بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السّلام على من لا نبيّ بعده ، و بعد ...
كثرت الأسئلة و المواضيع التي يتحاور حولها المؤمنون و الملحدون ، و الكتب و المقالات و النقاشات الموجودة تتعرّض لموضوع بعينه و تسهبه و تفصّله . لكن من النّادر جدا وجود مصدر يعود إليه المؤمن ليجد فيه جميع المواضيع و الأسئلة المتعلّقة بالإلحاد و اللادينية . و انطلاقا من هذه الضرورة الملحّة ، قرّرت أن أقوم بهذا العمل ، حيث سأجمع بإذن الله تعالى في هذه الصفحات جميع أسئلة الملحدين و اللادينين التي يطرحونها على المؤمنين ، منذ ظهور الإلحاد إلى يومنا هذا . مع طرح الإجابات الأصحّ و الأقوى حسب وجهة نظري .
و أدعو الجميع في حال كان لديهم سؤال لم يتمّ طرحه هنا ، أن يكملوا سلسلة الأسئلة بطرح تلك الأسئلة ، و سأقوم بطرح الإجابات عليها ...
بحيث نحصل في نهاية المطاف إلى الجامع الصحيح و الموسوعة الشاملة التي تضمّ كلّ الأسئلة التي يمكن أن تواجه المؤمن في طريق الدعوة ، و أثناء الحوار مع اللادينين و الملحدين .
فلنبدأ على بركة الله ...
السؤال الأول : هل الله موجود ؟
الجواب : نعم ، الله موجود .
السؤال الثاني : ما الدليل على وجود الله ؟
الجواب : الكون الذي نعيش فيه هو الدليل على وجود الخالق . و هناك ثلاثة طرق للنظر إلى الكون ، و كلّها تؤدي إلى إثبات وجود الله . الطريقة الأولى : النظر إلى ماضي الكون . الطريقة الثانية : النظر إلى حاضر الكون . الطريقة الثالثة : النظر إلى مستقبل الكون .
و لنبدأ بالطريقة الأولى ، فلو نظرنا إلى ماضي الكون فسنجد أمامنا خيارين فقط :
الخيار الأوّل : أنّ العالم قديم . الخيار الثاني : أنّ العالم ليس قديم .
في حال اخترنا الخيار الأول بأنّ العالم قديم ، سيكون أمامنا احتمالين : الأول : العالم القديم دائم التغير . الثاني : لم يكن العالم متغيرا ثم أصبح متغيّرا . و في الحالة الأولى ، سنقع في تسلسل العلل للمالانهاية ، و هذا محال عقلي . حيث أنّ تغيّر العالم يلزم علّة ، فلا يمكن أن يتغيّر العالم بلا سبب ، و سنقع في سلسلة أسباب لانهائيّة لوصف التغيّر اللانهائي للعالم القديم . و في الحالة الثانية ، نحتاج لمعرفة العلّة الأولى التي جعلت العالم يتغيّر . و هذا يوصلنا إلى الخالق ، لا باعتباره خلق العالم من عدم ، بل باعتباره أثّر على العالم القديم ، و نقله من عالم غير متغيّر إلى كون متغيّر .
أمّا الخيار الثاني ، فيلزمنا معرفة العلّة التي أحدثت العالم و أوجدته . و حيث أنّه من المحال مجيئ العالم من العدم ، فلابدّ من موجود أدّى وجوده إلى وجود الكون ، و هذا الموجود هو واجب الوجود و هو خالق الكون .
و عليه ، فماضي الكون يثبت لنا مبدأ العلّيّة و السّببيّة ، و هذا المبدأ يوصلنا إلى وجود خالق لهذا الكون .
أما الطريقة الثانية ، فلو نظرنا إلى حاضر الكون ، نجد فيه القوانين و الثوابت الكونيّة التي تسيّر هذا العالم و تنظّم حركته و تؤدي إلى نشوء الكائنات الحيّة فيه . و النظام الكوني يوصلنا بالضرورة إلى وجود مصمّم لهذا الكون ، قام بوضع قوانينه .
و عليه ، فحاضر الكون يثبت لنا مبدأ النظم و التصميم ، و هذا المبدأ يوصلنا إلى وجود خالق لهذا الكون .
أمّا الطريقة الثالثة ، فلو نظرنا إلى مستقبل الكون ، نجد أمامنا احتمالين : الأول : أنّ الكون سيبقى هكذا للأبد . الثاني : الكون سوف ينهار في المستقبل . إذا أخذنا الاحتمال الأوّل ، فهذا يتناقض مع العلم ؛ لأنّ العلم يقول بأنّ الحرارة تنتقل من الجسم الأعلى حرارة إلى الأقل . و عليه ، فلابد أن تتساوى درجة حرارة كل مكونات الكون في المستقبل ، و هذا سيؤدي إلى الموت الحراري و انهيار الكون . و عليه ، فلا بديل عن الاحتمال الثاني القائل بأنّ الكون سينهار ، و هذا يلزمنا بتفسير كيفيّة إمكانيّة نشوء كون جديد بعد انهيار كوننا هذا . و حيث أن نشوء كون جديد سيحتاج إلى خالق ، فهذا يدلّ أنّ وجود كوننا هذا احتاج إلى خالق .
و عليه ، فمستقبل الكون يثبت لنا مبدأ الغائيّة ، و هذا المبدأ يوصلنا إلى وجود خالق لهذا الكون .
فدليل وجود الخالق هو هذا الكون ، سواء بالنظر إلى ماضيه أو حاضره أو مستقبله .
السؤال الثالث : كيف يكون الخالق قديما و الكون ليس قديما ، برغم أنّ الخالق علّة الكون ؟!
الجواب : لأنّ الخالق لديه إرادة مطلقة ، و بالتالي لايوجد تلازم بين العلّة و المعلول ، فوجود العلّة لايلزم وجود المعلول إذا كانت العلّة تملك إرادة في عدم تحقيق المعلول .
و حيث أنّ الخالق لم يرد في البدء أن يخلق الكون ، لم يخلق الكون . و عندما شاء أن يخلق الكون ، خلق الكون .
السؤال الرابع : مالدليل أنّ الخالق كان قادرا على الخلق ، قبل أن يخلق الكون ؟!
الجواب : الدليل على ذلك هو خلقه للكون ، فخلقه للكون دليل أنّه كان قادرا على خلق الكون حتى قبل أن يخلقه . خاصّة أنّه لم يكتسب من الخارج ماأدّى إلى قدرته على الخلق . فهذا يدلّ أنّ عدم خلقه من الأزل ليس لعجزه عن ذلك ، و إنّما لعدم إرادته لفعل ذلك .فهو فعل عندما أراد ، و ليس أنّه فعل عندما قدر .
السؤال الخامس : مالذي أثّر على الخالق فغيّر إرادته من إرادة عدم الخلق إلى إرادة الخلق ؟!
الجواب : الخالق له إرادة مطلقة . و الإرادة المطلقة لا تتغيّر لأسباب خارجيّة عن المريد ، و إنّما تتغيّر لأسباب داخليّة من المريد . فالخالق لم يؤثّر عليه شيء خارجي فجعلته يقرّر الخلق ، بل هو قرّر من ذاته أن يخلق ، لتحقيق حكمة معيّنة . حيث أنّ من صفات الخالق الحكمة . فالحكمة جعلته يريد الخلق ، و المشيئة أذنت بتحقيق تلك الإرادة .
ففعل الخلق محاط بمجموعة صفات و هي : القدرة و الإرادة و المشيئة و الحكمة و العلم . و لكلّ صفة دورها في تحقيق عمليّة الخلق.
السؤال السادس : إذا كان الكون مخلوقا ، فمن خلق الخالق ؟!
الجواب : المخلوق هو من نسأل عن خالقه ، أما الخالق فلا نسأل عن خالقه ، بل نسأل عن مخلوقه. فالسؤال الصحيح هو : من خلق المخلوق ؟ أو : ماذا خلق الخالق ؟
و جواب السؤالين : المخلوق خلقه الخالق . و الخالق خلق المخلوق . أما السؤال القائل : من خلق الخالق ؟ فهو سؤال متناقض ، لأنه جعل الخالق مخلوقا ، و الخالق حين يكون مخلوقا ، تنتفي صفة كونه خالقا . و عليه ، فبدل القول : " من " خلق الخالق يصبح السؤال " ماذا " خلق الخالق !
السؤال السابع : مالدليل أنّ الكون مخلوق ؟ إذا كان الله لا يحتاج لخالق ، فالكون أيضا لا يحتاج لخالق !
الجواب : الكون متغيّر ، و لا أحد يستطيع أن ينكر تغيّر الكون . فنحن نرى تفاعلات الطبيعة و التحوّلات المختلفة فيها . و حيث أنّ الكون متغيّر فهو يحتاج إلى علّة للتغيّر . و بالتالي فالكون خاضع لمبدأ العلّيّة و السّببيّة . و هذا المبدأ يجب أن ينتهي بعلّة أولى ؛ لأنّ تسلسل العلل للمالانهاية محال عقلي . و بالتالي فتغيّر الكون يوصلنا إلى العلّة الأولى و التي هي واجب الوجود و هو من نسمّيه بالخالق . أما الله فهو لا يتغيّر ، و بالتالي فهو لا يحتاج إلى علّة ؛ لعدم وجود تغيّر . و بالتالي فلن نقع في تسلل العلل ، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى علّة أولى لوجوده ، وبالتالي فهو واجب الوجود بلا خالق .
فإذا أردت يا ملحد أن تنفي وجود خالق للكون ، يجب عليك أن تنفي وجود تغيّر في الكون . فنحن ننفي عن الله وجود تغيّر فيه ، لذلك جاز لنا نفي وجود خالق له .
السؤال الثامن : كيف تقولون بأنّ الخالق لا يتغيّر و قد تغيّرت إرادته من عدم الخلق إلى إرادة الخلق ؟!
الجواب : التغيّر هو تحوّل الذّات من صورة إلى صورة أخرى ، و فقدانه صفات كانت موجودة أو اكتسابه صفات لم تكن موجودة . فالكون يتحوّل ذاته من صورة إلى صورة أخرى ، و تتكون فيها كائنات بعد أن لم تكن ، و تموت فيها كائنات كانت موجودة . بينما الخالق لا يتحوّل من صورة إلى صورة أخرى ، و لا يكتسب صفات و لا يفقد صفات .
و أمّا صفة الإرادة ، فللخالق إرادة من الأزل . فالخالق من الأزل كانت عنده إرادة أن يخلق عندما يشاء . فهو من الأزل كان يعلم بأنّه سيخلق ، و لكنّه أجّل عمليّة الخلق . فلم يحدث تغيّر للإرادة بمؤثّر خارجي ، بل هو كان مريدا أن يخلق عند المشيئة ، فلم يخلق قبل المشيئة و خلق حين شاء ذلك . فلازال الخالق مريدا قبل الخلق و بعده . و بالتالي فليس بكيان متغيّر بحيث يحتاج إلى علّة لتغيّره .
السؤال التاسع : ما معنى " الخلق " ؟ و ماذا يعني فعل الخلق ؟!
الجواب : الخلق هو إيجاد شيء بعد أن لم يكن موجودا . أو تقدير وجود شيء بعلم مسبق و إرادة مسبقة . و عليه ، فنقول لشيء " خالق " إذا أوجد شيئا لم يكن موجودا ، أو قدّر وجود شيء بعلم و إرادة مسبقة .
السؤال العاشر : كيف خلق الخالق ؟ و كيف يمكن مجيئ شيء من العدم ؟!
الجواب : هناك احتمالين للخلق ، الأول : أنّ الخالق أوجد المادّة بعد أن لم تكن موجودة . الثاني : كانت المادّة موجودة ، لكن غير متغيّرة ، و قام الخالق بتقدير القوانين التي تؤدي إلى تحويل المادة من كيان غير متغيّر لا صورة له ، إلى كيان متغيّر متحوّل ، حتى وصل الكون إلى صورته الحاليّة . ففي الحالتين يكون الله خالقا للكون .
أما إيجاد شيء من العدم فمعناه إيجاد شيء من عالم الإمكان إلى عالم الوقوع . فالكون قبل وجوده كان موجودا في عالم الإمكان . و تمّ نقل هذا المعلوم من عالم الممكن إلى عالم الواقع . و حيث أنّ الخالق قادر على كلّ شيء ، و بالتالي فهو قادر على تحويل شيء يتصوّره بعلمه الذاتي إلى شيء موجود في العالم الخارجي . فهنا عمليّة الخلق مجرّد عمليّة نقل صورة من الداخل إلى الخارج ، من داخل الذات العليمة إلى خارجها . و هذا الأمر ممكن عقلا .
السؤال الحادي عشر : أين الله ؟ هل الله داخل الكون أم خارجه ؟!
الجواب : الله لا يحويه مكان . فإن كان خارج الكون هو اللامكان فالله خارج الكون ، أي في اللامكان . و لفهم هذه الإجابة نسأل : أين الكون ؟!
فإما أنّ الكون داخل مكان ، و هذا يعني أنّ هناك كون ضخم و كوننا يقع داخله ! و هذا سيدفعنا للتساؤل : و أين يقع ذلك الكون الضخم ؟ فهنا نحتاج إلى كون أضخم يقع فيه الكون الضخم ! و سيستمر السؤال عن " الأين " حتى نصل إلى كون لا يقع داخل مكان .. و عليه ، ففكرة وجود شيء في اللامكان فكرة ضروريّة ، لا مهرب منها . بل حتى علماء الفلك يقولون بأن الزمان و المكان نشئا مع نشوء الكون بالانفجار العظيم ، فيما يسمّى بـ " الزمكان " . و بالتالي كانت المادّة موجودة قبل وجود الزمان و المكان ، أي وجود الشيء لايلزم وجود مكان يحويه أو زمان يأويه .
فالزمان و المكان مجرد أوصاف نسبيّة ، نصف بها الكينونات الجزئيّة النسبية . أمّا الكيانات المطلقة فلا تخضع للأوصاف النسبيّة.
السؤال الثاني عشر : ما الدليل أنّ الخالق هو الله و ليس إله آخر ؟؟ فهناك آلهة كثيرة عند الأديان ؟!
الجواب : ليست العبرة في الإسم و لكن العبرة في الصفة . فالخالق الحقيقي له صفات ذاتيّة توصّل لها العقل . و هي : الوجود ، الحياة ، الإدراك ، الإرادة ، القدرة ، العلم ، الحكمة ، المشيئة ، الأزليّة ، عدم التغيّر . و الخالق هو واجب الوجود و ليس ممكن الوجود . فمن كان متصّفا بكلّ هذه الصفات ، فهو الخالق بغضّ النظر عن الإسم الذي نناديه به . فإن وجدنا أكثر من اسم له كلّ هذه الصّفات ، فهذا معناه أنّ الاسمين يعبّران عن نفس الكيان .
و لا يخفى على أيّ عاقل ، أنّ جميع الآلهة في كلّ الأديان حينما ننظر إلى صفاتها من تلك الأديان و نقارنها بصفات واجب الوجود ، لن نجد إلها يتّصف بكلّ صفات واجب الوجود على الوجه الأكمل ، إلا إله واحد و هو " الله " .
و سنستمر في سلسلة الأسئلة و الأجوبة بإذن الله تعالى ...
Bookmarks