فَوائِت حِصن المُسلم

مِن الكتب المباركة التي تعدَّى نفعُها لِحُسن نية مؤلِّفها – إن شاء الله تعالى – كتاب حِصن المسلم ، وهو من أذكار الكتاب والسنة ، وقد طُبع اثنتان وأربعون طبعة إلى حِين رقم هذا المقال ، دون تنقيحٍ واضحٍ ، وقد تُرجم إلى لغاتٍ عالمية كثيرة ، وهذا من فضل الله تعالى وتوفيقه .

وقد وقفتُ فيه على جُملة من الفوائت والإستدراكات والملاحظات المُهمة ، التي آمل أن تصل لِمُعدِّه وجامعه ، جزاه الله خيراً، ليكون الكتابُ أشدَّ استواءاً ونُضجاً ، وليكون فريداً في بابه وموضوعه . وقد تقرَّر عند الُأصوليين أن التأسِّيس أولى من التأكيد ، فلا يصلح ترك الصواب عند معاينة الكتاب . والله الهادي .

وقد قسَّمتُ الفوائت والتعقيبات والملاحظات إلى قسمين : الإستدراكات المنهجية والإستدراكات العلمية.
• أولاً : الإستدراكات المنهجية :

1-ذكر مُعدُّ الكتاب في المقدِّمة أنه سمِّى مُختصره (حصن المسلم ) ، ولم يذكر سبب التسمية ومن أين استمدَّها ؟! وهي مهمة لأنها من العمل بالعلم . وسبب التسمية مقتبس من حديث الحارث الأشعري مرفوعاً : ” إن الله سبحانه أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ، أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنَّ – وهي : التوحيد والصلاة والصيام والصدقة وذِّكر الله – فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً ، حتى إذا أتى على حِصنٍ حصينٍ، فأحرز نفسه منهم “. أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح .
2- لم يذكر مُعدُّ الكتاب وجامِعهُ – ولو على وجه الإيجاز – فوائد الأذكار الصباحية والمسائية من جهة العقيدة ، ليحسن الظن برب العالمين .
فمن الفوائد أنه ذُكر فيها توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أربعاً وثلاثين مرة ، وتكررت أسماءُ الله وصفاته فيها ستاً وأربعون مرة ، واشتملت على سبعة عشر سؤالا للخير ، وفيها ستة وعشرون تعوذاً من الشرور . وقد كان هذا منهج الإمام ابن تيمية ( ت: 728هـ ) رحمه الله تعالى مع تلاميذه ، فقد روى عنه الإمام ابن القيم ( ت: 751هـ) رحمه الله تعالى : ” حضرتُ شيخ الإسلام مرةً صلَّى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من إنتصاف النهار ، ثم التفت إليَّ وقال : ” هذه غَدوتي ولو لم أتغدَّ الغداء سقطت قوتي ” . فقد شبَّه الذِّكر بالغذاء الذي لا يقوم البدن إلا به .

3-بعد سرده لأدلة فضل الذِّكر ، استهل الأذكار بذكر الإستيقاظ من النوم . ولو استهلَّ الكتاب بفضل تصحيح النية والمقصد لكان أشدَّ حُسناً وجمالاً . والكتاب يُوزَّع على ملايين الناس ، فيجب تعليمهم فضيلة تصحيح النيات والإرادات كما كان السلف يُعلِّمونها للناس .

4- أورد مُعدُّ الكتاب جزاه الله خيراً، جملة من الأحاديث الضعيفة ولم يُبيِّن منهجه في تحسينها أو تصحيحها ، وحجته في ذلك عزوها لبعض العلماء ، فلو أشار في المُقدِّمة بشكلٍ موجزٍ إلى سبب ذكر التحسين أوالتصحيح لألفاظ الذِّكر الضعيفة ، لكان أقوى في تقوية إستدلاله ، وحُجةً له في طعن بعض المتعالمين . وهذه بعض الأمثلة من حصن المسلم لألفاظ الذِّكر الضعيفة :
-فقد أورد زيادة : ” إنك لا تُخلف الميعاد ” الواردة في آخر ذكر الأذان ، وقد رواها البيهقي وهي زيادة شاذة ، كما في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” ، و “الإرواء” ، والحديث ثابت بدونها ، كما أخرجه البخاري .
-وأورد حديث : ” منْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ .”

وقد رواه أبو داود ، وضعَّفه الألباني .
وقد روي الحديث بلفظ : ” مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَأُشْهِدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، مَنْ قَالَهَا مَرَّةً أَعْتَقَ اللَّهُ ثُلُثَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ ثُلُثَيْهِ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ كُلَّهُ مِنَ النَّارِ” رواه الحاكم . وصحَّحه بهذا اللفظ ، وبدون التقيِّيد بالصباح والمساء .
-وأورد حديث : ” مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ “.وقد ضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود .
-وأورد حديث : ” إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ، وَنَصْرَهُ، وَنُورَهُ، وَبَرَكَتَهُ، وَهُدَاهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ ” . وقد ضعَّفه الألباني في “ضعيف أبي داود.”
-وأورد حديث حَفْصَةَ، رضي الله عنها: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ ، عِبَادَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ ) وقد رواه أبو داود ، وهو صحيح دون قوله : “ثلاث مرار” .
وقد رواه الترمذي من حديث حُذيفة ، وابن ماجة من حديث ابن مسعود ، وأحمد من حديث البراء ، بدونها.

-وأورد أثر : “بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره” . ويردُّ عليه المهنأ فيقول: “بارك الله لك وبارك عليك ، وجزاك الله خيرا، ورزقك الله مثله، وأجزل ثوابك ” .

وليس لما سبق أصلٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما ذكره الإمام النووي رحمه الله في “كتابه الأذكار”:
“فقال :” يُستحبّ تهنئة المولود له ، قال أصحابنا: ويُستحبّ أن يُهَنَّأ بما جاءَ عن الحسن رضي الله عنه أنه علَّم إنساناً التهنئة فقال: قل: باركَ الله لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ ، وبلغَ أشدَّه ، ورُزقت برّه .
ويُسْتَحَبُّ أن يردّ على المهنأ فيقول: باركَ الله لك ، وبارَك عليك ، وجزاكَ الله خيراً ، ورزقك الله مثلَه ، أو أجزلَ الله ثوابَك ، ونحو هذا ” .والله أعلم بالصواب .

• ثانياً : الإستدراكات العلمية :
1-كُتب على غلاف الكِتاب ” من أذكار الكتاب والسنة”. ولم يلتزم بهذا الضابط فقد أورد في تهنئة المولود ما يخالف ذلك ،وهو مروي عن الحسن البصري ( ت:110هـ )رحمه الله تعالى ، كما تقدم . وأورد أيضا موقوفا على عبد الله ابن الزبير (ت: 73هـ ) رضي الله عنه : “سبحان الذي يسبح الرعد بحمده “. ولم يثبت في المرفوع شيٌ من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- من فوائته أنه لم يُورد ذكراً خاصا ًعن كلمة التوحيد إلا عند الإستيقاظ من النوم ، وبعد السلام من الصلاة ، وعند تلقين المحتضر ، وقد يَفهم بعض العوام من ذلك أنها لا تُقال إلا في هذه المواضع الثلاثة ، وهو خطأ لا يُتابع عليه . وقد صح في الخبر :” ما قال عبدٌ : لا إله إلا الله قط مخلصاً ، إلا فُتحت له أبواب السماء ، حتى تُفضي إلى العرش ، ما اجتنبت الكبائر ” أخرجه الترمذي بسند صحيح . فيجب التنبيه على التعبُّد لله تعالى بهذا الذِّكر في سائر الأوقات ، مع الصدق والإخلاص .

3- من فوائته أنه لم يُورد ذِّكراً في جواب من قيل له كيف أصبحت ؟ والجواب هو : الحمد لله . فقد ورد فيه خبر صحيح عند الطبراني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : ” كيف أصبحت يا فلان ؟ قال :
أحمدُ الله إليك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا الذي أردت منك ” . والحديث عام ولا دليل على تخصيصه ، كما قال الطبراني (ت: 360هـ )رحمه الله تعالى .
وورد في خبر آخر لما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحتَ أنه قال : ” بخير ” . رواه البخاري في الأدب المفرد . وإسناده حسن .

4- من فوائته أنه لما ساق في مسألة ما يَعصم من الدجال ، أورد خبر قراءة أول عشر آيات من سورة الكهف ، لكنه لم يُورد الدعاء المأثور عند رؤية الدجال ، والدُّعاء المأثور للوقاية من شرِّه : ” لستَ ربنا ، لكن الله ربنا ، عليه توكلنا ، وإليه أنبنا ، نعوذ بالله من شرِّك “. أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح .

5- من فوائته أنه عند أذكار السلام ، لم يُورد فضيلة ردّ السلام وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة ! هذا جبريل يقرأ عليك السلام فقالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ” . وقد بوَّب لهذا الحديث الإمام البخاري في صحيحه .

6-من فوائته الذِّكر الذي هو غِراس الجنة وهو في المسند من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه : ” أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء : غِراس الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله ” وإسناده صحيح . وقد ورد الغراس أيضاً في فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير .

7-من فوائته أنه عند مسألة فضل الذِّكر لم يُوضِّح أن الذِّكر نوعان : ذكر أسماء الرب الحسنى وصفاته العظمى ، ويكون ذلك بالثناء على الله بها وتنزيهه سبحانه ، ويلحق بهذا النوع تدبر القرآن وتلاوته وهو أحب الكلام إلى الله تعالى،فهو ذكر لله تعالى .
ويليه في الفضل التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ،ومنه حديث جويرية المشهور في صحيح مسلم . والنوع الثاني ذكر الله ببيان أحكام شرعه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . وهذا التأسيس مهم للعوام وغيرهم .

8- من فوائته الذِّكر الوارد عند اشتداد الريح وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ” اللهم لاقحاً لا عقيما ً ” صحَّحه الألباني في الأدب المفرد .

9- كتاب حصن المسلم تُرجم إلى لغات كثيرة في العالم الإسلامي ، وفي بعض البلاد الإسلامية يقوم بعض المسلمين المُنتسبين للصوفية ، بذكر الله تعالى بالاسم المفرد . فبعضهم يقول ( الله الله ) أو ( هو هو ) ونحوها ، وهذه من البدع التي يجب تصحيحها والتنبيه عليها بين العوام وغيرهم . فليت مُعدّ الكتاب يُشير في تعليقٍ يسير إلى هذه البدعة الخطيرة .

10- توجد في الكتاب مصطلحات تحتاج إلى توضيح ، وقد لا يعرفها بعض العوام ، ولا حتى صغار طلبة العلم ، مثل ( دعاء الإستصحاء ) والمقصود به طلب الصحو ، وهو دفع ضرر المطر بالرجاء والتضرع إلى الله تعالى ، ومثل بعض ألفاظ الأحاديث الغامضة كلفظة ( صيِّباً نافعاً ) عند نزول المطر ، ومثل ( دعاء الركوب ) فقد يلتبس على بعض الناس ، ما المقصود بالركوب ؟! ركوب الدابة أم البحر أم غير ذلك ! ، فيتم توضيحه في الحاشية أنه ذِّكر يُقال عند صعود الدابة أو وسيلة النقل ، ونحو ذلك .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية

__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/