بن عبيد الله، قال:"أيحجبنا محمد عن بنات عمنا، ويتزوج نساءنا من بعدنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده، فنزلت هذه الآية"
    قلت: هكذا رواها السدي بلاغا وبينه وبين زمن القصة مفاوز، فهي على هذا مرسلة أيضا، فإنه لم يذكر من أخبره بذلك، هذا إن صح ذلك عنه وإلا فليس ثَمَّ ذكر لإسناد ابن أبي حاتم إلى السدي كما في طبعة أسعد محمد الطيب، وهذا موجب للتوقف في روايته، والتوقف موجب حكمي للرد، فلا عبرة بهذه الرواية مطلقا.
    السهم الطائش الثالث
    روى ابن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر،حدثني عبد الله بن جعفر عن بن أبي عون عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في قوله: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا قال نزلت في طلحة بن عبيد الله لأنه قال: إذا توفي رسول اللهتزوجت عائشة.
    قلت: محمد بن عمر هو الواقدي وهو متروك الحديث، لا يحتج به ولا يعتبر، ورواية أبي بكر بن حزم معضلة فإنه كان في زمن عمر بن عبد العزيز وتوفي عام 120 للهجرة !!! والقصة وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أين له ذلك إن صح عنه !؟ فالرواية ساقطة.
    وعبد الله بن جعفر هو المخرمي وابن أبي عون هو عبد الواحد الدوسي
    هذا مبلغ الرجل من المعلومات..!! أما التحقيق فلا ...ويظهر لي أن آفات الرجل في هذا كثيرة غفر الله لنا وله !
    فهل مثل هذا يوثق فيه بعد هذا؟!
    وقد أنكر العلماء هذا الذي نسب إلى طلحة رضي الله عنه فقال ابن عطية في (المحرر الوجيز4/396): (وهذا عندي لا يصح على طلحة،الله عاصمه منه).وقال القرطبي(14/229/دار الكتب المصرية) : (قال شيخنا الإمام أبو العباس: وقد حُكي هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله، وإنما الكذب في نقله، وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال).





    جني أطايب الثمر بحقيقة قول ابن المسيب في ابن عمر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أما بعد
    فمما أثاره خطيب النمسا أيضا في بعض مجالسه أن سعيد ابن المسيب رحمه الله تعالى لا يشهد لأحد بالجنة ولو كانوا من العشرة المبشرين , وأنه إن كان لابد فاعلا لكانت شهادته في حق ابن عمر....! وأخشى أن يكون قصده معارضة حديث البشرى للجنة للعشرة ..وفيهم الخلفاء الأربعة..نسأل الله العافية من ذلك!!!
    فقد زعم الأستاذ أن ابن المسيب إنما قال ما قال لأنه لا يستطيع أن يحكم على معين بذلك, بل في الجملة ,وكل هذا كلام خطأ سأبين وجه الخطأ فيه إن شاء الله.
    ومشكلة الأستاذ أنه لم ينتبه إلى روايات هذا الأثر وإلا لكان فهم إن أراد أن يفهم...!!
    ففي الأثر نفسه ما يفسد على الأستاذ فهمه... فقد روى الإمام أحمد في فضائل الصحابة(2/895) عن قتادة قال :قال سعيد بن المسيب : لو كنت شاهدا لأحد حي إنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر
    فلاحظ أيها المنصف تقييد ابن المسيب لكلامه بقوله (حي) لأنه لا يدري ما يحدث للحي وبم يختم له فلا يشهد له .ولتعلم أنه لا يقصد نفي ذلك عن الأموات ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة !
    وقد انتبه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لذلك فاستحسن التقييد, فروى الخلال (492) عن حنبل قال: فرأيت أبا عبد الله يستحسنه قال: (لأحد حي).. (لأحد حي) يردد الكلام ويعجبه ذلك!!!
    وقال كما عند ابن هانئ في مسائله (2/158/المكتب الإسلامي): (فما قال أبن المسيب أحد حي إلا ويعلمك أن من مات قد شهد له بالجنة) ويقصد بذلك من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
    وبهذا تكتمل الصورة, ويظهر الخطأ الفادح القادح الذي وقع فيه الأستاذ الذي يكثر من الحديث عن التحقيق..فرب قيد يلزم من إهماله فساد الفهم ..كما وقع لخطيب النمسا...فليتق الله تعالى, وليدع عنه دعوى التحقيق, وليكن كإخوانه يجتهدون ولا يدعون تحقيقا, فإذا أصابوا فنعما ذلك وإن أخطؤوا عذروا...!!فأين ذكاء خطيب النمسا؟ وأين تحقيقه ؟؟؟؟!!!!





    بَلُّ الجِمار بنفي وصف ابن عباس لمعاوية بـ( الحمار)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أما بعد
    فمرة أخرى مع صاحبنا النمساوي وهذه المرة مع قصة وصف ابن عباس لمعاوية بـ(الحمار) وحجته في هذا ما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/289/العلمية)أن أبا غسان مالك بن يحيى الهمداني حدثه قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أنا عمران بن حدير عن عكرمة أنه قال كنت مع بن عباس عند معاوية نتحدث حتى ذهب هزيع من الليل فقام معاوية فركع ركعة واحدة فقال بن عباس من أين ترى أخذها الحمار
    هذا إسناد فيه ضعف, فعبد الوهاب بن عطاء قال فيه ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (2/ص158): (عبد الوهاب بن عطاء أبو نصر الخفاف العجلي يروي عن خالد الحذاء وابن عون قال أحمد: ضعيف الحديث مضطرب. وقال الرازي: ليس بقوي الحديث, وقال النسائي: ليس بالقوي)
    قلت فأبو حاتم يضعفه كما هو معروف من عبارته,وكذلك النسائي فقد قال الذهبي في الموقضة82: ليس بجرح مفسد أي أنه تضعيف خفيف ولذلك أورد ابن الجوزي كلمتهما عنده . وذكره البخاري في الضعفاء وقال: ليس بالقوي عندهم, وذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء.وقال ابن معين : ليس به بأس, أي أنه يوثقه ولذلك قال الحافظ : صدوق ربما أخطأ,جمعا بين الأقوال وهذا منه تليين لحفظه والله أعلم.
    وأبو غسان مالك بن يحيى هو السوسي قال فيه ابن حبان : مستقيم الحديث وسماه بدر الدين العيني في مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار (3/10) : (مالك بن يحيى بن مالك بن كثير بن راشد وقال: ذكره ابن يونس في تاريخ الغرباء الذين دخلوا مصر.)
    وقد خولف فرواه عبد الرزاق في مصنفه (3/ص21) قال: أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث(مقبول إذا توبع) أن عكرمة مولى بن عباس أخبره قال وفد بن عباس على معاوية بالشام فكانا يسمران حتى شطر الليل فأكثر قال فشهد بن عباس مع معاوية العشاء الآخرة ذات ليلة في المقصورة فلما فرغ معاوية ركع ركعة واحدة ثم لم يزد عليها وأنا أنظر إليه قال فجئت بن عباس فقلت له ألا أضحك من معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها قال أصاب.
    وعتبة مقبول الحديث إذا توبع وكذلك هو , فقد رواه البخاري عن عثمان بن الأسود ونافع بن عمر كلاهما عن ابن أبي مليكة وابن أبي شيبة ج2/ص88في المصنف عن عطاء
    ورواه عبد الرزاق (3/ص24) عن ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال رأيت معاوية صلى العشاء ثم أوتر بعدها بركعة فذكرت ذلك لابن عباس فقال أصاب .
    فظاهر جدا أن عبد الوهاب بن عطاء أخطا في روايته لكلمة (حمار) بدليل أنه زميله عثمان بن عمر رواه ولم يذكرها فقال الطحاوي: حدثنا أبو بكرة قال ثنا عثمان بن عمر قال ثنا عمران فذكر : بإسناده مثله إلا أنه لم يقل الحمار .
    قلت: وعثمان بن عمر هذا هو ابن فارس العبدي ثقة.
    وقد أراد الطحاوي الجمع بين الموافقة والمخالفة من ابن عباس لفعل معاوية فقال:قد يجوز أن يكون قول بن عباس أصاب معاوية على التقية له أي أصاب في شيء آخر لأنه كان في زمنه ولا يجوز عليه عندنا أن يكون ما خالف فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي قد علمه عنه صوابا وقد روى عن بن عباس في الوتر أنه ثلاث .
    ورد هذا البيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ص315و316) فقال : (ولا يحل لأحد أن يحمل قول ابن عباس على التقية منه, فابن عباس كان أبعد الناس من أن يخاف معاوية في سكوته عن فعل أخطأ فيه وكان أعلم وأورع من أن يقول لأصحابه في دين الله تعالى ما يعتقد خلافه.... فكيف يظن بابن عباس أن يقول لأصحابه فيما بينهم أصاب معاوية في شيء ينكره بقلبه)
    وخلاصة الأمر أن رواية عبد الوهاب خطأ والراجح روايات غيره وهم كثر وبعضها في البخاري .
    فلا أدري لماذا يصر الأستاذ النمساوي على غض الطرف عن هذا كله ويقبض على كلمة (حمار) بنشوة المنتصر ..أخاف أن يكون الهوى والعياذ بالله ..فنسأل الله تعالى أن يعصمنا وإياه ذلك.!





    إعادة الكرَّة على المستهزئ بأبي هرَّة

    بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد

    فمرة أخرى أزن كلام الأستاذ, وهذه المرة في كلمة قالها في أبي هريرة رضي الله عنه, زعم فيها أن أبا هريرة كان يثقل على النبي صلى الله عليه وسلم, يأتيه مرة بعد مرة ليطلب منه الطعام وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم زجره في لطف بقوله له: (زر غبا تزدد حبا)
    ويقصد الأستاذ ما روي عن أبي هريرة أنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة ، فتبعته ، ثم خرج من بيت أم سلمة ، فتبعته ، فالتفت إليَّ ، ثم قال : ( يا أبا هريرة زر غبا تزدد حبا) فهذا أصرح لفظ في الموضوع!!! فإن الحديث مروي من حديث جمع من الصحابة وقد ضعفها جميعا ثلة من العلماء ومنهم ابن حجر في الفتح وقواها بمجموع طرها الأباني رحمه الله ..واللفظ الذي ذكرته هو المطابق لدعواه ..لكن....!!
    الحديث رواه ابن عدي في (الكامل في الضعفاء) عن محمد بن الحسين بن علي الطبري عن يوسف بن أحمد بن إبراهيم الصنعاني عن عبد الله بن مطاع عن عبد الملك الذماري عن زهير الخراساني عن إسماعيل بن وردان عن أبي هريرة به !
    إسماعيل بن وردان لا يعرف ! وزهير الخراساني هو ابن محمد وأحاديث الشاميين عنه غير مستقيمة كما في تقريب التهذيب .
    قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/742) : (زهير الخراساني ضعفه يحيى ,وفيه الذماري قال أبو زرعة :هو منكر الحديث)
    قلت: وقال أبو حاتم : ليس بقوي كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم, والذماري هذا هو عبد الملك بن محمد أبو هشام.
    وأما إسماعيل بن وردان وعبد الله بن مطاع فلا ترجمة لهما !!!
    فهل الأستاذ ..محقق كما يزعم...! غفر الله لنا وله!!
    يتبع============

  13. #58
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ملامح التوفيق في الذب عن عائشة بنت الصديق

    بسم الله الرحمن الرحم
    أما بعد
    فمن المسائل التي أثارها خطيب النمسا أن عائشة رضي الله عنها كانت أول أمرها مع النبي صلى الله عليه وسلم جاهلة بالله تعالى!!! لا تعرف أن الله يعلم السر وأخفى,محتجا بما روي عن عائشة في دعاء البقيع وفيه : (قالت : مهما يكتم الناس يعلمه الله قال نعم فإن جبريل عليه السلام) على أنها سألته عن ذلك ولو تكن تعرفه فأجابها عليه الصلاة والسلام : نعم..! وقد زاد هو من عنده : يا عائشة !!!واحتج به على أنها كانت جاهلة بالله تعالى.
    ولسنا ننكر عليه فهمه, إنما ننكر عليه إثارة هذه المسألة لغير غرض شرعي, فقد ذهب ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى أنها سألت واحتج به للعذر بالجهل..ولكنني لم أر صاحبنا احتج به لأمر شرعي في سياق مقبول!!!
    والجواب على هذا من أوجه:
    أولها أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت ليخفى عليها ذلك وقد قرأت قوله تعالى ولابد في سورة طه (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) وسورة طه مكية !!!!
    ثانيا: الرواية التي احتج بها رواية الإمام أحمد(25731/دار الحديث) وفيها تقديم (قال) على (نعم) وفهم من قولها: (مهما يكتم الناس يعلمه الله) أنها سألته عن ذلك, أي أن ثم علامة استفهام (يعلمه الله ؟) والظاهر خلاف هذا, ففي روايتين أخرى عند النسائي رحمه الله في المجتبى عن يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي عن حجاج(2037) وعن سليمان بن داود عن ابن وهب (3963)كلاهما عن ابن جريج به: (مهما يكتم الناس فقد علمه الله عز وجل) قال: نعم. وهو دال على أنها لم تسأل, بل أخبرت بذلك لعلمها به, وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : نعم!
    ثالثا : أنه صح الحديث بتقديم (نعم) على (قال), فيكون قول (نعم) من قول عائشة ,وكأنها تقرر وتجيب على سؤال سابق للنبي صلى الله عليه وسلم وهو (أظننت ...) والرواية عند الإمام مسلم في صحيحه (2301)عن عن حجاج بلفظ : (أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟. قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله.. نعم. قال : فإن جبريل...)
    قال النووي: قوله ( قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم ) هكذا هو في الأصول, وهو صحيح, وكأنها لما قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت: نعم.
    وقال العلامة فركوس الجزائري في الفتوى رقم: 917 في هذا الحديث : (ليس فيه شكّ في علمِ الله تعالى، بل بالعكس فيه تقرير للعلم، ويدلُّ على ذلك تصديق نفسها حيث أكدَّت مقالتها بالإثبات).ثم ذكر قول النووي
    وعلى هذا فسواء بطريق الجمع بين الروايات بحمل الألفاظ بعضها على بعض, أو بطريق ترجيح رواية مسلم على رواية أحمد لأنه قد أجمعت الأمة على تلقي كتابه بالقبول فإن عائشة لم تسأل عن ذلك, وكل هذا الاختلاف بسبب الرواية بالمعنى, وإلا فإن الذي قاله عليه الصلاة والسلام شيء واحد والله تعالى أعلم.
    وأعود لأقول: ما فائدة إثارة المسألة بغير غرض شرعي واضح !!!؟؟
    وأذكر الأستاذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تؤذيني في عائشة ؛ فإنه لم ينزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة إلا في لحاف عائشة). وأخيرا أرجو من الله تعالى أن يشفع في نبيه عليه الصلاة والسلام إذ دافعت عن زوجه رضي الله عنها.





    تنبيه الإخوان إلى أن ابن سلول لم يبايع تحت شجرة الرضوان

    زعم الأستاذ عدنان إبراهيم أن عبد الله بن سلول المنافق شهد بيعة الرضوان ليبين أن اصحاب الشجرة ليس كلهم ممن رضي الله عنهم كما في قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه) .
    وشهود ابن سلول لبيعة الرضوان لا يثبت، ووجوده أصلا مع المسلمين فيالحديبية يعتمد من يثبته على رواية تالفة الإسناد رواها الواقدي في مغازيه،قال: حدثنا ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله عن أبي سلمة الحضرمي قال: (سمعت أبا قتادة يقول: سمعت ابن أبي يقول ـ ونحن بالحديبية ومطرنا بها ـفقال ابن أبي: هذا نوء الخريف مطرنا بالشَّعْرَى. اهـ.


    قال الدكتور حافظ بن محمد عبد الله الحكمي في رسالته: مرويات غزوةالحديبية جمع وتخريج ودراسة: هذا الحديث ضعيف جداً، فيه الواقدي، وفيه شيخهسبرة، يقول ابن حجر:رموه بالوضع





    تأكيد الإصابة بنفي كون رأس الخوارج من الصحابة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أما بعد فمرة أخرى يثير خطيب النمسا ما لا فائدة فيه إلا القيل والقال وغرضا في نفس الطاعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم... فزعم أن رأس الخوارج صحابي ..! ثم لَعَنه..منبها بذلك على أنه ليس كل الصحابة عدولا..ليوجد لنفسه العذر والمسوغ للوقوع في غيره..من الصحابة !!
    تعريف الصحابي
    عرف أهل العلم الصحابي بأنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك.ومقتضاه أن من لم يمت على الإيمان به فلا يكون صحابيا .بله أن يكفر به في حياته ..!
    ذو الخويصرة التميمي ...هل كان صحابيا؟
    صح في الحديث قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال : معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية
    هذا ما حصل لذي الخويصرة .فلازم قوله للنبي عليه الصلاة والسلام (اعدل) أنه يتهمه بالظلم, وهذا كفر بين لا شك فيه..فكيف يبقى له إيمان بعد ذلك!! والحديث رواه البخاري من حديثأبي سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم يا رسول الله اعدل فقال : ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل..!
    وذكر ابن الأثير له في الصحابة فيه نظر كما هو مذهب ابن حجر في الإصابة فإنه قال : (وعندي في ذكره في الصحابة وقفة)
    وسبب ذلك والله أعلم قوله (اعدل) كما قلته سابقا.
    وقد يقول قائل : أليس ذكر ابن حجر له في الإصابة دليلا على صحبته؟ والجواب أن الحافظ يذكر في الإصابة من كان صحابيا ومن زعموا أنه صحابي ليميز الصواب من الخطأ ولذلك سمى كتابه : (الإصابة في تمييز الصحابة) ولذلك تجده أحيانا يتعقب ويتوقف ويعارض.
    ذو الخويصرة منافق
    صح كما في الحديث قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال : معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية).
    فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بالمنافق, بل استنكر قتله دفعا لمفسدة استغلال المخالفين لظاهر صحبته لإشاعة تهمة النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أصحابه .
    ومثله من قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة خصومة بينه وبين الزبير بن العوام : (أن كان ابن عمتك!)
    قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (15/107) : (قال العلماء ولو صدر مثل هذا الكلام الذي تكلم به الأنصاري اليوم من إنسان من نسبته e إلى هوى كان كفرا)
    حرقوص بن زهير السعدي رأس الخوارج
    ذكر الطبري في (تاريخ الأمم والملوك /2/496) أن عتبة بن غزوان كتب إلى عمر يستمده فأمده بحرقوص بن زهير وكانت له صحبة وأمره على القتال على ما غلب عليه ففتح سوق الأهواز
    قال ابن حجر في الإصابة(2/49) : (ذكر الهيثم بن عدي أن الخوارج تزعم أن حرقوص بن زهير كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قتل معهم يوم النهروان قال: فسألت عن ذلك فلم أجد أحدا يعرفه)
    قلت: الهيثم بن عدي هو الطائي أخباري كذاب كما قال البخاري وأبو داود وغيرهما !!
    هل حرقوص هو ذو الخويصرة؟
    ذكر بعض العلماء أن ذا الخويصرة هو حرقوص وقيل المقداد وقيل غير ذلك وقد اعتمد على الأول ابن الأثير فجعله في عداد الصحابة ,لكن صح عند البخاري في (باب من ترك قتال الخوارج) تسميته (عبد الله بن ذي الخويصرة).
    وأرجو أن يكون هذا كافيا لبيان الحق دون إطالة وإطناب
    الخلاصة
    وخلاصة هذا أنه لا يصح كون ذي الخويصرة صحابيا ولا حرقوص بن زهير..فلا وجود لصحابي رأسا للخوارج !!!فأين التحقيق العلمي الذي يدعيه الخطيب النمساوي.....
    يتبع==================

