بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن الله تعالى ضرب في القرآن أمثالا بأشياء عظيمة في الحج وأشياء قليلة في الحج الا أنها عظيمة في الخلق , ومن هذه الأشياء الصغيرة في الحجم والعظيمة في الخلق البعوضة
يقول الله تعالى في سورة البقرة ((
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26).
جاء في تفسير السعدي :-

يقول تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا } أي: أيَّ مثل كان { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } لاشتمال الأمثال على الحكمة, وإيضاح الحق, والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا, جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } فيتفهمونها، ويتفكرون فيها. فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة. { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا } فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية

ومن أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة تركيا 1432هـ - 2011م
الأستاذ الدكتور/ مصطفى إبراهيم حسن
أستاذ علم الحشرات الطبية
مدير أبحاث ناقلات الأمراض
كلية العلوم – جامعة الأزهر
ملخص البحث :
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26).
الحقيقة العلمية :
ينتمى البعوض إلى رتبة الحشرات ذات الجناحين، التى تشتمل على 3000 نوع من البعوض. ينقل البعوض العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان. حيث تقوم بعوضة الأنوفيلس بنقل مرض الملاريا للإنسان فى مناطق كثيرة من العالم وخاصة فى إفريقيا، كما تقوم بعوضة الكيولكس بنقل العديد من الأمراض للإنسان مثل : الفيلاريا، حمى غرب النيل، إلتهاب الدماغ، كما تقوم بنقل مرض حمى الوادى المتصدع للحيوان ومنه للإنسان وأيضاً مرض اللسان الأزرق للحيوان. وتنقل بعوضة الأيدس مرض الحمى الصفراء خاصة فى إفريقيا. تتضمن دورة حياة البعوض اربعة اطوار : البيضة , اليرقة , العذراء و الحشرة الكاملة . تلعب الأنثى الدور الرئيسى فى نقل المرض للإنسان و الحيوان . تستطيع البعوضة الوصول لعوائلها عن طريق شعيرات حسية دقيقة توجد على ارجلها و رأسها . ترتبط البعوضة مع كثير من الكائنات الأكبر او الصغر منها بعلاقات متميزة اهلتها للتواجد على الأرض منذ اكثر من 150 مليون سنة .
وجه الإعجاز فى (بعوضة فما فوقها)
إذا أخذنا معنى كلمتى (فما فوقها) بأنه ما أدناها فى الحجم أو ما أصغر منها، كما جاء فى تفسير الطبرى، فلقد وجد ان توصل البعوضة ترتبط بعلاقات معقدة مع الكائنات التى أصغر منها والتى تعيش داخل معدة البعوضة مثل: البكتريا, الفطريات الفيروسات والأوليات . وجد أن بعض هذه الكائنات مفيدة وضرورية لحياة البعوضة , وبعضها ضار بها . تساعد البكتريا الموجودة فى معى البعوضة فى تصنيع مضادات للفيروسات التى تهاجم البعوضة . إن السبب فى قدرة البعوضة على نقل الأمراض تكمن فى سر (فما فوقها) أى ما أصغر منها من كائنات، وهى البكتريا التى تعيش فى معدة البعوضة. إن هذه البكتريا تدافع عن البعوضة ضد المسببات المرضية المختلفة التى تدخل مع وجبة الدم التى تأخذها من إنسان أو حيوان مصاب بالمرض. تحاول البكتريا قتل المسببات المرضية ولكن إذا نجحت تلك المسببات فى القضاء على البكتريا المتعايشة مع البعوضة أو إضعافها، فإن تلك المسببات تتكاثر فى العدد و تسبب الأمراض . ولعل نتائج البحث قد كشفت عن بعض السر المعجز فى التعبير القرآنى (فما فوقها). إن هذه الكائنات تحمى البعوضة والشئ المعجز أنها تحمى الإنسان أيضاً عن طريق قتل المسببات المرضية التى تنتقل إليه إذا تغذت على البعوضة على دمه . أما إذا أخذنا معنى (فما فوقها) على أنه فما فوق جسم البعوضة، فلقد وجدت كائنات دقيقة اصغر من البعوضة تعيش فوق جسمها من الخارج ,تفترس البعوضة وتقتلها مثل: الحلم والفطريات. إذا أخذنا معنى (فما فوقها) بأنه ما أكبر منها فى الحجم، فإننا سنجد أن البعوضة ترتبط بعلاقات معقدة مع الكائنات الأكبر منها وخاصة الإنسان والحيوان. فلقد وجد أن البعوضة تصيب الإنسان والحيوان بالعديد من الأمراض. ولكن كل المسببات المرضية التى تسبب هذه الأمراض تقع تحت التفسير الأول لمعنى بعوضة فما فوقها أى الكائنات الأصغر منها والتى سبق ذكرها. أيضاً نجد أن البعوضة ترتبط مع معظم أفراد المملكة الحيوانية بعلاقات كثيرة. مثل الاسماك , الزواحف , البرمائيات و الثدييات. ولقد عبر القرآن الكريم عن كل تلك العلاقات سواء التى بين الكائنات الأكبر من البعوضة أو الكائنات الأصغر منها (المسببات المرضية) فى تعبير معجز "بعوضة فما فوقها " .
فى نهاية هذا البحث لا أستطيع إلا أن أقف عاجزاً عن التعليق عن تأويل (فما فوقها) فى الآية الكريمة، فهى تستطيع أن تحتوى أقوال كل المفسرين سواء المخلوقات الأدنى منها فى الحجم أو الأكبر أو الأعظم منها فى الخلق، أو بمعنى المخلوقات التى فوق جسم البعوضة نفسها.
فتبارك الله أحسن الخالقين
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم