النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: السماوات السبع وفهم السلف (حوار عقلاني منهجي مع بعض الإخوة)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    741
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي السماوات السبع وفهم السلف (حوار عقلاني منهجي مع بعض الإخوة)

    يقول أخونا الفاضل :

    يا أستاذ انت تقول في تفسير بعض الائمة للسماوات السبع أن فهم السلف هو الصواب وانه لا يجوز أن نتجاوزهم وإلا وقعنا في الذلل
    يا أستاذنا الفاضل هذه ليست مسائل عقيدة وإن خالفت رأي جميع التفاسير الواردة من السلف فلا حرج علي الاطلاق
    أنت تتعامل معهم كأنهم أنبياء معصومون
    ولو مشيت علي هذا النهج الخاطئ سيؤدي بك الي تكذيب القرآن لأن فهم السلف لم يوفق في أكثر تفاسيرهم لآيات الخلق ومراحل الاجنة وان قاربوا المعاني اللغوية إلا انهم لم يصيبوا أدق المعاني في أغلبها ....
    الجواب :

    أخي الفاضل ...، أهلا بك

    انت تقول في تفسير بعض الائمة للسماوات السبع أن فهم السلف هو الصواب وانه لا يجوز أن نتجاوزهم وإلا وقعنا في الذلل

    أولا : هناك خطأ أو شيء غير مفهوم في جملتك : تقول في تفسير بعض الائمة للسماوات السبع أن فهم السلف هو الصواب...
    أي أئمة تعني ؟ إن كنت تعني أحد المتأخرين كابن عاشور مثلا فهو من القلائل الذين قالوا في هذه المسألة بأحد قولين معروفين كما ذكر ذلك شيخ الإسلام بن تيمية – و هو القول المخالف لما عليه الجمهور، (و لا علاقة لأي منهما بفهم الأخ ع.ا المحدَث) :
    - أن السموات هي الأفلاك و السماء الدنيا هي سماء القمر و هو قول علماء الهيئة و الفلك لا علماء التفسير
    - أن السموات هي غير الأفلاك و هو قول جمهور السلف و عموم المفسرين
    و مع ذلك فابن عاشور رحمه الله يذكر الوجهين معا و على أن الآخر جائز و هو بهذا لا يجزم بأحد القولين.
    - (القول الشاذ للأخ ع.ا أن السماء الدنيا هي الغلاف الجوي سماء الهواء و الذي أحدثه أمين شيخو)

    ثانيا : قولك بأن هذا فهم السلف و تفسير السلف، أقول لك هذا تفسير القرآن و حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يكون تفسير السلف :
    - القرآن الكريم ذكر السماء الدنيا في أكثر من موضع و أن الله زينها بمصابيح فلا يقال إن لها أكثر من معنى حتى نفترض تفسيرا جديدا كما فعل الأخ ع. ا، هذا أولا.
    - أما حديث النبي صلى الله عليه و سلم ، فقد ذكرنا أحاديث المعراج من الصحيحين و فيها قول النبي صلى الله عليه و سلم : فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ... الحديث
    و هو صريح في أن السماء الأولى – و فيها آدم عليه السلام - تعلو الأفلاك و ليست هي ذاتها.
    أقول هذا دون حاجة إلى تفسير السلف من الصحابة و التابعين في المسألة، فالنصوص فيها محكمة و صريحة.
    عدا ذلك لم يأت في تفسير السلف للآيات التي أشكلت على بعض الإخوة و من قال بقول أصحاب الهيئة قديما، و هي آيات سورة نوح و سورة الملك لم يأت عن السلف ما يناقض هذا المعنى الوارد في النصوص المحكمة.

    ثالثا : بما أنك تقصد التفسير العلمي للقرآن الكريم، فموضوع السموات السبع كما دل على ذلك عموم الأدلة النصية و أقوال السلف يدخل في نطاق الغيبيات لا العالم المشهود بحيث يمكن أن تطالها المباحث و الآراء العلمية الحديثة. و من ذلك قول الله تعالى :
    }مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا {الكهف: 51
    و في هذا المعنى تكلم بعض علمائنا في العصر الحديث كالشعراوي و علي طنطاوي رحمهما الله و غيرهما فلينظر ذلك في موضعه.

    يا أستاذنا الفاضل هذه ليست مسائل عقيدة وإن خالفت رأي جميع التفاسير الواردة من السلف فلا حرج علي الاطلاق
    أنت تتعامل معهم كأنهم أنبياء معصومون

    عندما يرد النص ثابتا صريحا محكما في المسألة في تفسير أو غيره فهذا تتساوى فيه مسائل العقيدة وغيرها. فرد النصوص المحكمة في هذا و كذا مخالفة الإجماع فيه من زيغ القلوب و فتح باب الفتنة بالاختلاف في الدين و التفريق فيه إن لم يكن كفرا.

    و في ما عدا ذلك مما لم يرد فيه نص و لا إجماع – فيما يحتمل القولين أو الثلاثة أو حتى أكثر مما ورد عن السلف – فهذا يبث فيه العلماء الذين هم أهل الرأي أهل الترجيح.

    و خلافنا مع الأخ ع.ا يا أخي العزيز ليس في ذلك ، خلافنا هو في التصدر و القول بالرأي المحض بغير أن يكون لصاحبه علم يؤهله للترجيح بين الأقوال فضلا عن إحداث ما لم يقل به أحد .. و هذا مقال آخر

    و نحن نتنزل معك أن للشخص المجتهد المتصدر للتفسير مكانة علمية تؤهله لأن يأتي بخلاف فهل من المعقول أن يكون كل المفسرين على خطأ و هو وحده على حق لما يأتي بالقول على خلافهم جميعا ؟؟؟
    و لنقل أن المسألة اختلفوا فيها على قولين أو أكثر فهل يصح إحداث تفسير بالرأي المحض و قول جديد مبتدع بدعوى أنه تفسير علمي مثلا دون الخضوع إلى ضوابط التفسير التي تحتم على المرء التقيد بفهم السلف ؟

    و هنا لا نرد التفسير العلمي جملة و إنما ننظر في موافقته لمجموع الأدلة أو أقوال السلف أو على الأقل آحادها و كذا اللغة التي نزل بها القرآن. فإن وافق ذلك فذاك و إلا رددناه على صاحبه.

    لكن من له الحق في ذلك ؟؟ هل الباب مفتوح لمن هب و دب أم هو متروك للأهواء أم ماذا ؟؟
    إسمع إلى ما قاله الزرقاني رحمه الله تعالى في كتابه " مناهل العرفان في علوم القرآن " (2/43) :
    " فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يلاحظ فيه الاعتماد على ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما ينير السبيل للمفسر برأيه ، وأن يكون صاحبه عارفا بقوانين اللغة ، خبيرا بأساليبها ، وأن يكون بصيرا بقانون الشريعة ؛ حتى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه " انتهى .

    و كذا قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
    " وتفسير القرآن بالرأي : تارة يفسره الإنسان بحسب مذهبه ، كما يفعله أهل الأهواء . فيقول المراد بكذا وكذا ، كذا وكذا ، مما ينطبق على مذهبه ، وكذلك هؤلاء المتأخرون الذين فسروا القرآن بما وصلوا إليه من الأمور العلمية ، الفلكية أو الأرضية ، والقرآن لا يدل عليها ، فإنهم يكونون قد فسروا القرآن بآرائهم ، إذا كان القرآن لا يدل عليه ، لا بمقتضى النص ولا بمقتضى اللغة ، فهذا هو رأيهم ، ولا يجوز أن يفسر القرآن بهذا .

    وكذلك أيضاً لو لم يكن عند الإنسان فهم للمعنى اللغوي ، ولا للمعنى الشرعي الذي تفسر به الآية ، فإنه إذا قال قولا بلا علم ، فيكون آثما ، كما لو أن أحداً من العامة فسر آية من القرآن الكريم على حسب فهمه ، من غير مستند - لا لغوي ولا شرعي- ، فإنه يكون حراماً عليه ذلك ؛ لأن مفسر القرآن يشهد على الله بأنه أراد كذا ، وهذا أمر خطير ، لأن الله حرّم علينا أن نقول عليه ما لا نعلم ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف ( 33 ) ، فأي إنسان يقول على الله ما لا يعلم ، في معنى كلامه أو في شيء من أحكامه ، فقد أخطأ خطأ عظيماً " انتهى " شرح مقدمة التفسير " (ص/142) .

    ثم نحن لا نقول بعصمة أحد حتى لو كان صحابيا جليلا و إنما تحريا للصدق و إغلاقا لباب الخلاف و الفتنة خاصة في ساحات المنتدى التي يفد عليا عموم المسلمين لا خاصتهم فحسب : نقف وسطا بين من يمنع التفسير العلمي جملة و تفسيرا حتى مع الخضوع للضوابط و بين من يجيزه بلا ضوابط أو بلا التزام بالضوابط و يفتح لنفسه دكانا يتعاطى فيه التفسير بمحض آرائه و من عند نفسه كما يفعل ع . ا في التفسير و في الحديث و غير ذلك و ليس هذا فحسب بل هو يجزم بأن بضاعته التي يقدمها هي الأجود في هذا الباب و غيره مبطل دعي و أنه المنتسب للسلف لا نحن !!

    ولو مشيت علي هذا النهج الخاطئ سيؤدي بك الي تكذيب القرآن لأن فهم السلف لم يوفق في أكثر تفاسيرهم لآيات الخلق ومراحل الاجنة وان قاربوا المعاني اللغوية إلا انهم لم يصيبوا أدق المعاني في أغلبها ....

    كما قلت للأخ ع . ا، ليست كل التفاسير على مرتبة واحدة خاصة من حيث أسانيدها تماما مثلما النصوص الحديثية فهي متأرجحة بين الصحة و الضعف و الوضع بحيث يجب النظر فيما تستدل به أو تحكم،

    و هذا كلامي إلى ع . ا حول هذه النقطة :

    بناء الترجيح بين الأقوال على :

    - أولا : أن يكون المذهب في التفسير معتمدا على أصح التفاسير كالطبري و البغوي و ابن كثير
    - ثانيا : أن يكون متوافقا بالأساس مع مجمل الأدلة القرآنية و الحديثية وإلا فلا عبرة بقول فلان أو علان مع ورود النص و هذا منهج أهل السنة و الحديث
    - ثالثا : أن يكون التفسير المعين هو الراجح عند المفسر المجتهد أو غالب المفسرين في حال لم يرد نص قطعي الدلالة
    - رابعا : أن تأخذ - بعد المقارنة بين التفاسير المعتمدة - بالأصح و بالأثبت من الأدلة و الأقوال لا ما يوافق هواك و الأصح و الاثبت طبعا ما ينبني على تتبع كل الأقوال و ليس بالإنتقائية و الترامي على ما يوافق هواك

    هذا و لا ينبغي اعتقاد العصمة في أقوال السلف و الآثار و التفاسير خاصة عندما ترد بخلاف المشهور و ما عليه الجمهور مع العلم أن التفاسير ليست على مرتبة واحدة لا من حيث أسانيدها و لا من حيث استيعابها للمجموع الأدلة و لأصح الأقوال و أرجحها.

    و اعمل على هذه القاعدة : لو كان الأمر باجتهاد العوام لم يلزمنا تفسير و لو كان علينا الأخذ بكل ما في التفاسير لم يلزم الترجيح من قبل مفسر لتفسير على حساب آخر لكنه العمل بالدليل و بهذه القواعد التي غابت عنك هو الحكم في الموضوع و هو المنهج الأصح و الأسلم.

    قال شيخ الاسلام في ''مقدمة في اصول التفسير'' في الحكم على التفاسير : " أَمَّا التَّفَاسِيرُ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ فَأَصَحُّهَا تَفْسِيرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ مَقَالَاتِ السَّلَفِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ وَلَيْسَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَلَا يَنْقُلُ عَنْ الْمُتَّهَمَيْنِ كمُقَاتِلِ بْنِ بُكَيْر وَالْكَلْبِيِّ " اهـ .
    و قال رحمه الله في ''منهاج السنة النبوية'' : " وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ الَّتِي يُنْقَلُ مِنْهَا . الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ، مِثْلِ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ، بَلْ وَابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ رِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; فَإِنَّهُ إِذَا عُرِفَ أَنَّ تِلْكَ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ دُونَ الضَّعِيفِ " اهـ



    ثم غريب قولك، فمنذ متى كان التقيد بمنهج السلف و الالتزام بضوابطه في التفسير و غيره نهجا خاطئا ؟؟ لأول مرة أسمع بهذا و هذا الموقف بالذات هو ما جر علينا الويلات و فتح باب الخلاف و الهوى و الافتراء على الله و جعل البعض يضرب النصوص ببعضها أو يخالف الإجماع و المتفق عليه.
    و الأغرب منه قولك أن اتباع منهج السلف في التفسير سيؤدي إلى تكذيب القرآن - و لا أقصد هنا آحاد التفاسير أو التفسيرات هناك فرق لأنه قد يرد خلاف تنوع على بعض النصوص – أما خلاف التضاد فهو من شأن الخلف. لأن المخالف الذي يأتي بجديد لا بد و أن يتجاوز كل التفسيرات إلى ما فيه خلاف و تصادم مع المأثور و ما اشتهر و أقل ما في ذلك من الفساد هو فتنة الناس و تعطيل ثقتهم في سلف الأمة الذين هم أوعى لكتاب الله و أعلم بتفسيره اصطلاحيا و لغويا.

    و الحق أن الذي سيؤدي بالناس إلى تكذيب القرآن هو إخضاع بعض معانيه للنظريات التي لا ثبات لها و لا استقرار، كما أنه لا وجود لتفسير محدَث مقنع – فيما أعلم - عارض التفاسير السلفية مطلقا و لم يوافق شيئا منها.
    إن كنت تقصد تفسيرات مثل التي يتحفنا بها منصور الكيالي فهذه التي تؤدي حتما إلى تكذيب القرآن و إلى التهلكة لأنه ينطلق من أخطاء علمية كما شهد المتتبعون ويلوي آيات القرآن لتوافقها، و مثل هذه التفسيرات المرتجلة المجافية للعلم الشرعي و أصوله النقية و قواعده الثابتة تؤدي على الأقل إلى تعطيل التفسير السلفي و تفتح الباب على مصراعيه لمن هب و دب ليتكلم في دين الله حتى لو كان حدادا أو نجارا. فهل يرضيك ذلك ؟

    أخيرا أنصح بأن تقرأ هذا الكتاب فهو منصف في هذا الباب و يقف كما نحن وسطا بين المانعين للتفسير العلمي و المجيزين له و يذكر ضوابطه و حدوده التي تحفظ للقرآن العظيم هيبته و تحفظ على المسلمين وحدة دينهم و منهجهم :

    التفسير العلمي للقرآن الكريم بين الرفض والقبول
    أ.د. عادل بن علي بن أحمد الشدِّي
    أستاذ التفسير وعلوم القرآن
    التعديل الأخير تم 05-04-2016 الساعة 05:49 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء