بداية لابد أن نفرق بين التطور البيولوجى Biologic evolution كحقيقة واقعية وبين نظرية التطور Evolutionary theory التى تحاول وصف كيفية حدوث التطور البيولوجى، كما ينبغى أن نميز بين مفهومى التطور الكبروى و التطور المجهرى Macro-/Micro- evolution . و يعرف التطور الكبروى على أنه تطور على نطاق التجمعات الجنينية المنفصلة separated gene pools, أو بمعنى آخر يتعلق بتطور الأنواع species من نوع لآخر باعتبار أن الأنواع المختلفة هى تجمعات جينية منعزلة لأنها لا تتزاوج فيما بينها وبالتالى لا تتبادل الجينات فيما بينها و أضرب مثالا على ذلك بنوعى الشمبانزى و الغوريلا، فهذان النوعان من الحيوانات لا يتبادلان المادة الوراثية فيما بينهما لأنها لا يتزاوجان ولو قدر أن فردا من أحد النوعين تزاوج مع فرد من النواع الأخر لن ينتج عن هذا الاتصال نسل، أو لن ينتج نسل قادر على التناسل بدوره على أقل تقدير كما هو الحال فى تزواج الفرس و الأتان لانتاج البغال.
أما التطور المجهرى فيعرف على أنه التغيرات التي تطرأ على تواتر البدائل الجينية Allels فى التجمعات الجينية المنعزلة (أى الأنواع) على مر الزمن، أو بمعنى آخر إذا ضربنا مثالا بالجين المسئول عن مقاومة سلالة من النوع البكتيرى المعروف بالمكورة العنقودية الذهبية Staph. aureus لكثير من المضادات الحيوية نتيجة لاحتواء تلك السلالة المعروفة اختصارا باسم ميرسا MERSA على البديل الجينى mecA فإذا تعرضت مجموعة من المكورة العنقودية الذهبية لمضادات حيوية غير فعالة فى القضاء على تلك السلالة فإنه بمرور الوقت ستزيد نسبة أفراد تلك السلالة فى المجموعة ككل لأن المضادات الحيوية تلك تفلح فى إزالة الأفراد الأخرى بينما تفشل فى إزالة أفراد تلك السلالة.
و يفترض علماء التطور أن تراكم الطفرات "العشوائية" المسئولة عن نشوء بدائل جينية داخل النواع مع تعرض مجموعات من النوع الواحد لظروف مختلفة نتيحة الانعزال بحيث تصبح عرضة لضغوط متفاوتة من قوى الانتخاب الطبيعى Natural selection ، المضادات الحيوية على سبيل المثال فى حالة المكورة العنقودية، ينشأ عنه أنواع جديدة بحيث لو اجتعمت تلك المجموعات التى كانت تنتمى لنوع واحد قبل انعزالها و تعرضها لضغط متفاوت من قوى الانتخاب الطبيعى لم تعد قادرة على تبادل الجينات فيما بينها و تصبح بذلك تجمعات جينية منعزلة أو أنواع مختلفة.
وهكذا يرى هؤلاء العلماء أن أنواع الأحياء المختلفة نشأت من أصل مشترك من خلال آليات الطفرة و الانتخاب الطبيعى بشكل متدرج عبر مليارات السنين.
و نحن وإن كنا نرفض إرجاع الأنواع جميعا لأصل مشترك انطلاقا من قاعدة إيمانية كما نرفض مفهوم العشوائية فى حدوث الطفرات المسئولة عن التنوع الملاحظ بين أفراد النوع الواحد إلا أن قبول التطور المجهرى لابد منه أولا لأنه أمر ملاحظ، ثانيا لكونه منسجم مع الحقائق القرآنية القائلة بأن البشر على تنوعهم خلقوا من نفس واحدة ومن هذا الباب قوله تعالى " وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ "، ثالثا لكونه يساعدنا على فهم كثير من الظواهر البيولوجية و التى يحتج بها أحيانا الملحدون على عدم وجود تصميم فى الطبيعة مثل الأعضاء الضامرة فى الإنسان و بعض الحيوانات.
Bookmarks