بسم الله الرحمن الرحيم
أعتذر للقراء الكرام عن عدم تمكني من مواصلة الرد منذ أيام و ذلك لانشغالي بمرض و وفاة قريب لنا (والد زوجتي رحمه الله) و بواجبات العزاء (ونسألكم الدعاء له جزاكم الله خيرا).
قبل استئناف الرد ، أقول : أنهيت مشاركتي السابقة بهذه الآية الكريمة من سورة ق :
أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6)
وقلت معناها ظاهر في أن السماء الدنيا و التي فوقنا هي السماء المختصة بالزينة و هي نفسها السماء المبنية و نفسها السماء التي يوسعها الله أي سماء النجوم و الأفلاك.
و هذه آية أخرى من كتاب الله من سورة الحجر فيها أيضا دلالة واضحة و قطعية على أن السماء التي سماها الله تعالى بالسماء الدنيا هي سماء النجوم و الأفلاك لا ما دونها و لا ما فوقها :
قال الله تعالى : وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17)
فلا يقال بعد هذه الآية إن النجوم في السموات و أنها تزين السماء الدنيا فحسب و ليست فيها فقد قال الله تعالى صراحة : أنه جعل في السماء بروجا و هي النجوم و الكواكب و زينها بها، فلا يقال تفلّتاً إنه يعني السماء مطلقاً لا السماء الدنيا !!
ففي هذه الآية أيضا يظهر التخصيص جليّاً، قال الطبري رحمه الله :
يقول تعالى ذكره: ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينـزلها الشمس والقمر ( وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) يقول: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها.
إلى أن قال في تفسير الآية التالية :
وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17)
يقول تعالى ذكره: وحفظنا السماء الدنيا من كلّ شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه .
و قال البغوي رحمه الله في تفسيره :
قوله عز وجل ( ولقد جعلنا في السماء بروجا ) والبروج : هي النجوم الكبار ، مأخوذة من الظهور ، يقال : تبرجت المرأة أي : ظهرت .
وأراد بها : المنازل التي تنزلها الشمس ، والقمر ، والكواكب السيارة ، وهي اثنا عشر برجا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت .
وقال عطية : هي قصور في السماء عليها الحرس .
( وزيناها ) أي : السماء بالشمس والقمر والنجوم ( للناظرين ) .
ثم إن في ذكر خصوصية الحفظ هي الأخرى دلالة قاطعة على أن المتحدَّثَ عنه في هذه الآية و مثلها هو السماء ذات النجوم و ليس سماء فوقها لها منعتها دون هذه النجوم فهي محروسة بشدة و هي طبقات مفصولة تماما و لها أبواب فلا يقال إن الأمر مختلط أو أنها كما قال البعض شفافة .. فهل مع اعتبار احتوائها للنجوم و أنها شفافة تمر أضواء النجوم من خلالها هل يجوز اعتبارها بلا حدود تحدها و فواصل تفصلها عما فوقها و تحتها في معنى الطبقات فيقال إن النجوم تدور في أفلاك توازيها و تتخطاها و أن بها ممرات و منطلقات للشهب الحارقة التي يُقذف بها ؟
استئناف الرد :
يقول الأخ -هداه الله- إجابة على الإشكال الموجه إليه هنا و هو حقيقة عدة إشكالات لكن اختزلها صاحبنا و لم يرد عليها جميعا :
ما يعني أنك تزعم بأن الكون ينتهي مباشرة عند سابع سماء حيث العرش ، و النص صريح في أن العرش سقف الجنة و الجنة ليست داخل هذا الكون من سموات و أرض بل عرضها كعرض السموات و الأرض مسافة و مساحة و اتساعا، فأين إذن تنتهي السموات السبع المتداخلة مع الكون كما تقول و بهذا الاعتبار خاصة مع العلم بأن الكون يزداد اتساعا بسرعة خيالية كل ثانية ؟ و فهل الكون يتخطى و يخترق بقوانينه الفيزيائية عوالم السموات محكمة البناء و التي قضى الله في كل واحدة منها أمرها و جعل لها أبوابا موصدة أم هي خليط كما تقول و فوضى ...
و أكّدت على نفس الإشكال لاحقا بقولي :
و أنت لم تجب، فأجب هل سيتوسع الكون على حساب العالم العلوي أم تعتقد بأن العالم العلوي شبه وهمي أو هلامي حتى يتداخل الأجرام السماوية و الجنة العالية في بعضهما ؟؟
و أنت لم تجبنا سابقا عن سؤال إن كانت الطائرات الحافلة بالعهر و التبرج أو مركبات الملاحدة و اللادينيين تمر في السماء من فوق أبينا آدم عليه السلام طالما تعتبر السماء الدنيا قريبا منا متمثلة في الغلاف الجوي و بحجة أن ذلك عالم غيبي ؟؟
أجاب الأخ أن للسموات جانبا مشهودا هو الكواكب السيارة و النجوم و أفلاكها و جانب غيبي لعله الفواصل بين السموات و ما احتوته من أمور و خلائق غير مرئية و قد رددنا على هذا القول في آخر مشاركة و بيّنّا بطلانه، و قد أردفه بالقول :
فلا يصح ابدا ان تسئل إذا كانت السماء السابعة هى الفضاء الكونى والفضاء الكونى يتسع ويتسارع فلابد ان تتسع الجنة لان الجنة فى السماء السابعة،هذا كلام لا يستقيم ابدا وقد رددت عليك فيه فى موضوع قديم وقلت لك ساعتها ان هذا الكلام عليك وليس لك، لأن حديث المعراج وحديث صعود الروح وحديث نزول الملائكة اثبتوا جميعا وجود جنات فى السماء الدنيا كالمكان الذى قابل فيه النبى عليه الصلاة والسلام ادم عليه السلام فالأن اسئلك:ادم يعيش فى السماء الدنيا بروحه فهل المكان الذى فيه يتسع قياسا على زعمك ان الكون هو السماء الدنيا؟
أولاً : لا أدري ما أصل هذا القول عن وجود جنات في السماء الدنيا و علاقة ذلك بمقام آدم عليه السلام في السماء الأولى !!:
لأن حديث المعراج وحديث صعود الروح وحديث نزول الملائكة اثبتوا جميعا وجود جنات فى السماء الدنيا
ثانيا : أقول، آدم عليه السلام فوق السماء الدنيا و في السماء الأولى و ليس داخل زينة السماء الدنيا سقف العالم حيث الأفلاك و الأجرام السماوية فنسبيا هناك فرق بينهما في الاصطلاح الشرعي بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث المعراج الذي رواه الشيخان رحمهما الله و لفظ البخاري :
ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا قَال هَذَا آدَمُ ... الحديث
و لفظ مسلم :
ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا : افْتَحْ ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا جِبْرِيلُ ، قَالَ : هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، مَعِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَأُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَفَتَحَ ، قَالَ : فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ ... الحديث
و عليه يجب عدم الخلط بين مستوى زينة السماء الدنيا حيث النجوم و الأفلاك و الذي ثبت نصّياً و علميا اتساعه و استمرارية هذا التوسع إلى ما شاء الله، و بين مستوى السماء الدنيا الأولى التي تعلو هذه الزينة و حيث مقام آدم عليه السلام فلا نعلم في هذا المستوى دليلا على التوسع.
و لا بد من لفت انتباه القارئ إلى أن رأي المخالف الذي نحن بصدد الرد عليه و هو رأي شاذ في هذا الباب يتصادم مع حقيقة توسع الكون القرآنية و الكونية باعتباره أن السماء التي تتوسع هي السماوات السبع بمجموعها و هي سبع طباق ، و لكي يخرج من الإشكال الذي وقع فيه ينفي أن يكون التوسع يشمل مجالها الغيبي ، فلا يلزم من توسع السموات عنده توسع الجانب الغيبي منها ، و هذا تناقض مع العلم و القرآن و العقل أيضا !!
فلقد أوقعنا برأيه هذا الذي لا دليل عليه في فوضى المفاهيم بل في التقول على الله و ادعاء ما هو غير منقول و لا معقول.
فالسماء التي تتوسع هي السماء الدنيا بأجرامها و لا يلزم من توسعها توسع السماوات فوقها : الأولى و الثانية و الثالثة .. الخ
مع العلم أن السموات السبع شداد متينة ليس لها صدوع و لا فروج و لا شقوق و لا مداخل إلا أبوابها المحروسة بشدة .. ثم لا ضرورة شرعية أو عقلية أو فيزيائية مفترضة لتوسعها على غرار سماء النجوم و الأفلاك التي بدأت بفتق بعد رتق فلا تزال تتسع منذ ذلك الحين إلى أن يأذن الله بالعكس.
لكن افتراض أن السموات السبع تتسع ظاهرا دون الباطن الغيبي يجعلك تتصور عوالم مختلطة متناقضة لا يحدها حد و لا يضبطها ضابط كقولك إنها مرئية و غير مرئية في نفس الوقت فلا معالم لهذا و لا لذاك !!
و لا أدري على أي أساس يمكن قبول هذا المنطق .. في حين أن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصريح و المنطق السليم .. و صاحب هذا الفهم السقيم بين القبول بأحد أمرين أحلاهما مر :
- إما أن تقول بأن السموات التي تتوسع هي السبع الطباق المرئية سماء النجوم و الأفلاك تتوسع دون السموات الغيبية فبالتالي هي قد تجاوزت حدود ما تحتويه من الغيبيات و أصبح محتوى بعضها في غيرها ..
- أو تقبل بأن السموات الظاهرة و الغيبية تتوسعان معا و هذا يعني القبول بأربعة أمور :
أحدها : ما ذكرته سابقا و أعيده هنا : بما أن الكون ينتهي مباشرة عند سابع سماء حيث العرش ، و النص صريح في أن العرش سقف الجنة و الجنة ليست داخل هذا الكون من سموات و أرض بل عرضها كعرض السموات و الأرض مسافة و مساحة و اتساعا، فأين إذن تنتهي السموات السبع المتداخلة مع الكون مع العلم بأن الكون يزداد اتساعا بسرعة خيالية كل ثانية ؟
قلت إن السماء السابعة أكثر اتساعا بحيث تستوعب هذا الامتداد الزمكاني الهائل بما أن المسألة غيبية و لا تتعلق بعالم مشهود، قلنا حسنا، عليك أن تقبل :
الثاني : تمدد طبقة السموات جميعا بما يعني امتداد أبوابها الموصدة و ما اتصل بها من فواصل مبنية لا تتصدع و لا تزول باعتبار أن كل سماء هي سقف لما تحتها و حاجز دون ما فوقها. و كذا تمدد المسافات بينها مع العلم أن هناك أثرا ثبت موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه يخبر فيه أن المسافات بين السموات ثابتة، فقد أخرج ابن خزيمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام . وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ " وصححه الذهبي في العلو ( ص64 ) وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية ( ص 100 ) .
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب التوحيد: هذا الأثر موقوف على بن مسعود لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها فيكون له حكم الرفع لأن بن مسعود لم يعرف بالأخذ من الاسرائيليات. انتهى
و لمزيد من النظر في سند هذا الأثر :
http://majles.alukah.net/t72127/
- الثالث : انطلاق هذا التمدد و التوسع باتجاه العوالم العُلوية التي لا يفصله بينه و بينها شيء سماء أو نحوها ما يعني اختراق جلالة العالم العلوي و قدسيته و سموه و مزاحمة جوهره الإلهي الخالص و صمته المهيب حيث الملائكة المقربون العلويون ساجدون لرب العرش و حيث البيت المعمور، و امتداد السموات المرئية باضطراباتها الكونية و بأعراضها و مقاصدها الدنيوية المخلوقة للإنسان المضطرب الناقص المبتلى بشروره، و طبعا لا يفهم هذا و لا يستوعبه غليظ الطبع
- الرابع : تناقض الإمتداد و التوسع مع معنى إمساك الله تعالى للسموات أن تزول كما في قوله : إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
قال الطبري رحمه الله :
يقول تعالى ذكره: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) لئلا تزولا من أماكنهما
حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن الأعمش عن أَبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: من أين جئت ؟ قال: من الشأم. قال: من لَقيتَ؟ قال: لقيتُ كعبًا. فقال: ما حدثك كعب ؟ قال: حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك. قال: فصدقته أو كذبته ؟ قال: ما صدقته ولا كذبته. قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، وكذب كعب، إن الله يقول ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ).
حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب جُندَب البَجَلي إلى كعب الأحبار فقدم عليه ثم رجع فقال له عبد الله: حدثنا ما حدثك. فقال: حدثني أن السماء في قطب كقطب الرحا، والقطب عمود على منكب ملك. قال عبد الله: لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك، ثم قال: ما تنتكت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه، ثم قال ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا ) كفى بها زوالا أن تدور. انتهى
و زوال السموات عن أماكنها لا يكون إلا يوم القيامة كما ثبت في الآيات فهي حتى ذلك الحين مرفوعة ثابتة مستقرة.
يقول عبيد الله :
واما قولك اننى ينبغى ان اثبت ان العرش مرئى لكى يكون كلامى صحيحا فقد تجاهلت الرد عليه اكثر من مرة لانه لا يليق بحوار بين من يُفترض انهم من طلبة العلم الا يكون واحد منهما لا يعلم ان العرش والكرسى تفصلهما عن السماوات مسافات بينية هائلة والعرش تحديدا بينه وبين السماء السابعة بحر،فالعرش بجانب كونه غيب هو خارج السماوات السبع اصلا!
أعتقد أن هذا الكلام لم يوجه إليك و إنما إلى عضو غيرك و في غير هذا السياق و إنما في سياق ادعائه اقتضاء آية الملك رؤية السموات الطباق ، فأجبت أن هذه الرؤية ليست لازمة جملة و تفصيلا بما أن الله تعالى ندبنا إلى النظر في عموم السموات و بنائها المحكم ، إذ لو كان المراد رؤية الكل لترائى لنا الملكوت الأعلى الذي تخلل السابعة بمقتضى الآية بما فيه سدرة المنتهى و الجنة ... و بما أن الرؤية منا قاصرة فاقتضى أن المراد هو حدود ما نراه و ليس كل ما نراه من السبع الطباق.
إذن فقولك بأن رؤية ما تحتويه الطبقة السابعة متعذر لبعد المسافات مع أن الله تعالى ندبنا إلى رؤية السبع الطباق بحسب رأيك فنفس كلامك هذا نحتج به عليك بخصوص السموات الطباق التي لا نرى منها إلا السماء الدنيا. إلا أن تقول بأن الملكوت الأعلى يدخل في نطاق الغيب ، طيب هنا نلزمك بنفس المنطق ، لماذا لا تكون السموات السبع غيبية بما أن الحكمة من إخفاءها و غيبيتها قائمة على كل حال فلو كانت السموات السبع مرئية بعددها وصفتها كما أخبرنا الله تعالى و رسوله الكريم لكان انتهى الإبتلاء منذ زمن، فغيبية السموات السبع و غيبية الملكوت الأعلى سواء و الحكمة من إخفاء هذا هي الحكمة من إخفاء ذاك.
ستقول : كيف حدّث الله تعالى القوم بما لا تطاله أبصارهم و ندبهم إلى النظر إليه في قوله تعالى من سورة نوح : أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) و ماذا عن صراحة هذا المعنى في آية الملك ، فقال الله تعالى : لَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (3)
أجبنا بما فيه كفاية أن المقصود في آية سورة نوح العلم و ليس الرؤية البصرية ، قلتُ :
و قد تعرض بعض المفسرين كابن كثير و القرطبي و الفيروزبادي و غيرهم لآية الطباق هنا بالشرح قوله تعالى : (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) و هي النص الوحيد الذي تستدل به من الوحي على إمكان رؤية السموات السبع، أقول، تعرضوا له بشرح لا أعلم خلافه في أن الرؤية هنا بمعنى العلم ما دامت متعلقة بالخلق '' كيف خلق الله السموات'' أي كيف خلقها حال خلقها فمعلوم بالمشاهدة قبل النقل أن السموات السبع لا تدخل في مجال المشاهدة و إلا كنا نراها رأي العين طبقة فوق طبقة و هذا مستحيل فاقتضى أن تؤول الرؤية هنا بالعلم كما أولت بذلك في آية الرتق و الفتق.
و ردك على هذا كان مجازفة و خلطا و تعسفا في المشاركة التي تلت حين قلتَ :
ويتجاهل كلام الطبرى الذى جئت به والذى فيه اثبات ان المقصود برؤية السبع الطباق عند السلف هو الرؤية البصرية،وقبل الامام القرطبى رحمه الله لم يقل احد إن الرؤية للطباق علمية وسياق الايات بجانب كلام السلف انها بصرية(فأرجع البصر)و(بنينا فوقكم سبعا)وفى سورة النبأ كان الحق عزوجل ينادى اهل الشرك ويعدد عليهم النعم ولا يُعقل انه يخاطبهم بالغيب ليؤمنوا به،السلف العظام ومن تبعهم بإحسان فهموا ايات السبع الطباق والسبع الشداد على انها رؤية بالعين والمفسرون الاوائل كذلك وسياق هذه الايات واضح وصريح قبل كلام الطبرى وقبل كلام السلف أن السماوات الطباق مرئية ويعضد ايات السبع الطباق والسبع الشداد قوله تعالى:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)الاعراف
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) يونس
أقول : بالنسبة لآية سورة نوح فلا دلالة فيها قطعية على أن الرؤية بصرية بما أنها تفيد العلم بكيفية الخلق و العلم بالإخبار عن فعل الخلق الذي لا تطاله الأبصار بحال، و الأصرح من ذلك آية الرتق و الفتق .. (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون )
و قد قلنا هذا ما لم يقل أحد من السلف بخلافه و نقيضه بحيث يفترض كماتدعي أنهم قالوا صراحة بالرؤية البصرية ، و بما أنك تحتج بالسلف، حسناً أثبت لنا ذلك. هذه أقدم التفاسير نعيدها عليك و لنبدأ بسورة نوح عليه السلام :
فهذا كلام الطبري رحمه الله (ت 310 هـ) : (أَلَمْ تَرَوْا ) أيها القوم فتعتبروا(كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) بعضها فوق بعض، والطباق: مصدر من قولهم: طابقت مطابقة وطباقا. وإنما عني بذلك: كيف خلق الله سبع سموات، سماء فوق سماء مطابقة.
و هذا كلام الطبراني (ت 360 هـ) : قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً }؛ أي مُطبَقَةً بعضُها فوقَ بعضٍ، { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَجْهُهُ فِي السَّمَاءِ وَقَفَاهُ فِي الأَرْضِ)، فالقمرُ وإنْ كان في السَّماء الدُّنيا، فإنَّما يلِي السَّماواتِ منه يُضِيءُ لهم، وما يلِي الأرضَ منه يضيءُ لأهلِ الأرض.
و هذا كلام الثعلبي (ت 427 هـ) : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً }.
{ وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } قال الحسن: يعني في السماء الدنيا. وهذا جائز في كلام العرب، كما يقال: أتيت بني تميم وأتاني بعضهم، ويقول: فلان متوار في دور بني فلان، وإنّما هو في دار واحدة.
و هذا كلام البغوي (ت 516 هـ) : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } قال الحسن: يعني في السماء الدنيا، كما يقال: أتيت بني تميم, وإنما أتى بعضَهم، وفلانٌ متوارٍ في دور فلان وإ نما هو في دار واحدة. وقال عبد الله بن عمرو: إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماوات.
هذه تفاسير بالمأثور عن السلف ، فهل جاء في هذه التفاسير ما يفيد الرؤية البصرية ؟ هل قال أحد من المفسرين أن '' ألم تروا '' معناها '' ألم تنظروا '' أم أن المسألة كانت مجرد لفظ دارج عند العرب و تريد تحميله ما لا يحتمل ؟
جاء في موقع '' الإسلام سؤال و جواب '' تحت الإشراف العام للشيخ محمد صالح المنجد ما يلي :
معنى " الرؤية " في قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً )
السؤال: تقول الآية خمسة عشر من سورة " نوح " ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ) ، فيسألني سائل أين هي السموات السبع ؟ ولو أن هناك سبع سموات فكيف استطاع نوح أن يطلب من قومه أن يتأملوها رغم أنها لا ترى من كوكب الأرض ؟ أليس في هذا تناقضاً لصريح القرآن ؟ . فمن فضلك ساعدني في الإجابة على هذا السؤال وحتى آخذ بيد صاحبه للإسلام . وجزاكم الله خيراً .
تم النشر بتاريخ: 2010-11-28
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
أخبر الله تعالى عن خلق السموات وعن عددهن وعن هيئتهن.
قال تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29 .
وقال ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) الطلاق/ 12 .
وقال تعالى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) الملك/ 3 .
وقال ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) فصلت/ 12 .
هذا بعض ما نعرف عن السموات السبع ، ولولا إخبار الله تعالى به لما علم ذلك أحد ؛ إذ هو من الغيب الذي لا يستطيع أن يعلمه أحد من البشر لولا إخبار الله به .
ونحن نشهد بما أخبرنا به ربنا تعالى ، ونجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات فرآها كلها ، ونجزم أنه أحداً من البشر لم يفعل ذلك ، ولم ير طبقات السموات بعده صلى الله عليه وسلم .
ثانياً:
أما قول نوح عليه السلام لقومه ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ) : فليس المراد به الرؤية البصرية ، بل هي الرؤية العلمية ، وهي كثيرة بهذا اللفظ في كتاب الله ، كقول الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ) البقرة/ 243 ، وقوله ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) الفجر/ 6 ، وقوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) إبراهيم/ 28 ، وغير ذلك كثير .
قال القرطبي – رحمه الله - :
والعرب تضع " العلم " مكان " الرؤية " ، و " الرؤية " مكان " العلم " ، كقوله تعالى ( أََلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ) الفيل/ 1 ، بمعنى : ألم تعلم .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 156 ) .
وقال رحمه الله – في الآية موضع السؤال - :
وقوله ( أَلَمْ تَرَوْا ) على جهة الإخبار لا المعاينة ، كما تقول : ألم ترني كيف صنعت بفلان كذا .
" تفسير القرطبي " ( 18 / 304 ) . وينظر أيضا : تفسير "الهداية" ، لمكي بن طالب ، عند تفسير هذه الآية .
وقال الإمام مكي بن طالب (ت 437 هـ) في تفسيره :
" ومعنى ( ألم ترو كيف خَلَقَ اللهُ ) : اعلموا أن الله خلق ذلك . ولو كان على غير الأمر معناه ، لقالوا : ما نرى إلا واحدة !! ولكن معناه الأمر ، كما تقول : غفر الله لك ، [ أي ] : اللهم اغفر له ، لأنك لست تخبره عن أمره علمتَه ، إنما هو دعاء تتمنى كونه له .
ومن هذا قول الرجل للرجل : أَلَمْ تَرَ أَنِّي لقيت زيداً فقلت له كذا وقال لي كذا ؟ معناه : اعلم أني لقيت زيداً ، فكان من أمره وأمري كذا وكذا .
ومثله : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل : 1] .
وقيل : معناه : ألم يبلغكم كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً ، فتتعظوا وتزدجروا ؟ وكذلك معنى الآية الأخرى : ألم يبلغك يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ولم أُوحِ إليك كيف فعلت بهم ؟" انتهى من " الهداية إلى بلوغ النهاية" (12/7739) .
والله أعلم
انتهى من موقع '' الإسلام سؤال و جواب ''
و للمرة الأخيرة أقول : هل جاء أحد من المفسرين بدليل أو شاهد من الصحابة و التابعين يدل على أن الرؤية هنا في آية سورة نوح بصرية ؟
ثم إن الذي قال هنا بأن الرؤية بصرية هو أحد المتأخرين و ليس السلف الصالح، و هو ابن عاشور رحمه الله في تفسيره على غرار علماء الهيئة و الفلك و محاولة للتوفيق بين النص و معطيات عصره العلمية و ربما لأنه لم يستطع الخروج من إشكال الآيات التي تشابهت على بعض المعاصرين و فصلنا في معانيها و ردها إلى المحكمات، و على مثل هذا الإشكال أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل رحمـه الله : عـن خـلـق السموات والأرض، وتركيب النيرين والكواكب، هل هي مثبتة في الأفلاك والأفلاك تتحرك بها ؟ أم هي تتحرك والفلك ثابت؟ أم كلاهما متحرك؟ وهل الأفلاك هي السموات، أم غيرها؟ وهل تختص النجوم بالسماء الدنيا؟ وهل إذا كان الشمس والقمر في بعض السموات يضيء نورها جميع السموات؟ وهل ينتقلان من سماء إلى سماء؟ وهل الأرضون سبع أو بينهن خلق أو بعضهن فوق بعض؟ وهل أطراف السموات على جبل أم الأرض في السماء كالبيضة في قشرها، والبحر تحت ذلك، والريح تحته؟ وهل فوق السموات بحر تحت العرش؟
الإجابة:
الحمد لله، هذه المسائل تحتاج إلى بسط كثير لا تحتمله هذه الورقة، والسائل عن هذه المسائل يحتاج إلى معرفة علوم متعددة، ليجاب بالأجوبة الشافية، فإن فيها نزاعًا وكلامًا طويلاً، لكن نذكر له بحسب الحال.
أما قوله: الأفلاك هل هي السموات أو غيرها؟ ففي ذلك قولان معروفان للناس، لكن الذين قالوا: إن هذا هو هذا احتجوا بقوله تعالى :{ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح :15- 16]، قالوا: فأخبر الله أن القمر في السموات.
وقد قال تعالى :{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء :33]، وقال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40].
فأخبر في الآيتين أن القمر في الفلك، كما أخبر أنه في السموات؛ ولأن الله أخبر أنا نرى السموات بقوله: { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 3- 4].
وقال: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [ق:6]، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على أن السماء مشاهدة، والمشاهد هو الفلك، فدل على أن أحدهما هو الآخر.
إلى أن قال :
وأما النجوم، فإن الله أخبر أنها زينة للسماء الدنيا، كما قال تعالى :{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات:6]، وقال :{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5]، فقال بعض من قال: إن الأفلاك غير السموات، وإن المراد بالسماء الدنيا هنا الفلك الثامن، الذي يذكر أهل الهيئة أن الكواكب الثابتة فيه (يقصد النجوم)، وادعوا أن تلك هي السموات العلى، وأن الأفلاك هي السموات الدنيا، ولكن هذا قول مبني على أصل ضعيف، وأيضًا فإن الذي نشهده هو الكواكب.
يتبع إن شاء الله بالرد على الفقرة المتبقية من مداخلة الأخ المخالف - ببيان و تفصيل حول آية سورة الملك التي هي أصل الإشكال على البعض- ثم نعرج إن شاء الله على ما جاء في آخر ردوده لاستكمال الرد :
نعود إلى الاشكالية الاولى وهى عدم وجود دليل وماذا عن كل هذا:
قال الطبرى رحمه الله
وقال الطبرى رحمه اللهيقول تعالى ذكره: مخبراً عن صفته { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِباقاً } طبقاً فوق طبق، بعضها فوق بعض.
وقوله: { ما تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفاوُت } يقول جلّ ثناؤه: ما ترى في خلق الرحمن الذي خلق لا في سماء ولا في أرض، ولا في غير ذلك من تفاوت، يعني من اختلاف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفاوُتٍ }: ما ترى فيهم من اختلاف.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله { منْ تَفَاوُتٍ } قال: من اختلاف.وقال الطبرى رحمه اللهيقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل نوح صلوات الله وسلامه عليه، لقومه المشركين بربهم، محتجاً عليهم بحجج الله في وحدانيته: { أَلمْ تَروْا } أيها القوم فتعتبروا { كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِباقاً } بعضها فوق بعض والطباق: مصدر من قولهم: طابقت مطابقة وطباقاً. وإنما عني بذلك: كيف خلق الله سبع سموات، سماء فوق سماء مطابقة.
وقوله: { وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } يقول: { وجعل القمر في السموات السبع نوراً } { وَجَعَلَ الشَّمْسَ } فيهن { سراجاً }. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة { ألَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَموَاتٍ طِباقاً وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَل الشَّمْسَ سِرَاجاً } ذُكر لنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول: إن ضوء الشمس والقمر نورهما في السماء، اقرءوا إن شئتم: { أَلمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِباقاً }... إلى آخر الآية.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن الشمس والقمر وجوههما قِبَل السموات، وأقفيتهما قِبَل الأرض، وأنا أقرأ بذلك آية من كتاب الله: { وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً }.والكلام من الله عزوجل لمشركى العرب عن السبع الشداد كان كلاما عما يشهدونه لا ما هو غيب ولهذا ربط الطبرى وغيره بينها وبين السبع الطباق.يقول تعالى ذكره: { وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ }: وسقفنا فوقكم، فجعل السقف بناء، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت، وهي سماؤها بناءً، وكانت السماء للأرض سقفاً، فخاطبهم بلسانهم، إذ كان التنزيل بلسانهم، وقال: { سَبْعاً شِدَاداً } إذ كانت وثاقاً محكمة الخلق، لا صدوع فيهنّ ولا فطور، ولا يبليهن مرّ الليالي والأيام.
Bookmarks