النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التوحيد و العقل

  1. افتراضي التوحيد و العقل

    قال الفيلسوف وعالم الإجتماع الإنجليزي هربرت سبنسر "هنالك مبدأ وجدَ لعرقلة جميع المعلومات , ولصد أي نقاش بنّاء , هذا المبدأ هو فكرة التصور المسبق , وهي كفيلة بإبقاء البشرية في جهلٍ مُطبق", لدى كل البشر تصورات مُسبقة وهذه التصورات المسبقة ترتبط بها أهواء وعواطف , والعقل البشري يحتوي الآلاف من التصورات المسبقة فعلى سبيل المثال لو كنتَ عطِشاً وجئت لك بكأس ماء بارد ستشربه بالتأكيد , هوى النفس لديك سيكون مع وليس ضد وعاطفتك ستكون إيجابية تجاه ذلك وليست سلبية لكن إذا جئت لك بكأس "وقود نفطي" هل ستشربه ؟ هوى النفس لديك مع أو ضد ؟ عاطفتك سلبية أم إيجابية تجاه ذلك ؟ بالتأكيد لا , لأن لديك تصور مسبق أن "الوقود النفطي" يؤذي إن شربته ولا يروي الظمأ , هذا التصور المسبق مع آلاف من التصورات المسبقة مغروس وتغرس في عقلك منذ طفولتك إلى وفاتك وترتبط بها أهواء وعواطف , والأصل في العقل البشري إن أراد أن يحكم على شيء أو أمر مختلف فيه بين البشر أن يحكم فيه بعقله المجرد من التصورات المسبقة والأهواء والعواطف المرتبطة بها , العقل غير المسيس والمبرمج والمؤدلج. وهذا الكلام ليس فلسفياً ترفياً إنما نعلمه من كتاب الله عز وجل , فالقرآن الذي احتوى على "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ" هو نفسه القرآن الذي احتوى آياتٍ في سورة "النساء" نزلت في تبرئة يهودي أُتهم زوراً بالسرقة من قِبل أناس مسلمين , فالتصور المسبق والعواطف والأهواء المرتبطة بها عن اليهود هنا لم يكن لها دور في معرفة الحقيقة في هذه الحادثة ! , وقال تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" , قال الخطيب العربي أكثم بن صيفي :"آفة الرأي الهوى" , قال المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي : "اللجوء إلى العاطفة هي تقنية كلاسيكية لسد التحليل العقلاني، وبالتالي الحس النقدي للأفراد. كما أن استخدام المخزون العاطفي يسمح بفتح باب الولوج إلى اللاوعي، وذلك من أجل غرس أفكار، رغبات، مخاوف، ميولات، أو سلوكيات ..." .
    قال الشنقيطي في كتابه "آداب البحث والمناظرة" : "واعلم أن علم التصور في الاصطلاح هو (إدراك معنى المفرد من غير تعرض لإثبات شيء له ولا لنفيه عنه ) ,كإدراك معنى اللذة ,والألم , ومعنى المرارة , ومعنى الحلاوة, وإدراك معنى الإنسان ,ومعنى الكاتب ..... والإدراك في الاصطلاح هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه ) , فإن وصلت إليه لا بتمامه فهو المسمى في الاصطلاح بالشعور" .

    وحقيقة أن يأتي شخص ما بحقيقة ما ويرفضها مجتمعه لأنها تخالف التصورات المسبقة التي لديهم معروفة لدى العقل البشري , تطرق إليها القرآن من خلال موقف أقوام الأنبياء منهم لأنهم قالوا أموراً تخالف ما كان عليه أبائهم وتطرق إليها الأدباء والفلاسفة مثل الفيلسوف اليوناني أفلاطون في قصة الكهف و الظلال والأديب العربي جبران خليل جبران في قصة "يوحنا المجنون" وغيرهم كثير ...
    ولعل مسألة التصورات المسبقة هي واحدة من أقوى الشبهات الفكرية الجدلية لدى الملحدين وعموم اللادينيين فيقولون لك : الشخص الذي يولد في بيئة نصرانية يبقى يردد أن النصرانية هي الحقيقة وهي طريق النجاة من النار...., والشخص الذي يولد في بيئة مسلمة يبقى يردد أن الإسلام هو الحقيقة وهو طريق النجاة من النار ... ولو عكست حال الشخصين لظل كل واحد منهما يردد ما سمعه من بيئته فالمسألة حسب اللادينيين ليست مسألة حقيقة ربانية بل مسألة تصورات مسبقة مبثوثة من البيئة الإجتماعية ترتبط بها أهواء وعواطف ويكون إنتماء الفرد لدينه كإنتماءه للقبيلة.... قال أحد منظري الإلحاد ريتشارد دوكنز في كتابه "وهم الإله" :"إذا كنت تشعر بأنك عالق في الدين الذي تربيت عليه إذن فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف تم ذلك ؟ الجواب نجده عادة في التلقين الذي نتلقاه في مراحل الطفولة . لو أنك متدين فالإحتمال الأكبر أنك على دين أبائك. لو ولدت في آركنساس ستفكر بأن المسيحية هي الدين الحق والإسلام كذبة كبرى وتعلم تماماً بأن العكس هو الصحيح فيما لو كنت مولوداً في أفغانستان . لهذا فأنت ضحية تلقين ديني من مرحلة الطفولة في كل من آركنساس أو أفغانستان ." , وهذه الشبهة هي أطروحة منطقية لو رُميت على أي ديانة غير الإسلام لأسقطتها لكن حين تُرمى على الإسلام فتلك الأطروحة تسقط لأسباب كثيرة منها :

    1. وجود مفهوم المنافقين في الإسلام , النفاق الذي يا طالما تحدث عنه القرآن والنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- فالمنافق قد يولد من أبوين مؤمنين في بيئة مسلمة وربما يصلي ويصوم ويظل يغني وينشد للإسلام ويقرأ القرآن .... قال عليه الصلاة والسلام: ( ومَثَل ُ المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مُر , ومَثَلُ المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مُر) , والمؤمن قد يولد من أبوين منافقين .... وفي الأسرة الواحدة قد يكون عمرو مؤمناً وشقيقه زيد منافقاً ..., لكن بالنهاية المؤمن يدخل الجنة والمنافق يدخل النار تماماً مثله مثل الكافر المنكر للإسلام الذي لم يتعرض يوماً لأي تأثير بيئي إسلامي ..., قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) , فمسألة التمسك بالحقيقة والوصول إلى الحق والباطل ومصيرهما في الإسلام لا تكون من خلال برمجة بيئية خارجية تبث تصورات مسبقة معينة ترتبط بها أهواء وعواطف وإنما من خلال إرادة ذاتية داخلية حرة ومستقلة , و جمهور الفلاسفة من سقراط إلى يومنا هذا لا ينكرون أن للإنسان إرادة حرة , بما فيهم الفيلسوف الملحد توماس هوبز الذي كان يرى أن الإنسان مجرد مُكوِّن مادي معقد في عالم مادي محض . جراح الدماغ الكندي ويلدر بنفيلد الحاصل على جائزة نوبل في الطب له أبحاث استمرت حوالي نصف قرن يُثبت فيها أن للإنسان إرادة منفصلة عن كينونته المادية و نشر خلاصة أبحاثه في كتابه "لغز العقل" .

    2. توافق عقيدة الإسلام مع الإدراك بعيداً عن التصورات المسبقة والبرمجة البيئية فلو عزلت إنساناً منذ ولادته عن إي بيئة بشرية في جزيرة معزولة مثلاً-كحال صاحبنا حي بن يقظان لابن طفيل- وبدأ هذا الإنسان يكبر ويتساءل عن وجوده وسبب خلقه وينظر في المصنوعات من حوله في البحار والأشجار والسماء والنجوم .... فلن يتوصل إلى أن هذه بلا موجد وأنها نتجت من العدم كما يجادل الملحدون عبر استنتاجاتٍ ارتبطت أصلاً بتصوراتٍ مسبقة من البيئات البشرية ولن يتوصل إلى الهندوسية مثلاً بتعقيداتها -يقول نائب رئيس الهند سارفيبالى راداكريشنان " إن الهندوسية لا يمكن تعريفها ، يمكن فقط اختبارها"- , ولن يتوصل إلى معتقد النصرانية وما يشمله من النزول والتجسد والتضحية والصلب وقدسية الصليب مهما تفكر , ولن ولن ..... لن يصل إلا أن هنالك موجداً عظيماً واحداً وراء هذا ثم سيبدأ بالتساؤل عن سبب خلقه ثم سيغرق مرةً أخرى بالتفكر والتدبر... , وهذا هو الإسلام وكل دعوات الرسل من قبله إلى التوحيد ! قال تعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " , كان زيد بن عمرو بن نفيل قبل الإسلام قد رفض كل التصورات المسبقة الوثنية –وحساب أهل الفترة الذين لم يبلغهم الرسل على الله – وكان يقول "اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به , ولكني لا أعلم" , ويقول علماء الأنثروبولوجيا إن بنية دماغ الإنسان مصنوعة بشكل يؤهلها نحو الإيمان, قال الدكتور جاستون باريت –الباحث في مركز العلم والعقل في جامعة أكسفورد- : "إذا رمينا أطفالاً لوحدهم على جزيرة وتربوا بأنفسهم فسيؤمنون بالله" , قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ,قال تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) , قال السعدي في تفسيره حين أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم " أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم " أي: قررهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار، بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم . قالوا: بلى قد أقررنا بذلك، فإن الله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم . فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ على العقول والعقائد الفاسدة، ولهذا قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أي: إنما امتحناكم حتى أقررتم بما تقرر عندكم، من أن الله تعالى ربكم، خشية أن تنكروا يوم القيامة، فلا تقروا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة الله ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون . فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة لله عليكم . أو تحتجون أيضا بحجة أخرى، فتقولون: إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم .أفتهلكنا بما فعل المبطلون فقد أودع الله في فطركم، ما يدلكم على أن ما مع آبائكم باطل , وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه . ) , قال عالم اللغويات ماكس مولر : " إن فكرة التعبد من الغرائز التي فُطر عليها الإنسان منذ نشأته الأولى" .
    ولعلنا نرى هذا الآن بأعيننا فالذين يبحثون عن الحقيقة في العالم خاصةً في الغرب الذي تسوده عقائد النصرانية والإلحاد يتوجهون إلى الإسلام بعد التحرر من التصورات المُسبقة والأهواء والعواطف المرتبطة بها –فالتصورات المسبقة المبثوثة عبر وسائل توجيه الرأي العام في الغرب عن الإسلام هي سلبية كما يعلم الجميع- ولا يمكن مشابهة حال أولئك مع من يتركون الإسلام إلى النصرانية و الإلحاد , فمفهوم التصورات المسبقة حجة عليهم , حيث أن العولمة -أو الأمركة - و التي تهدف لجعل البشرية جمعاء تعيش ضمن إطار ثقافي واحد عبر أدواتها الإعلامية المتنوعة ... هي ذات هوية نصرانية أو لادينية فنحن مثلاً نرى رامبو هوليوود الخارق يصلي في كنيسة و ليس في مسجد ! , و أحياناً يكون ذلك الرامبو ملحداً ..., و نرى أن مصاصي الدماء الأشرار في أفلام الرعب يتم مقاومتهم بصليب النصارى ..., فالقدوات و الرموز التي تقدمها أدوات العولمة الإعلامية للعالم هي في مجملها نصرانية أو ملحدة, قال الفيلسوف الألماني شفايتزر : "لا تعتبر القدوة أهم عنصر من عناصر التأثير على الآخرين، بل هي العنصر الوحيد" , فالعولمة تغرس تصورات مسبقة ممزوجة بالنصرانية - و بالإلحاد أحياناً - إلى جميع سكان الكرة الأرضية في واقعنا المعاصر و بالتالي تبني في اللاوعي قاعدة صُلبة للنصرانية -أو الإلحاد- في العقل الجَمعي للإنسانية. , أضف إلى ذلك أن كثيراً من الحركات التنصيرية تستخدم الإغراءات المادية المختلفة مثل رعاية مالية و صحية مجانية للفقراء أو وعد بتسهيل الهجرة لبلد غربي و الحصول على جنسيته ... و أن الذين يلحدون في مشارق الأرض ومغاربها فإنما ارتكز إلحادهم على تصورات مسبقة من إنتاجاتٍ بشرية تراكمت عبر قرون إلى جانب صدمات نفسية من مجتمعاتهم البشرية, كانت تلك التوجهات الإلحادية مدعومة أصلاً بتصورات مسبقة من خلال ما يُسمى في الإسلام بالوساوس الشيطانية –هواجس بشرية عند الملحدين- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَأْتي الشَّيْطانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذا مَنْ خَلَقَ كَذا حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَه )ِ , وبغض النظر من سخرية الملحدين أو تصديق المسلمين لمفهوم الوسوسة الشيطانية فإن ذلك يدحض أطروحة التصورات المسبقة التي يروج لها الملحدون ضد الإسلام بل بالعكس هي حجة عليهم أمام الإسلام وليست لهم فهنالك وسواس أو هاجس أو سمه كما شئت يأتي للمسلمين بالإلحاد ولكن لا يوجد وسواس أو هاجس يأتي لغير المسلمين الذين لم يسمعوا يوماً بنبي الإسلام محمد ويقول لهم إن عليكم أن تتبعوا "محمد" ! .

    3. سلامة النقل في الإسلام وتفرده في هذا , في أي خبر ٍ يرد إلينا هنالك الحكم النقلي على صحته والحكم العقلي , دعني أضرب مثالاً : في قرية ما يأتي عشرة رجال معروفون بالصدق والأمانة ويقولون أن ذئباً أكل خاروفاً من قطيع الخراف التي ترعى خارج القرية , فهل لو كنت فرداً من داخل القرية ستصدق هذا أم لا ؟ الحكم النقلي هنا إيجابي فالرجال الذين نقلوا الخبر ثقات , ويأتي هنا دور الحكم العقلي على الخبر هل من الممكن أن يقوم ذئب بافتراس خاروف ؟ نعم ممكن إذن الخبر في ظاهره صحيح ! , الآن دعنا نفترض لو أن شخصاً واحداً يُعرف بالكذب في القرية وجاء وقال أن عصفوراً قام بافتراس أربعين من الخراف ثم طار هارباً ! ما هو حكمك النقلي والعقلي على الخبر ؟! , حسناً لقد ولدنا في العصر الحديث ونسمع عن رجل يُدعى محمد يدعو إلى لا إله إلا الله ....., ونسمع عن دياناتٍ أخرى لها أخبارها وأصحابها أيضاً .... ما الذي يضمن لي ولك أن تلك التي وصلتنا من قرون صحيحة ؟! وهنا أتحدث عن الحكم النقلي فقط من دون الخوض في الحكم العقلي , وخبر الإسلام جاءنا في القرآن والسنة قال الشافعي: (القرآن وعاء والسنة غطاء) , والقرآن تم حفظه بالصدور قبل السطور من عوام المسلمين وعلمائهم جيلاً وراء جيل إلى جيلنا هذا ونرى قُراءً ثقاتاً أخذوا قراءته عن شيوخهم الذين أخبروا أنهم كانوا ثقاتاً عن ..عن ...عن... وهكذا , وكذلك السنة بأسانيدها ومتونها نرى محدثين ثقاتاً في مشارق الأرض ومغاربها أخذوها عن... عن... وهكذا فكان هنالك علم "الجرح والتعديل" في توثيق كل صغيرة وكبيرة عن أي ناقل حديث.... , فلا تشعر في قلبك بشبهة تحريف بزيادة أو نقص أو اختلاق من حيث الحكم النقلي , ومثل هذا الأمر لا تجده في غير الإسلام من الديانات فسلامة النقل مطعون بها في غيره , ولنأخذ النصرانية على سبيل المثال فلم يكن لها أي كتاب حتى القرن الرابع الميلادي وفي 325 ميلادي في مجمع نيقية أنتخبوا أربعة أناجيل من بين عشرات الأناجيل المتضادة مع إحدى وعشرين رسالة من بين رسائل لا تعد ولا تحصى فتم انتخاب ما عُرف لاحقاً بالعهد الجديد من ثلث أعضاء المجمع أما الثلثان الآخران وعلى رأسهم "آريوس" فكانا يقولان بأن المسيح ما هو إلا مخلوق وعبدالله ..... إضافة إلى أن العهد الجديد طرأ عليه تعديلات عبر القرون اللاحقة ..., فأين سلامة النقل في هذا وما هو حكمنا النقلي ؟, و هنا لا بأس أن نذكر بعض أقوال علماء غير مسلمين يشهدون فيها على سلامة النقل في الإسلام , يقول المستشرق الأسكتلندي وليم موير عن القرآن : " من الراجح أنه لا يوجد في العالم كتاب غيره احتفظ بنصه نقيا اثني عشر قرنا من الزمان " , و يقول المستشرق المعاصر برنارد لويس : "في وقت مبكر أدرك علماء الإسلام خطر الشهادات الكاذبة والمذاهب الفاسدة فوضعوا علما ًلانتقاد الأحاديث والتراث وهو (علم الحديث) كما كان يُدعى .. وهو يختلف لاعتبارات كثيرة عن علم النقد التاريخي الحديث !! ففي حين أثبتت الدراسات الحديثة اختلافا ًدائما ًفي تقييم صحة ودقة السرد القديمة (أي في غير الإسلام) : نجد أن الفحص الدقيق له (أي لعلم الحديث) باعتنائه بسلاسل السند والنقل وجمعها وحفظها الدقيق من المتغيرات في السرد المنقول تعطي التأريخ العربي في القرون الوسطى احترافا ًوتطورا ًلم يسبق له مثيل في العصور القديمة !! ودون حتى أن نجد له مثيلا ًفي الغرب في عصوره الوسطى في ذلك الوقت !! والذي بمقارنته (أي علم الحديث عند المسلمين) بالتأريخ المسيحي اللاتيني : يبدو الأخير فقيرا ًوهزيلا ً!! بل وحتى طرق التأريخ الأكثر تقدما ًوتعقيدا ًفي العالم المسيحي اليوناني : فلا تزال أقل من المؤلفات التاريخية للإسلام في مجموع تنوع وحجم وعمق التحليل ” , قال المستشرق الإنجليزي دافيد مرجليوث : " ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم" , لا بل إن غير المسلمين استفادوا من المنهج العلمي التوثيقي للمسلمين في توثيق التاريخ الإنساني بمجمله , يقول المؤرخ اللبناني المسيحي الدكتور أسد رستم في كتابه (مصطلح التاريخ) : " و أول من نظّم نقد الروايات التاريخية و وضع القواعد لذلك علماء الدين الإسلامي ..., فانبروا لجمع الأحاديث و درسها و تدقيقها فأتحفوا علم التاريخ بقواعد لا تزال , في أسسها و جوهرها , محترمة في الأوساط العلمية حتى يومنا هذا . " .
    قال ابن خلدون "إن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نِحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله" .


    4. لا نجد في عقيدة الإسلام ما يصادم العقل كسائر الديانات , فعندما نقول لا إله إلا الله وليس كمثله شيء ...., فكل هذا لا يتعارض مع العقل ولا يصادمه فلكل موجودٍ لا بد له من موجد ولا ينبغي لذلك الخالق أن يكون كالمخلوق الذي تجري عليه قوانين الطبيعة وسنن الكون فهو رب وخالق تلك القوانين والسنن وموجدها قبل أن توجد فأنى لها أن تجري عليه ! ..... , وفي هذا تكلم علماء المسلمين كثيراً منهم ابن تيمية صاحب "درء تعارض العقل والنقل" وغيره كثير ..., قال فيه : "وإن كان يظن طوائف من المتكلمين و المتفلسفة أن الشرع إنما يدل بطريق الخبر الصادق , فدلالته موقوفة على العلم بصدق المخبر , ويجعلون ما يبنى عليه صدق المخبر معقولات محضة – فقد غلطوا في ذلك غلطاً عظيماً , بل ضلوا ضلالاً بعيداً , في ظنهم أن دلالة الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد , بل الأمر ما عليه سلف الأمة ,أهل العلم والإيمان, من أن الله سبحانه وتعالى بيّن من الأدلة التي يُحتاج إليها في العلم بذلك ما لا يقدر أحد من هؤلاء قدْرَه , ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه ." , فلا يتعارض العقل البشري-حتى ذلك العقل المشبع بالتصورات المسبقة- مع عقيدة الإسلام بأي حالٍ من الأحوال , أما ما نسمعه ونقرأه من شغب فإنما دار حول أمورٍ من خارج أمور العقيدة , في فروع الفروع وليس في أصلٍ من الأصول , وإن ظهر للعين فساد الفرع مع صلاح الأصل فمن جناية الفعل وسخف العقل الحكم بفسادهما كليمها , إذا كنتَ مزارعاً ولدت وعشت في جزيرةٍ معزولة ولا تعلم إلا أن التفاح لونه أخضر ولديك شجرة تفاح تثمر لك كل عام تفاحاً أخضراً وفي أحد الأعوام لاحظت تفاحة حمراء على أحد أغصانها فماذا ستفعل ؟ هل ستقطع الجذع كاملاً (الأصل) أم الغصن الذي نبتت عليه التفاحة الحمراء (الفرع) أم التفاحة الحمراء(فرع الفرع) ؟ , حسناً بالنسبة لي لن أفعل شيئاً من ذلك سأذهب إلى أقرب مهندس زراعي لأسأله فإن لم يجبني سأسأل غيره من الخبراء فإن لم يجيبوني جميعاً حينها سأفكر في القطع ....., هذا المثال لأمهد لك أنه حتى في فروع الفروع في الإسلام التي يظهر شيءٌ منها مخالفاً للعقل فليس حقيقةً مخالفاً للعقل المجرد من التصورات المسبقة والأهواء والعواطف المرتبطة بها , إنما هو في الأصل يخالف تصورات مسبقة مغروسة في العقل أو هو أمر لم يدركه العقل, فالعقل البشري مهما كان عظيماً فهو محدود القدرات مثله مثل باقي ما يتعلق بالإنسان , تجد إنساناً نسبة ذكائه مئة أو مئة وخمسون ولكن لا تجد إنساناً نسبة ذكائه مليار , تجد إنساناً يستطيع حمل سيارة أو طيارة ولكن لا تجد إنساناً يستطيع حمل الكرة الأرضية , وكل الإنسان بما فيه عقله محدود مهما كان عظيماً , قال الفيلسوف اليوناني أرسطو: "للحكم على شيء خاص لا بد أن يكون الإنسان على علم خاص بذلك الشيء" , ولنضرب مثالاً على أمرٍ يخالف تصورات مسبقة في العقل البشري –لعله واحدٌ من أحب الأمثلة لخصوم الإسلام- جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما : (قدِمَ رهْطٌ من عُرينةَ وعُكْلٍ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فاجْتَوَوُا المدينة، فشَكَوْا ذلك فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا وَسَمِنُوا) , من هذا الحديث يعنينا كلمة أبوالها وهي جمع كلمة بول ! يعني رسول الإسلام وصف بول الجمل كدواء !!! بدلاً من أن يحذر الناس من شربه !!! ..... وعلماء الإسلام بدلاً من أن ينفوا أن رسولهم قال هذا الكلام يقومون بإثباته قال ابن تيمية : "ولَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً نَجِسَةً لم يُبِحْ لَهُمْ شُرْبَهَا، ولَسْت أَعْلَمُ مُخالِفًا في جَوازِ التَّداوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ كَما جاءَتِ السُّنَّةُ", هذا ما يخطر في بال العقل البشري الذي لديه تصورات مُسبقة أن البول لأي كائن نجس وسام ومؤذي و ..., حسناً لو لم تسمع في حياتك بالنحل ولا بالعسل وقلت لك اسمع هنالك نوع من الحشرات تقوم بإفراز مادة ما وسأعطيك ألف دولار لكي تأكل ملعقة واحدة من تلك المادة هل ستقبل ؟ , حقيقة الأمر أن التداوي ببول الجمل كان يخالف تصورات مُسبقة في العقل البشري ولا يخالف العقل البشري المجرد من التصورات المسبقة والأهواء والعواطف المرتبطة بها , ابن سينا أحد عباقرة الطب في التاريخ الإنساني وظل كتابه "القانون في الطب" المرجع الأول في علم الطب لسنوات طويلة في العالم الغربي والشرقي حتى قال فيه عالم الطب الكندي ويليام أوسلر: "إنه كان الإنجيل الطبي لأطول فترة من الزمن" , ابن سينا وصف بول الجمل للتداوي في كتابه "القانون في الطب" , قال ابن سينا : "وبول الجمل ينفع في الاستسقاء وصلابة الطحال لا سيما مع لبن اللقاح " , وهنالك عدد من الأبحاث الطبية تتحدث عن فوائد لبول الإبل في العصر الحديث .. وليس موضوعي هنا التغزل ببول الإبل ! ولكن ضرب مثالٍ على أمرٍ من فروع الفروع في الإسلام يخالف التصورات المسبقة في العقل البشري ولا يخالف العقل البشري نفسه ..., قال شكسبير : " ليس هنالك جميل ولا قبيح، وإنما تفكير الإنسان هو الذي يصور الجمال والقبح" , مع ملاحظة هنا أن النبي محمد نصح به على سبيل الرأي و لم يجعل التداوي ببول الإبل شعيرة من شعائر الإسلام كمل يزعم بعض خصوم الإسلام , جاء في الحديث : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم", أحد علماء المسلمين الإمام النووي وضع عنواناً في شرح هذا الحديث : (باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي) , فنحن أعلم بأمور دنيانا التي تقع ضمن دائرة المباحات فلا حاجة لنا اليوم للتداوي ببول الإبل طالما أن البدائل الطبية موجودة اليوم . , ولنضرب مثالاً على أمرٍ لم يدركه العقل البشري –حتى ذلك العقل المجرد من التصورات المسبقة – قال تعالى : "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" , ومعنى الأمر أن على المرأة المطلقة التي تحيض أن تنتظر عدتها بعد الطلاق بثلاث حيضات ...., وهنا قد تقول لي حسناً هل لك أن تقدم تفسيراً لماذا ليس أربع أو خمس أو حيضتان مثلاً لماذا ثلاث ؟ سأقول لك ببساطة لا أعلم ! هذا أمرٌ لم يصل إليه عقلي بعد للإحاطة بحكمته وإن كنت أعلم الأصل بأن خالقي أعلم مني فلن أنكر حكمه ! ... , ولكنني أعلم في نفس الوقت أن الأمور في فروع الفروع في الإسلام التي لم يصل لها العقل البشري لا تضر البشر ولا تتعارض مع مسيرة الإنسان في هذا الكون قال الفيلسوف المسلم ابن رشد في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال" : (إنّ الحكمة هي صاحبة الشّريعة، والأخت الرّضيعة لها، وهما المصطحبتان بالطّبع، المتحابّتان بالجوهر والغريزة ) .

    5. وجود الكثير من العلماء والباحثين في العلوم الطبيعية البحتة والتطبيقية من خلفيات عقدية مختلفة –ملحدون ,يهود, نصارى ...- تركوا معتقداتهم وتوجهوا إلى الإسلام بسبب ما يسمونه هم بالإعجاز العلمي في نصوص الإسلام وبعضهم يقول أن تلك الأمور في نصوص الإسلام لم تُكتشف إلا في العصر الحديث .... ولا نرى هذا في غير الإسلام من الديانات ! , وهنالك كثير من الكتب والندوات عقدت لمناقشة هذا الموضوع..., ولعل كتاب الجراح الفرنسي موريس بوكاي "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم" واحد منها , يقول موريس بوكاي -رئيس قسم الجراحة في جامعة باريس- : "لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم ,و ذلك دون أي فكر مسبق و بموضوعية تامة باحثاً عن درجة اتفاق نصّ القرآن و معطيات العلم الحديث. و كنت أعرف , قبل هذه الدراسة, و عن طريق الترجمات , أن القرآن يذكر أنواعاً كثيرة من الظاهرات الطبيعية و لكن معرفتي كانت وجيزة . و بفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث و بنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم و الأناجيل . أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول , أي سفر التكوين , فقد وجدت مقولات لا يُمكن التوفيق بينها و بين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا . و أما بالنسبة للأناجيل ... فإننا نجد نصّ إنجيل متّى يُناقض بشكل جلي نصّ إنجيل لوقا, و أن هذا الأخير يقدم لنا صراحةً أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض " . , ولنضرب مثالاً هنا قوله تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " , لقد احتوت تلك الآيات على مراحل تكوين الجنين ودفعت مع غيرها من الآيات أحد كبار علماء التشريح في العالم البروفيسور كيث مور إلى اعتناق الإسلام . , قال تعالى : "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" .

    6. وجود مرجعية واضحة و متكاملة لمعرفة الصواب والخطأ , في عصرٍ ما في إسبارطة كان اللص الذي لا يُلقى القبض عليه يُعتبر بطلاً , وفي عصرٍ ما في أثينا كان الشذوذ الجنسي أمراً عادياً , وفي عصرٍ ما في جزيرة العرب كان وأد البنات أمراً عادياً , وفي عصر ما في لاس فيغاس كان شرب الخمر أمراً عادياً , و في عصر ما في روما كانت المصارعة حتى الموت بين البشر رياضة ترفيهية عادية ..., هنالك ملايين المسائل التي تمس أمن ومسيرة الإنسانية والتي سنختلف نحن البشر فيها وحينها لا يمكن تمييز الصواب من الخطأ .... هل نعاقب إنساناً قتل آخراً بالخطأ ؟ إذا كان نعم ما هي أفضل عقوبة له ؟ لماذا هذه وليست تلك العقوبة ؟.... هل ينبغي لشابٍ أعزب أن يتزوج إمراة طلقها زوجها ؟ هل شرب الخمر صواب أم خطأ ؟ هل الربا صواب أم خطأ ؟ قليله وكثيره ؟... , إذا كان هنالك إله -أو آلهة- خلق البشر فلا بد أنه يعلم كل شيءٍ عن البشر أكثر من أنفسهم وأنهم بطبيعتهم يميلون للخلاف والاختلاف في آرائهم بما يتعلق بأمنهم الإنساني , فلماذا لم يحدد لهم مرجعية واضحة ومتكاملة لتحديد الصواب والخطأ بما يتعلق بذلك ؟ إننا لا نجد مثل هذه المرجعية الشاملة و المتكاملة من كل الديانات إلا في الإسلام وهي ما تسمى بالشريعة قال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) , وهي شاملة لكل الجوانب التي تتعلق بالأمن الإنساني , قال عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا الدكتور شبرك : "إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته" , أما ما يثيره البعض من أنها لا تناسب العصر الحديث بما يتعلق بالعقوبات مثل قطع يد السارق فهذا لجهلهم المركّب بموضوع العقوبات ولجهلهم بالعصر الحديث ومآسيه فقطع يد السارق إن كان خطأً فينبغي أن تكون آخر هموم الإنسانية في العصر الحديث ....! , ولنأخذ حكم قطع يد السارق مثالاً فحكم قطع يد السارق لا يُطبق إلا بعد سد الذرائع التي قد تدفع إنساناً إلى السرقة فبعد تطبيق العدل في توزيع الثروات وتوفير فرص العمل والرزق وضمان حصانة الفرد الأخلاقية في المجتمع من خلال التربية الشاملة للمجتمع .... عندها فقط يمكن تطبيق حد السرقة بقطع اليد حين يكون السارق غير محتاجٍ للسرقة ومتمرداً على النظام الأخلاقي للمجتمع , فشريعة الإسلام ليس سلة خضار نختار منها ما نشاء ونترك ما نشاء ومن فعل ذلك فهذا ذنبه وليس ذنب الإسلام , والأصل في قسوة تلك العقوبة الزجر والترهيب من فعلها قال الفيلسوف اليوناني أرسطو : " البشر يُحْكَمُون بالخوف أكثر من المهابة" , وإن كانت المسألة مسألة رحمة محضة ! فمن متى كان في العقوبة رحمة محضة !؟ هل في إعدام القاتل بالكرسي الكهربائي في أمريكا رحمة محضة ؟ أم في شنق الخائن في بريطانيا أو الحبس الإنفرادي في فرنسا رحمة محضة ؟ قال أرسطو : " القانون منطق خالٍ من العاطفة" , ولماذا يقوم منتقد العقوبات في الإسلام بقتل ألاف الكائنات الحية لا لشيء سوى ليأكلها ؟! الخاروف مثلاً كائن وديع ومسالم لماذا تحز عنقه وتقطع رأسه لا لشيء سوى لتأكله مع أنه لم يفعل لك شيئاً مع علمك أنه يتألم ويتعذب بذلك ؟ وكذلك سائر الحيوانات ؟ وأيضاً النباتات فالعلم الحديث يثبت أنها تشعر أيضاً وتتألم ؟ أين الرحمة المحضة هنا ؟ ليس لدى الملحد مبررٌ أخلاقي واحد لفعل ذلك وإن كان صادقاً مع نفسه بخصوص الرحمة المحضة فعليه أن يترك نفسه يموت جوعاً , فالاختلاف البيولوجي ليس عذراً أخلاقياً لقتل و تعذيب الأخرين . , قال الأديب الروسي تولستوي : "وأنّ شريعة محمد ستسود العالم لإنسجامها مع العقل والحكمة" .




    7. نبوءات الإسلام بأمورٍ غيبية معظمها حدث ويحدث من دون تناقض مع طبيعة الحدث , أما التحجج بالأمور التي لم تحدث بعد فهذا لا يصح لأن الزمن لم ينتهِ بعد وإذا كان ينبغي للأحداث أن تحدث دفعة واحدة فما قيمة الزمن إذن ! قال إلبرت إينشتاين : " السبب الوحيد لوجود الزمن لكي لا يحدث كل شيء دفعة واحدة" , وإذا كان النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- شخصاً عبقرياً مصاباً بجنون العظمة يسعى لتحقيق المجد الشخصي فلماذا يقوم بإرهاق نفسه بالتحدث عن أمورٍ يقول هو أنها لن تحدث إلا بعد مماته !؟ ولماذا حدثت وتحدث معظم هذه الأمور من دون تناقض مع طبيعة الحدث ؟! , ولنأخذ مثالاً هنا : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية ") , القسطنطينية هي إسطنبول في تركيا الآن , فتحها القائد المسلم محمد الفاتح عام 1453 م , النبي محمد مات سنة 632 م , وعندما مات كانت دولته ضعيفة ومحدودة في جزيرة العرب مقارنة مع دول مثل الروم والفرس في المنطقة , لم يكن أكثر المتفائلين بتلك الدولة من خارجها ولا أكثر المتشائمين بدول الروم والفرس من داخلها يتوقع أن تتمدد تلك الدولة على حساب تلك الإمبراطوريات ! , أما مدينة رومية فهي روما عاصمة إيطاليا الآن ولا يمكن التحجج بعدم فتحها لأن الزمن لم ينتهِ لكن في ضوء ما تقوله مؤسسات البحث الغربية بأن أوروبا ستكون إسلامية في القرن الثاني والعشرين الميلادي بسبب تزايد عدد معتنقي الإسلام في أوروبا ونسبة مواليد المسلمين فإن سيطرة المسلمين على روما هو أمر شبه مؤكد , و لنأخذ مثالاً آخراً , قال تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) , في هذه الآيات أكد القرآن على نصر سيتحقق بعد سنوات قليلة من نزول تلك الآيات للروم على الفُرس بعد هزيمتهم السابقة , جاء في الحديث : " فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ لأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ" , و بالفعل صحت نبوءة تلك الآيات القرآنية و حقق الروم نصراً على بلاد فارس بعد نزول تلك الآيات بسنواتٍ قليلة , و هذه الحادثة يؤكدها المؤرخ الإنجليزي -غير المسلم- إدوارد جيبون في كتابه "تاريخ سقوط وانحسار الإمبراطورية الرومانية" , يقول فيه : " ومحمد الذي جلس في الشرق على حاشية الإمبراطوريتين العظيمتين , طار فرحا مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما .. وجرؤ في إبان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة ستكون لراية الروم بعد بضع سنين !!.. وفي ذلك الوقت حين ساق الرجل هذه النبوءة - يقصد في القرآن في سورة الروم التي ورد فيها أنهم سيغلبون في بضع سنين - : لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا !.. لأن الأعوام الإثني عشر الأولى مِن حكومة هرقل كانت تؤكد على نهاية الإمبراطورية الرومانية الوشيكة" . , و هنالك الكثير من النبوءات في الإسلام التي تصف واقعنا بشكل دقيق و الخوض فيها يحتاج لكتاب لوحده ... , و لا بد لنا هنا أن نتطرق إلى نبوءات غير إسلامية سواء نُسبت إلى مصدر ديني مثل العهد القديم أو مصدر بشري مثل المنجمين و أشهرهم الفرنسي نوستراداموس , فبالنسبة لنبوءات نُسبت لمصادر دينية فالإسلام لا ينفيها ولا يُثبتها , في الحديث النبوي (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) , فالإسلام لا ينفي تلك النبوءات لأنه يقرّ أن الإنجيل و التوراة أُنزلت من عند الله و في نفس الوقت لا يُثبتها لأنه يؤكد على تعرض الإنجيل و التوراة للتحريف لاحقاً , و الباحثون المتخصصون فيما يُعرف "الكتاب المقدس" أثبتوا نبوءات خاطئة فيه مما يُثبت وجهة نظر الإسلام, فعلى سبيل المثال جاء في سفر حزقيال : "قال السيد الرب: هاأنذا أبذل أرض مصر لنبوخذ راصر ملك بابل، فيأخذ ثروتها، ويغنم غنيمتها، وينهب نهبها فتكون أجرة لجيشه، قد أعطيته أرض مصر لأجل شغله الذي خدم به، لأنهم عملوا لأجلي" , و من المعلوم أن نبوخذ نصر لم يحكم مصر قط فقد استمرت مصر تحت حكم الأسرة السادسة عشر من الفراعنة في عهد نبوخذ نصر , على الرغم من انتصار نبوخذ نصر على الفراعنة في معركة كركميش ... , و غير ذلك كثير من النبوءات التي لم تتحقق ..., أما بالنسبة لنبوءات المنجمين فالإسلام يقدم تفسيراً ميتافيزيقياً لهذه الظاهرة , جاء في الحديث النبوي : " إِذَا قَضَى اللَّهُ فِي السَّمَاءِ أَمْرًا ضَرَبَتِ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٍ عَلَى صَفْوَانَ ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ ، وَهُمْ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ الآخَرِ ، وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِأَصَابِعِهِ ، وَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ فَيُحْرِقُهُ ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ ، حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي أَسْفَلَ مِنْهُ وَيَرْمِيَهَا الآخَرُ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ، فَيَلْقِيَهَا عَلَى فَمِ السَّاحِرِ ، أَوِ الْكَاهِنِ فَيَكْذِبُ عَلَيْهَا مَا يُرِيدُ ، فَيُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ ، فَيَقُولُونَ : قَدْ أَخْبَرَنَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا ، فَيُصَدَّقُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ " , فالإسلام يؤكد على وجود كائنات غير مرئية للإنسان (شياطين الجن) تتواصل مع بعض البشر (المنجمون و السحرة) بطريقة ما , و تلك الكائنات لديها القدرة أحياناً على الحصول على بعض المعلومات من عالم الغيب , و ربما تزود المتواصلين معها من البشر (المنجمون و السحرة) ببعض ما سمعته من العالم الغيبي ... , أما بالنسبة للمنجم الفرنسي نوستراداموس فربما أطلع على نبوءات دينية في مخطوطات و كتب دينية سابقة من إرث المكتبات الضخم لدولة الأندلس بعد سقوطها و قام بتحليلها و إعادة صياغتها ..., و ربما أن الصور التي زعم أنه يراها على سطح الماء في إناء ... هي من تواصل شياطين الجن معه ..., و لا بد أن نذكر أن نبوءات نوستراداموس مبهمة الصياغة و يمكن تفسير النبوءة الواحدة عدة تفسيرات مختلفة المعنى , و قد جرى توظيفها سياسياً عبر العصور بما يتناسب مع التوجهات السياسية لمفسر النبوءة ..., و هذا سبب شهرة نوستراداموس .

    8. محصلة العقول العظمى المتحررة من التصورات المسبقة تتجه نحو الإسلام وليس نحو غيره من الديانات , إذا كانت هنالك قوى بمقدار ألف "نيوتن" تسحب كُرة نحو الأعلى وقوى بمقدار خمسين "نيوتن" تسحبها نحو الأسفل فإن الكرة ستتجه مع محصلة القوى النهائية نحو الأعلى , إن العقول التي برعت في الإنسانيات وخاصة الأدب والفلسفة هي أكثر العقول تحرراً من التصورات المسبقة في مجتمعاتهم وأكثرها قدرةً على النقد والتمحيص والتمرد على المألوف , ولنأخذ مثالاً على تلك العقول في الغرب حيث كانت التصورات المسبقة عن الإسلام سلبية وليست إيجابية , لقد برزت عقول في الإنسانيات في الغرب أغنت المكتبة الإنسانية بنصوص تفتخر الإنسانية بها من أمثال غوته و بوشكين و تولستوي و برناردشو و توينبي و هوجو و جارودي و كارليل و ماركس و لامارتين و ديورانت .... وغيرهم كثير قالوا في الإسلام ونبيه مدحاً بما لم يقولوه في غيره من العقائد المخالفة لعقائدهم –فقد كانوا على الإلحاد والنصرانية واليهودية- وبعضهم تحول إلى الإسلام وبعضهم لم يفعل وكل أولئك إلى جانب الفئة الأخرى التي هاجمت الإسلام فمفهوم التصورات المسبقة حجة عليهم وليست لهم ! , أما الفئة الأخرى التي هاجمت الإسلام فأي باحث يرى عدم نزاهة وموضوعية أصحابها –إلى جانب أن التصورات المسبقة حجة عليهم أساساً – ولنأخذ مثالاً : الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي هاجم الإسلام في مسرحيته " حياة محمد" , فلقد استخدم ذلك للكناية عن ممارسات الكنيسة في ذلك الوقت لذلك منعت الكنيسة عرض المسرحية , ثم بعد ذلك بسنوات كتب مقالات يمتدح فيها الإسلام ولم يعتذر عن المسرحية في نفس الوقت ! فأين الموضوعية والنزاهة في كل ذلك ! , وجانب آخر مهم فعلماء الإسلام الذين درسوا العقائد المخالفة –الإلحاد والنصرانية واليهودية ...- بكل تفاصيلها لم يتحولوا إليها لكن علماء الديانات الأخرى الذين يدرسون الإسلام فكثير منهم يتحول إليه , عندما يقوم شخص ما بدراسة عقيدة ما فإن التصورات المسبقة التي لديه عن العقيدة تبدأ بالتلاشي –سواء إيجابية أو سلبية- أمام التفاصيل التي يراها أمامه , كثير من علماء المسلمين من أمثال ابن تيمية وابن القيم وابن كثير ... كانوا أعلم بعقائد المخالفين-نصرانية,يهودية...- من أصحابها لكنهم بقوا على الإسلام لكننا نجد كثيراً من الذين درسوا وتمحصوا في الإسلام من العقائد المخالفة دخلوا فيه – الذين فعلوا ولم يدخلوا فيه فمفهوم التصورات المسبقة حجة عليهم – لا حاجة لضرب أمثلة من قديم التاريخ فالحاضر شاهد على أن كثيراً من القساوسة النصارى الذين يدرسون الإسلام ينتهي بهم المطاف إلى الإسلام لكن العكس ليس صحيحاً, على سبيل المثال الكاردينال أشوك كولن يانق أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط و شرق أفريقيا سابقاً , يقول بعد إسلامه : "وأنا أتحدى أياً من كبار القساوسة الشرقيين أو الغربيين أن يحاججني، بل أنا على استعداد لمناظرة أي درجة عالية في الكنيسة لإثبات صحة الإسلام وأحقيته بالاتباع، فأنا لم أسلم عاطفياً أو عبثاً، وإنما أسلمت بعد دراسة معمقة للأديان، وصلت في نهاية الدراسة إلى أن الإسلام هو الدين السماوي الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن عيسى عليه السلام إنسان من البشر وهو نبي و رسول وليس أكثر من ذلك، قال تعالى في القرآن الكريم: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) ، وأنا لست أول من يسلم من القساوسة، فقد سبقني إلى الإسلام عدد كبير من القساوسة والمبشرين" , قال تعالى "فإنهم لا يُكذِّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .


    9. ترسيخ مفهوم الدعوة و الحوار والمواجهة والمناظرة في الإسلام , إذا كان هنالك إله ما –أو آلهة ما- اختار شخصاً أو جهةً ما لتمثيل رسالته بين البشر فلماذا لم يقم بترسيخ دعوة البشر الآخرين في رسالته لكي تقوم بذلك الحجة عليهم ؟ وهذا لا نراه في غير الإسلام قال تعالى : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " , وقال: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" ,وقال: " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" ... , والقرآن نفسه كان يأتي بشبهات للمخالفين ويرد عليها وغير ذلك كثير من النصوص إلى جانب أن النبي محمد كان يواجه غيره من أصحاب الديانات المخالفة بالمناظرة والحوار ونصوص السنة مليئة بمثل تلك المواجهات , وعلماء المسلمين كانوا الطرف المبادر لمواجهة ومناظرة علماء الديانات الأخرى , ولنضرب مثالاً هنا بابا الفاتيكان بينيدكت السادس عشر هاجم الإسلام علانية أمام المئات من وسائل الإعلام سنة 2006 وأتهمه أنه ضد العقل , عندما طلب منه علماء مسلمون المناظرة و الحوار حول كلامه معه أو أي شخص يمثله من الفاتيكان علانية أمام الإعلام رفض الفاتيكان ذلك ! , لقد صرح ذلك البابا عندما كان كاردينالاً –رتبة قبل البابوية- أن الكاثوليكية هي السبيل الوحيد للخلاص أي النجاة من النار ودخول الجنة ... , وهنا لا نفهم لماذا لم يواجه أولئك المسلمين بمناظرة فكرية و يتحاور معهم ويقيم عليهم الحجة لإنقاذ أكبر عدد منهم من النار بدلاً من شتم دينهم بعيداً عنهم والتهرب من مناظرتهم لاحقاً ؟! , وعندما يتجلى الحوار والمواجهة فإننا نرى عظمة العقل المسلم على غيره من العقول فأي عقيدة هي قالب فكري يوضع فيها العقل ويتخذ العقل شكل ذلك القالب , فالملحد يضع عقله في قالب فكري هو عقيدة الإلحاد وكذلك أصحاب سائر العقائد –المسلم ,النصراني ,البوذي,...- تماماً كالماء عندما يوضع في قالب ما فيتخذ شكل ذلك القالب , ولنوضح أكثر , زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت كانت إمراةً مثقفة ولديها حكمة ولديها أقوال تشهد على ذلك من أقوالها : " العقول العظيمة تخوض في الأفكار , العقول العادية تخوض في الأحداث , العقول التافهة تخوض في الأشخاص" , وعندما تفكر في هذه المقولة تجدها صحيحة فالعقول التي بقي صيتها في التاريخ من أمثال أرسطو وغيره من العظماء بقوا بسبب طرحهم لأفكار في زمانهم وليس بسبب كلامهم في الأحداث والأشخاص في زمانهم , فالأفكار ثابتة مع تغير الأزمنة والأمكنة أما الأحداث والأشخاص فمتغيرة , عندما نقرأ محاولات معظم غير المسلمين في دحض الإسلام نجدهم يخوضون في الأحداث والأشخاص من غير الخوض في الأفكار في مُجملهم , مضت قرون على الإسلام والفكرة الرئيسية الوحيدة التي قام عليها الإسلام لم يتم دحضها بعد !, "لا إله إلا الله" هي تلك الفكرة وما تشمله من مفهوم التوحيد , قال الفيلسوف الألماني هيغل متحدثاً عن الإسلام –أو ما سماه المحمدية- : " فتكريم الواحد هو غاية المحمدية الوحيدة، والذاتية لا مادة لنشاطها إلا في هذه العبادة، وكذلك مقصد إخضاع العالم للواحد الأحد" , لا بل إن القرآن كله عن التوحيد قال ابن القيم : " فإنّ القرآنَ إمّا خبرٌ عن اللهِ وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وأقواله، فهو التوحيدُ العلميُّ الخبري , وإمّا دعوةٌ إلى عبادتِه وحدَه لا شريك له وخَلْع ما يُعْبَدُ من دُونِه، فهو التوحيدُ الإرادي الطلبي، وإمّا أمرٌ, ونهيٌ, وإلزامٌ بطاعته و أمرِه ونهيِه، فهو حقوق التوحيد ومكملاته، وإمّا خبرٌ عن أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده ، وإما خبر أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَكالِ وما يحل بهم في العُقبى من العذاب ، فهو جزاءُ من خَرَج عن حُكمِ التوحيد، فالقرآنُ كلُّه في التوحيد وحقوقه وجزائه .... " , ملايين من الأوراق طُبعت ضد الإسلام وأطنان من الذهب والفضة أُنفقت وكل ذلك في معظمه لإسقاط أشخاص والخوض في أحداث ! مع عدم الخوض في الفكرة الرئيسية الوحيدة التي قام عليها الإسلام , وهنا نسأل إذا استطعنا إسقاط محمد وأصحابه واندثر الإسلام ثم بعد مليون سنة إنتشرت فكرة "لا إله إلا الله" بما تشمله من مفهوم التوحيد ولم نعلم من نشرها حينها كيف سنواجهها ؟ , نجد علماء الإسلام عندما يردون على خصومهم يخوضون في الأفكار لإسقاط العقائد المخالفة أما غيرهم فغالباً ما يخوضون في أحداثٍ وأشخاص في الإسلام . ومن المعلوم عند العقلاء أن مهاجمة صاحب الحُجة بدلاً من مهاجمة الحجة نفسها دليلٌ على ضعف حجة الخصم و تغلب الأهواء عليه .


    10. حقيقة تفرد الحق وتعدد الباطل تصب لصالح الإسلام وليس لغيره من العقائد , إذا طرحنا سؤال واحد زائد واحد يساوي ماذا ؟ فإنك تعلم أن الإجابة الصحيحة الوحيدة هي إثنان , وإذا قام عدد من الأشخاص بإعطاء إجابات مختلفة عن إجابتك فإنك تعلم أنهم جميعاً على خطأ وأنك وحدك على صواب , القاسم المشترك بين أولئك أنهم جميعهم على خطأ (باطل) , وأنك وحدك على صواب (حق) , لو كان هناك إله أو آلهة فبالتأكيد أن الحق مع إحدى الديانات ولو لم يكن هنالك فإن الحق مع الملحدين , هنالك ألاف العقائد على كوكب الأرض –الإسلام ,النصرانية,الإلحاد,بوذية..- إن الإجابة الصحيحة فقط مع إحدى تلك العقائد وسائر العقائد على خطأ , ولا يمكن أن تكون أكثر من عقيدة على صواب لأنها جميعها متناقضة ومتصادمة مع بعضها البعض , الفيلسوف الألماني ماركس عندما تحدث عن تداخل المتناقضات تحدث بعدها عن نفي النفي وأن أحد المتناقضات لا بد أن ينفي الآخر , لن أقول لك اقرأ في تاريخ الأمم وسياسة الدول لترى من هي العقيدة التي تتحد ضدها العقائد الأخرى في أي مواجهة بين العقائد فالمسألة قد تأخذ وقتاً ! , لكن لو سألنا حاخاماً يهودياً متعصباً في إسرائيل وقسيساً متعصباً في أمريكا وراهباً هندوسياً متعصباً في الهند ... أي العقائد المخالفة لعقيدتك تراها الأخطر وأكثر كراهية بالنسبة إليك سيجيبونك : الإسلام ! , وكذلك لو سألنا منظراً للإلحاد متعصباً –لسنا بحاجة لذلك ريتشارد دوكنز يصرح بأن الإسلام عدوه الأول من الديانات- فإنه سيقول لك الإسلام ! , القاسم المشترك بين العقائد المخالفة للإسلام أن الإسلام عدوها ؟ لكن لا يوجد قاسم مشترك بين الإلحاد والبوذية أمام الإسلام فالإسلام يعتبرهما كفراً خطرهما واحد , وهنا تكمن مشكلة كثير من الملحدين فبعضهم كطفل صغير لا يعرف شيئاً عن الرياضيات دخل قاعةً ضخمة تحتوي ألاف الأشخاص وسؤال واحد زائد واحد يساوي ماذا ؟ أمامهم على لوح , وشخص واحد فقط يعطي الإجابة الصحيحة وكل شخص آخر يجيب إجابة خاصة به و تعلو أصواتهم في الخلاف حول الجواب , يقف ذلك الطفل مشدوهاً وبدلاً من أن يحاول أن يفهم السؤال ليعرف الجواب الصحيح يصرخ فيهم قائلاً تباً لكم جميعاً أيها الحمقى ! واحد زائد واحد ليس لها جواب ! ليس لها جواب !..., فيردد الملحد مقولة برناردشو "أشكر الله على أنني ملحد" , يسأل بعض الملحدين إذا كان الله موجوداً فمن أين جاء الله ؟ وعندما نجيبهم لا نعلم لأن عقولنا لا تستطيع إدراك ما لا تجري عليه قوانين الطبيعة وسنن الكون يبتسمون ساخرين , ثم عندما نسألهم من أين جاء أصل المادة الأزلية التي جاء منها الكون ؟ يقولون لا نعلم تماماً , وكيف لا يمكنكم ذلك وقوانين الطبيعة وسنن الكون تجري عليه طالما أنه ليس إلهاً ؟ , ومثل ذلك السؤال سيقودنا إلى دوامة لا نهائية من الأسئلة ومن خلق خالق الخالق ومن خلق خالق خالق الخالق ..., و ما أصل أصل أصل ... المادة الأزلية للكون ...!!! , قال تعالى : " وكان الإنسانُ أكثرَ شيءٍ جدلاً" , قال الرسام الفرنسي جورج براك "الحقيقة موجودة فقط الأكاذيب تم اختلاقها" .


    11. انتشار و نمو الإسلام على الخطين الزماني و المكاني يناقض امتداد التصورات المسبقة في كليهما , فإذا نظرنا إلى نقطة بداية الخط الزماني للإسلام فإنه كان في الشرق وبالتحديد في جزيرة العرب حيث لم تبرز هنالك حضارة أو فكر أو علم تقني أو مكتبات تحوي كتب الفلسفة و التاريخ والإقتصاد و إستراتيجيات الأمم ...., النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا كان هو من كتب القرآن فبالتأكيد أنه كان مطلعاً بعمق على علوم شتى كالتاريخ والفلسفة والديانات والإدارة و الطب و الفلك .... والإ لما استطاع أن يجذب البشر إليه إلى الآن وأن يقيم إمبراطورية من العدم امتدت حدودها إلى أوروبا, قال المستشرق جاك ريسلر : "عندما بهرت الحضارة الإسلامية المشرقة بعض رجال الدين و العلمانيين من أوروبا المسيحية كلها, أخذوا يزحفون حباً في الحرية التي تميزت بها هذه الحضارة إلى قرطبة و طليطلة و اشبيلية لكي يحضروا دروس الجامعات الإسلامية و محاضراتها " , لقد قال نيوتن " إذا كانت رؤيتي أبعد من الآخرين، فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة" فنيوتن يقول أنه لم يكن ليحقق إنجازاته لولا استفادته من الإنجازات العلمية المتراكمة لعلماء سبقوه ضمن بيئته , فمَن مِن جزيرة العرب كتب ودعا إلى تأسيس دولة تجمع بين الدين والدنيا ووضع أساسياتها الإعتقادية والإقتصادية والإجتماعية .... قبل محمد ؟! لا بل من كتب معرفةً تشمل المعرفة التي كانت لديه قبله ضمن بيئته ؟ عالم الفيزياء الأمريكي مايكل هارت عندما ألف كتابه "أعظم مئة شخصية في التاريخ" واختار محمداً -صلى الله عليه وسلم- على رأس القائمة قال في كتابه " وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسياً و فكرياً , إلا محمداً صلى الله عليه وسلم فهو قد ولد سنة 570 ميلادية في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن " , أن يأتي شخص ما في مثل تلك البيئة بديانة هي الأكثر انتشاراً في العالم ونمواً مع امتلاكه معرفة في علوم شتى مثل الفلك والطب وغيرها ثم يأتي أتباعه من بعده في العصر الحديث ليستغلوا تلك المعرفة في ما يسمونه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .... لهو أمر يخالف التصورات المسبقة تماماً ! فمثل تلك الديانة كان ينبغي أن تخرج من أثينا القديمة أو مصر القديمة أو الصين القديمة .... حيث كانت المعرفة الإنسانية تتراكم . و ليس فقط على المستوى الآخر بل على مستواه الفردي أيضاً فمن المعلوم في علم النفس أن ما يفكر فيه الإنسان سواء بقصد أو بدون قصد ينعكس في صورة سلوك واقع , وإننا لا نرى إرهاصات نفسية لشخصية محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى تلك التي في أبلغ عاطفيتها معكوسة في القرآن , فعلى سبيل المثال كانت السيدة خديجة من أحب زوجاته إليه وظل يحنُ إليها حناناً شديداً حتى بعد وفاتها لكن ليس هنالك سورة في القرآن بإسم "خديجة" على الرغم من أن هنالك سورة في القرآن بإسم "مريم" وهذا أمر تطرق إليه جاري ميلر في كتابه "القرآن المذهل" , أما الآن إذا نظرنا إلى نهاية ما وصل إليه الخط الزماني للإسلام في الغرب فإننا نجد أن الإسلام من الديانات الأكثر انتشاراً في الغرب وليس أقلها أو معدوم الانتشار وهذا يصادم تماماً التصورات المسبقة المترسبة في العقل الجمعي للأمة الغربية , ولتوضيح هذا التصادم لا أجد أفضل مما كتبته ماري ويلدز -إمرأة بريطانية كاثوليكية تحولت للإسلام- في كتابها "رحلتي من الكنيسة إلى المسجد لماذا" إذ تقول فيه : "إن الحضارة الغربية لا تنبع من الحقيقة و صدق الواقع , وأن هدفها ليس الحقيقة والصدق , فهي مضطرة لأن تلجأ إلى الأكاذيب والحجج الواهية حتى تديم نفسها , كالصراع والعنف , والمصلحة الذاتية ,والخلاف ,والتمييز العنصري , والشهوة ...إلخ ,التي تمجها فطرة الإنسان , لهذا فهي تخفي هذه الأمور البشعة وتتعمد حذف فطرة الإنسان وتبليدها , ولكي تحقق نوعاً من التوازن بين هذه القوى الفوضوية تشغل الشباب دون رحمة , و تؤلب فئة على أخرى في المجتمع , و تؤجج نار العداوة بينها , و تثير الشهوة الحيوانية , والتمييز العنصري ...., من خلال الأفلام والفن الإباحي وموسيقى البوب و التليفزيون و وسائل الدعاية والإعلام , ثم تحاول السيطرة غلى انطلاق هذه القوى من عقالها من خلال ما يبدو بريئاً ككرة القدم والرياضة , وحفلات الموسيقى , والمظاهرات السياسية ...,وأمور أخرى تغذي النزاع بين الفئات المختلفة عرقياً واجتماعياً . فالقصد الأساسي لهذا النظام هو : جعل الناس في حالة توقف فكري , و قتل مشاعرهم , و خنق رغباتهم الداخلية المتطلعة لمعرفة الحقيقة . فالصرح العظيم للفن والثقافة الغربية موجه نحو تحقيق هذا الهدف . ولا سيما : أنها تخاطب الطبقات المثقفة بما يرضي مشاعرهم و يربت على غرورهم , وتخدعهم بجعلهم يعتقدون أنهم يعنون بالحقيقة و يهتمون بها . أما النظام الإقتصادي المبني على الهدر والاستهلاك فإنه يهدف إلى إقامة فردوس مادي و مزيف لقلة قليلة من أقسام المجتمع , و الذي يغرق الإنسان الغربي التعيس في الملذات التي تورث كلل الذهن و عدم التفكير في المآل و المصير . يا للهول ! فقد صنعوا لهذا الإنسان جحيما , فليس الإنسان حيوانا ؛ إذ بينما يغمر جسمه في الملذات و الإغراءات , فإن روحه و ضميره, و عقله و قلبه يعاني من عذاب كالجحيم . مسار النبوة و الدين على خلاف هذا , أساسه الوحي الإلهي والإلهام الرباني , فالذي يؤمن به يعترف بأنه لا يملك شيئا, و أنه عبد لله . و واجبه استعمال عقله و جوارحه للبلوغ إلى معرفة الله ؛ ليتعلم كيف يرضيه بالطاعة و العبادة . و يتعلم من الكتب المنزلة - فضلاً عن واجبه ذاته- وظيفة الطبيغة الحقيقية للكون كله و وظيفة كل جزء منه . و سوف يتجاوز فكره الظاهر العرضي للموجودات إلى ماهيتها , و يرى كل موجود , كم هو جميل خلقه الله إلى حد يثير الإعجاب فعينه مفتوحة إلى اكتناه المغزى الذي وراء خلق كل شيء و سيرى أن كل كائن من أصغر الذرات إلى أضخم المجرات يؤدي واجبات متناهية بخضوع تام وبطاعة و انقياد , وأن الكائنات يهرع كل منها لمعاونة الآخر وفق قانون (التعاون) الجاري في الكون كله . فكل الكائنات -أفرادا و جماعات - تدل على عظمة خالقها الواحد الرحمن الرحيم و على جماله و كماله" .



    12. وجود سند تاريخي للإسلام دون غيره من الديانات , فالإسلام يقوم على توحيد الله ونبذ ما يُعبد من دونه وقد جاء في نصوص الإسلام أن التوحيد هو فطرة أصلية في البشر و أن الله قد بعث ألاف الأنبياء عبر التاريخ إلى أمم سابقة بلغات مختلفة وفي أماكن مختلفة من العالم يدعونهم إلى توحيد الله و نبذ ما يُعبد من دونه , و ربما كانت شعائرهم مختلفة عن شعائر الإسلام ألا أن رسالتهم واحدة وهي توحيد الله .... , لذلك لو وجدنا أثاراً تاريخية من خارج جزيرة العرب من العصور السابقة من أماكن مختلفة تدل على أن أقواماً من الحضارات السابقة كانت تؤمن بتوحيد الله و نبذ ما يُعبد من دونه فهذه شهادةٌ للإسلام و ليست عليه , و بشهادة عدد كبير من المؤرخين و علماء الأثار -غير المسلمين- فلقد وجِدت مثل هذه الأثار في أماكن متفرقة من العالم , فالعرب القدماء و المصريون القدماء و في العراق القديم وفي مناطق متفرقة من الغرب القديم و غيرهم وجِدت دلائل تاريخية على على أن توحيد الله كان معروفاً في تلك الأمم , فعلى سبيل المثال يقول عالم الأثار هينري فرانكفورت عن حضارات العراق القديم : "إن الحفريات التي قمنا بها فاجأتنا بمعلومات جديدة تهم دارسي الأديان البابلية، وهذه المعلومات ساعدتنا في تكوين صورة متكاملة عن الدين في ذلك الوقت، إن دراستنا لمعبد مُكتشف وبيوت المتعبدين هناك، وتحليلنا لرموز على أجسام اسطوانية يشير كل منها إلى إله معين، كشفت صورة متماسكة لإله واحد معبود عندهم يحتل مركزًا جوهريًا" , و كذلك تم اكتشاف قبائل في أفريقيا و أستراليا من السكان الأصليين تؤمن بتوحيد الله ... , يقول عالم الأثار ستيفن هربرت لانغدون: "في رأيي إن تاريخ الحضارة الإنسانية القديمة تزامن مع تدهور التوحيد إلى الوثنية والاعتقاد بالأرواح والأشباح، إن هذا يشكل انحطاطًا للإنسان بمعنى الكلمة" , يقول عالم اللغويات ماكس مولر : " الأسطورة، آفة العالم القديم، ليست إلا مرضًا لغويًا، فالأسطورة في الأصل كلمة تعني شخصًا أو رمزًا، لكنها حُرِّفت عن معناها الأصلي لتأخذ طابعًا أعمق. إن معظم الآلهة الوثنية لدى الإغريق والرومان والهنود والوثنيين ليست إلا أسماءً أدبية، لكنها تحولت تدريجيًا إلى رموز إلهية لم يقصدها مخترعوها الأصليون" , أما بالنسبة للديانات الأخرى فهي بين أمرين إما ليس لها سند تاريخي من العصور السابقة بما يدعم عقائدها و هذا حال معظمها , و إما وجِد بما يثبت عدم صحتها و هذا حال أقلها , و نضرب مثالاً على الحالة الأولى فهنالك في ولاية راجستان الهندية من يقدسون الفئران و يبنون لها المعابد .... و إذا كان الإله - أو الآلهة- الذي خلق البشر يريد منهم ذلك فكان ينبغي أن نجد أثاراً من العصور السابقة من أماكن متفرقة من العالم تدعم تقديس الفئران ... , فإذا كان ذلك هو الصواب فلا بد أن الإله - أو الآلهة- أوحى إلى البشر من الأمم السابقة بطريقة ما بأن عليهم أن يقدسوا الفئران لكننا لا نجد أثاراً على ذلك من أمم سابقة في الغرب و الشرق ...., أما بالنسبة للحالة الثانية حيث أن السند التاريخي يثبت عدم صحتها فلا أجد أفضل من ديانة النصرانية كمثال , فنصوص النصرانية ليس فيها أن الرب قد بعث رسلاً من قبل ليجعلوا الناس يؤمنون بعقيدة النصرانية بما تشمله من فكرة الفداء و التثليث و الأقانيم و الصليب ....ألخ , لكننا نجد أثاراً تاريخية لديانات وثنية مختلفة تشابه النصرانية في شيءٍ من عقيدتها أو أكثر بما يؤكد الأبحاث بأن النصرانية تم تحريفها من التوحيد إلى الوثنية , قال مؤرخ الأديان إرنست رينان : " إن الدراسات التاريخية للنصرانية و أصولها تثبت أن كل ما ليس له أصل في الإنجيل مقتبس من أسرار الوثنية " , من ناحية أخرى فلقد وجِدتْ أثار و مخطوطات يعود عمرها إلى ما قبل ولادة محمد -صلى الله عليه وسلم- تشير إلى مجيء الإسلام و لا نجد مثل هذا في غير الإسلام من الديانات , فلقد وجِدت نصوص مرتبطة بالعهد القديم والجديد تشير للإسلام و قد كُتبت مقالات و كتب توضح ذلك خاصة من أهل الكتاب الذين دخلوا الإسلام ومن هؤلاء القس المصري إبراهيم خليل أحمد و الذي ألّف كتاباً بعنوان "محمد في التوراة و الإنجيل و القرآن" , كما وجِدت مخطوطات قديمة من أماكن متفرقة خارج جزيرة العرب تشير إلى الإسلام منها على سبيل المثال مخطوطة فارسية جاء فيها : " عندما يهبط الفُرس كثيرا في أخلاقهم، سيولد رجل في جزيرة العرب وسوف يُقلق أتباعه عرش الفرس ودينهم وكل شيء لهم. وسيتم التغلب على أصحاب الأعناق القوية العظيمة. وأما البيت الذي بُني ووضع به الكثير من الأصنام فسيتم تطهيره من تلك الأصنام، وسيصلي الناس صلواتهم متجهين إلى ذلك البيت. وسيفتح أتباع ذلك الرجل فارس وإنتاوس وبلخ وأماكن كبيرة قريبة منها. وسيكون هناك تشويش بين الناس، وسيتبع حكماء فارس وآخرون ذلك الرجل" , و لا بد أيضاً إلى أن نشير إلى أن القرآن أشار إلى أمورٍ تاريخية لم تكن معروفة عند المؤرخين منها على سبيل المثال ذكره لمدينة "إرم" قال تعالى : "إِرَمَ ذَاتِ العماد" , و للتوضيح أقتبس من محاضرة للدكتور جاري ميلر يقول فيها : " ذكر القرآن مدينة إرم بالاسم، لكنها مدينة غير معروفة تاريخيا.. وهي غير معروفة لدرجة أن بعض المسلمين المجتهدين قالوا إن تلك الآية ربما كانت تتحدث عن رمز بأسلوب الاستعارة الأدبية
    ولكن في عام 1973 وفي أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار في المدينة الأثرية "إبلس" في سوريا، وجدت أكبر مجموعة تم اكتشافها من الكتابات الأثرية المكتوبة بالخط المسماري على ألواح طينية. وقد احتوت تلك المكتبة على ألواح تعود إلى أربعة آلاف سنة يفوق عددها جميع الألواح المشابهة المكتشفة في أماكن أخرى. ويمكنك أن تطلع على التفاصيل في عدد ديسمبر 1978 من مجلة ناشيونال جيوجرافيك ، الصفحات 730-736، ولكن المثير حقا هو أن مدينة إرم ذكرت بالاسم في تلك الألواح. وتقول الألواح أن سكان "إبلس" القديمة كانوا يتبادلون التجارة مع سكان "إرم". المقصود هو أننا نكتشف في عام 1973 دليلا تاريخيا على وجود مدينة حقيقية قديمة بهذا الإسم. لكن السؤال الذي يجب أن نسأله هو كيف وجد إسم تلك المدينة طريقه إلى القرآن؟ " , فكما تلاحظ مما قلناه بأن الإسلام لديه سند تاريخي بخلاف الديانات الأخرى .

    في الختام , نسأل القارئ الملحد هل حقاً توجهت إلى الإلحاد بمعزل عن التصورات المسبقة ؟ , لو لم تسمع و تقرأ و تتأثر بمفكرين و رموز ملحدين هل ستكون ملحداً ؟ لو كانت البشرية جمعاء لا تعرف الإلحاد و لم يسجل تاريخها وجود أي شخص ملحد في ماضيها و حاضرها هل ستكون ملحداً ؟ , لو كان البشر جميعاً بلا حروب و هموم و أمراض و كوارث ... و لم تتعرض في حياتك لأي مشكلة إجتماعية أو صدمة نفسية أو نقصان حاجة فسيولوجية أو سيكولوجية ... هل ستكون ملحداً ؟ لماذا لا تكون أنت نِتاج تصورات مسبقة معينة ؟

    و نسأل القارئ غير المسلم و غير الملحد من أتباع الديانات الأخرى , لماذا ديانتك هي الصواب من دون ألاف الديانات على كوكب الأرض ؟ هل ورثت ديانتك كما ورثت إسم عائلتك ؟ هل لك في لحظة صدق مع نفسك أن تكتب عدداً من الأسباب تشرح فيها بشكل موضوعي لماذا أطروحة الملحدين المتعلقة بتأثير التصورات المسبقة لا تنطبق على ديانتك ؟ و إذا كتبتها هل ستكون مستعداً لنشرها للناس من الديانات الأخرى و مناقشتهم فيها ؟ ما أعنيه هل حقاً الأسباب التي كتبتها موضوعية و مستقلة عن تصوراتك المسبقة و الأهواء و العواطف المرتبطة بها ؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2012
    الدولة
    دولة الشريعة (اللهم إني مسلم اللهم فأشهد)
    المشاركات
    1,514
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    لي ملاحظة بسيطة عند نقلك لكلام الإمام النووي
    جاء في الحديث : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم", أحد علماء المسلمين الإمام النووي وضع عنواناً في شرح هذا الحديث : (باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي) , فنحن أعلم بأمور دنيانا التي تقع ضمن دائرة المباحات فلا حاجة لنا اليوم للتداوي ببول الإبل طالما أن البدائل الطبية موجودة اليوم
    فأرى انه جانبك الصواب في هذه فحديث التداوي ببول الإبل وحي

    مقال رائع بارك الله فيك

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء