قد يغرّد الملحد بالمعاذير العلمية و يسرد البيانات و الارقام و يشرق و يغرب بكل التلبيسات البايلوجية ، الكوسمولوجية ،التاريخية ، فيزيائية ... التي تطيب خاطره و لو تطييباً مزيفاً ، لكن إن وضعته أمام مفهومية الاخلاق " القيم" فهو أفلس ما يكون فيها من غيرها ، و لو كان مكلّمهُ حصيفاً لَما استطاع التلحود إلا أن يكفر بفكرهِ على الاقل في هذا الباب او يخضع لتبعات الفلسفة المادية الهزيلة في قراءتها للقيم ، و لو تتبعنا اقاويل الفلاسفة "الماديّين بالاخص" في هذا الباب لتأكد لنا درجة تشظيهم و تعثرهم و حتى تناقضهم في محاولتهم فلسفة هذه القيم من منظور غير متافيزيقي ، و احسنهم فهماً لهذه المشكلة هو كانط حين جعل الايمان بالله ضرورة اخلاقية سماها " الواجب" ، وجعل من الاخلاق مدخلا الى الما وراء و انهمك في هذا المجال مع نهاية عمره مع كتابيه "أسس ميتافيزيقا الأخلاق " و”نقد العقل العملي”.. انتهى الى ان العقل وحده هو من يمدنا و يعرفنا ب" الواجب" و لا شيئ غيره فكانت عنده القيم ذاتية تُطلب لذاتها بذاتها من غير سابق تجربة ، و في الجهة الاخرى بعضهم قال بأن مصدر الاخلاق هو المجتمع و اعرافه و قوانينه مجملا ، أكد ذلك دوركايم بقوله ( المجتمع ليس سلطة أخلاقية فحسب ، بل إن الدلائل تؤكد أن المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية) كما قال أيضا: ( ليس هناك سوى قوة أخلاقية واحدة تستطيع أن تضع القوانين للناس هي المجتمع ) .. او قد تكون القيم براجماتية ذرائعية نفعية كما عند وليم جيمس و ديوي و بيرس و هذه أقبح من سابقاتها ..
ورطة هؤلاء لا تكمن فقط في عجزهم عن وصف مفهوم الاخلاق او حدوده " تعاريفه" و إنما الورطة الاكبر في جدوى الالتزام " الإلزامية " بهذه القيم ، ربما اقوى اجوبتهم المترهلة كانت لعمانويل كنط بقوله بأن الاخلاق تُطلب لذاتها فهي حقيقة و أحكام قَبْلية في العقل ، و لو سلمنا بذلك لكانت هذه مغالطة و استدلالاً دائريا مكشوفاً ، فما الجدوى من القول بأن عليك الالتزام بهذا لأنه عليك الالتزام به كما ، او عليك الالتزام لأنه واجب من عقلك ! يا صاحبي لا اريد الالتزام بهذا الواجب و انا حر .. و لستُ ملزماً .
هذه الإشكالات تبلورت في مجتمعاتهم على أشكال عادات مجنونة ولكنها لا تُعاب عليهم من حيثية سخافة الفلسفة الاخلاقية المادية التي اباحتها تصريحاً ، فالشذوذ و المثلية الجنسية شُرعن و اصبح عُرفاً لا يُذم و لهم منظمات و في المخطط استحداث وزارات لهم ، زواج البهائم كالحمير و الافاعي و التماسيح و القردة اصبح بالإمكان و المستطاع من غير نكران و لا ابتذال ، الزواج بالأمهات و الاخوات و بالعكس اصبحت بالمتاح و اندرجت كعادة طبيعية لا تُعاب ، ناهيك عن معدلات الاغتصاب و ادمان المخدرات و العصابات ..
و الحقيقة أن كل هذه القبائح ليست مستقبحة وفقاً للرؤية المادية لانعدام ما يمكن به الفصل بين الحسن و القبيح من جهة و انعدام الباعث للالتزام بذلك الحسن و هجران القبيح من جهة اخرى ، و الكلام يطول في هذا المبحث ..