متى يدخـل المدعـو في الإسـلام ؟

يجب أن يعلم الكافر شيئا ما بِالضَّرورة عن الإسلام حتى يؤمن به ويتبعه فيكون مسلما، وإلا بماذا يُسلِم إذن؟! فإن الذين كانوا يأتون النبي –صلى الله عليه وسلم– يريدون اتباعه، لم يكونوا مسلمين حينها، ولذلك سألوه أن يعرِض عليهم الإسلام، لعِلمِهم بأنهم لن يُسلِمُوا بالإقرار المجمل دون معرفة حق الله، وهو عبادته وحده، ولم يكن النبي –صلى الله عليه وسلم– ليقرهم على الإسلام حتى يعرفوا ذلك، عندها يثبت لهم عقد الإسلام حتى وإن جهلوا كيفية عبادة الله، فيؤمنون بكل ما سيأمرهم به جملة وعلى الغيب.
وليس هناك مثال واحد على وجود مسلم جهِلَ وجوب عبادة الله وحده للدخول في الإسلام، فإن قيل أن واقع الدعوة في عهد النبوة لم يسمح بوجود مسلم جاهل للتوحيد، قيل: فما الدليل على صحة إسلام من جهل التوحيد؟

يقول عبد الرحمن المحمود في شريط "وجوب تحقيق التوحيد وأثره": (هل كان الرسول –صلى الله عليه وسلم– إذا جاءه رجل وأسلم قال: علموه التوحيد والبعد عن الشرك، ثم إذا جاء بعد شهرين أو ثلاثة إيتوا به نعلمه الصلاة؟ وإنما كان –صلى الله عليه وسلم– إذا شهد شهادة الحق علمه الوضوء والصلاة، لأن الوضوء والصلاة توحيد، فالإنفكاك بين هذه الأمور خطأ).

هذه أقوال العلماء المنادين بالتوحيد، وهم لا يرفعون به رأسا، وفاقد الشيء لا يعطيه، كأنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم– كان يدعُو الناس لقول تلك الكلمة دون أن يبين معناها، فكان الناس يقتنعون بقولها وبنبوته، ويقرون بما سيأمرهم به في المستقبل، وهم يعبدون الأوثان جهلا! وهذا لا يقول به من عرف دين الإسلام، وعرف سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته.
إن هؤلاء العلماء الذين أفنوا حياتهم في طلب العلم، ولهم باع طويل في معرفة السنة وشرائع الدين، والإطلاع على عقائد الفرق الضالة التقليدية، والرد عليها في مسائل الأسماء والصفات والقدر وما إلى ذلك، كفار قريش أعلم منهم بمعنى الإسلام و ضوابطه وما يدخل فيه وما ينفيه.
هذا لأنهم يريدون أن يربطوا الإسلام بالواقع التاريخي، ويفهمونه في إطاره، ولا يستنبطونه من الكتاب والسنة مجردا من الواقع، كما أفهمه النبي –صلى الله عليه وسلم– أصحابه، ولذلك لا تعجب إن خفيت عليهم هذه الأمور الظاهرة، وهناك من عرف التوحيد قبل أن يبلغ الحلم، وقبل أن يعرف عمر بن الخطاب.
مشكلة هؤلاء أنهم اشتغلوا بالشريعة قبل أن يعرفوا أصل الدين، ولو جالستهم واستفتيتهم في مسائل الشريعة التفصيلية لملأوا جِرابك علما، فيغرقون في بحور العلم المتشعبة، ولا يبقى لهم وقت لمعرفة التوحيد، ظانين بأنهم قد حققوه.
يقول لك من لم يفقه هذا الأمر: أنت تدعو إلى التوحيد، وأنا أدعو إلى السنة، وكلنا يسُدُّ ثغرا من ثغور الإسلام، ولا يعلم المسكين أن الدعوة إلى السنة باطلة ما دام التوحيد غير متحقق، فهو مغيب عنهم ومُضيَّع بينهم.
إن هؤلاء لا يدخلون في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم–: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [رواه البخاري ومسلم].
أيعقل أن ندعوا المشركين الجاهلين إلى ترتيل القرآن وأحكام التجويد وأحكام اللباس والأكل؟ ومتى غفل الدعاة عن التوحيد واهتموا بالحديث حتى صاروا من حفاظه فكيف يكونون مسلمين؟!
إنه لا يعقل أن يجلس مسلم بين القبوريين يدعوهم إلى الصلاة ويفتيهم في مسائل الزواج والطلاق، فالعلماء الذين برزوا في علوم الشريعة في العصور المتأخرة إنما كانوا مشركين اعتقادا أو رضىً أو لاعتبارهم عباد القبور مسلمين بدعوتهم إياهم للعمل بالأحكام الشرعية، وإنا نبرأ إلى الله من دينِ من يعتبر القبوريين والعلمانيين إخوانًا له في الإسلام.
والسؤال المطروح بدِقَّة هو: متى ننتقل إلى الصلاة؟
عن طارق بن أشيم الأشجعي قال: ( كان الرجل إذا أسلم علمه النبي –صلى الله عليه وسلم– الصلاة) [رواه مسلم]، لكن الإسلام عند القوم اليوم هو القول، والإقرار على الغيب بالتوحيد دون معرفة ولا عمل به.
إنهم يعتقدون أن في الصحابة من كانوا يقولون: لا إله إلا الله، وهم يجهلون معناها، فلا يعرفون التوحيد من الشرك، وإنما يتعلمونه من بعد تدريجيا في حلقات الدرس كما يتعلمون الوضوء والصلاة.
وقوله بأن الوضوء والصلاة توحيد لا معنى له، وأقل ما يقال عنه أنه يخالف ما جاء في هذا الحديث وحديث معاذ السابق، لما أمره رسول الله –صلى الله عليه وسلم– أن يعلمهم الصلاة بعد أن يجيبوه إلى التوحيد، فما داموا لا يدينون به أو لا يعرفونه، فليس لله حاجة في صلاتهم وصيامهم، وهو لا يقبل دينا بهذا الشكل.
لقد ذهب موسى –عليه الصلاة والسلام– لميعاد ربه وعاد إلى قومه بالشرائع، لكنه وجدهم ارتدوا إلى عبادة العجل تأويلا، فما كان عليه أن يطلب منهم العمل بها، بل أمرهم بالتوبة من الكفر أوّلا، وإن كانوا يؤمنون بنبوته وكتابه.
فالناس من حيث الجهل بالدين سواءٌ مع الأمم الأخرى، إلا أن أقواما ذهبوا يحرضونهم على الجهاد في سبيل الله والصلاة، وينذرونهم النار ويرغبونهم في الجنة، متجاوزين التوحيد، وفي القرآن تخويف من النار، وتبشير بالجنة، ودعوة للتفكر في خلق الله، لقوم عرفوا ما يدعوهم إليه من التوحيد، سواء آمنوا أو لم يؤمنوا، لا قبل معرفة التوحيد.
إن همّ هؤلاء هو إعمار المساجد بالمصلين، وإن كان بعضهم يؤمن بأن الحكم للشعب من دون الله والآخر يستغيث بالقبور، وحق الله في التوحيد أعظم من فرحهم بكثرة المصلين والمتحجبات.
إن الله لم يبعث الرسل وينزل الكتب من أجل عبادته فحسب، فعبادته كانت أمرا واقعا موجودا في البشرية، على اختلاف معبوداتها، ولا بعثهم من أجل بيان كيفية العبادة فحسب، ولكن أراد من الناس إفراده بالعبادة دون غيره أولا، فمن أشرك بعبادة غيره معه لا يسمى مؤمنا بالله، وإن آمن بأن الله ربه وخالقه، وعبَدَهُ فيمن يعبد.
وقد أمر الله –تعالى– نبيه أن يخاطب الكفار بقوله: وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون: 3]، رغم أنهم يعبدونه أيضا، وحتى وإن عبدوه وفق الكتاب والسنة فعبادتهم باطلة.
ولذلك قال ابن عباس: (أي موضع في القرآن: اعبدوا الله، فمعناه: وحدوا الله)، يقول هذا في زمان لم يعبد الناس فيه القبور ولم يتحاكموا إلى الطاغوت، فكيف يسكت الذين جاؤوا من بعدهم عن هذا، وينكَبُّون على فقه الوضوء والصلاة؟!
ولهذا أثبت العلماء أن الإسلام شرط للوضوء والصلاة وغيرها، وإن كان شأن الإسلام أعظم من أن يكون مجرد شرط لصحة الصلاة من جملة الشروط، لأن بعضها قد يتعذر وتصح الصلاة، أما الإسلام إن تعذر وجوده فالصلاة باطلة، فهو الأصل الذي يتبعه الفرع.
ليعلم هذا أولئك الذين جعلوا الإيمان بالله هو الإيمان بوجوده، أو الذين يدعون الناس إلى السنة قبل التوحيد، أي قبل إسلامهم.