بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن الصبر على أذى اليهود والنصارى والمشركين واجب على كل مسلم لأن أهل الكفر منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة يخططون لإيذاء المسلمين في أنفسهم وأولادهم وأموالهم
فاليهود يعملون ليل نهار على افقار العالم الاسلامي وعلى احتلال أرضه وقتل ناسه ,وعلى المسلمين أن يعدوا أنفسهم لمواجهة أهل الكفر بأن يتسلحوا بالعلم والقوة العسكرية وأن يتحدوا ولا يتفرقوا
قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )
وقال ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )
وليس معنى أن يصبر المسلمون على ايذاء أهل الكفر أن يقفوا مكتوفي الأيدي ليتلقوا الضربات فقط ولكن عليهم إن هزموا مرة أن يعيدوا الكرة ولا يستسلموا
قال تعالى يحث المسلمين على الصبر على ايذاء الكفار
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
سبب نزول الآية
يقول أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا أبو اليمان، حدَّثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه - وكان من أحد الثلاثة الذين تِيبَ عليهم:
أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش في شعره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخْلاطٌ: منهم المسلمون، ومنهم المشركون، ومنهم اليهود. فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم [كلهم]، وكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك وفيهم أنزل الله تعالى: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ...} الآية.
أخبرنا عمرو بن [أبي] عمرو المزَكِّي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل [البخاري]، اخبرنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبره:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فَدَكيَّة، وأردَف أسامة بن زيد [وراءه] وسار يعود سعد بن عُبادة في بني الحارث بن الخزرج، قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عَجَاجَةُ الدابة خَمَّرَ عبد الله بن أبيّ أنْفَة بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يَتَسَاوَرُون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم، دابته، وسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي - قال كذا وكذا؟! فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرة على أن يتوجوه ويُعَصِّبُوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك، فذلك فَعَلَ به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً} الآية.
معنى الآية
جاء في تفسير الجلالين :-
{ لَتُبْلَوُنَّ } حذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين، لتختبرن { في أموالكم } بالفرائض فيها والحوائج { وأنفسكم } بالعبادات والبلاء { وَلَتَسْمَعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } اليهود والنصارى { ومن الذين أشركوا } من العرب { أذى كثيرا } من السب والطعن والتشبيب بنسائكم { وإن تصبروا } على ذلك { وتتقوا } الله بالفرائض { فإن ذلك من عزم الأمور } أي: من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها .
معنى الصبر على ايذاء أهل الكفر
يقول الطبري :-
{ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : مِنْ الْقُوَّة مِمَّا عَزَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ .
ويقول بن كثير :-
{ وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} قال ابن أبي حاتم، عن أسامة بن زيد: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللّه، ويصبرون على الأذى، قال تعالى: { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} قال: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره اللّه به حتى أذن اللّه فيهم
وجاء في تفسير الوسيط :-
وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور اى وان تصبروا على تلك الشدائد وتقابلوها يضبط النفس وقوه الاحتمال وتتقوا الله فى كل ما امركم به ونهاكم عنه تنالوا رضاه سبحانه وتنجوا من كيد اعدائكم والاشاره فى قوله فان ذلك من عزم الامور تعود الى المذكور ضمنا من الصبر والتقوى اى فان صبركم وتقواكم من الامور التى يجب ان يسير عليها كل عاقل لانها تودى الى النجاح والظفر وقوله فان ذلك من عزم الامور دليل على جواب الشرط والتقدير وان تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب العزم فان ذلك من عزم الامور فالايه الكريمه استئناف مسوق لايقاظ المومنين وتنبيههم الى سنه من سنن الحياه وهى ان اهل الحق لا بد من ان يتعرضوا للابتلاء والامتحان فعليهم ان يوطنوا انفسهم على تحمل كل ذلك لان ضعفاء العزيمه ليسوا اهلا لبلوغ النصر ولقد بين النبى صلى الله عليه وسلم ان قوه الايمان وشده البلاء متلازمان فقد روى الترمذى عن مصعب بن سعد عن ابيه قال قلت يا رسول الله اى الناس اشد بلاء قال الانبياء ثم الامثل فالامثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فان كان دينه صلبا اشتد بلاوه وان كان فى دينه رقه ابتلى على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الارض ما عليه خطيئه "
هذا والله أعلم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم