المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمر النفيس
أنا أميل جدا إلى فكرة أنّ السماء في القرآن وردت في أكثر من معنى ؛ فهذا التمييز يساعد على فهم أكبر عدد ممكن من الآيات القرآنيّة ...
و هذا الطرح القرآني نجده في العديد من القضايا ، مثل قضيّة الهداية ، و قضيّة الجنّة و غيرها من القضايا ! ففي قضيّة الجنّة مثلا ، نجد في سورة الرحمن قوله تعالى : " و لمن خاف مقام ربّه جنّتان " ، وقوله أيضا : " و من دونهما جنّتان " . فهنا نستنتج أنّ هناك 4 جنّات ! و الجنّة عموما موصوفة في القرآن بقوله تعالى :" و سابقوا إلى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها السماوات و الأرض أعدّت للمتّقين " . فهنا أمامنا خيارين أساسيّين : الخيار الأوّل : أنّ هناك أربع جنّات منفصلة ، كلّ جنّة منها عرضها السماوات و الأرض ! الخيار الثّاني : هناك جنّة واحدة كبيرة عرضها السماوات و الأرض ، بداخلها أربع جنّات لكلّ مؤمن. و بالتالي تكون الجنّات الأربع جزء من الجنّة الواحدة الكبيرة ، و ليس أنّ الآيات القرآنيّة تصف أحد تلك الجنّات الأربعة منفصلة و مستقلّة عن الأخرى ....
هذه الطريقة في الفهم ، يمكن استخدامها لفهم السماء و السماوات السبع ، باعتبار السماوات السبع جزء من السماء . فتكون السّماء بالمفرد لها المعنى العام ، و السماوات السبع بالعدد لها معنى خاص ...
و أعتقد أنّ هذه التوطئة هي الأرضيّة الصحيحة لبحث هذه المسألة ، للوصول إلى الفهم الصحيح الدقيق لمراد الله في آياته القرآنيّة ...
و يمكن تلخيص مفاتيح الحلّ في ثلاث نقاط أساسيّة :
النقطة الأولى : السّماء إذا جاءت بالمفرد عموما فتعني العلوّ . ففي قوله تعالى : " و أنزل من السّماء ماء " البقرة 22 ، لا يمكن فهمها على أنّها الفضاء الكوني الذي يحوي المجرّات و النجوم ! فالمطر لا يأتي من الفضاء الخارجي بل من الغلاف الجوّي للأرض ! فصار لزاما فهم السماء من خلال سياق الآية ذاتها .. من هنا نخرج بالفائدة الأولى و هي : أنّ القرآن الكريم يستخدم لفظة " السّماء " بالمفرد للتعبير عن العلوّ في العموم ، فكلّ ماهو في العلوّ فهو في السّماء . و بالتالي و حيث أنّ المطر يأتينا من العلوّ فهو يأتينا من السّماء . و حيث أنّ الله في العلوّ عن خلقه ، فهو في السّماء ، كما قال تعالى : " أأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور " الملك :16 . ولا يصحّ أن نقول بأنّ الله في السماوات ، فالله في السّماء وليس في السّماوات !
النقطة الثانية : السّماوات إذا جاءت بالجمع ، فقد تذكر بالعدد أو بدون عدد . و قد تأتي السموات مقرونة بالأرض أو بغير الأرض. و أعتقد أنّ مفتاح حلّ هذه النقطة هي الآية القرآنيّة القائلة : " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "، البقرة:22. فقبل أن تكون هناك سبع سماوات كانت هناك " السّماء " . و السّماء هنا ليس بمعناه العام بمعنى العلو ، بل له معنى خاص ، فهو كيان حقيقي موجود مكوّن من دخان . كما بيّنت الآية الأخرى : " ثم استوى إلى السّماء و هي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " . فصّلت:11. و عليه ، فالسّماء الدخانيّة التي منها خلقت السماوات السبع يمكن اعتبارها تمثّل الفضاء الكوني الذي يسع كلّ الأجرام السماويّة . و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : هل السماوات السبع التي خلقت من السماء الدخانيّة أصغر من أمّها فتكون داخلها ، أم أكبر من أمّها فتكون خارجها ؟! جواب هذا السؤال فهو مفصل مهم في القضيّة . فالأحاديث تقول بأنّ السماء الثانية أكبر من الأولى ، بل السماء الأولى بالنسبة للثانية كحلقة في فلاة ! و هذا يلزم أن تكون السماوات الست خارج عالمنا المشاهد ! و إن لم تكن تلك الأحاديث صحيحة ، فهنا يجعل من احتمال أن تكون السماوات السبع بداخل عالمنا المشاهد احتمالا واردا جدا . و حينها تكون تفسيرات الغلاف الجوّي قويّة جدا و معتبرة .
النقطة الثالثة : السّماء بالمفرد و لكن بمعنى خاص ! فقد تأتي السّماء بالمفرد و لكن ليس بمعنى العلوّ فقط ، بل بمعنى أخصّ من ذلك . حيث تتحدثّ الآيات عن السّماء باعتباره كيانا موجودا . مثل قوله تعالى : " و جعلنا السّماء سقفا محفوظا و هم عن آياتها معرضون " ، الأنبياء:32 . وقوله تعالى : " يوم نطوي السّماء كطيّ السجلّ للكتب كما بدأنا أوّل خلق نعيده " الأنبياء : 104 . و الراجح هنا أنّ السّماء المقصودة هي السّماء الدخانيّة الأوليّة التي منها خلقت السماوات السبع ، و التي تمثّل السقف الخارجي للعالم المنظور . و بالتالي لا يكونّ طيّ السماء هو طيّ لباقي السّماوات إلّا إذا كانت باقي السماوات تقع داخل السّماء المطويّة لا خارجها !
و بالتالي ،، نقطة البحث الجوهريّة التي تحتاج إلى إعادة قراءة و استقراء و تدبّر هي الفصل بين السّماء التي وصفها القرآن بأنّها سقف محفوظ و بأنّها ستطوى و بأنّها بناء و بأنّها من دخان ، و بين السّماوات السبع التي خلقت منها . و بعد الفصل يجب تحديد هل السماوات السبع داخل السماء السقفيّة أم خارجها !!؟؟!!
و بعد تحديد إجابات واضحة لهذا السؤال ، يمكن بسهولة بعد ذلك الجمع و التمييز بين المحاولات المختلفة لتفسير الآيات القرآنيّة التي تتحدّث عن السّماء و عن السّموات السبع ...
Bookmarks