محاججة جيدة و رائعة ، و لكن لي عليها ثلاث ملاحظات :-
الأولى : استخدام القياس في الجزء الأخير أضعف المحاججة ، إذ سيعطي منكر السنة فرصة للاعتراض بالقول : لا يلزم من تطرق الوحي لقضايا الأحوال الشخصية ، أنه تطرق لقضايا العبادات ! فربما اهتم الوحي ببيان قضايا الأحوال لكي لا يقع ضرر على الناس ، بينما ترك الاجتهاد لقضايا العبادات ؛ لأن الخطأ فيها لا يوقع ضررا على أحد ! فأصبح بيان النوع الأول من القضايا أولى من خلال هذا المنظور !!!
الثانية : المحاججة سوف تثبت حجية أفعال الرسول التعبدية ، باعتبار أن نقطة ارتكاز المحاججة هي أن العبادات توقيفية و لا يعقل أن يترك الله رسوله يجتهد فيها ، بل سيوحي له بكيفيتها. و حيث أن العبادات وحي فهي حجة. وبهذا تثبت حجية أفعال الرسول التعبدية. و أعتقد أن معظم منكري السنة يقرون بحجية السنة الفعلية المتواترة في الصلاة و الصيام و سائر العبادات ، لكن مشكلتهم مع باقي السنة الفعلية مثل كيفية أكل الرسول و ملبسه و طريقة نومه و غيرها من السلوكيات ، إضافة إلى أقواله اليومية في مختلف شؤون الحياة ، هل هي حجة أم لا ؟!! هنا يكمن جوهر استشكالهم !!
الثالثة : أعتقد أنه بعد استخدام سورة التحريم لإثبات أن الله كان يوحي لرسوله صلى الله عليه و سلم بغير القرآن ، من خلال قوله : " نبأني العليم الخبير " ، نقول لمنكر السنة : بما أنه ثبت أن الله كان يوحي لرسوله بغير آيات القرآن كقضايا الأحوال الشخصية و أسماء المنافقين و غير ذلك ، فهذا يضعنا أمام إشكال و هو : كيف نفرق بين أقوال الرسول التي قالها عن وحي من الله و بين أقواله التي قالها عن اجتهاد و فطنة ؟!
إذا استطاع منكر السنة تحديد الضابط الفاصل بين النوعين ، حينها يمكن أن نسلم له أن أقوال الرسول التي قالها عن وحي حجة ، و الأقوال التي قالها باجتهاد بشري ليست بحجة !
أما إن عجز منكر السنة عن تحديد الخط الفاصل بين القولين ، سنفترض أن جميع أقوال الرسول قالها عن وحي ، وبالتالي جميع أقواله حجة ، إلى أن يثبت أن حديثا ما كان باجتهاد فيكون ذلك الحديث استثناء عن القاعدة !
فنحن أمام خيارين : الأول : أن نعتبر معظم أقوال الرسول وحي و القليل ليس بوحي ! الثاني : أن نعتبر معظم أقوال الرسول ليس بوحي و القليل وحي !
و مبدأ الأحوط في الدين يقول بأن نأخذ الخيار الأول. و لا يصح أخذ الخيار الثاني إلا بأدلة قوية ملزمة !!
Bookmarks