بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن الموت لا سن له ولا عمر له فكم من سليم مات ولا علة ولا مرض فيه وكم من مريض عاش سنين طويلة

قال الله تعالى: { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين* أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين* أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} (الزمر:56-58).
ويقول الامام الشافعي

عليك بتقوى الله ان كنت غافلا

يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدر

فكيف تخاف الفقر والله رازق

و قد رزق الطير والحوت في البحر

فلو كان الرزق يأتي بقوة

ما أكل العصفور شيئا مع النسر

تزود من التقوى فانك لا تدري

اذا جن الليل هل تعيش الى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

و كم من سقيم عاش حينا من الدهر

و كم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا

و قد نسجت أكفانه في الغيب و هو لا يدر

و كم من عروس زينوها يوم العرس

و قد زفت روحها ليلة البدر

وبالعودة إلى السنة نجد أن تزايد حالات الموت الفجائي علامةٌ أشار إليها النبي –صلى الله عليه وسلم- وبيّنها ووضّحها تمام الوضوح، والعمدة فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة)، رواهالطبراني وحسّنه الألباني.

فقوله –صلى الله عليه وسلم-: (أن يظهر موت الفجأة) يدل على أن هذه الحالة كانت موجودةً في السابق وإنْ بشيءٍ من القلّة، فلم تكن ظاهرةً عامّةً ولكن حالات معدودة يمكن وصفها بالندرة، ثم يؤول الحال –بمقتضى الحديث السابق- إلى بروز هذه الظاهرة وتزايد حالاتها وتناميها بحيث يلحظها الجميع.

نعم: لقد كان موت الفجأة موجوداً في السابق، ونمثّل له بما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري، من قول الإمام البخاري:

اغتنم في الفراغ فضل ركوع* فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح مات من غير سقم *ذهبت نفسه الصحيحة فلتة

ومن معالم انتشار موت الفجأة في العصر الحاضر ظهور عددٍ من الأمراض المسبّبة له، ولم تكن تُعرف من قبل أو لم يكن لها ذاك الانتشار، كحدوث الجلطة الدماغيّة، والسكتة القلبية، وهبوط الدورة الدموية، وارتفاع نسبة البوتاسيوم في الدم أو زيادة معدّل حموضته، أو حدوث ما يُسمّى بالرجفان البطيني، وكلّها أمورٌ تسبّب الموت السريع لصاحبه، والواقع يشهد بارتفاع معدّل الوفيات عالميّاً بسبب هذه الأعراض دون تفريقٍ بين صفوف الشباب والمتقدّمين في العمر؛ إذ لا علاقة لها بعامل السنّ.

ومن أسباب موت الفجأة ولا شك: ما أبدعته عقول البشريّة من أنواع الأسلحة الحديثة من قنابل وصواريخ ومعدّات حربيّة، تقتل من الناس وتسفك من الدماء ما لم يكن في عصور السيوف والرماح، فضلاً عن الأسلحة النوعية ذات الدمار الشامل، كالقنبلة النووية والقنبلة الهيدروجينيّة، وما أخبار هيروشيما وناجازاكي عنّا ببعيد، حيث تسبّبت القنبلتان اللتان أُلقيت في المدينتين المذكورتين آنفاً إلى حصد أروحِ ما يزيد عن مائةٍ وأربعين ألف شخصٍ في غمضة عين، وهي كارثةٍ لم يُمْحَ عارُها عن جبين التاريخ الإنساني.

ومن الصور الحديثة لموت الفجأة: ما تسبّبه حوادث الطرق ، وتعرّض الناس لهذه المخاطر بسبب إهمال بعض السائقين وقيادتهم على نحوٍ متهوّر، فضلاً عن الخسائر البشريّة الحاصلة جرّاء الاصطدام أو تجاوز الطريق أو انفجار العجلات، وما يحصل أحياناً من الأعطال الميكانيكيّة في السيارة، ومثل هذا الكلام ينسحب على وسائل النقل الأخرى كالقطارات والطائرات.

ويمكن أن يُضاف إلى ما سبق، كثرة الزلازل في الآونة الأخيرة، وما تسبّبه من آثارٍ تدميريّة وقتلى بالعشرات، ومعلومٌ أن عدداً ليس باليسير منها لا يمكن التنبّؤ به من قبل هيئة الأرصاد الجويّة، وقد لا تستمرّ تلك الزلال أكثر من عشرين أو ثلاثين ثانية كما يذكر المختصّون، فحينها يمكن وصف ضحايا هذه الزلازل بأن الموت قد أخذهم بغتةً.
ولا شك
فإن موت الفجأة يعد من علامات اقتراب الساعة، ودليل ذلك حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن يظهر موت الفجأة . وصحح الحديث الألباني في السلسلة وصحيح الجامع، وأما عن قول السائل: هل هو خير؟ فجوابه أنه يختلف باختلاف الميت، فالمؤمن والطائع هو له خير، والكافر والعاصي على العكس من ذلك، وقد روى الإمام أحمدعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر .


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم