بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن المولى عزوجل يؤتى الحكمة من يشاء ,ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ,وأول من أعطاهم الله الحكمة من البشر هم الانبياء , وقد جاء في القرآن الكريم مايدل على ذلك
قال تعالى في سورة الأنبياء (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ( 78 )ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين)79
يقول الامام البغوي
اختلفوا في الحرث قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وأكثر المفسرين كان الحرث كرما قد تدلت عناقيده وقال قتادة : كان زرعا ( إذ نفشت فيه غنم القوم ) أي رعته ليلا فأفسدته والنفش الرعي بالليل والهمل بالنهار وهما الرعي بلا راع ( وكنا لحكمهم شاهدين ) أي كان ذلك بعلمنا ومرأى منا لا يخفى علينا علمه قال الفراء : جمع اثنين فقال لحكمهم وهو يريد داود وسليمان لأن الاثنين جمع

القصةكما يلي :--

قال ابن عباس وقتادة والزهري : وذلك أن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع إن هذا انفلتت غنمه ليلا ووقعت في حرثي فأفسدته فلم يبق منه شيء فأعطاه داود رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرا على سليمان فقال كيف قضى بينكما فأخبراه فقال سليمان : لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا .

وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين فأخبر بذلك داود فدعاه فقال كيف تقضي؟ ويروى أنه قال بحق النبوة والأبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين ، قال ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله وأخذ صاحب الغنم غنمه فقال داود القضاء ما قضيت وحكم بذلك .

وقيل إن سليمان يوم حكم كان ابن إحدى عشرة سنة


وأما حكم الإسلام [ في هذه المسألة ] أن ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها وما أفسدت بالليل ضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الزرع يحفظونه بالنهار والمواشي تسرح بالنهار وترد بالليل إلى المراح .
يقول الامام البغوي

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمانه على أهلها ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما أتلفت ماشيته ليلا كان أو نهارا .

هل حكم داود كان خطأ ؟؟؟
يقول الامام القرطبي :-
قال قوم : كان داود وسليمان - عليهما السلام - نبيين يقضيان بما يوحى إليهما ، فحكم داود بوحي ، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود ، وعلى هذا ففهمناها سليمان أي بطريق الوحي الناسخ لما أوحى إلى داود ، وأمر سليمان أن يبلغ ذلك داود ؛ ولهذا قال : وكلا آتينا حكما وعلما . هذا قول جماعة من العلماء ومنها ابن فورك . وقال الجمهور : إن حكمهما كان باجتهاد وهي :

ثم قال واختلف العلماء في جواز الاجتهاد على الأنبياء فمنعه قوم ، وجوزه المحققون ؛ لأنه ليس فيه استحالة عقلية ؛ لأنه دليل شرعي فلا إحالة أن يستدل به الأنبياء ، كما لو قال له الله سبحانه وتعالى : إذا غلب على ظنك كذا فاقطع بأن ما غلب على ظنك هو حكمي فبلغه الأمة ؛ فهذا غير مستحيل في العقل . فإن قيل : إنما يكون دليلا إذا عدم النص وهم لا يعدمونه . قلنا : إذا لم ينزل الملك فقد عدم النص عندهم ، وصاروا في البحث كغيرهم من المجتهدين عن معاني النصوص التي عندهم . والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الخطأ ، وعن الغلط ، وعن التقصير في اجتهادهم ، وغيرهم ليس كذلك . كما ذهب الجمهور في أن جميع الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون عن الخطأ والغلط في اجتهادهم .
هذا والله أعلم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم