النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: اثبات أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته مع أن كلامه قديم

  1. افتراضي اثبات أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته مع أن كلامه قديم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأدلة من القرآن والسنة وكلام السلف
    ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث
    وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة
    قال الطبري في تفسيره حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر قال : سمعت داود ، عن عامر ، عن مسروق قال : إذا حدث عند ذي العرش أمر سمعت الملائكة صوتا كجر السلسلة على الصفا قال : فيغشى عليهم ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم؟ قال : فيقول من شاء الله : الحق وهو العلي الكبير .
    قال البخاري في صحيحه وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
    قال الإمام الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة في 1/288 قال: ((فصل يدل على أن الله تعالى إذا أراد أن يحدث أمراً سمعه حملة العرش ثم يسمعه أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا قال الله عز وجل : ((حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ))
    قال الحاكم: (سمعت أبا عبد الرحمن بن أحمد المقري يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الذي أقول به أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال: إن القرآن أو شيئاً منه ومن وحيه وتنزيله مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعد ما كان تكلم به في الأزل، أو يقول: إن أفعال الله مخلوقة، أو يقول: إن القرآن محدث، أو يقول: إن شيئاً من صفات الله - صفات الذات - أو اسماً من أسماء الله مخلوق، فهو عندي جهمي يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، هذا مذهبي ومذهب من رأيت من أهل الأثر في الشرق والغرب من أهل العلم، ومن حكى عني خلاف هذا فهو كاذب باهت، ومن نظر في كتبي المصنفة ظهر له وبان أن الكلابية كذبة فيما يحكون عني مما هو خلاف أصلي وديانتي) .

    قال الإمام السجزي أيضا في كتابه المسمى بالإبانة في مسألة القرآن : لما قيل له ( إن القراءة عمل والعمل لا يكون صفة لله والدليل على أنها عمل أنك تقول : قرأ فلان يقرأ وما حسن فيه ذكر المستقبل فهو عند العرب عمل )
    فقال : ( هذا لا يلزم لأنك تقول : ( قال الله عز و جل ) و ( يقول الله عز و جل ) والله تعالى قال : { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } ( البقرة : 35 ) وقال تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } ( ق : 30 ) فقد حسن في القول ذكر المستقبل
    فإن ارتكبوا العظمى وقالوا : كلام الله شيء واحد على أصلنا لا يتجزأ وليس بلغة والله سبحانه من الأزل إلا الأبد متكلم بكلام واحد لا أول له ولا آخر فقال : ويقول إنما يرجع إلى العبارة لا إلا المعبر عنه
    قيل لهم : قد بينا مرارا كثيرة أن قولكم في هذا الباب فاسد وأنه مخالف للعقليين والشرعيين جميعا وأن نص الكتاب والثابت من الأثر قد نطقا بفساده قال الله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } ( النحل : 40 ) فبين الله سبحانه أنه يقول للشيء كن إذا أراد كونه فعلم بذلك أنه لم يقل للقيامة بعد كوني )
    وقال أيضا في موضع آخر : ( [ النبي صلى الله عليه و سلم قال : نبدأ بما بدأ الله به ] ) ثم قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ( البقرة : 158 ) والله تعالى قال : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ( آل عمران : 59 ) وقال : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ( يس : 82 ) فبين جل جلاله أنه قال لآدم بعد أن خلقه من تراب : كن وأنه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ولم يقتض ذلك حدوثا ولا خلقا بعد حدوث نوع الكلام لما قام من الدليل على انتفاء الخلق عن كلام الله تعالى

    كلام العلماء وفتواهم
    بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد..
    تعتبرصفة الكلام لله تعالى من الصفات المثبتة عند جمهور أهل السنة والجماعة لذا سوف نتحدث في هذة المقالة عن عدة عناصر جاءت في شرح العلماء هي :
    - إثبات صفة الكلام لله تعالى .
    - دلالة العقل والنقل على ثبوت صفة الكلام لله تعالى .
    - عقيدة أهل السنة والجماعة في صفة الكلام .
    - كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد .
    - بيان أن كلام الله تعالى بحرف وصوت .
    -ذكر الطوائف المخالفة لأهل السنة في إثبات صفة الكلام لله تعالى والرد عليهم
    فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
    الكَلامُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ الثَّابِتَةِ لَهُ بالكِتابِ والسنَّةِ وإِجْمَاعِ السَّلَفِ.
    قَالَ اللهُ تَعالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّساء: } [ 164مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253]، وقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ)) أَخْرجَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ أَبي حَاتَمٍ
    وأَجمَعَ السَّلَفُ علَى ثُبُوتِ الكَلامِ للهِ ، فَيَجِبُ إِثْبَاتُهُ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ ولاَ تَعْطِيلٍ، ولاَ تَكْيِيفٍ ولاَ تَمْثِيلٍ.
    وهُوَ كَلامٌ حَقِيقيٌّ يَلِيقُ باللهِ، يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتهِ بِحُرُوفٍ وأَصوَاتٍ مَسْمُوعَةٍ.والدَّلِيلُ علَى أَنَّهُ بِمشيئَتِهِ:قَوْلُهُ تَعالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] فَالتَّكْلِيمُ حَصَلَ بَعْدَ مَجيءِ مُوسَى؛ فَدَلَّ علَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بمشيئتِهِ تَعالَى.
    المُخالِفونَ لأِهْلِ السُّنَّةِ فِي كَلامِ اللهِ تَعَالَى:
    خَالَفَ أَهلَ السُّنَّةِ فِي كَلامِ اللهِ طَوَائِفُ، نَذْكُرُ مِنهُمْ طَائِفَتيْنِ:
    الطَّائِفَةُ الأُولَى: الجَهْمِيَّةُ، قَالُوا: لَيسَ الْكَلامُ مِنَ صِفَاتِ اللهِ ، وإِنَّما هُو خَلْقٌ مِنْ مَخلُوقَاتِ اللهِ ، يَخْلُقُهُ اللهُ فِي الهَواءِ ، أَوْ فِي المَحَلِّ الْذِي يُسْمَعُ مِنْهُ ، وإضَافَتُهُ إلى اللهِ إضَافَةُ خَلْقٍ أَو تَشْريفٍ ، مِثلُ: ناقَةُ اللهِ، وبَيْتُ اللهِ ، ونَرُدُّ عَليهمْ بما يَلِي:
    1-أَنَّهُ خِلاَفُ إِجْمَاعِ السَّلَفِ.
    2-خِلافُ الَمَعْقُولِ ؛ لأَنَّ الكَلامَ صِفَةٌ لِلمُتكَلِّمِ ولَيسَ شِيئًا قائِمًا بنِفْسِهِ، مُنْفصِلاً عَن الُمتَكَلِّمِ.
    3-أَنَّ مُوسَى سَمِعَ اللهَ يَقُولُ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ، ومُحَالٌ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ أَحدٌ إِلاَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالَى.
    الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: الأَشْعَرِيَّةُ، قَالوا: كَلامُ اللهِ مَعنًى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لاَ يَتَعلَّقُ بِمشِيئَتِهِ ، وهَذهِ الحُروفُ والأَصْواتُ الَمَسْمُوعةُ مَخْلوقَةٌ لِلتَّعبيرِ عَن المَعنَى القَائمِ بِنفْسِ اللهِ.
    ونَرُدُّ عَلَيهِمْ بِمَا يَلِي:
    1-أَنَّهُ خِلاَفُ إِجماعِ السَّلَفِ.
    2-خِلاَفُ الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّها تَدُلُّ علَى أَنَّ كَلامَ اللهِ يُسْمَعُ، ولاَ يُسْمَعُ إِلاَّ الصَّوتُ، لاَ يُسْمَعُ المَعنَى القَائِمُ بِالنَّفْسِ.
    3-خِلاَفُ المَعهُودِ؛ لأَنَّ الكَلامَ المَعهُودَ هُو ما يَنطِقُ بِهِ المُتَكَلِّمُ، لاَ مَا يُضْمِرُهُ فِي نَفسِهِ.
    والدَّلِيلُ علَى أَنَّهُ حُرُوفٌ:
    قَولُهُ تعَالَى: {يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] ، فَإِنَّ هذِهِ الكَلمَاتِ حُرُوفٌ ، وهِيَ كَلامُ اللهِ.
    والدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بِصَوْتٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52[
    والنِّداءُ والمُنَاجاةُ لا تَكُونُ إِلاَّ بِصَوْتٍ.
    ورَوَى عَبدُ اللهِ بنُ أُنَيْسٍ، عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ الخَلاَئِقَ فَيِنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ))، عَلَّقَهُ البُّخاريُّ بِصِيغَةِ التَّمريِضِ ، قَالَ فِي (الفَتحِ) : وأَخْرَجَهُ المُصَنِّفُ فِي (الأَدَبِ المُفْرَدِ)، وأَحمدُ، وأَبو يَعْلَى فِي مُسندَيْهِما وذَكَرَ لَهُ طَرِيقَيْنِ آخرَيْنِ.
    وكلامُ اللهِ تعالَى قديمُ النوعِ ، حادثُ الآحادِ ؛ ومعنَى (قديمُ النوعِ): أنَّ اللهَ لم يَزَلْ وَلا يزالُ مُتَكَلِّمًا، لَيْسَ الكلامُ حَادِثًا منهُ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ، ومَعْنَى (حادِثُ الآحادِ): أنَّ آحَادَ كلامِهِ - أي: الكلامَ المُعَيَّنَ المخصوصَ ؛ لأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بمَشِيئَتِهِ، مَتى شَاءَ تَكَلَّمَ بمَا شاءَ كيفَ شاءَ.
    تعليقٌ على كَلامِ المؤَلِّفِ في فَصْلِ الكلامِ:
    قولُهُ : (مُتَكَلِّمٌ بكلامٍ قَدِيمٍ): يعنِي: قَدِيمِ النوعِ ، حَادِثِ الآحادِ ، لا يَصْلُحُ إلاَّ هذا المَعْنَى على مَذْهَبِ أَهْلِ السنَّةِ والجَمَاعَةِ، وإنْ كَانَ ظَاهِرُ كلامِهِ أنَّهُ قديمُ النوعِ والآحَادِ.
    قولُهُ: (سَمِعَهُ مُوسَى مِنْ غيرِ واسِطَةٍ): لقولِهِ تَعَالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}[طَه: 13[
    قولُهُ: (وسَمِعَهُ جِبْرِيلُ): لقولِهِ تَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَّبِّكَ} [النحل: 102[
    قولُهُ: (وَمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ ورُسُلِهِ(:أمَّا الملائِكَةُ: فلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثمَّ يُسَبِّحُ أَهْلُ السَّماءِ الَّذين يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنيَا، فيقولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: "مَاذَا قَالَ رَبُّكُمُ" [سَبَأ: 23 [فَيُخْبِرُونَهُمْ)) الحديثَ، رَوَاهُ مسلِمٌ.
    وأمَّا الرُّسُلُ: فقدْ ثَبَتَ أنَّ اللهَ كَلَّمَ محمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ.
    قولُهُ: (وإنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المؤمنينَ ويُكَلِّمُونَهُ): لحديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَقُولُ اللهُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ)) الحديثَ، مُتَّفَقٌ عليهِ.
    قولُهُ: (ويَأْذَنُ لَهُمْ فيَزُورُونَهُ): لحديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوا فِيهَا نَزَلُوا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدَّنْيا فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ...)) الحديثَ، رواهُ ابنُ مَاجَه، والتِّرْمِذِيُّ وقال: غَريبٌ، وضَعَّفَهُ الأَلْبَانيُّ.
    وقولُهُ: وقالَ ابنُ مَسْعُودٍ: (إذا تَكَلَّمَ اللهُ بالوَحْيِ سَمِعَ صَوْتَهُ أَهَلُ السماءِ، وَرُوِيَ ذلكَ عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَثرُ ابنِ مَسْعُودٍ لم أَجِدْهُ بهذا اللَّفْظِ، وذَكَرَ ابنُ خُزَيْمَةَ طُرُقَهُ في (كتابِ التوحيدِ) بأَلفاظٍ مِنْها: (سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ لِلسَّمَاوَاتِ صَلْصَلة)
    وأَمَّا المَرْوِيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهوَ مِنْ حديثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ مَرْفُرعًا: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، فَإذَا تكلَّمَ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ - أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ - شَدِيدةٌ مِنْ خَوْفِ اللهِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَعِقُوا...)) الحديثَ، رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ أَبي حَاتِمٍ.
    فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ:
    وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى: أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ غير مخلوق ، يَسْمَعُهُ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، سَمِعَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَسَمِعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ومَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكتِهِ وَرُسُلِهِ.
    وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المُؤْمِنينَ في الآخِرَةِ ويُكَلِّمُونَهُ ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَزُورُونَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164.[
    وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يا مُوسَى إِنـِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى النَّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلاَمي} [الأعراف: 144
    وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مِنْهُم مَّنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253].
    وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلـِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيـًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51[.
    وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12[.
    وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْني} [طه: 14[.
    وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ.
    وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بالوَحْي، سَمِع صَوتَهُ أَهْلُ السَّماءِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ الخَلائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً غُرْلاً بُهمًا، فَيُنَادِيهِم بِصَوتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُب: أَنا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَانُ)). رَوَاهُ الأَئِمَّةُ واسْتشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ.
    وَفِي بَعْضِ الآثارِ: (أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ رَأَى النَّارَ فَهَالَتْهُ وَفَزِعَ مِنْهَا، نَادَاهُ رَبُّهُ: "يَا مُوسَى"، فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَكَ وَلاَ أَرَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ: "أَنَا فَوْقَكَ وَأَمَامَكَ وورائك وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ"، فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لاَ تَنْبَغي إلاَّ للهِ تَعَالَى، قَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهي، أَفَكَلاَمُكَ أَسْمَعُ، أَمْ كَلاَمُ رَسُولِكَ؟ قَالَ: "بَلْ كَلاَمِي يَا مُوسَى").
    الشيخ:صفةُ الكلامِ ثابتةٌ للهِ -جلَّ وعلا- بالعقلِ وبالسَّمعِ ، ولهذا الَّذين يثبتون الصِّفاتِ السَّبعَ أو الثَّمانِ ، يجعلون صفةَ الكلامِ من تلك الصِّفاتِ الَّتي يثبتونها ؛ لأنَّهُ دلَّ عليها العقلُ ، كما أنَّهُ دلَّ عليها النَّقلُ.
    (1)أمَّا دليلُ العقلِ على هذه الصّفةِ:
    فهو أنَّهُ -جلَّ وعلا- ذكرَ الآلهةَ الَّتي ادُّعِيَت ، وجعلَ عدمَ كلامِهَا دليلاً على عجزِهَا، وأنَّهَا لا تصلح آلهةً، قال جلَّ وعلا: {أفلا يروْنَ ألاَّ يرجِعُ إليهم قولاً ولا يملِكُ لهم ضرّاً ولا نفعاً{.
    وكذلك في قولِهِ جلَّ وعلا: {فَاسْأَلُوهُمْ إن كانُوا ينطِقُون} وذلك أنَّ الفارقَ بين الحيِّ ومن ليست فيه حياةٌ هو الكلامُ ، فإذا كان متكلِّماً كان هذا أكملَ ، بل كان هذا من صفاتِ الكمالِ ، فالكلامُ من صفاتِ الكمالِ ، وعدمُ الكلامِ من صفاتِ النَّقصِ ، ولهذا كانَ هذا يصلحُ دليلاً عقليّاً.
    (2)أنَّ السَّمعَ أثبتَ صفةَ الكلامِ ، فنصوصُ الكتابِ والسّنَّةِ:
    ظاهرةٌ في الدِّلالةِ على صفةِ الكلامِ ؛ قال -جلَّ وعلا-: {وكلّمَ اللهُ موسى تكليماً} وقال -جلَّ وعلا-: {ولمَّا جاءَ موسَى لميقاتِنَا وكلَّمَهُ ربُّهُ{
    وقد سألَ بعضُ أهلِ البدعِ أحدَ أئمَّةِ اللغةِ عن قولِهِ تعالى: {وكلَّمَ اللهُ موسى تكليماً} سألَهُ أن يقرأَها بنصبِ لفظِ الجلالةِ، يعني: (وكلَّمَ اللهَ موسى تكليماً) يعني: أن يجعلَ المتكلِّمَ هو موسى، وأن يجعلَ اللهَ -جلَّ وعلا- هو المُكلَّم ، رغبةً منه أن ينفيَ الصِّفةَ ، صفةَ الكلامِ للهِ جلَّ وعلا ، وذلك الرَّجلُ هو أحدُ رؤوسِ المعتزلةِ أظنه عَمرو بنَ عبيدٍ ، فقالَ هذا الإمامُ: (هَبْنِي قرأتُهَا كذلك ، فما تصنعُ بقولِ اللهِ جلَّ وعلا:}ولمَّا جاء موسى لميقاتِنَا وكلَّمَهُ ربُّهُ}؟).
    وهذا يدلُّكَ على أنَّ أهلَ البدعِ لهم رغبةٌ في نفي ما دلَّ عليه الكتابُ والسّنَّةُ ، فصفةُ الكلامِ ثابتةٌ للهِ جلَّ وعلا.
    فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود:
    بدأ الشيخ يتكلم عن إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى فقال :
    "ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم"
    إطلاق لفظ القديم على الله وقع فيه خلاف, فبعض العلماء يرى أن الله سبحانه وتعالى لم يرد وصفه بالقدم؛ لأن القديم في اللغة العربية هو المتقدم على غيره ومن ثم قالوا :إن الأولى وصفه تعالى بالاسم الشرعي الوارد الذي ليس قبله شيء, ولكن ورد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سنن أبي داود أنه كان يقول حين يدخل المسجد : ((أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم , وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم )) فهذا يدل على أن القديم قد يستعمل أحياناً بمعنى الأزلي فقول الشيخ : "أنه متكلم بكلام قديم"
    أي )) أزلي )), وأهل السنة والجماعة يثبتون لله سبحانه وتعالى صفة الكلام على ما يليق بجلاله وعظمته , لكنهم يقولون : إن كلامه تبارك وتعالى قديم النوع حادث الآحاد؛ لأن الكلام من صفات الأفعال , أي أنه تبارك وتعالى يتكلم فموسى إذن سمع كلام الله مباشرة, وهو بجانب الطور في هذا الوقت , كما دلت الأدلة الأخرى على أن جبريل عليه السلام سمع كلام الله , وكذلك من أذن لـه من ملائكته ورسله, وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ومنه ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : (( ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العر ش, ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم , حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا,فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم )) .
    فهذا يدل على أن جبريل والملائكة يسمعون كلام الله سبحانه وتعالى . إذن هو تبارك وتعالى يتكلم بكلام مسموع . وكذلك فإن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم سمعوا كلامه كما في قصة موسى, وكما في قصة محمد صلى الله عليه وسلم , فإن الله كلمه كفاحاً ليلة المعراج , وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما .
    ثم قال : "وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة" وهذا أيضاً ورد في الصحيحين وغيرهما حيث وردت في ذلك, أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم , منها أن الله عزوجل يقول لأهل الجنة : ((يا أهل الجنة , فيقولون : لبيك وسعديك )) .إلى آخر الحديث .
    فهذا نص صريح في أن الله يخاطب أهل الجنة ويكلمهم ويكلمونه, وهي أحاديث صحيحة صريحة, دالة دلالة قاطعة على هذه الصفة .
    فضيلة الشيخ ابن جبرين:
    (1)هذهِ من الأدلَّةِ على أنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ وَيَتَكَلَّمُ إذا شَاءَ:
    والدَّليلُ قولُهُ تَعَالَى: }وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، واضحٌ في أنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسَى وأنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلاَمَهُ.
    وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ} ، يَعْنِي: مُوسَى، أوْ يَعْنِي: من الرُّسلِ مَنْ كَلَّمَهُ اللهُ.
    وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]، إلى قولِهِ تَعَالَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: 144]، واضحٌ في أنَّ اللهَ كَلَّمَهُ ، وأنَّهُ اصْطَفَاهُ وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ ، وَبِتَكْلِيمِهِ لهُ ، وأنَّ اللهَ أَسْمَعَهُ الكلامَ.
    وقدْ ذُكِرَ أنَّ أَحَدَ الجَهْمِيَّةِ جاءَ إلى أبي عَمْرِو بنِ العلاءِ ؛ أَحَدُ القُرَّاءِ السَّبعةِ في العراقِ ، وقالَ: أُرِيدُ منكَ أنْ تَقْرَأَ هذهِ الآيَةَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّساء: 164] بِنَصْبِ (اللهَ)، وَقَصْدُهُ أنْ يَكُونَ مُوسَى هوَ الَّذي كَلَّمَ رَبَّهُ ، لاَ أَنَّ اللهَ هوَ الَّذي كَلَّمَ مُوسَى ، يُرِيدُ بذلكَ نَفْيَ كلامِ اللهِ لِمُوسَى ، ولكنَّ أَبَا عَمْرٍو رَحِمَهُ اللهُ قالَ لهُ: هَبْ أَنِّي قَرَأْتُ أَنَا أوْ أَنْتَ هذهِ الآيَةَ هكذا، فكيفَ تَفْعَلُ بقولِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}، هلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُغَيِّرَهَا ؟ هلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُقَدِّمَ فيها أوْ تُؤَخِّرَ ؟ فَتَحَيَّرَ ذلكَ الجَهْمِيُّ ، وَعَرَفَ أنَّهُ لا حِيلَةَ لهُ في تَغْيِيرِ هذهِ الكلمةِ.
    فَعُرِفَ بذلكَ أنَّ التَّكليمَ هوَ الكلامُ؛ ولهذا قالَ تَعَالَى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشُّورى:51[، يَعْنِي: أوْ يُكَلِّمَهُ منْ وراءِ حجابٍ كما حَصَلَ لِمُوسَى.
    (2)مِن الأَدِلَّةِ أيضًا آياتُ النداءِ ؛ فالنِّداءُ لا يُعْرَفُ إلاَّ بالكلامِ.
    وقدْ ذَكَرَ اللهُ النداءَ في عِدَّةِ آياتٍ، فَفِي سُورَةِ القصصِ ذَكَرَهُ في ثلاثِ آياتٍ، قالَ تَعَالَى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62]، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65[، فالنِّدَاءُ لا يكونُ إلاَّ بصوتٍ وبكلامٍ مسموعٍ، قالَ اللهُ تَعَالَى} :وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ ]الشُّعراء: 10]، وقالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [النَّازعات: 15 –16[، وفي هذهِ الآيَةِ: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} إلى قولِهِ تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 11- 14]، وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52[.
    فلا شَكَّ أنَّ النِّداءَ كَلاَمٌ مسموعٌ ، فلا بُدَّ أنْ يَكُونَ كلامُ اللهِ الَّذي تَكَلَّمَ بهِ من الكلامِ المسموعِ الَّذي فَهِمَهُ مُوسَى ؛ ولهذا لَمَّا سَمِعَ كلامَ اللهِ سَأَلَ النَّظَرَ إليهِ وقالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] الآيَةَ ، فَدَلَّ على أنَّهُ سَمِعَ كلامَ اللهِ.
    ولا شَكَّ أنَّ مُوسَى سَمِعَ قولَ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا نَهُ الَّذي نَادَاهُ.
    (3)يَكْفِينَا أنَّهُ رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وقدْ ذُكِرَ في (كتابِ التوحيدِ) في بابِ قولِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] ، حديثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بِالأَمْرِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ - أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ، خَوْفًا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ- فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا للهِ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ، فَيُكَلِّمُهُ اللهُ - وهذا صريحٌ في أنَّهُ يُكَلِّمُهُ اللهُ منْ وَحْيِهِ بِمَا يَشَاءُ - فَيَنْتَهِي جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ.((
    وفي هذا دليلٌ واضحٌ على أنَّ مُوسَى وجبريلَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ كُلاًّ مِنْهُمَا سَمِعَ كلامَ اللهِ، وَلاَ بُدَّ أنْ يَكُونَ المَسْمُوعُ مَفْهُومًا لِكُلِّ مَنْ سَمِعَه
    وقدْ وَرَدَ في حديثٍ آخَرَ: ((فَيُنَادِي آدَمَ بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ))، فهذا وَنَحْوُهُ دليلٌ واضحٌ على أنَّ كلامَ اللهِ تَعَالَى مَسْمُوعٌ ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ وَيَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ.
    فضيلة الشيخ صالح الفوزان:
    
المتن:
    (ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم ,يسمعه منه من شاء من خلقه).
    الشرح:
    لما تكلم عن بعض الصفات فيما سبق , أفرد صفة الكلام بفصل خاص؛ وذلك لأهمية هذه المسألة , وكثرة ما وقع فيها من الضلال والانحراف ,فهو أفردها بفصل عما قبلها؛ وصفة الكلام لله عز وجل كسائر الصفات ,الله موصوف ,بأنه يتكلم كيف شاء سبحانه , ومتى شاء، فكلامه من الصفات الفعلية التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى، تكلم في الماضي ,ويتكلم في المستقبل ,ويتكلم في يوم القيامة متى شاء سبحانه وتعالى ,أن يتكلم؛فإنه يتكلم ,وكلام الله,قديم النوع حادث الآحاد يعني: صفة الكلام من حيث هي قديمة , فالله ما زال يتكلم؛ لأنه سبحانه بصفاته قديم أزلي ,لا بداية له سبحانه وتعالى ,ولا بداية لأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى وأما آحاد الكلام فإنها تتجدد وتحدث شيئاً فشيئاً ,يتكلم متى شاء سبحانه وتعالى كسائر صفاته الفعلية فالكلام صفة ذاتية فعليه.
    وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، والآيات والأحاديث
    في هذا كثير
    المتن:
    (ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم).
    الشرح:
    بكلام قديم النوع ,فلا يقال , قديم مطلق كذا ,يقال: قديم النوع حادث الآحاد، يعني: جنس الكلام قديم , وأما أنواعه فهي تتجدد وتحدث متى شاء الله سبحانه وتعالى.
    المتن:
    (يسمعه منه من شاء من خلقه).
    الشرح:
    يسمعه منه من شاء من خلقه، يسمعه جبريل عليه السلام , فيحمله ويبلغه إلى أنبيائه، وسمعه موسى عليه الصلاة والسلام.فيوحي بإذنه ما يشاء ,وهذا بواسطة الملك.
    فإذن تكليم الله إما أن يكون إلهاماً ,وإما أن يكون تكليماً من وراء حجاب ,وإما أن يكون تكليماً بواسطة الملك ,وأما أن يكلم الله جل وعلا أحداً من خلقه في الدنيا من غير حجاب ,ويرى ربه رؤية عيان , فهذا لم يحصل لأحد , وإنما هذا في الآخرة للمؤمنين خاصة.
    فالشاهد من الآية أن الله أثبت لنفسه الكلام ,وأنه يكلم من يشاء من وراء حجاب ,أو بالوحي ,أو بواسطة الملك.
    فضيلة الشيخ الغفيص:
    يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى موصوف بصفة الكلام كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال السلف، وأنه سبحانه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بإرادته ومشيئته، فهو يتكلم بما شاء وكيف شاء و متى شاء، ويعتقدون أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
    قال الموفق رحمه الله:
    ]ومن صفات الله تعالى: أنه متكلم بكلام قديم .[
    أهل السنة يقولون: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بهذه الصفة، وأنه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بمشيئته وإرادته، فهو يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء، كما يعتقد أهل السنة أن القرآن كلام الله حقيقةً وليس مجازاً. كما أن دلائل اتصاف الرب سبحانه وتعالى بالكلام متواترة في القرآن. فإن قيل: كيف يحصلون هذا؟ قيل: لأن كل آية نداء في القرآن يجعلونها دليلاً على إثبات الكلام؛ وذلك لأن المنادي لا بد أن يكون متكلماً، فقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا{، }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ{ ، }يَا أَيُّهَا النَّاسُ{ هذه الآيات نداء، فيجعلونها من أدلة إثبات الكلام، وكذلك آيات القول: }وَقَالَ رَبُّكُمْ{ فإذا أضيف القول إليه سبحانه دل على أنه متكلم .
    فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك:
    وقوله -تعالى-: }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا{
    وقوله: }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً{
    وقوله -تعالى-: }وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ{
    وقوله: }وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا{
    وقوله: }وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا{
    وقوله: }مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ{
    وقوله: }وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ{
    وقوله: }وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا{
    وقوله: }وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{
    وقوله: }وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ{
    وقوله: }وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ{
    وقوله: }وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ{
    وقوله:} وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{
    وقوله: }يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ{
    وقوله: }وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ{
    وقوله: }إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{
    فهذه الآيات ساقها الإمام ابن تيمية -رحمه الله- للاستدلال بها على إثبات كلام الله، وأن الله يتكلم، ويكلم، وقال: والنصوص في هذا -كما سمعنا- كثيرة، النصوص القرآنية الدالة على إثبات صفة الكلام لله كثيرة جدا.
    وأهل السنة يؤمنون بما دلت عليه هذه النصوص، يؤمنون بأنه -تعالى- يتكلم ويكلم من شاء كيف شاء، بل إنه -تعالى- لم يزل متكلما إذا شاء بما شاء وكيف شاء، لم يزل متكلما إذا شاء لم يحدث له الكلام، بعد أن كان غير متكلم، بل لم يزل يتكلم إذا شاء بما شاء، فيوصف بأنه بالقول يقول، وبأنه يتكلم -سبحانه وتعالى- وأنه ينادي ويوصف بأنه ينادي بالمناداة، ويناجي أيضا، فهو -سبحانه وتعالى- يتكلم كلاما يسمعه من شاء من عباده.
    إذن هو يتكلم بحرف وصوت، يعني: بالكلمات بكلمات بحروف، فكلامه حروف وكلمات وسور وآيات، فيجب الإيمان بذلك إثبات صفة الكلام له -سبحانه وتعالى- مع نفي مماثلته -تعالى- للمخلوقات، فكلامه وتكلمه ليس ككلام أحد من الخلق }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{
    فضيلة الشيخ عبدالرحمن السلمي:
    الأدلة على أن كلام الله بصوت
    وأما كون الله عز وجل يتكلم بصوت فهذا ثابت من عدة جهات: أنه ورد في حديث الشفاعة الطويل أنه قال: (ينادي الله بصوت يسمعه من بعد كما يسمه من قرب) فقوله: (بصوت) يدل على أن الله عز وجل يتكلم بصوت. ثم النداء في قوله تعالى: }وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ{ [مريم:52[، والنداء المنسوب إلى الله عز وجل والقول في لغة العرب يكون بالصوت، ولا يسمى نداء بدون صوت. وصفة الكلام صفة ثابتة لله عز وجل، وقد كان أهل السنة في زمن الصحابة والتابعين يثبتون هذه الصفة، وليس عندهم أي إشكال فيها، والنداء في لغة العرب هو الذي يكون مشتملاً على الصوت، فإنهم لا يسمون نداءً ما كان في النفس، فلو أنك في نفسك طلبت مجيء فلان فلا يسمى هذا نداء في لغة العرب، وإنما النداء المشتمل على الصوت، وهو صوت يليق بجلاله سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله وقال سبحانه: }إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي{ [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله). وهذه من الإلزامات التي ألزم أهل السنة بها المعتزلة، فإنه قال}: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا{ [طه:14]، فلو كان القرآن مخلوقاً أو كان القائل له جبريل كما يقول الأشعرية، فإن معنى هذا أنه ينسب لنفسه الخلق، ولا يصح لمخلوق أن ينسب لنفسه أنه هو الله.
    فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي:
    ومن الأدلة العقلية على أن الله يتكلم: أن الوصف بالتكلم كمال وضد التكلم نقص؛ كما قال تعالى عن العجل: }وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا {[الأعراف:148]، وقال سبحانه في الآية الأخرى: } أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا { يعني العجل }وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا{ [طه:89]، فدل على أن نفي رد القول ونفي التكلم نقص يستدل به على عدم إلهية العجل، فالله تعالى بين أن هذا العجل لا يتكلم ولا يرد القول ولا يسمع ولا يملك ضراً ولا نفعاً فكيف يعبد من دون الله؟! وكيف تعبدون عجلاً لا يسمع ولا يرد القول ولا يتكلم؟! فدل على أن عدم التكلم نقص يستدل به على عدم إلهية العجل. وبنو إسرائيل الذين عبدوا العجل -مع كفرهم- هم أعرف بالله من المعتزلة في هذه المسألة؛ لأنهم لم يردوا على موسى ويقولوا: وربك لا يتكلم أيضاً، فهذا يدل على أنهم يثبتون الكلام، أما المعتزلة فقالوا: إن الله لا يتكلم، فنعوذ بالله؛ فالذين عبدوا العجل في هذه المسألة صاروا أحسن من المعتزلة.
    وإنكار الكلام إنكار لأعلى نعيم يعطاه أهل الجنة الذين ما طابت لهم الجنة إلا بذلك. وأهل البدع -والعياذ بالله- أنكروا كلام الله وعلوه وأنه يُرى في الآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.
    فضيلة الشيخ عبدالكريم الخضير:
    فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- مثبتاً صفة الكلام لله -جل وعلا- مستدلاً بما جاء عنه في كتابه الكريم من الآيات؛ لأن هذا الفصل موضوع للأدلة القرآنية التي أثبت الله بها لنفسه هذه الصفات المذكورة، ومنها صفة الكلام، قال -رحمه الله-قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا{[(87) سورة النساء] }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً{ 122] سورة النساء]أي لا أحد أصدق من الله حديثاً، ولا أحد أصدق الله قيلاً، فالحديث هو الكلام، والقيل: أيضاً هو القول، والقول هو الكلام، وإن كان القول أعم عند النحاة، القول أعم من الكلام عند النحاة، لكنه هنا المراد به الكلام، والحديث يراد به الكلام، والحديث المراد به هنا كلام الله -جل وعلا- في كتابه المنزل على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء، فهو يعم كلام الله -جل وعلا- من القرآن وغيره مما أنزله الله -جل وعلا- على رسله، وكذلك القيل والقول فهو الكلام المنزل على أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
    فقد بين العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- معنى ما قرره أهل السنة والجماعة من أن كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد فقال في شرح لمعة الاعتقاد: ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، ليس الكلام حادثاً منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد أن آحاد كلامه أي الكلام المعين المخصوص حادث لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء. انتهى.
    ومن هنا تعلم أن قولهم حادث الآحاد ليس معناه أن كلامه مخلوق حادث؛ بل كما بين الشيخ -رحمه الله- أن كلامه تعالى متعلق بمشيئته، فإذا شاء تكلم كما قال تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ {الأعراف:143}، فقد كلم الله موسى بكلام في وقت معين، وكان قبل ذلك موصوفا بالكلام على ما يليق به جل وعلا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وهو أيضاً يتكلم بمشيئته وقدرته عندهم لم يزل متكلماً إذا شاء فهو قديم النوع، وأما نفس النداء الذي نادى به موسى ونحو ذلك فحينئذ ناداه كما قال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى. وكذلك نظائره، فكان السلف يفرقون بين نوع الكلام وبين الكلمة المعينة. انتهى، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 45686.
    والله أعلم.


    معنى كون صفات الله الفعلية قديمة النوع، حادثة الآحاد
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
    فلمعرفة المقصود بقدم النوع، وحدوث الآحاد، لا بد من معرفة أن صفات الرب سبحانه وتعالى منها صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن البارئ، فلم يزل ولا يزال متصفا بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر. ومنها صفات فعلية: وهي التي يفعلها الرب متى شاء مثل: الكلام، والنزول، والاستواء، والغضب، والرضا. وقد تكون الصفة ذاتية، فعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى شاء بما شاء؛ كما في قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس:82}.
    قال الشيخ ابن عثيمين في شرح لمعة الاعتقاد: ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، ليس الكلام حادثاً منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد أن آحاد كلامه أي الكلام المعين المخصوص حادث؛ لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء.انتهى.
    وقال الشيخ صالح آل الشيخ: أهل السنة يقررون في هذا الباب، يقررون أن صفة الكلام لله جل وعلا قديمة النوع، حادثة الآحاد. يعنون بذلك أن الله جل وعلا لم يزل متكلما. حادثة الآحاد، لم يزل الله جل وعلا متكلما سبحانه، يتكلم كيف شاء، إذا شاء، متى شاء. كلامه قديم وأفراد الكلام حديثة. يعني أن كلام الله جل وعلا لعيسى بقوله: يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ هذا لم يكن كلاما في الأزل بل كان كلاما حين وُجِدَ عيسى، وصار هذا الكلام متوجها إليه، هذا كلام أهل السنة. انتهى.
    وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 54133.
    والله أعلم.
    فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لم يزل متكلمًا، وأنه يتكلم متى شاء، وأن كلامه بحرف وصوت يسمع؛ فالكلام صفة ذاتية فِعْـلية، فهو صفة ذاتية باعتبار أصله، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وصفة فعلية باعتبار آحاد الكلام، لأن الكلام يتعلق بمشيئته فيتكلم كيف شاء ومتى شاء.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في الفتاوى: وأما أهل السنة، وأئمة السنة، وكثير من أهل الكلام، كالهاشمية، والكرامية، وأصحاب أبي معاذ التومني، وزهير اليامي، وطوائف غير هؤلاء يقولون: إنه صفة ذات وفعل، هو يتكلم بمشيئته، وقدرته، كلامًا قائمًا بذاته، وهذا هو المعقول من صفة الكلام لكل متكلم، فكل من وصف بالكلام من الملائكة، والبشر، والجن، وغيرهم، فكلامهم لا بد أن يقوم بأنفسهم، وهم يتكلمون بمشيئتهم، وقدرتهم، والكلام صفة كمال لا صفة نقص، ومن تكلم بمشيئته، أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته، فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق. اهـ.
    والقرآن كلام الله، غير محدث، بمعنى غير مخلوق، لكن الله تعالى يتكلم متى شاء، بكلام بعد كلام، كما كلم آدم، ثم كلم موسى، وسيكلم المؤمنين في الآخر، وهذا معنى قولك: يجدد كلامه.
    ومن قال من الأئمة إن الكلام قديم، فمراده أنه غير مخلوق، لا نفي تجدد الكلام.
    وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عن قول بعضهم: كلام الله قديم؟ فأجاب: هذه جاءَت في كلام بعض المشاهير، كالموفق ـ يعني ابن قدامة ـ وهي ذهول، وإلا فهو الأَول بصفاته، والذي تنطبق عليه النصوص أَن يقال: قديم النوع، حادث الآحاد، وليس المراد بالحدوث الخلق، بل وجود ما كان قبلُ غيرَ موجود، فالله كَلَّمَ، وَيُكَلِّمُ أَهل الجنة، وأَي شيء في هذا؟! بل هذا من لازم الكمال والحياة، فالحاصل أَن الصواب في هذا الباب أَنه أَول النوع حادث الآحاد، وأَول النوع أَسلم من قديم النوع. اهـ.
    وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: وأما وصف كلام الله بالقدم: فلم يعرف عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ولا عن أئمة السلف رحمهم الله، وإنما كان أهل السنة يقولون أيام المحنة: كلام الله غير مخلوق، ويقول مخالفوهم: كلام الله مخلوق، فوصف كلام الله بأنه قديم اصطلاح حادث، ولو جرينا عليه قلنا: كلام الله قديم النوع حادث الآحاد؛ لأن الله تعالى لم يزل متكلما، ولا يزال متكلما بما يشاء، وحتى أنه ليتكلم يوم القيامة مع المؤمنين والكافرين وغيرهم بما يشاء. اهـ.
    والله أعلم.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
    فلم ينقل عن إمام من أئمة السلف، القول بأن القرآن قديم العين، بمعنى أنه تكلم الله به في الأزل!
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أحدا من السلف، والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وأنه لا يتعلق بمشيئة وقدرته. ولكن اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. والمخلوق عندهم ما خلقه الله من الأعيان، والصفات القائمة بها. اهـ.
    وما أوهم هذا المعنى من كلامهم، فإن المراد به صفة الكلام لا خصوص القرآن، ولذلك إنا نقول: الإشكال عند السائل يزول بالتفريق بين نوع الكلام وآحاده، فإن كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد. وراجع في ذلك الفتويين: 54133، 132146.
    وهذا يتضح أكثر وأكثر بالتفريق بين الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، والصفات الذاتية الفعلية، ومنها صفة الكلام. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35232.
    ولمزيد الإيضاح والتأصيل في هذا الموضوع، يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 245443.
    هذا بالإضافة إلى ما تقدم أن أجبنا به السائل قبل ذلك، على أسئلة له سابقة متعلقة بالموضوع نفسه، كالفتاوى التالية أرقامها: 161061، 323416، 307057.
    ولمزيد الفائدة، فإننا ننبه على أن مذاهب الناس في مسألة الكلام كثيرة متشابكة، ولا يسلم منها إلا مذهب السلف، وضبطه يكفي المرء تشعب الخلاف وتشابكه.
    ولبيان هذه المذاهب ننقل للسائل كلام ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية، حيث قال: افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:
    ـ أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني ... وهذا قول الصابئة، والمتفلسفة.
    ـ وثانيها: أنه مخلوق، خلقه الله منفصلا عنه، وهذا قول المعتزلة.
    ـ وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي، والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالأشعري وغيره.
    ـ ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام، ومن أهل الحديث.
    ـ وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما، وهذا قول الكرامية وغيرهم.
    ـ وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه، وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل إليه الرازي في المطالب العالية.
    ـ وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته، هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي.
    ـ وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات، وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، وهذا قول أبي المعالي، ومن اتبعه.
    ـ وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وهذا المأثور عن أئمة الحديث، والسنة. اهـ.
    والله أعلم.
    اسلام ويب
    قلت معنى قولهم حادث الآحاد أي أن آحاد الكلام المعين ليس قديما بقدم الله وأنه متعلق بمشيئة الله يتكلم بمشيئته وقدرته متى شاء كيف شاء بما شاء كما يدل عليه كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
    وليس معنى حادث مخلوق لأن كلام الله كله غير مخلوق وصفات الله كلها غير مخلوقة

  2. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    النصوص التي تدل على كلام الله بالقرآن بمشيئته وقدرته
    باب قول الله تعالى كل يوم هو في شأن و ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة

    7084 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا حاتم بن وردان حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله تقرءونه محضا لم يشب
    7085 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس قال يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب [ ص: 2736 ] وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم الكتب قالوا هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنا قليلا أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم
    من السنة ما رواه البخاري عن ابن مسعود معلقاً: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئاً، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق، ونادوا: ماذا قال ربكم قالوا: الحق»، ورواه أبو داود برقم (4738) موصولاً، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق فيقولون الحق الحق».

    حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر قال : سمعت داود ، عن عامر ، عن مسروق قال : إذا حدث عند ذي العرش أمر سمعت الملائكة صوتا كجر السلسلة على الصفا قال : فيغشى عليهم ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم؟ قال : فيقول من شاء الله : الحق وهو العلي الكبير .

    وهو في البخاري برقم(4800) عن أبي هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء».
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود وغيره: ((إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق فيقولون الحق الحق))قال الألباني : ((إسناده صحيح على شرط الشيخين)) وقد روى موقوفاً نحوه تعليقاً عند البخاري فليراجع تعليق الألباني رحمه الله عليه في السلسلة.
    قول عائشة في صفة الإفك: ((والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى))
    وقال مسروق عن ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئا فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا (ماذا قال ربكم قالوا الحق) ))
    ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يبين أنه سبحانه يوحيه لجبريل بعد ذلك وهو قوله: ((أنزل القرآن جملة من السماء العلياء إلى السماء الدنيا في رمضان ، وكان الله إذا أن يحدث شيئاً احدثه يعني بالوحي )) رواه ابن منده في التوحيد 3/172 وفي لفظ عند ابن جرير في التفسير : ((وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه))
    وقد أخرج الطبري (2/154)، والنسائي (6/519)، والحاكم (2/242)، والبهيقي (4/306)، عن ابن عباس رضي الله عنه بألفاظ متقاربة أنه قال: «أنزل الله القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا منه انزله من حتى جمعه»، والأثر إسناده صحيح، وقد صححه الحافظ ابن حجر في الفتح (8/620)
    وكما ثبت عن ابن عباس ( ونزّله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم ) . ( رواه الطبراني والبزار ) .

    وفي رواية أخرى ، قوله :
    ( فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً ) . ( أخرجه ابن أبي حاتم ) .

    وأيضاً :
    ( نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه ) . ( موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ) .
    (2 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعا وأتى المقام فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه ثم قال نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا وقرأ إن الصفاوالمروة من شعائر الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
    حديث مرفوع) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ ، عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ ابْنُ هُرْمُزَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ ، قَالَا : سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " احْتَجَّ آدَمُ ، وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام عِنْدَ رَبِّهِمَا ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ، قَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ ، فَقَالَ آدَمُ : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا ، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ قَالَ مُوسَى : بِأَرْبَعِينَ عَامًا ، قَالَ آدَمُ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا : وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى سورة طه آية 121 ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " .
    قد روى الخلال قال أخبرني عبد الله بن حنبل حدثني حنبل سمعت أبا عبد الله [يعني أحمد بن حنبل] يقول: ((قال الله في كتابه العزيز : (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) فجبريل سمعه من الله تعالى ، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل وسمعه أصحاب النبي من النبي فالقرآن كلام الله غير مخلوق ولا نشك)) التسعينة 1/359
    وقال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سماه الفصول في الأصول ، عن الأئمة الفحول ، إلزاما لذوي البدع والفضول " وذكر اثنا عشر إماما وهم : الشافعي ، ومالك ، والثوري ، وأحمد ، والبخاري ، وابن عيينة ، وابن المبارك والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، قال فيه :


    سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد[بن شكرويه الأصبهاني القاضي الفقية المعمر] يقول : سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد[الإمام العلامة الفقيه شيخ الشافعية المعروف بالقفال الصغير] يقول : سمعت الشيخ أبي حامد الإسفراييني يقول : مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر ، والقرآن حمله جبريل عليه السلام مسموعا من الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم التسعينية3/880
    قال الحافظ في الفتح: ((والمنقول عن السلف اتفاقهم على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، تلقاه جبريل عن الله وبلغه جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام وبلغه صلى الله عليه وسلم إلى أمته))
    فتاوي العلماء
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
    فوصف القرآن المجيد بأنه قديم يطلق ويراد به معنيان:
    المعني الأول: أن القرآن معنى تكلم الله به في الأزل، فهو قديم العين، وهذا من البدع بلا شك، ومنشأ هذا القول هو اعتقاد أن كلام الله معنى واحد قائم بالنفس، كما يقول الأشاعرة ومن وافقهم، وقد سبق بيان ذلك وإبطاله في الفتوى رقم: 19390. وأما الذي عليه أهل السنة والجماعة فهو أن الله تعالى لم يزل متكلما، وأنه يتكلم متى شاء، وأن كلامه بحرف وصوت يسمع، فالكلام صفة ذاتية فعـلية، فهو صفة ذاتية باعتبار أصله، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلما، وصفة فعلية باعتبار آحاد الكلام، لأن الكلام يتعلق بمشيئته فيتكلم كيف شاء ومتى شاء، وراجع في ذلك الفتويين: 35232، 3988.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هؤلاء اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته. ثم اختلفوا: فمنهم من قال: القديم هو معنى واحد، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن، وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا، والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة. قالوا: والقرآن العربي لم يتكلم الله به، بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام، وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد، فيكون كلاما لذلك الرسول، ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب، الذي هو جميع معاني الكلام. ومنهم من قال: بل القرآن القديم هو حروف، أو حروف وأصوات، وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا.. والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف، أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين، الذين لهم في الأمة لسان صدق، في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم. وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب. اهـ.
    وقال العلامة بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية: عقيدة أهل الإسلام مِنْ لدُنِ الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا هي ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة: من أن القرآن العظيم كلام الله تعالى. وكانت هذه العبارة كافية لا يزيدون عليها، فلما بانت في المسلمين البوائن، ودبت الفتن فيمن شاء الله، فاه بعض المفتونين بأقوال وعبارات يأباها الله ورسوله والمؤمنون، وكلها ترمي إلى مقاصد خبيثة ومذاهب رديئة، تنقض الاعتقاد، وتفسد أساس التوحيد على أهل الإسلام، فقالوا بأهوائهم مبتدعين: القرآن مخلوق، خلقه الله في اللوح المحفوظ أو في غيره.. القرآن قديم.. القرآن حكاية عن كلام الله... وأمام هذه المقولات الباطلة والعبارات الفاسدة، ذات المقاصد والمحامل الناقضة لعقيدة الإسلام، قام سلف هذه الأُمة وخيارها وأئمتها وهداتها في وجوه هؤلاء، ونقضوا عليهم مقالاتهم، وأوضحوا للناس معتقدهم، وثبتوا الناس عليه بتثبيت الله لهم، فقالوا: هذا المنزل هو القرآن، وهو كلام الله، وأنه عربي. القرآن كلام الله حقيقة. القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ تنزيلاً، ويعود إليه حُكْماً. اهـ.
    والمعني الثاني: أنه غير مخلوق، وأن جنس الكلام في حقه سبحانه قديم، ولم يزل عز وجل متكلما متى شاء وكيف شاء. وهذا حق. وهذا هو مراد من وصف القرآن بذلك من أهل السنة، كاللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وابن قدامة في لمعة الاعتقاد.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا قيل: كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته، بل لم يزل متكلما إذا شاء، فهذا كلام صحيح. ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن حروف القرآن، أو حروفه وأصواته، قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء، بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف. اهـ.
    وقال أيضا: السلف قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وقالوا: لم يزل متكلما إذا شاء. فبينوا أن كلام الله قديم، أي جنسه قديم لم يزل. ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم. بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق. وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته، كان القرآن كلامه، وكان منزلا منه غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء، فجنس كلامه قديم.اهـ.
    وقال العلامة ابن عثيمين في شرح لمعة الاعتقاد: كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد، ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، ليس الكلام حادثاً منه بعد أن لم يكن. ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه أي الكلام المعين المخصوص حادث، لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 54133.
    والله أعلم.

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
    فلم يتضح لنا من يقصد السائل بقوله: (لماذا تقولون إن القرآن محدث ؟) أما نحن فلم نقل بذلك ولن نقوله. وأما تفسير الآثار الواردة في السؤال، فيستبين بقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه هو حديث، وهو أحسن الحديث، وليس بمخلوق باتفاقهم، ويسمى حديثًا وحادثًا، وهل يسمى محدثًا ؟ على قولين لهم. ومن كان من عادته أنه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل كما كان هذا الاصطلاح هو المشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآن في محنة الإمام أحمد رحمه اللّه وكانوا لا يعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال: القرآن محدث، بل من قال: إنه محدث، فقد قال: إنه مخلوق. ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الإطلاق على داود لما كتب إليه أنه تكلم بذلك، فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا فأنكره أئمة السنة. وداود نفسه لم يكن هذا قصده، بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام اللّه غير مخلوق، وإنما كان مقصوده أنه قائم بنفسه، وهو قول غير واحد من أئمة السلف، وهو قول البخاري وغيره. والنزاع في ذلك بين أهل السنة لفظي، فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل، ومتفقون على أن كلام اللّه قائم بذاته، وكان أئمة السنة كأحمد وأمثاله، والبخاري وأمثاله، وداود وأمثاله، وابن المبارك وأمثاله، وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم، متفقين على أن اللّه يتكلم بمشيئته وقدرته، ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم. وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كُلاب. اهـ.
    وقال أيضا رحمه الله: إن أردت بقولك: محدث، أنه مخلوق منفصل كما يقول الجهمية والمعتزلة والنجارية، فهذا باطل لا نقوله، وإن أردت بقولك: إنه كلام تكلم الله به بمشيئته بعد أن لم يتكلم به بعينه، وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك مع أنه لم يزل متكلما إذا شاء فإنا نقول بذلك. وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو قول السلف وأهل الحديث. اهـ.
    وبهذا يتبين متى يقبل هذا القول ومتى يرد، بحسب المراد منه، وقد وضح ذلك الحافظ ابن كثير عند كلامه على مبدأ فتنة القول بخلق القرآن في عصر المأمون وأنه كتب الكتب بامتحان الناس بذلك، وكان مضمونها الاحتجاج بأن القرآن محدث، وكل محدث مخلوق.
    قال ابن كثير: وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الأفعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون: هو محدث. وليس بمخلوق، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ. {الأنبياء: 2}. وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ. {الأعراف: 11}. فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وذا له موضع آخر، وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد. اهـ.
    وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: من قال إن القرآن محدث، فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق، فهنا لا نخاطبه بذلك ولا نقول إنه محدث؛ خشية أن يتوهم ما ليس بجائز. اهـ.
    وقال الشيخ بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية: قال الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ. {الأنبياء: 2}. أي إن الله تعالى تكلَّم بالقرآن بمشيئته بعد أن لم يتكلم به بعينه، وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك، ولم يزل سبحانه متكلماً إذا شاء، فالقرآن محدث بهذا المعنى. أما تسمية المبتدعة له محدثاً بمعنى مخلوق فهذا باطل، لا يقول به إلا الجهمية والمعتزلة. فهذا الإطلاق بهذا الاعتبار لا يجوز. اهـ.
    وراجع لمزيد الإيضاح والفائدة الفتوى رقم: 46415.
    والله أعلم.

    اسلام ويب

    تنبيه مهم جدا
    إن الأفضل والأسلم عدم اطلاق لفظ القديم ولا المحدث فلا نقول بأحدهما ولا نسمي القرآن بأحدهما بل نقتصر على اعتقاد بأن القرآن تكلم الله بمشيئته وقدرته وكذلك جميع كتبه ليست قديمة بقدم الله الأولى والأسلم في ذلك أن يقتصر على الألفاظ الواردة عن السلف ، السالمة من الإجمال واحتمال المعاني الباطلة لئلا توهم معنى غير صحيح فنقتصر على اعتقاد أن القرآن ، وسائر كلام الله تعالى ، منزل من عنده غير مخلوق ، ومع ذلك فهو متعلق بمشيئته واختياره وقدرته سبحانه ثم نسكت عما وراء ذلك ونجتنب الألفاظ الحادثة الموهمة والله أعلم

    وصف القرآن بالقدم ، أو وصف كلام الله تعالى بأنه قديم ، يراد به معنيان :
    الأول : أنه غير مخلوق ، كما تقدم ؛ وأن جنس الكلام ، في حق الله تعالى ، قديم ، لم يزل متكلما ، متى شاء ، وكيف شاء ، ويكلم من عباده من شاء . وهذا حق ، وهذا هو مأخذ من أطلق " القِدَم " في حق القرآن ، أو في حق كلام الله تعالى عامة ، من أهل السنة .
    ومن هؤلاء : أبو القاسم اللالكائي في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة "
    قال (2/224) : " سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة " .
    ثم قال (2/227) : " ما روي من إجماع الصحابة على أن القرآن غير مخلوق " .
    وممن أطلق ذلك أيضا : ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في لمعة الاعتقاد . قال (15) :
    " ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه ، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة ، وسمعه جبريل عليه السلام ، ومن أذن له من ملائكته ورسله ، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه ، ويأذن لهم فيزورونه ، قال الله تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [ النساء : 164 ] ، وقال سبحانه : { يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي } [ الأعراف : 144 ] ، وقال سبحانه : { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } [ البقرة : 253 ] ، وقال سبحانه : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى : 51 ] ، وقال سبحانه : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى }{ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } [ طه : 11 - 12 ] ، وقال سبحانه : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } [ طه : 14 ] ، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله ... " انتهى .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " السلف قالوا : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وقالوا لم يزل متكلما إذا شاء . فبينوا أن كلام الله قديم ، أي : جنسه قديم لم يزل .
    ولم يقل أحد منهم : إن نفس الكلام المعين قديم ، ولا قال أحد منهم القرآن قديم .
    بل قالوا : إنه كلام الله منزل غير مخلوق .
    وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته ، كان القرآن كلامه ، وكان منزلا منه غير مخلوق ، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله ، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء ؛ فجنس كلامه قديم .
    فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض " انتهى مجموع الفتاوى (12/54) .
    وقال ـ رحمه الله ـ أيضا :
    " وكلام الله : تكلم الله به بنفسه ، تكلم به باختياره وقدرته ، ليس مخلوقا بائنا عنه . بل هو قائم بذاته ، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته ، ليس قائما بدون قدرته ومشيئته .
    والسلف قالوا : لم يزل الله تعالى متكلما إذا شاء ؛ فإذا قيل : كلام الله قديم ; بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، ولا كلامه مخلوق ، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته ; بل لم يزل متكلما إذا شاء فهذا كلام صحيح .
    ولم يقل أحد من السلف : إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون : القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود .
    ولم يقل أحد منهم : إن القرآن قديم ، ولا قالوا : إن كلامه معنى واحد قائم بذاته ، ولا قالوا : إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله ، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء ; بل قالوا : إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال : إن الله خلق الحروف " انتهى من الفتاوى (12/566-567) .
    والمعنى الثاني : أن القرآن معنى ، أو معنى وحروف ، تكلم الله بها في الأزل ، ثم لم يتكلم بعدها ، وهذا من بدع الأشاعرة ومن وافقهم من أهل الكلام ، التي أرادوا بها الخروج من بدعة المعتزلة والجهمية القائلين بخلق القرآن .
    فمن قال في القرآن ، أو غيره من صفات الله تعالى وأفعاله الاختيارية : إنه قديم ، وأراد ذلك فمراده باطل ، ثم إن اللفظ الذي أطلقه مجمل غير مأثور .
    ولأجل هذا الاحتمال الباطل الذي يحتمله إطلاق هذا اللفظ ، ولأجل أنه غير مأثور ، كان الراجح هنا ألا يطلق لفظ القدم على القرآن ، بل يقال فيه ما قال السلف : القرآن كلام الله ، غير مخلوق .
    قال شيخ الإسلام رحمه الله :
    " وأتباع السلف يقولون : إن كلام الله قديم ، أي : لم يزل متكلما إذا شاء ، لا يقولون : إن نفس الكلمة المعينة قديمة كندائه لموسى ونحو ذلك .
    لكن هؤلاء [ يعني : الأشاعرة ومن وافقهم ] اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين ، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته . ثم اختلفوا :
    فمنهم من قال : القديم هو معنى واحد ، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن ؛ وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا ، والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة : قالوا : والقرآن العربي لم يتكلم الله به ، بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام ، وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد ؛ فيكون كلاما لذلك الرسول ، ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب ، الذي هو جميع معاني الكلام .
    ومنهم من قال : بل القرآن القديم هو حروف ، أو حروف وأصوات ، وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا ...؛ إذا كلم موسى أو الملائكة أو العباد يوم القيامة فإنه لا يكلمه بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته حين يكلمه ، ولكن يخلق له إدراكا يدرك ذلك الكلام القديم اللازم لذات الله أزلا وأبدا .
    وعندهم لم يزل ولا يزال يقول : { يا آدم اسكن أنت وزوجك } و : { يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك } و { يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ونحو ذلك وقد بسط الكلام على هذه الأقوال وغيرها في مواضع .
    والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف ؛ أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين ، الذين لهم في الأمة لسان صدق ، في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم . وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ... " الفتاوى (17/85)
    وعليه فمن قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم ، وأراد المعنى الأول : أن القرآن ، وسائر كلام الله تعالى ، منزل من عنده غير مخلوق ، ومع ذلك فهو متعلق بمشيئته واختياره، فمراده صحيح ، وإن كان الأولى والأسلم في ذلك أن يقتصر على الألفاظ الواردة عن السلف ، السالمة من الإجمال واحتمال المعاني الباطلة .
    وإن أراد المعنى الثاني ونفى أن يتعلق كلام الله تعالى بمشيئته واختياره ، فمراده باطل ، واللفظ الذي أطلقه ـ أيضا ـ مبتدع .
    وانظر أيضا : منهاج السنة النبوية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5/419-421) .
    والله أعلم .
    الإسلام سؤال وجواب

  3. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

    عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله فرض فرائض ، فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء ، فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها . حديث حسن ، رواه الدارقطني وغيره .

    توجيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم وسكت عن أشياء

    قال الإمام السجزي : ( ومنع كثير من أهل العلم إطلاق السكوت عليه ومن أهل الأثر من جوز إطلاق السكوت عليه لوروده في الحديث وقال : معناه تركه التوبيخ والتقرير والمحاسبة اليوم وسيأتي يوم يقرر فيه ويحاسب ويوبخ فذلك الترك بمعنى السكوت )

    قال الشيخ صالح آل الشيخ

    الجواب أن السكوت له معنيان:
    * المعنى الأول: سكوت مقابل للكلام ، تكلم وسكت
    * والمعنى الثاني: سكوت عن إظهار الحكم ، الإظهار الكلامي ، الإظهار الشيء

    أما الأول فلا أعلم أن أهل السنة يصفون الله جل وعلا بالسكوت الذي هو مخالف للكلام ، يعني يتكلم ، ويسكت ، بمعنى يترك الكلام أصلاً ، فلا أعلم أن أحداً من أهل السنة قال به.

    وأما المعنى الثاني ، وهو السكوت بمعنى عدم إظهار الخبر ، أو ترك إظهار الحكم ، أو إظهار الكلام ، هذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (وسكت عن أشياء رحمة بكم ، غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها)(1).
    (سكت عن أشياء): هنا السكوت بمعنى عدم إظهار الحكم ، لأنه قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء) ، فالسكوت هنا عدم إظهار حكم تلك الأشياء ، ليس هو السكوت الذي هو ضد الكلام.

    فهذا النوع ثابت ، سكت الله جل وعلا عن هذا الحكم ، يعني لم يظهر حكمه ، لا في الكتاب ، ولا في السنة ، تركها جل وعلا ، فيرجع الأمر إلى القواعد ، إما أن الأصل الإباحة ، أو إلى آخر ما هو معلوم.

    وهذا هو المراد بقول من قال من السلف: يتكلم إذا شاء ، ويسكت إذا شاء رعاية لهذا الحديث ، هذا تحقيق القول في هذه المسألة ، والله أعلم.

    وقال رحمه الله
    قال : , وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها -
    .
    "سكت عن أشياء": يعني: أن الله سكت،
    وهذا السكوت الذي وصف الله -جل وعلا -به ليس هو السكوت المقابل للكلام، يقال: تكلم وسكت، وإنما هذا سكوت يقابل به إظهار الحكم، فالله -جل وعلا -سكت عن التحريم، بمعنى لم يحرم، لم يظهر لنا أن هذا حرام، فالسكوت هنا من قبيل الحكم، سكوت عن الحكم، ليس سكوتا عن الكلام،
    فغلط على هذا من قال: إن هذه الكلمة يستدل بها على إثبات صفة السكوت لله -جل وعلا -،
    وهذا مما لم يأت في نصوص السلف في الصفات، وهذا الحديث وأمثاله لا يدل على أن السكوت صفة؛ لأن السكوت قسمان:
    الاول : سكوت عن الكلام، وهذا لا يوصف الله -جل وعلا -به، بل يوصف الله -سبحانه وتعالى- بأنه متكلم، ويتكلم كيف شاء، وإذا شاء، متى شاء، وأما صفة السكوت عن الكلام، فهذه لم تأت في الكتاب ولا في السنة، فنقف على ما وقفنا عليه، يعني: على ما أوقفنا الشارع عليه، فلا نتعدى ذلك.

    والقسم الثاني: من السكوت، السكوت عن إظهار الحكم، أو عن إظهار الخبر وأشباه ذلك، فلو فرض -مثلا- أن أنا أمامكم الآن، وأتكلم باسترسال، سكت عن أشياء، وأنا مسترسل في الكلام، بمعنى أني لم أظهر لكم أشياء أعلمها، تتعلق بالأحاديث التي نشرحها، وسكوتي في أثناء الشرح عن أشياء لم أظهرها لكم، أوصف فيه بالسكوت؟

    فتقول -مثلا-: فلان سكت في شرحه عن أشياء كثيرة، لم يبدها لأجل أن المقام لا يتسع لها، مع أني متواصل الكلام، فإذاً لا يدل السكوت، يعني: في هذا، يعني: السكوت عن إظهار الحكم عن السكوت الذي هو صفة، والله -جل وعلا -له المثل الأعلى، فنصفه بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله r .
    لا نتجاوز القرآن والحديث، فنصفه بالكلام، ولا نصفه بالسكوت الذي هو يقابل به الكلام، وإنما يجوز أن تقول: إن الله -جل وعلا -سكت عن أشياء، بمعنى لم يظهر لنا حكمها،

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء