هل من حق جلودنا وأعضائنا الشهادة علينا
(هدية لمنكري الغيب، ولمنكري الاعجاز العلمي)

في حدث فريد من نوعه حكى القرآن عن نوع غريب من الشهادة ألا وهو شهادة أعضاء أجسادنا على أفعالنا التي اكتسبناها في الدنيا وذلك يوم القيامة، حيث يختم الله على الأفواه ويأمر أعضاء الجسد كالجلد والأيدي والأرجل بأن تنطق بما كنا نكسب، قال تعالى:

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) يس 65

(حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فصلت 20، 21

بالطبع انطاق الأعضاء لتتكلم وتشهد أمر معجز لا يقدر عليه الا الله، وهو غيب لم نشهده في الدنيا، وطالما أخبر الله عنه فهو حادث لا محالة، ولذا لا غرابة فيه ولا شك في امكانية حدوثه طالما أن الله هو الفاعل.
فالله قادر على تعليم كل شيء وانطاق كل شيء حتى الجماد نطق باذن الله وبفهم من الله معلم كل شيء، قال تعالى
(ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) سورة فصلت 11

فنطقت سماوات الله وأرضه بفهم عجيب وحب أعجب لخالقها حيث فضلت أن تأتي له طواعية وليس كراهية.

لذا لم أكتب هذه الخاطرة لأستغرب من أن تنطق أعضاء الجسد، ولا كيف تنطق فلا حد لقدرة الله الذي خلقنا أول مرة فأعطى اللسان القدرة على الكلام ولو شاء لأعطى القدرة لكل عضو فينا بالكيفية التي يريدها سبحانه وتعالى فيتكلم كما تكلم اللسان.
ولكن المستغرب فعلا هو أن كلمة الشهادة لها مفهوم عقلي لا يمكن تجاوزه وهو أن هذه الأعضاء شهدت أفعالنا على وجه اليقين وسجلتها في ذاكرتها، أي أن لها وعي وادراك خاص بها ومنفصل والله أعلم عن الوعي والادراك العقلي، ويوم يدعوها الله للشهادة ستشهد بالحق الذي علمته.
ولا يمكن القول بأن الله سينطقها بشهادة أحدثها لها يوم القيامة على سبيل أنه أمر معجز لم يسبق للأعضاء أن عاينته والا لكانت شهادة الأعضاء على صاحبها باطلة لأنها بتلقين من ملقن حتى وان كان الخالق ولعلنا نخشى أن شهادتها ترضي خالقها ولا توافق الحقيقة (هذا من وجهة نظر صاحب الأعضاء)، وطبعا هذا محال لأن الله ما أنطقها الا لتشهد بعلم حقيقي عاينته هذه الأعضاء، فالله لا يظلم أحدا من خلقه وهو القائل سبحانه وتعالى
(ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) آل عمران 182

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت 46

اذا ليس لنا الا أن نفهم شهادة الأعضاء الا بالكيفية التي نفهم بها شهادة اللسان، حيث ترى الحواس ويسجل العقل ويخزن ما يرى في ذاكرته ثم يتم استرجاع المشاهد من الذاكرة ليحكيها اللسان.

ماذا يعني هذا الكلام؟؟؟

نحن أمان احتملان لفهم شهادة الأعضاء

1. ربما أخذت هذه الأعضاء فقط وظيفة اللسان فتكلمت نيابة عنه بما هو مخزون في ذاكرة الانسان من مشاهد جمعتها الحواس.
ولكن الله ختم على اللسان لأن العقل تحكم فيه ونطق بالكذب على الله، فأسكته الله حتى لا يشهد بالكذب وأناب الله باقي الأعضاء لتشهد، فلو أخذت فقط وظيفة اللسان فربما أجبرها العقل على الكذب كما يجبر اللسان. وبالتالي تكون شهادة الأعضاء لا قيمة لها.

2. وربما لهذه الأعضاء وعي وادراك لمشاهدة الأحداث كالحواس وجمع الذكريات في ذاكرة خاصة مشابهة لذاكرة المخ وليس للمخ سيطرة عليها، بحيث اذا دعاها الله للشهادة تكلمت بالمخزون فيها من ذكريات تفضح صاحبها وتكشف كذبه.

وهذا الاحتمال الأخير هو ما يترجح عندي وهو الأصح من وجهة نظري لأن شهادة الأعضاء بهذه الكيفية لا ظلم فيها ولا تحكم للعقل بها، وهي تشبه شهادة البشر على البشر والتي هي عندنا مصدقة وخصوصا اذا تكررت نفس الشهادة من أكثر من واحد، وبالفعل الله استنطق أكثر من عضو للشهادة منها السمع والبصر والجلد واليد والرجل، أي خمسة أعضاء كلها تشهد بنفس الشهادة فتلقي بصاحبها الى الهلاك عن بينة أكيدة لا يستطيع صاحب الأعضاء تكذيبها أو رد شهادتها.

طبعا هذا الترجيح ينقصه دليلان، الشرعي والعلمي:

1. الدليل الشرعي
في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال هل تدرون مم أضحك قال قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فأني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل.

في هذا الحديث ظن هذا العبد الهالك أنه سينجو من حساب ربه بذكائه وحسن حيلته فرفض حكم ربه وعدله وما سطر له في كتابه واعتبر كل ذلك ظلما له فقال (ألم تجرني اليوم من الظلم) (فاني لا أجيز على نفسي الا شاهدا مني)، ظنا منه أنه متحكم في عقله ولسانه ولن ينطق الا بما يخدم مصلحته، فختم الله على فيه وأتاه من حيث لم يحتسب فأنطق أركانه لتشهد عليه بأعماله كما فعلها يقينا فلا يجد مفر من الاعتراف بجرمه بعد أن يخلى بينه وبين الكلام (بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل).
الشاهد من الحديث أن الله سوى بين شهادة الملائكة وأعضاء الانسان بما يجعلها وكأنها شهادة مستقلة عن عقل الانسان وحواسه وذاكرتها وكأنها انسان غريب حضر افعالنا فوعاها وسجلها وشهد بما علم شهادة حق، بما يدل على أن هذه الأعضاء لها حاسة ووعي وادراك تمكنها من متابعة أفعال الانسان، وذاكرة تسجل هذه الأفعال ليوم الشهادة، ولم يبقى الا أن ينطقها الله فتشهد على صاحبها بكل أفعاله فلا يجد مفر من الاعتراف بجرمه.

ولكن هل العلم يقر بأن لأعضاء الانسان وعي وذاكرة منفصلة عن ذاكرة العقل؟؟؟؟

2. الدليل العلمي
حديثا بدأ العلم يتكلم عن أنواع مختلفة من الذاكرة لخلايا وجسد الانسان لها استقلالية عن ذاكرة العقل، وبدأ يناقش بعض الآليات التي من خلالها يمكن تسجيل الأحداث التي تمر بالانسان، فمن متكلم عن الوراثة الفوق جينية Epigenetics ومن متكلم عن هولوجرام خلوي له ذاكرة.

وطبعا ليس ببعيد عنا أن هناك محاولات كبيرة لصناعة كمبيوتر حيوي يعتمد على الحمض النووي والبروتينات ليقوم بالعمليات الحسابية وتخزين المعلومات ومعالجتها.

وحديثا ظهر اكتشاف أكثر من غريب حيث
اكتشفت شركة الاتصالات اليابانية "إن تي تي دوكومو" أن جسم الإنسان يصلح لأن يكون موصلا ممتازًا للبيانات الرقمية، وذلك بفضل تقنية اتصال جديدة أطلقت عليها اسم "ريد تاكتون Red Tacton"، مما يعني أنه يمكن نقل بيانات مثل الموسيقى والفيديو الرقمي عبر كابلات من اللحم والدم قد تكون ذراعيك أو قدميك أو ساقك!!! وقد بدأت شركة إن تي تي" وفريق الباحثين والعلماء في معاملها يرسمون ملامح مستقبل جديد يصبح فيه الجسم البشري موصلا دائما للمعلومات، وتحل فيه شبكات المعلومات البشرية Human Area Networking محل الشبكات اللاسلكية بمختلف تقنياتها – سواء كانت واي فاي أو واي ماكس أو بلوتوث.

فهل سيكون هذا الكشف يوما ما بداية لأبحاث تستخدم الخلايا والأعضاء كمخزن للمعلومات كما هو الحال مع القرص الصلب للكمبيوتر أو كالكمبيوتر الحيوي القائم على الحمض النووى، الله تعالى أعلى وأعلم.

طبعا حتى الآن لم نرى بعد كلام علمي يقيني عن شهادة الأعضاء ولكن يكفينا الآن أن نعرف أن العلم قد فتح الباب أمام فكرة ذاكرة الخلايا أو ذاكرة الجسد المستقلة عن العقل لكي نؤمن بامكانية تحقق ذلك في غيب يوم القيامة، ولو كتب الله لنا مزيدا من العمر فلربما كان لنا نصيب في أن نشاهد العلماء وهم يسجلون المعلومات ثم يسترجعونها من الخلايا والأعضاء وربما وصلوا لتقنية تمكنهم من جعل الأعضاء تشهد على أصحابها في قضايا الدنيا قبل قضايا الآخرة، والله تعالى أعلى وأعلم.

للمزيد يمكن البحث تحت عنوان

1. Cellular memory
مثل

http://www.cellularmemory.org/abo…/a...larmemory.html

أو
2. Body memory
مثل

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Body_memory

3. Biocomputers
مثل
https://en.m.wikipedia.org/wiki/Biocomputer

4. Red tactons
مثل
https://en.m.wikipedia.org/wiki/RedTacton

أو ريد تاكتون
مثل

http://hasub.3arabiyate.net/t11-topic
---------------------
د. محمود عبدالله نجا
https://www.facebook.com/mahmoud.nag...49124631801060