بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن القرآن الكريم كله نفع وكله خير ففيه راحة للأنفس وراحة للأبدان وراحة للعقول
وفيه شفاء من الأسقام والأمراض
قال تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) الاسراء
يقول بن كثير :-
يقول تعالى مخبرا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد - إنه : ( شفاء ورحمة للمؤمنين ) أي : يذهب ما في القلوب من أمراض ، من شك ونفاق ، وشرك وزيغ وميل ، فالقرآن يشفي من ذلك كله . وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه ، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه ، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة . وأما الكافر الظالم نفسه بذلك ، فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدا وتكذيبا وكفرا . والآفة من الكافر لا من القرآن ، كما قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) [ التوبة : 124 ، 125 ] . والآيات في ذلك كثيرة .
قال قتادة في قوله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ( ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) إنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه ، فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ، ورحمة للمؤمنين
وجاء في تفسير الطنطاوي :-
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ...
ثم قال: ولفظة مِنَ هاهنا ليست للتبعيض، بل هي للجنس كقوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ.
والمعنى: وننزل من هذا الجنس الذي هو قرآن ما هو شفاء، فجميع القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين .
ومما لا شك فيه، أن قراءة القرآن، والعمل بأحكامه وآدابه وتوجيهاته.. شفاء للنفوس من الوسوسة، والقلق، والحيرة، والنفاق، والرذائل المختلفة، ورحمة للمؤمنين من العذاب الذي يحزنهم ويشقيهم.
إنه شفاء ورحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان، فأشرقت بنور ربها، وتفتحت لتلقى ما في القرآن من هدايات وإرشادات.
إنه شفاء للنفوس من الأمراض القلبية كالحسد والطمع والانحراف عن طريق الحق، وشفاء لها من الأمراض الجسمانية.
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: اختلف العلماء في كونه- أى القرآن- شفاء على قولين:
أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل.
الثاني: أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه، وقد روى الأئمة- واللفظ للدارقطنى- عن أبى سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثلاثين راكبا. قال: فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا. قال: فلدغ سيد الحي، فأتونا فقالوا: أفيكم أحد يرقى من العقرب؟ قال: قلت: أنا نعم، ولكن لا أفعل حتى تعطونا فقالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة. قال: فقرأت عليه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ سبع مرات فبرئ. فبعثوا إلينا بالنّزل وبعثوا إلينا بالشاء. فأكلنا الطعام أنا وأصحابى، وأبوا أن يأكلوا من الغنم، حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فقال «ما يدريك أنها رقية» ؟ قلت: يا رسول الله، شيء ألقى في روعي. قال: «كلوا وأطعمونا من الغنم» .
والذي تطمئن إليه النفس أن قراءة القرآن الكريم، والعمل بما فيه من هدايات وإرشادات وتشريعات.. كل ذلك يؤدى- بإذن الله تعالى- إلى الشفاء من أمراض القلوب ومن أمراض الأجسام.
قال بعض العلماء: وقوله- تعالى- في هذه الآية ما هُوَ شِفاءٌ يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه، كالشك والنفاق وغير ذلك. وكونه شفاء للأجسام إذا رقى عليه به، كما تدل له قصة الذي رقى الرجل اللديغ بالفاتحة، وهي صحيحة مشهورة»
هذا والله أعلم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم