كتابُ التسهيلِ ( تسهيل الوصول إلى فهم علم الأصول ) هو في الأصل ِمذكرة أصولية نافعة ،كتبها أربعة من أهل العلم المحقِّقين قبل ثلاثة عقود ، لطلبة المعاهد العلمية الشرعية في بلاد الحرمين .
وقد انتشرت هذه المذكرة بين الطلاب في تلك السنين ، وحفظها كثير من مُحبِّي عِلم الأصول .
وقد قيَّدتُ على نُسختي الخاصة برأس القلم بعض الملاحظات والإستدراكات ، لأنتفع بها ومن يقفُ عليها من مُحبِّي هذا العلم المبارك ، والله وليُّ التوفيق :

1-ورد في (صفحة / 10) ما نصُّه : ” جرى الأُصوليون على عدِّ المباح من أقسام الحكم التكليفي وفي ذلك تسامح ، إذ المباح لا تكليف فيه لاستواء طرفيه ” .
قلت : يُستدرك على هذا أن من أهل العلم من عدَّه من أقسام الحكم التكليفي، إذا كان معنى التكليف إلزامُ مقتضى خطاب الشارع ، كما أفاده ابن بدران (ت: 1346هـ)رحمه الله تعالى في كتابه ” النُّزهة” .
ويُستدرك على المؤلِّفين أيضاً أن المباح غيرٌ مأمورٍ به ، وقد قال بضدِّ ذلك بعضُ المعتزلة ، وقد ردَّ عليهم الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى في ” مجموع الفتاوى ” في المجلد العاشر (صفحة / 533) فليراجع .

2- ورد في ( صفحة / 13 ) ما نصُّه : ” مذهب الجمهور أن المندوب مأمورٌ به ” . قلت : هذا صحيح ، لكن لم يُعلَّل هذا الخبر . وتعليله لأنه طلبٌ غير جازم للفعل ، وليس فيه تخييِّر مطلق ، لأن الفعل أرجح من الترك . ويجوز تركه لكن لا يجوز إعتقاد ترك استحبابه .

3- ورد في ( صفحة / 17 ) ما نصُّه : ” الفاسد عند أبي حنيفة ، ما شُرع بأصله ومُنع بوصفه ” قلت : لم يُبيَّن قول الجمهور في البطلان والفساد ، والصحيح أنهما مُترادفان ، ويقابلان الصحة الشرعية . لكن قد يكون العمل صحيحاً لكن لا يُثاب عليه إذا اقترنت به معصية تُخلُّ بالمقصود ، مثل الصيام مع قول الزور . وقد وضَّح ابن قدامة(ت: 620هـ) رحمه الله تعالى هذه المسألة في الروضة ( 2/ 93) فلتراجع .

4- ورد في (صفحة / 18) في مثال الرُّخصة : ” أكل الميتة عند الاضطرار ” ولم يُبيَّن حكمها هل الأكل مندوب أو مستحب . والصحيح أنه واجب ، كما حقَّقه الفتوحي(ت: 972هـ) رحمه الله تعالى في ” الكوكب المنير “( 1/ 480) فليُحرَّر في موضعه .

5-ورد في (صفحة / 23) أن أبا اسحاق الاسفراييني رحمه الله تعالى منع القول بوقوع المجاز في اللغة .ولم يُبيَّن في المذكرة سبب ذلك ، ولماذا نَصر هذا القول ؟. والصحيح أن الإسفراييني اعتقد ذلك – مع أنه أشعري -لإفحام المعتزلة الذين طعنوا في السُّنن وقالوا بالتأويل وعطَّلوا بعض الأحكام . وله قصة مشهورة في ذلك مع عبد الجبار المعتزلي (ت: 415هـ ) فلتراجع .
والإسفراييني نَفسهُ شافعي يقف عند أصول الإمام الشافعي ، الذي يمنع وجود المجاز في القرآن والُّلغة .

ومسألة وقوع المجاز في الُّلغة أو في القرآن مسألة خلافية وطويلة . والذين أثبتوا المجاز في كتب العلم والشرع قصدوا أن إطلاق الكلام بدون تقيِّيد قد يُخلُّ بالفهم . وأورد المحقِّقون من الأصولييِّن أن ما يُخلُّ بالفهم خمسة : الاشتراك والنقل والمجاز والاضمار والتخصيص . فليحرر .

6- ورد في ( صفحة / 23) أن الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى قال إن المجاز لم يقل به أحدٌ من أئمة العلم واللغة المشهورين . قلت : هذا الإطلاق غير صحيح ، أو أن ابن تيمية قصد معنىً آخر في معنى المجاز .

فقد قال به أبو عبيدة معمر بن المثنى(ت: 210 هـ )رحمه الله تعالى ، وهو عالم لغوي له كتاب (مجاز القرآن) وله كتاب (المجاز) ، ومن المصِّنفين الذين ذكروا المجاز ” الخليل الفراهيدي ” (ت:174هـ)رحمه الله تعالى، فقد قال في كتابه الجُمل في النحو : “وكذلك يلُزمون الشيء الفعل ولا فعل وإنما هذا على المجاز ، كقول الله تعالى في البقرة “فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ “(البقرة :16) والتجارة لا تربح ، فلما كان الربح فيها نَسب الفعل إليها ومثله : “جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ “(الكهف:77 ) ولا إرادة للجدار ” ، ولأبي العباس” أحمد بن يحيى ” المشهور بثعلب النحوي (ت: 291هـ )رحمه الله تعالى ، كتاب قواعد الشعر أكثر من ذكر الاستعارة فيه ، والاستعارة ضربٌ من المجاز ، وقال ابن السراج النحوي (ت: 316 هـ ) رحمه الله تعالى ، في كتابه الأصول في النحو : ” وجائزٌ أن تقول لا قام زيد ، ولا قعد عمرو ، تريد الدعاء عليه وهذا مجاز ” ، وقال أبو العباس المبرِّد (ت: 286هـ ) رحمه الله تعالى ، في كتابه المقتضب : ” وقد يجوزُ أن تقولَ : أعطي زيداً درهم ، وكسي زيداً ثوباً، لما كان الدرهم والثوب مفعولين كزيد ، جاز أن تُقيمهما مقام الفاعل وتنصب زيداً ؛ لأنه مفعول فهذا مجاز ” .
ومن الفقهاء الذين ذكروا المجاز في كتبهم ” محمد بن الحسن الشيباني (ت: 189 هـ ) رحمه الله تعالى ، حيث قال في كتابه ” الجامع الصغير ” ” : فالحاصل أن أبا يوسف أبى الجمع بين النَّذر واليمين ؛ لأن هذا الكلام للنذر حقيقة ولليمين مجاز ، والحقيقة مع المجاز لا يجتمعان تحت كلمة واحدة ، فإن نواهما فالحقيقة أولى بالاعتبار ؛ لأن الحقيقة مُعتبرة في موضعه ، والمجاز معتبر في موضعه ” .
ومن عُلماء الحديث الذين ذكروا المجاز في كتبهم ” ابن قتيبة “(ت: 276هـ) رحمه الله تعالى ، حيث قال في كتابه ” غريب الحديث ” : ” والنبات لا يجوز أن يكون شراباً، وإن كان صاحبه يستغني مع أكله عن شُرب الماء ، إلا على وجه من المجازِ ضعيف ، وهو أن يكون صاحبه لا يشرب الماء فيقال إن ذلك شَرابه ؛ لأنه يقوم مقام شَرابه فيجوز أن يكون قال هذا ، إن كانت الجن لا تشرب شراباً أصلاً ” .

7-ورد في (صفحة/ 46) في مسألة الحُكم على المُفرد بحكم العام لا يُسقط عمومه ، القول بإستثناء أبي ثور من رأي الجمهور القائلين بحكم المسألة . قلت : ولتوضيح المسألة فإن المقصودَ بقاءُ العام حجة فيما لم يخص وهو المذهب الراجح عند الأصوليين . والذي خالف وهو الإمام أبو ثور الكلبي (ت: 246هـ ) رحمه الله تعالى ، حيث قال إن العام إذا دخله التخصيص ، لا يبقى حجة فيما لم يُخَصّ . وسبب تفرُّده تمسُّكه برأيٍ قديم للإمام الشافعي في المسألة . ويلزم من قوله عدم التمسُّك بعمومات القرآن ، وهذا قول مخالف ويُؤدِّي إلى البطلان .

8-ورد في (صفحة/ 47) عبارة : ” تَرك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال، يُنزَّل منزلة العموم في المقال ، ويحسن به الاستدلال ” ولم يعُقِّب المُؤلِّفون عليها.
ومعناها : إذا استوت الاحتمالات في الألفاظ الشرعية ، نُزِّلت منزلة العموم ، لأن اللفظ قد يكون مُجملاً أو يُقصد به الوقائع الفعلية التي تحتمل التخصيص .
وقد عقَّب عليها الإمام الزركشي (ت: 497هـ) رحمه الله تعالى حيث قال :
“لم يُرد الشافعي بذلك مطلق الاحتمال حتى يندرج فيه التجويز العقلي ، وإنما يُريد احتمالاً يُضاف إلى أمر واقعٍ، لأنه لو اعتبر التجويز العقلي لأدَّى إلى ردِّ مُعظم الوقائع التي حكم فيها الشارع ، إذ ما من واقعةٍ إلا ويحتمل أن يكون فيها تجويز عقلي ، ويشهد للأوَّل قوله في ” الأم ” في مناظرة له : ” قَلَّ شيء إلا ويطرقه الاحتمال ولكن الكلام على ظاهره حتى تقوم دلالة على أنه غير مراد “، فأبان بذلك إلى أنه لا نظر إلى إحتمال يُخالف ظاهره الكلام . وإذا ثبت أن ترك الإستفصال ينزل منزلة العموم فالعموم يتمسك به من غير نظر إلى احتمال التخصيص وإمكان إرادته كسائر صيغ العموم” .

9- ورد في ( صفحة / 50) عند مسألة التخصيص بالاستثناء المنقطع ، أنه مسألة خلافية بين الجمهور والمالكية . ولم يبُيِّن المؤلِّفون سبب الخلاف في ذلك .
قلت: وسبب الخلاف أن العبارة الملفوظة تحتمل المجاز في الُّلغة ، كما قرَّره كثيرٌ من المحققين .

10-ورد في ( صفحة / 95-96) بعض أحكام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن لم يتعرَّض المؤلِّفون لمبحث شرع من قبلنا – وهي مسألة لها تعلُّق بالأفعال – فَيُستدرك عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مُكلَّفاً بشرع أحدٍ من الأنبياء قبل نزول الوحي ، وأما بعد نزول الوحي فالمسألة خلافية ، وإن كان الراجح أن الشريعة المحمدية مُهيمنة وناسخة لجميع الشرائع .
والدليل قول الله تعالى : ” ويَضعُ عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم “( الأعراف : 157 ) وقوله : ” مُصدِّقا لما بين يديه من الكتاب ومُهيمناً عليه ” ( المائدة :48 ) .

11- ورد في ( صفحة / 105 ) عند مسألة تحقيق المناط ، أنه البحث عن وجود العِلَّة في الفرع . قلت : لو نبَّه المُؤلِّفون الطالبَ الى أن هذا القِسم من أقسام العِلة لم يختلف فيه أحد من العلماء ،لكان أضبط للفهم .فليحرر.

12- ورد في(صفحة / 106) عند مسألة تخريج المناط أنه نصُّ الشارع على حُكمٍ دون عِلَّته . قلت : لو بُيِّن بأنه هو القياس المحض لكان أضبط للمعنى . ولم يُشر المؤلِّفون الى أن هذا النوع هو الذي وقع فيه الخِلاف في حجية القياس ، فليُستدرك .

13-ورد في (صفحة / 107-108) إشارة لمسالك العِلة ، ولم يُعرِّج المُؤلِّفون ولو بإختصارٍ لقوادح العلة ، أو مُبطلات العلة ، وهي زلَّةٌ في نظري ، لأن المسألة لا تكتمل قواعدها إلا بتمام معرفة مفرداتها . والقوادح ستة : النقض ، وعدم التأثير ، والكسر ، والقلب ، والقول بالموجب ، والفرق .
وقد وضَّحها إيضاحا شافياً محمد الأمين الشنقيطي(ت: 1393هـ) رحمه الله تعالى في “مدارج الصُّعود ” وفي “نثر الورود على مراقي السُّعود ” ، وقد شرحتَها شرحاً وافيا الدكتورة / ميَّادة الحسن في كتابها ” تعارض الأقيسة ” : فليراجع فإنه نفيس جداً .

14- ورد في (صفحة / 120) أنه لا يجوز التقليد لمجتهدٍ بالظن . قلت : لو قيل هنا إنه يأثم لكان أفصح ، لأنه أردع عن التقليد بغير علمٍ وقوة نظر .
ولهذا قال في المراقي :
وهو آثمٌ متى ما قصرا في نظرٍ
وَفقَا لدى من قد دَرى .

15-ورد في ( صفحة/ 117) أنَّ المصيب واحدٌ من المجتهدين ، وأنه ليس كُّل مجتهد مُصيب .
قلت : الذي اختاره الجمهور ومنهم الإمام الشافعي(ت: 204هـ) رحمه الله تعالى حول هذه العبارة أنه : ” لِكُّل مجتهد نَصيب ، وليس كُّل مجتهد مُصيب ” وهذه المسألة فيها تفصيل ، ويُمكن مراجعتها في ” مجموع الفتاوى ” لابن تيمية (20/19- وما بعدها ) فقد حرَّرها تحريراً بليغاً.

16- وردَ في المُذكِّرة نحو ستون أثراً وحديثاً ، ما بين مرفوعٍ وموقوفٍ ، ولا يوجد تخريجٌ أو عزوٌ لها في مُجملها ، وهي زلًّةٌ في نظري ، وإن كان غالبها صحيحٌ أو حسن . فلو كانت مُخرَّجة لكمُل الإنتفاع بها . والتخريج له فوائد منها : معرفة الرواة ، ومعرفة سبب ورود الحديث ، ومعرفة المُدرج ، ومعرفة المتصل والمنقطع . بل إن التخريج والوقوف على الأسانيد يزيدُ في معرفة الرِّجال وأحوال الناس.

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية

__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/