عندما جاء الرسول الكريم محمد عليه السلام بهذا الدين القديم الجديد جاء و الناس متفرقون أديانا و مذاهب و قبائل و أحزاب و جماعات و آراء و كل ينتسب إلى ما ينتسب إليه من ضلالات بشرية متعددة متناقضة متضاربة لا تكاد تؤلف بين اثنين فكان الواحد ينشأ في حجر أبويه في مجتمع مفكك تتصارعه الأهواء و تتجاذبه الآلهة المزيفة المؤسسة على التخريف و محض الإختلاق بلا دليل من العقل أو بصيرة أو برهان و شرائع كانوا يختلقونها اختلاقا مغرقة في المحلية و الذاتية و النفعية و العنصرية بل تحتكم في مجملها إلى العقائد الخرافية و تستند إلى حاجات القوي من الضعيف رجلا أو امرأة أو طفلا و السيد من العبد و الحاكم من المحكوم.

فجاء الإسلام ليحد من هذه التيارات السالبة و المدمرة للكيان الإنساني و الفطرة البشرية مجددا لدين التوحيد الإلهي الخالص حيث يكون الناس عبادا لله وحده المستحق للعبادة على خلقه و يكونوا جميعا سواسية أمام حكمه و قضائه و تشريعه فهو الإلهُ الفاطرُ الذي خلق السموات و الأرض و القويَّ و الضعيفَ و الأسودَ و الأبيض و الرجل و المرأة و الكبير و الصغير و الحاكم و المحكوم.

جاء الإسلام ليحق الحق الذي يتناسب مع الفطر السليمة و العقول النيرة المستنيرة و ليمنع الجور و الظلم و العدوان و لو على الأنفس الكافرة و يقيم العدل و القسط و لو على الأنفس المؤمنة فهو الحق المطلق الذي لا يحابي أحدا.

ثم هو الدين الذي لا يتماشى أو يتماهى مع الأهواء التي تنزل بالنفس البشرية إلى الحضيض .. إلى ما تحت النزوة الحيوانية و الميل البهيمي أو تريد فرض التعددية المرضية التي يفرزها الجهل و الإغراق في المحلية و اتباع الأديان الباطلة و الدجالين و الكذبة و السماح بهذه اللخبطة و بنشر السموم و الأسباب المباشرة لهدم البيوت و المجتمعات و سفك الدماء باسم الحرية و الليبرالية و العلمانية و الديمقراطية أو بحجة الإختلاف في الرأي و الفكر و بدعوى الكونية و الإنتساب إلى لغة أو تاريخ أو أرض ... إلخ. و إنما هذه أمة واحدة و ربهم واحد و الخلاف لا يجوز أن يكون خلافا في المعتقد أو بمحلية التشريع و مذهبية الحكم بل بتحكيم دين رب العالمين المتناسب مع جميع الفطر الإنسانية.

و لهذا بحمد الله دخل في دين الله من دخل شرقا و غربا و ارتضاه كل عاقل من جميع الأجناس و الأديان و المذاهب و من أرقى الأفكار و الفلسفات حتى قال بعض مشاهيرهم مقالا لا حجة بعده لمن في قلبه أو عقله مرض :
يقول (مونتيه)[1]:
"الإسلام في جوهره دين عقلي، بأوسع معاني هذه الكلمة من الوجهتين الاشتقاقية والتاريخية، فإن تعريف الأسلوب العقلي بأنه طريقة تُقيم العقائد على أسس من المبادئ المستمَدَّة من العقل والمنطق - يَنطبق على الإسلام تمام الانطباق".

ويقول (هنري دي كاستري):
"يَنتشر الإسلام بمجرد الاختلاط والمعاشرة وحب التقليد، بدون أدنى إكراه، ولا تعيين رسل أو مبشرين، ويتعسر بيان اللحظة التي يَصير فيها الشخص مسلمًا حقيقيًّا؛ لأن الإسلام يأتيه تدريجيًّا"[2].

وفي إشارة إلى أن الإسلام ينتشر بقوته الذاتية يقول (جورج سيل):
"لقد صادفتْ شريعة محمد ترحيبًا لا مثيل له في العالم، وإن الذين يتخيلون أنها انتشرت بحد السيف إنما يَنخدِعون انخداعًا عظيمًا"[3].

ويؤكِّد بعضهم على إنسانية هذه الشريعة وروحانيتها:
فيقول (توماس آرنولد): "ولم يكن النشاط الروحي للإسلام كما زعم عدد كبير جدًّا من الناس متمشيًا مع سلطانه السياسي، بل على العكس من ذلك، نجد فقدان السلطة السياسية والانتعاش المادي يعمل على إبراز أجمل الصفات الروحية التي تعدُّ أصدق البواعث التي تحفِّز على القيام بأعمال الدعوة"[4].

وفي تقدُّم الشريعة الإسلامية وتفوقها على الشريعة الرومانية في جانب المرونة، يقول (دافيد دي سانتيلانا)[5]:
"ولما كان الشرع الإسلامي يستهدف منفعة المجموع، فهو بجوهره شريعة تطورية غير جامدة؛ خلافًا لشريعتنا (الرومانية) من بعض الوجوه".

وتأكيدًا لعالميتها يقول (مونتجمري وات):
"إن الإشارات القرآنية اللصيقة بالعرب لا تنفي أنه عالمي النزعة، أو ذو طبيعة عالمية، وأن رسالة الإسلام التي وجهت في البداية لأهل مكة في المدينة كانت تحمل في طياتها بذور العالمية، أو أنها كانت منذ البداية أو منذ مضمونها الأول ذات أبعاد عالمية".

ويقول: "إن القرآن يحظى بقبول واسع بصرف النظر عن لغته؛ لأنه يتناول القضايا الإنسانية".

وفي تفوق الشريعة الإسلامية على شريعة اليهودية والنصرانية، يقول أيضًا: "لقد أكد الإسلام نفسه بالفعل كدين مستقلٍّ عن الدينين الأقدمين (اليهودية والمسيحية)، ونقول عن حق: إنه بالفعل كان يفوقهما أو إنه فعلاً كان متفوقًا عليهما، أو أرقى منهما"!

وتأكيدًا لحقيقتها وأنها وحي معصوم ملزم، يقول (مونتجمري وات):
"والشريعة الإسلامية تختلف اختلافًا واضحًا عن جميع أشكال القانون؛ إنها قانون فريد في بابه، إن الشريعة الإسلامية هي جملة الأوامر الإلهية التي تنظِّم حياة كل مسلم من جميع وجوهها"[6].

وفي قيام الشريعة على العدل واتِّساقها مع العقل قال (تولستوي):
"ستعمُّ الشريعة الإسلامية كل البسيطة؛ لائتلافها مع العقل وامتزاجها بالحكمة والعدل"[7].

وفي بيان أنها شريعة تجمع الديني والدنيوي معًا من غير فصل أو تفريق، وترعى العباد في دنياهم وأخراهم، قال (ر.ف بودلي):
"لقد كان محمد على نقيضِ مَن سبق مِن الأنبياء؛ فإنه لم يكتفِ بالمسائل الإلهية، بل تكشفت له الدنيا ومشاكلها، فلم يغفل الناحية العلمية الدنيوية في دينه، فوفَّق بين دنيا الناس ودينهم، وبذلك تفادى أخطاء من سبقوه من المصلحين الذين حاولوا خَلاص الناس عن طريق غير عملي، لقد شبَّه الحياة بقافلة مُسافرة يرعاها إلهٌ، وأن الجنة نهاية المطاف"[8].

وفي بيان أن هذه الشريعة حق مطهَّر، وصِدق في المظهر والمخبر، قال الكاتب الإنجليزي (توماس كارليل):
"لقد ظلت الرسالة التي دعا إليها هذا النبي سراجًا منيرًا منذ اثني عشر قرنًا من الزمان لملايين كثيرة من الناس، وهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت عليها - أكذوبةَ كاذب، أو خديعة مخادع؟!"[9].


[1] مستشرق فرنسي، حاضر الإسلام ومستقبله، نقلاً عن مقال: وشهد شاهد من أهلها؛ د. محمد عمارة.
[2] هنري دي كاستري، كاتب فرنسي، الإسلام خواطر وسوانح (ص: 5).
[3] الفاتيكان والإسلام؛ د. محمد عمارة.
[4] توماس آرنولد، العالم الإنجليزي، الدعوة إلى الإسلام (ص: 27).
[5] دافيد دي سانتيلانا، مستشرق إيطالي، القانون والمجتمع (ص: 438).
[6] مونتجمري وات، المؤرخ الإنجليزي، الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر (ص: 223 - 226) (33) (191).
[7] حكم النبي محمد (ص: 10)، نقلاً عن: شهد شاهد من أهلها (ص: 287).
[8] نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي؛ د. عز الدين فراج (ص: 66).
[9] نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي؛ د. عز الدين فراج (ص: 30).


رابط المقالات : http://www.alukah.net/sharia/0/77761/#ixzz4esUQsVhW