بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
معنى إفشاء السلام

الإفشاء: الإظهار، والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته


قال النووي: أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر.[3]

قلت: ويدعمه ما أخرجه البخاري في الأدب المفردبسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال: (إذا سلمت فأسمع؛ فإنها تحية من عند الله مباركة طيبة).



إفشاء السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية

إن من أدب المسلم الحق إفشاء السلام - ابتداء وجواباً -، وإفشاء السلام في الإسلام ليس تقليداً اجتماعياً يتغير ويتطور تبعاً للبيئة والعصر، وإنما هو أدب ثابت ومحدد، أمر الله عز وجل به في كتابه، ووضع قواعده وآدابه رسوله صلى الله عليه وسلم.


ففي القرآن الكريم أمر الله تعالى المؤمنين بإلقاء السلام، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور/27][11]


وأمر برد التحية بأحسن منها أو بمثلها، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء/86][12].

أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة.

على من يلقي السلام ؟؟
1- على كل الناس كبير أو صغير ذكر أو أنثى
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم))
• عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ))

قال النووي: معنى قوله "تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" تسلم على من لقيته، ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله، واستعمال التواضع، وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة

2-
إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((
يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك))


والمعنى أن: السلام سبب زيادة بركة وكثرة خير ورحمة

3-وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

ففي القرآن الكريم أمر الله تعالى المؤمنين بإلقاء السلام، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور/27][11]


قال: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور/61][14]


ماذا يصنع القاء السلام على الغير


إن القاء السلام على الغير يفشي المحبة والسلام بين الناس

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)

ومن ثمَّ قال ابن بطال: في السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة وباب الأنس؛ ليكون المؤمنون كلهم إخوة، ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك


آداب السلام

الأدب الأول: تسليم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير)


• وفي رواية: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير)


قوله "والقليل على الكثير" أمر نسبي، يشمل الواحد بالنسبة للاثنين فصاعداً، والإثنين بالنسبة للثلاثة فصاعداً وما فوق ذلك


وقوله "والمار على القاعد" أشمل من الرواية التي قبلها بلفظ "الماشي"؛ لأنه أعلم من أن يكون المار ماشياً أو راكباً، وقد اجتمعا في حديث فضالة بن عبيد بلفظ ((يسلم الفارس على الماشي، والماشي على القائم)



الأدب الثاني: عدم تخصيص أحد من الجالسين بالسلام: فإن هذا من شأنه يوغر صدور الجالسين، ويزرع البغض والحقد

الأدب الثالث: أن يلقى السلام برفق ولين وخفض صوت على قوم فيهم نيام

بحيث لا يُقلقهم ولا يوقظهم، وفي هذا أدب نبويٌ رفيع، حيث يُراعى فيه حال النائم فلا يكدر عليه نومه، وفي الوقت نفسه لا تفوت فضيلة السلام
الأدب الرابع: استحباب تكرار السلام ثلاثاً، إذا كان الجمع كثيراً، أو شُك في سماع المُسَّلم عليه.


•عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً، وإذا أتى قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً

الأدب الخامس: الجهر بإلقاء السلام وكذلك الرد: لقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام أن يرفع صوته بالسلام، وكذلك في الرد، فلا يحصل بالإسرار الأجر؛ إلا ما استثني.


•أخرج البخاري في أدبه أثراً عن ابن عمر رضي الله عنه: عن ثابت بن عبيد رضي الله عنه قال: اتيت مجلساً فيه عبدالله بن عمر رضي الله عنه فقال: إذا سلَّمت فأسمع؛ فإنها تحية مباركة طيبة

الأدب السادس: تعميم السلام على من يعرفه المرء أو لا يعرفه:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)

الأدب السابع: استحباب ابتداء القادم بالسلام: وهذا أمر مشهور، ومنتشر بين الناس، وتشهد له النصوص الكثيرة، حيث إن استحباب السلام توجه للقادم دون المقدوم عليه. وسبق قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الأول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقال الآخر: السلام عليكم ورحمة الله، وقال الثالث: السلام عليكم.

الأدب الثامن: إلقاء السلام على الصبيان: وذلك لتعويدهم وتدريبهم منذ الصغر على آداب الشريعة، وفاعله متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.


عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله))

الأدب التاسع: استحباب السلام عند دخول البيت. وذلك إذا كان مسكوناً، فإذن كان البيت خالياً، فقد استحب بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم أن يسلم الرجل على نفسه إن كان البيت خالياً.


عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: (إذا دخل البيت غير المسكون فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

الأدب العاشر: رد السلام على من حمل إليه السلام والمحمول إليه:
• عن غالب قال: إنا لجلوس بباب الحسن إذ جاء رجل فقال حدثني أبي عن جدي قال بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائته فأقرئه السلام قال: فأتيته فقلت: إن أبي يقرئك السلام. فقال: عليك وعلى أبيك السلام[94].


•وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام. قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله ترى ما لا نرى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم


الأدب الحادي عشر: تقديم تحية المسجد على السلام من بالمسجد: فالداخل للمسجد يستحب له أن يقدم تحية المسجد قبل تحية أهلها، وفي حديث المسيء في صلاته ما يدل لذلك.


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى... الحديث

الأدب الثاني عشر: الترغيب في السلام قبل الكلام:
الذي عليه سلف الأمة وخلفها أنهم كانوا يقدمون السلام قبل كلامهم، وسؤال حاجتهم. قال النووي: السنة أن المسلم يبدأ بالسلام قبل كل كلام



الأدب الثالث عشر: السلام على القوم عند الخروج من المجلس: فكما أنه يسن السلام عند القدوم على المجلس، فكذلك من السنة أن يلقى السلام عند مفارقة ذلك المجلس.


•عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)


أجر القاء السلام
إن القاء السلام له أجر عظيم


ودليل هذا ما ثبت عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم. فرد عليه السلام ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عشر)) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله. فرد عليه فجلس، فقال ((عشرون)) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرد عليه فجلس، فقال: ((ثلاثون)

قوله "عشر" أي: له عشر حسنات، أو كتب أو حصل له أو ثبت عشر، أو المكتوب له عشر

كيفية رد السلام

أما صفة الرد فإنه يكون بمثل السلام أو بأحسن منه؛ بقوله تعالى ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾ويكون الرد بضمير الجميع وإن كان المسلم واحداً؛ فيقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


وإذا انتهى المبتدئ بالسلام عند وبركاته، فهل يشرع الزيادة عليها طلباً لظاهر الآية ﴿بأحسن منها﴾ كأن يقول: ومغفرته وإحسانه.. الخ؟


في قوله في حديث سلام آدم عليه السلام "فزادوه ورحمة الله" قال ابن حجر: فيه مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء، وهو مستحب بالإتفاق لوقوع التحية في ذلك في قوله تعالى ﴿فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾ فلو زاد المبتدئ ورحمة الله استحب أن يزاد وبركاته.

وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبدالله بن بأبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر -رضي الله عنه- فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فقال "حسبك إلى وبركاته، انتهى إلى وبركاته"


ومن طريق زهرة بن معبد قال: قال عمر -رضي الله عنه-:"انتهى السلام إلى وبركاته"ورجاله ثقات.
هذا والله أعلم

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم