ثالثا وهو الأهم سأفترض جدلا صحّة مقولتهم بأن المسلم يرث إسلامه من أبويه أو من صحبة الصالحين .. فهذا الإفتراض يُجبرنا أن نفترض أيضا أن صحبة الأنبياء والرسل والملائكة ستزيد من فرص الإيمان باعتبيار أن صحبة الملائكة والرسل هي أشرف وأرفع قدرا من صحبة المسلمين العاديين .. هذا هو المنطق ومن تبنى الجزء الاول هو مجبر على تبني الجزء الثاني
نبدأ بإبليس ( أعاذنا الله منه )..فإبليس قبل أن يعصي ويتكبر كان عابدا لله لفترة طويلة من الزمن بين ملائكة الرحمن..فقد صاحب إبليس جمعا خيرا من جمعنا وعبد الله أكثر مما عبدناه ولكنه لم يصدق مع الله مثلما صدقناه فكانت عاقبته الكفر والجحود ولم يشفع له جمعه المبارك الذي وُجد فيه ولا طول فترة عبادته فالدين بالإعتقاد والأعمال وليس بالعواطف والأنساب..فكان ابليس بذلك أول المطرودين من رحمة الله وأول المبشرين بالنار نتيجة كبره وجحوده ولنا في ذلك عبرة وهي أن الإسلام ليس بمن سبق ولكن بمن صدق…
من بين المبشرين بالنار نجد بن آدم عليه السلام وهو اول من سن القتل في البشرية..فلم يشفع له نسبه فيما اقترفت يداه فقد كان من عظيم اثمه أنه ما تحدث حادثة قتل قط إلا كان عليه منها وزر..لحديث بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله لا تُقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل )
بن نوح عليه السلام وآزر والد خليل الرحمن ابراهيم عليه الصلاة والسلام :
تغيرت المحنة هنا من الإبن العاصي لرب العزة والعاق للأب المرشد إلى ابراهيم عليه السلام الإبن الصالح البار المرشد للتوحيد مقابل الأب المشرك المنكر لنعم الله تعالى عليه وهذا مصداقا لقوله تعالى فيما بين نوح عليه السلام وابنه الكافر وابراهيم عليه السلام وأبيه المشرك الجاحد..(إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
فتوعدهما الله بالعذاب بما كسبت أيديهم ولم تغنِ عنهما قرابتهما للأنبياء من الله شيئا فقال الله في ابراهيم عليه السلام وأبيه (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )
وقال عز وجل في نوح عليه السلام وابنه (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ( 45 ) قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين 46 ))
إن المتمعن في آيات الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا ليلتمس مدى هوانها عليه عز وجل فإن البشر أكثرهم معاندون للحق ولو كان واضحا أبلجا ولو كان من أصدق الناس إليهم وأقربهم إليهم نسبا وهذا ما لمسلناه فيما ذكرناه وأيضا في قصة زوجتي لوط ونوح عليهما السلام فرغم كونهما زوجتا نبيين من أنبياء الله إلا انهما استحبتا الكفر على الإيمان وخانتاهما في الدعوة إلى الله فلم يغنيا عنهما من الله شيئا فبشرهما بعذاب أليم … قال تعالى ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين )
وفي المقابل ضرب الله لنا مثلا لنعرف بأن الدين بالأعمال والإعتقاد وليس بالقرابة والأنساب فكانت امرأة فرعون عدو الله ممن استحبت الإيمان على الكفر وصدقت مع الله فصدقها.. قال تعالى (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين )
قال قتادة : (كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده ، فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حكم عدل ، لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه . )
تجنبا للإطالة نختم بما أخبر به النبي عن حقيقة عناد وشرك عمه بأنه من أهل النار فعن بن عباس رضي الله عنهما قال : إن رسول الله قال : ( أهون اهل النار عذابا أبو طالب, وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه )
ومن المعلوم أن أبو طالب كان سندا للنبي في الدعوة فما إن مات حتى زادت قريش في إيذاءها للرسول.. ومع ذلك لم يغني عنه من الله شيئا فدخل أبو طالب في حاشية المعذبين لعنادهم وتكبرهم واستمرارهم الشرك بالله تعالى كما لم تغن صحبة المنافقين للنبي والصالحين فبشرهم الله بأشد العذاب خالدين ولم تُغن عنهم صحبتهم من الله شيئا فكل نفس بما كسبت رهينة وبهذا يتضح لنا بأن الدين بالإيمان والأعمال وليس بالعواطف والانساب… وما يؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
إذا فالإسلام عندنا ليس بالوراثة وإنما بالصدق والإيمان إذ لو كان الأمر كما يقولون لانتفع بذلك أقرب الأقربين للأنبياء والصالحين..
Bookmarks