  14. #59
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    إحكام الرتاج بحقيقة سن عائشة عند الزواج
    -----------------------
    من المعروف عند أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي بنت التاسعة
    وقد طعن بعض الناس في نبينا وديننا بهذا زاعمين أن هذا اغتصاب لطفلة
    ورد بعض المسلمين هذا بتضعيف الحديث الوارد في ذلك والانتصار لكونها تزوجت في سن أكبر من ذلك , وليس الأستاذ عدنان إبراهيم بالبدع في هذا فقد سبقه وغيره العقاد , وأخص عدنان بالرد هنا فإنه أورد على الحديث جملة من الإيرادات - زاعما أنها كالقنبلة – وسأنتقي منها فقط ما يستحق المناقشة وإلا فالباقي أقوال في المواليد والوفيات لا قيمة لها أمام صحة حديث عائشة..خصوصا وأنه قد تضاربت فيها الأقوال لا كما أوهم الأستاذ فمنها:
    أولا :
    إن الحديث ضعيف لا يصح, لأنه تفرد به هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح, زاعما أن في رواية العراقيين عنه ضعف...ونقل عن الأئمة في ذلك ..وأطال ..وقد أصاب ..فيما يخص هشاما..!
    لكنه أخطأ حين زعم أنه لم يرو الحديث إلا هشام عن عروة, فقد رواه الزهري عن عروة عنها.!
    بل لم يتفرد به عروة ! فقد رواه عن عائشة الأسود رحمه الله..وغيره ...و هي روايات للحديث في صحيح مسلم..تحت رقم (1422).!!...فيظهر أن الأستاذ إبراهيم عدنان لم يرجع إلى المصادر وإلا لكان رأى هذه الروايات..وهذا من مشاكل الأستاذ عدنان..والغريب أنه دائما يدعي المنهجية العلمية والتحقيق!!!
    فالحديث صحيح مائة في المائة...وقد أخطأ الأستاذ عدنان إبراهيم خطأ كبيرا!!وصدق الحافظ ابن حجر حين قال : من تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب! وهذه وحدها قاصمة فاضحة.

    ثانيا:

    إن عائشة شهدت نزول قوله تعالى من سورة القمر: (سيغلب الجمع ويولون الدبر)وذلك لما في البخاري عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين قالت لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} فهذا يعني أن الآية نزلت في مكة
    ثم ذكر أن الإمام مسلما وغيره رووا عن عكرة عن ابن عباس عن عمر أنه لما نزل قوله تعالى (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال: أي جمع يهزم ؟ .فلما كان يوم بدر وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هو الذي انهزم. ثم نبه إلى أن عمر أسلم في السنة السادسة أو السابعة قبل البعثة...
    وقد أخطأ الأستاذ هنا خطأ مركبا من أربعة أخطاء..:
    أولها: إن قصة عمر مع الآية لم يرد ذكرها في صحيح مسلم
    ثانيها:حديث مسلم هذا من رواية سماك الحنفي – لا عكرمة- عن ابن عباس عن عمر
    ثالثها:رواية عكرمة في صحيح البخاري لا في صحيح مسلم وهي عن ابن عباس مرسلا ..وليس فيها ذكر عمر ...! إلا أن يقال إن ابن عباس أخذها عن عمر.لكنه ينبغي احترام صورة الرواية حين ذكرها من باب التحقيق العلمي .
    رابعا : إن قصة عمر مع الآية ضعيفة وهي عند ابن أبي حاتم – وقد أشار الأستاذ إليها - في التفسير وعبد الرزاق في التفسير عن أيوب عن عكرمة قال: لما نزلت (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) فعرفت تأويلها يومئذ.
    وعكرمة لم يلق عمر فروايته منقطعة ضعيفة, وروي أيضا من حديث قتادة وهي منقطعة أيضا كما في المطالب العالية (15/290)
    ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة .وفيه عبد العزيز بن عمران المعروف بابن أبي ثابت وهو متروك الحديث.
    ورواه أيضا من حديث أنس عن عمر وفيه محمد بن إسماعيل بن علي وهو مجهول العين ساقط روايته
    وهذه الروايات لا يقوي بعضها بعضا فالأخيرتان شديدتا الضعف والأوليان مرسلتان ولا يتحقق فيهما اختلاف المخرج على طريقة الإمام الشافعي رحمه الله
    ففي جملة واحدة ...يرتكب الأستاذ أربعة أخطاء قاتلة...!
    ثم استنتج الأستاذ أن هذا يعني أن الآية نزلت في السنة السابعة أو السابعة قبل البعثة, وبما أن عائشة حضرت نزولها وكانت جارية بنت ست أو قريب من ذلك قبل البعثة لا قبل الهجرة...!! فإنها تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها أكثر من ست سنوات
    وهذا في منتهى التدليس ...أو الغباء...فإنه على فرض صحة القصة, وقد تبين لك ضعفها, لا يلزم من كون عمر أسلم في السنة السادسة أو قريب منها قبل الهجرة أن تكون الآية نزلت أيضا في تلك السنة..فلم لا تكون نزلت في السنة الأولى قبل الهجرة..ليس هناك أي مانع على الإطلاق..بل هو المتعين, جمعا بينه وبين قول عائشة أنها عقد عليها وهي بنت ست أو سبع.فصاحبة ست سنوات أو سبع جارية !!! فجهاز التلازم المنطقي عند الأستاذ فاسد.
    فانظر كيف يعارض الأستاذ عدنان حديثا صحيحا بفهم غريب جدا جدا..بناء على قصة ضعيفة ..ويرد المحكم بالمتشابه ...فيظهر أن الأستاذ إما مدلس يحسن التلاعب بالمغالطات المنطقية وإما أنه لم ينتبه ..وهذا أرجح عندي .من باب الاعتذار له!!!
    ويخلص الأستاذ إلى أن كل العلماء إلى اليوم أخطؤوا ..فجعلوا عوض كلمة (بعثة) (هجرة) ...فقط..!
    ما شاء الله..لا قوة إلا بالله...أخطؤوا كلهم..واكتشف ذلك عدنان إبراهيم...؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجتمع أمتي على خطأ)..وعدنان يقول: اجتمعوا كلهم على الخطأ في هذا!! فأيهما تصدق أخي الحبيب..أختي الفاضلة؟
    قاصمة
    أريد هنا أن أورد بعض الأدلة الموافقة لحديث عائشة رضي الله عنها في بيان سنها مع استحضار أن الجارية عند الأستاذ عدنان هي بنت 12 أو 13 أو قريب من هذا ....كما قال ...!
    منها: ما رواه البخاري ومسلم عنها أنها قالت : (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنيه وعينيه ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو )
    ومثل هذا ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسرب إيى صواحبي يلعبن باللعب البنات الصغار .
    وفي صحيح البخاري في قصة الإفك قالت عائشة: فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش.
    ومثلها قول بريرة في نفس القصة لما سئلت عنها : (والذي بعثك بالحق ،إن رأيت عليها قط أمرا أغمصه عليها ،أكثر من كونها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها ،فتأتي الداجن فتأكله).
    وهذا كان بعد الهجرة قطعا..أما قصة الإفك فكانت في السنة الخامسة من الهجرة.وأما لعب الحبشة فكان بعد السنة الخامسة وقيل الثالثة .
    فجريا على تعريف الأستاذ للجارية يكون سنها عند الهجرة ....سبع سنوات أو قريبا منه!!!! وقد قال القسطلاني : لم تبلغ حينئذٍ خمس عشرة سنة
    فخلاف ما قاله الأستاذ فالجارية أيضا تطلق على من كان سنها أقل من خمسة عشر ..فصاحبة السبع أيضا جارية.وطبق هذا على كل مرة تجد فيها كلمة جارية في هذا البحث.
    وأما حضور عائشة في بدر وأحد فليس فيه شيء على الإطلاق... فقد حضر أنس أحدا وعمره عشر سنوات... والجارية العربية لا يجوز قياسها على جارية من زماننا ..لا يستوين مثلا.! فلا يجوز التشغيب بهذا !
    وقد ركزت على ما يبدو أن يكون دليلا ..أما المتهافت فلا عبرة به.
    فأين أنت أخي الكريم وأختي الكريمة من عدنان الآن ؟ حسبي بهذا ..فلا يحتمل الموضوع تطويلا للبيب الفطن.
    يتبع===================

  15. #60
    تاريخ التسجيل
    Oct 2014
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,105
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الإذاعة لمعنى حديث (لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مما يحتج به الأستاذ عدنان إبراهيم على أن في الصحيحين..أحاديث مكذوبة..ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (2953 ) عن أنس أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة

    فزعم أن هذا باطل لأن ذاك الغلام مات قطعا ومع ذلك لم تقم الساعة !!!
    معنى كلمة (الساعة)
    فات الأستاذ أن في الحديث الذي قبله ..برقم واحد (2952) عند مسلم عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم
    - قال الحافظ في فتح الباري (10/ص557): (قال عياض وتبعه القرطبي: هذه رواية واضحة تفسر كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها)
    وقال ابن حزم رحمه الله في الفصل في الملل (2/ص24): (رواه الثقاة أيضا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه ثابت عن أنس وقال أنه عليه السلام قال إن هذا لا يستوفي عمره حتى تقوم ساعتكم يعني وفاة أولئك المخاطبين له وهذا هو الحق الذي لا شك فيه)
    ومن الطريف أن هشام بن عروة راوي الحديث فسرها كذلك فعند البخاري ( 6146) بإسناده عن هشام عن أبيه عن عائشة بعد أن أورد نفس الحديث بلفظ (ساعتكم) قال: قال هشام): يعني موتهم. وهذا بنفس الإسناد أيضا..وراجح فتح الباري.





    لماذا أخطأ عدنان؟
    لو كان انتبه لهذا لقال: لعل النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بقوله(الساعة) في حديث أنس (ساعتكم) في حديث عائشة..ولو انتبه إلى أن حديث أنس حادثة عين وأن حديث عائشة حكاية عن طريقة مستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم مع الوفود من الأعراب في تلك المسألة فإنها قالت: (كان الأعراب ...)
    لكن الأستاذ لم ينتبه أو أنه انتبه وأراد التدليس وإن كنت أستبعد الثانية تحسينا للظن به.
    ولعل الأستاذ لا يعرف أن القيامة قيامتان..والقيامة هي الساعة نفسها بدليل أنه يقول: (قامت..الساعة) فالقيامة الأولى والصغرى هي الموت والقيامة الكبرى قيامة البعث..والمقصود بالساعة والقيامة هنا قيامة أولئك وساعتهم أي موتهم ..ومعنى الحديث أن أولئك سيموتون كلهم قبل أن يدرك الهرم ذلك الصبي وهذا معقول جدا.
    القيامة قيامتان
    قد يقول قائل: من أين لك هذا التقسيم؟
    والجواب أخي الفاضل وأختي الفاضلة أن هذا التقسيم كان معروفا في زمن السلف رحمهم الله فقد روى الطبري في التفسير (29/ص174)عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة أنه قال: (يقولون القيامة القيامة.. وإنما قيامة أحدهم موته)
    وروى الطبري في تهذيب الآثار مسند علي (2/ص548) والتفسير(29/174) من طرق عن سفيان عن أبي قيس قال رأيت علقمة في جنازة فلم يزل قائما حتى دفن فقال أما هذا فقد قامت قيامته
    وقد روى البغوي حديث عائشة (قامت عليكم ساعتكم) تحت باب : (باب قرب الساعة وإن من مات فقد قامت قيامته) وإلى هذا نبه ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الاستقامة 1/67/ت محمد رشاد سالم)
    فنصيحتي لمن يثق في عدنان إبراهيم أن لا يندفع مطلقا في تصديق كل ما يقوله ..أو تصحيح كل ما يذكره ..وليحتط لنفسه ..وليتأنى بالبحث والمراجعة ..فإن الأمر دين ..فانظروا عمن تأخذون دينكم!
    يتبع==================

صفحة 4 من 12 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء