بسم الله والحمد لله؛
حين تحاور أحد الملحدين العرب وحين ترهقه بحججك العقلية والفطرية والمنطقية والعلمية فإنك على موعد مع هذه الردود الجاهزة والمعلبة سابقًا:
أنتم تنقلون كلام الخلقيين الإنجيليين.
هذا العالِم خلقي إنجيلي –مع بعض القهقهة والسخرية-.
هذه حجج الخلقيين الإنجيليين الأغبياء في الغرب.

العبارات السابقة سيقوم الملحد العربي بتصديرها لك حين تقدم له أية ورقة علمية أو دليل عقلي أو حجة منطقية تُسقط إلحاده.
وهذه العبارات المستهلكة والتي تحوي جملة مغالطات منطقية، يضطر الملحد لاستخدامها حيت يُعجزه البرهان، أو يتعثر في حجة علمية لا يجد لها ردًا.
وأحد المغالطات المنطقية في العبارات السابقة هي مغالطة تجاهُل المطلوب Irrelevant Conclusion فالمطلوب هو رد البرهنة العلمية أو نقد الحجة العقلية، لكن ما يفعله الملحد العربي أنه يتقافز على هذا المطلوب ويتجاهله بحجة أن هذا كلام خلقيين إنجيليين، ثم يظن أنه بذلك قد قام بتقديم ردٍ كافٍ.
أيضًا هذه العبارات تحتوي على مغالطة منطقية تسمى مغالطة تسميم البئر Poisoning The Well ومغالطة تسميم البئر تعني أن الطرف الضعيف سيقوم بشخصنة صاحب الحجة قبل حتى أن يطلع على حجته، مثال : لا تُصدِّق ما سيقوله لك الخلقيون الغربيون، إنهم أوغاد.
وما إلى ذلك من جملة المغالطات المنطقية التي تدل أن الملحد العربي مشحون مسبقًا بجملة من التصورات والإسقاطات الوهمية التي تبرر له المستحيلات العقلية التي يقبع داخلها إلحاده، ويجعل من هذه التصورات حائط صد أمام كل ما يتعرض لإلحاده بسوء.

لكن في البداية مَن هم الخلقيون الغربيون؟
الخلقيون: هم الذين يؤمنون بالخالق، وأغلب المنظرين لذلك في الغرب هم من الطائفة الإنجيلية المسيحية.
لكن ما لا يعرفه الملحد العربي، أو بمعنى أكثر اتساعًا ما يحاول أن يتجاهله الملحد العربي هو أن:
أولاً: ليس كل مَن يستهزيء بالإلحاد في الغرب هو خلقي أو إنجيلي، وليس كل من يستهزيء بالتطور مثلاً مؤمن حتى بالله، فعندما يعترف مثلاً الملحد الفكلي الشهير فريد هويل Fred Hoyle أن رصده لهذا العالم يجعل إلحاده يهتز بشدة "greatly shaken" كما يقول في كتابه تطور من الفضاء Evolution from Space وأن افتراض العشوائية هو افتراض مجنون وهراء فارغ is evidently nonsense of a high order فنحن هنا لسنا أمام تحيزات اعتقادية وإنما اعتراف رسمي بقوة الحجة الدينية !

وعندما يتحول الملحد البغيض obnoxious atheist -كما يصف نفسه- فرانسيس كولينز Francis Sellers Collins عالم الجينات الأمريكي الأشهر، ومدير مشروع الجينوم البشري Human Genome Project، والحاصل على الوسام الرئاسي للحرية Presidential Medal of Freedom، والميدالية الوطنية للعلوم National Medal of Science. حين يتحول إلى الإيمان بالله بعد أن رصد الجينوم واكتشف الخريطة الجينية المركبة المعقدة القانونية اللغوية المنتجة وكيف أن لها قانون وهدف، وهذا يُسقط فلسفة الإلحاد للأبد وهنا خر الرجل مذعنًا لله بالخلق والإبداع، وفي عام 2006 وضع كتابه " لغة الإله: عالِم يعرض أدلة الإيمان The Language of God: A Scientist Presents Evidence for Belief ".
ويقرر من خلال كتابه أن الاكتشافات العلمية الأخيرة تعطيك فرصة كي تؤمن.
Scientific discoveries were an "opportunity to worship".
فالقضية ليست تحيزات اعتقادية مطلقًا بل هي إذعان للحق الظاهر المستعلن {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} ﴿٥٣﴾ سورة فصلت

ثانيًا: أسلوب الملحد حين يحدثك عن الخلقيين الغربيين يعطيك شعورًا وكأن الملحدين هم المسيطرون على الساحة في الغرب، وأن الخلقيين هؤلاء حثالة المجتمعات الغربية لكن في واقع الأمر، فإن الملحدين هم الحثالة وهم الفئة الأكثر احتقارًا في الغرب، وقد نشرت المجلة العلمية العملاقة Scientific American بحثًا يشي عنوانه بالأمر In Atheists We Distrust " نحن لا نثق في الملحدين" وبينت المجلة أن أغلب الشعب الأمريكي لا يطيق الملحدين ولا يقبل أن يكونوا حتى معلمين لأبنائهم!
http://www.scientificamerican.com/…/...s-we-distrust/
وطبقًا للواشنطون بوست فالملحد هو أكثر شخصية مكروهة على الإطلاق في أمريكا.
http://www.washingtonpost.com/…/2011...gnwGF_story_1…
وبحسب بحث جامعة مانيسوتا فالمسلم المتطرف والشاذ جنسيًا أقرب للأمريكي من الملحد.
http://newsjunkiepost.com/…/research...t-atheists-a…/
وفي البرازيل يُعامل الملحد بنفس درجة مدمني المخدرات، ويصنف طبقًا للصحافة الرسمية البرازيلية كأحقر أقلية.
http://www.paulopes.com.br/…/ateus-e...de-drogas-sao…
وفي أيرلندا يُحرم الملحد من التدريس في المدارس الحكومية .
http://www.irishtimes.com/premium/loginpage…
فما يفعله الملحد العربي هو عار وكذب وافتراء على البشر، حين يزعم أن للملحدين قيمة في الغرب.

ثالثًا: انتماء المسيحي أو اليهودي أو المسلم أو البوذي للمؤسسات العلمية لا يبطلها ولا يبطل نتائجها، بل إن الذي يؤدي إلى تأخر العلم وتشويهه هو الإلحاد وأقرب مثال على ذلك أنه لحظة اكتشاف الدنا الخردةJunk DNA هنا سيتوقف الملحد عن البحث وسيظل الدنا خردة مدى الحياة لأن العشوائية شيء متوقع، بينما الخلقيون لن يتوقفوا حتى يعرفوا مغزى الدنا الخردة لأن الله لم يخلق شيء عبثًاً، وبالفعل انتصرت الأبحاث العلمية مؤخرًا لصالح أصحاب التصور الثاني وتبين أنه لا حياة للإنسان بدون الدنا الخردة إذ أنه المسئول مباشرةً عن توجيه عمل الجينات، حتى ظهر مؤخرًا علم جديد مستقل على وظائف junk DNA يسمى علم التحكم في الجينات Epigenetics ، وهذا دليل مباشر على أن الدين يدفع نحو العلم والبحث بينما الإلحاد يدفع نحو الجهل والتخلف والتوقف عن البحث العلمي.

رابعًا: لم يكن شيء أخطر على العلم من الملحدين، فالملحد ماو تسي تونج كان يفخر دومًا أنه قاتل العلماء، وقد قال يومًا في اجتماع لكوادر الحزب عام 1958: "لقد تفوقنا على تشين شي هوانغ Qin Shi Huang –امبراطوار صيني قديم اشتهر بدفن العلماء أحياء- في محاربته للعلماء والمثقفين، لقد دفن تشين شي هوانغ 460 عالم وهم أحياء، أما أنا فقد دفنت 46 ألف عالم وهم أحياء، إنكم أيها المثقفون تنسبوني باستمرار إلى تشين شي هوانغ، إنكم مخطئون!
لقد تفوقت على تشين شي هوانغ بمائة ضعف."
During a speech to party cadre in 1958, Mao said he had far outdone Qin Shi Huang in his policy against intellectuals: "He buried 460 scholars alive; we have buried forty-six thousand scholars alive ... You [intellectuals] revile us for being Qin Shi Huangs. You are wrong. We have surpassed Qin Shi Huang a hundredfold.

Mao Zedong sixiang wan sui! (1969), p. 195. Referenced in Governing China: From Revolution to Reform (Second Edition) by Kenneth Lieberthal. W.W. Norton & Co., 2003. p. 71.

ولم يكن ماو تسي تونج بدعًا من الملحدين في جريمته هذه، فقد كان ستالين يحارب علوم مندل الوراثية Mendelian genetics وقتل كثير من العلماء ومن أشهرهم رائد علم الوراثة الحديثة نيقولاي فافيلوف Nikolai Vavilov، وفي كمبوديا كان الملحد بول بوت Pol Pot يقتل أي شخص يرتدي نظارة خشية أن يكون مثقف!
"People who they perceived as intellectuals or even those who had stereotypical signs of learning, such as glasses, would also be killed."
http://en.wikipedia.org/wiki/Khmer_Rouge…
فالإلحاد كان وسيظل عبئًا على العلم والعلماء والمثقفين.

خامسًا: في الواقع فإن حجج الخلقيين الكلامية هي ميراث إسلامي صرف في أدلتها ومقدماتها العقلية وتأصيلاتها المنطقية وحتى في اسمها ما زالت تحتفظ بالإسم العربي إلى اليوم Kalām cosmological argument .
http://en.wikipedia.org/wi…/Kal%C4%8...gical_argument

أما حجج الخلقيين العلمية فهي ميراث عالمي لا يحق لأحد أن يحرم منه البشر بدعوى أنهم خلقيون كما يفعل الملحد العربي.
مشكلة الملحد العربي أنه يعاني من سلسلة فوبيات متنوعة وسلسلة كوارث عقلية تسقط إلحاده فلا يستطيع أن يواجه إلا بالتسفيه والتحقير لثقافات بأكملها حتى يعيش في أمان مع إلحاده الدوغمائي.
لكن الأليق منطقيًا ألا يحرمنا من العلم بحجة أن مؤسسيه خلقيون غربيون، إذا رضي هو لنفسه هذه النتيجة فلا يُعممها، وصراحةً فالملحد كذاب في دعواه هذه فهو يكرز –يبشر- بإلحاده مستخدمًا مخترعات هؤلاء الخلقيين الإنجيليين الغربيين، فأغلب المخترعين من الإنجيليين!

سادسًا: وهو الأهم! فإن نسبة العلماء الملحدين تعد نسبة حقيرة جدًا بالنسبة لمجموع العلماء ككل.
ففي كتاب 100 سنة من جوائز نوبل –من 1901 إلى 2000- يبين الكاتب Baruch A. Shalev أن نسبة الملحدين إلى جانب اللاأدريين إلى جانب غير المتدينين لا تتجاوز 10.5%
Atheists, agnostics, and free thinkers comprise 10.5% of total Nobel Prize winners.
أي أننا لو فصلنا الملحدين عن مجموعة غير المتدينين واللاأدرية فالنسبة لن تتجاوز 3% .
Source: 100 Years of Nobel Prize, Baruch A. Shalev, p.57.
وفي نفس المصدر فإن نسبة العلماء الحائزين على جائزة نوبل من الخلقيين هي 65.4%
الآن الملحد العربي يحتقر ال65.4% من العلماء لصالح 3% من العلماء، إذا لم تكن هذه قمة الدوغمائية والتطرف والتحيز في الأفكار لصالح الكهنوت الإلحادي فما هي الدوغمائية؟

وفي ورقة بحثية مستقلة:
Religious Communities, Science, Scientists, and Perceptions: A Comprehensive Survey
قُدمت في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم AAAS في 16 فبراير 2014 -وجدير بالذكر أن الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم AAAS هي أهم منظمة علمية في العالم ويتبعها مباشرةً 275 مؤسسة علمية ويعمل بها قرابة مليون باحث- في هذه الورقة البحثية التي أشرفت عليها جامعات عدة مثل Rice university و Saint john`s university خرجت هذه الورقة البحثية بأن ما نسبته 4% تقريبًا من العلماء ملحدين لا أكثر. ص15.
وفي دراسة أخرى أجرتها جامعة شيكاغو نجد أن أغلب الأطباء يؤمنون بالله واليوم الآخر!
المصدر : Doctors Say They're Spiritual
http://www.cbsnews.com/news/doctors-...eyre-spiritual
إذن تعاطي الملحد العربي مع الملف العلمي هو تعاطي أُحادي متحيز يسقط كل العلوم ولا يقبل إلا الشريط الخانق الذي يقرره كهنته، هذا هو الإلحاد وهذه هي نتيجته المنطقية!

سابعًا: في مكتبة الكونجرس المكتبة الأعظم في العالم، وبالصالة الرئيسية مرسوم على سقفها 7 دوائر تشير إلى مصادر تقدم الحضارة الغربية، والإسلام هو الديانة الوحيدة المذكورة في الدوائر السبع وهو يختص بالعلوم الطبيعية ISLAM: PHYSICS بينما تختص بقية الدوائر بأسماء بلدان وبتقدم أدبي أو فني أو لغوي!
GREECE: PHILOSOPHY
ROME: ADMINISTRATION
ISLAM: PHYSICS
THE MIDDLE AGES: MODERN LANGUAGES
ITALY: THE FINE ARTS
GERMANY: THE ART OF PAINTING
SPAIN: DISCOVERY
ENGLAND: LITERATURE
http://www.loc.gov/loc/walls/jeff1.html#mrr
ففي الأصل: الإسلام هو العلم!
بل إن واجهة كتاب Selenographia للفلكى Johannes Hevelius الذى ألفه عام 1647 قرر أن يضع على غلافه صورة الحسن بن الهيثم والصورة تعد رمزاً لنهضة العلم التجريبى الحديث فى العصور الوسطى واستخدام الطريقة العلمية التجريبية Scientific Method بشقيها العقلى الرياضياتى ratione الذى يمثله بن الهيثم (Alhasen) وهو ممسك برسم هندسى، والحسي الذى يمثله جاليليو جاليلى وهو ممسك بتليسكوب.

فإياك ثم إياك ثم إياك أيها الملحد العربي أن تتهجهم على كل البشر حتى تُبقي على إلحادك الدوغمائي لأنك بذلك تسقط من نظر كل البشر!