مايسة سلامة الناجي
كاتبة رأي مغربية في العشرينيات مستقلة و دون انتماء حزبي .. قالت ما لم يجرأ كثيرون منا على قوله و دافعت عن ثائري مدينة الحسيمة و على خلفية الإعتقالات الأخيرة.

تقول الكاتبة على صفحتها على النت : و أعتقد أنها تعبر عن وضعية الخطاب الديني في العالم العربي و الإسلامي ككل مع الإعتذار عن بعض الإصطلاحات المحلية :

تجنبا لحظر رابط مقالي الجديد، أنشره لكم هنا على الصفحة بعنوان: "المساجد لله وليست للمخزن" ـ مايسة سلامة الناجي
http://www.efriqia.com/?p=3532
لا أحمل مسؤولية ما سأقول عبر هذا المقال لأئمة المساجد فلطالما تلقيت منهم شكايات يندى لها جبين "إمارة المومنين" من أوضاع اجتماعية مزرية تضطرهم في هذا الشهر الفضيل إلى تمرير صناديق على المصلين للتبرع لهم ببعض المال زكاة أو صدقة رغم أنهم تابعين لأغنى وزارة بالمغرب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي إضافة إلى الميزانية المخصصة لها من فلوس الشعب وأراضي الوقف الممنوحة لها تستقبل الملايير من دول الخليج السعودية خاصة باعتبارها راعية للإسلام السني في شمال إفريقيا حاميته من الامتداد الشيعي ضامنة إياه الحليف الديني/ السياسي لآل سعود، أموال بدل أن يستعملها وزيرها أحمد التوفيق لتحسين وضعية فقهاء وأئمة البلد الساهرين على نشر "إسلامهم المغربي"، وبدل الأخذ منها للفقير واليتيم والأرملة والعاطل وابن السبيل لتخفيف الاحتقان الاجتماعي سبب ميول عدد من الشباب إلى التطرف.. يقرر إغداقها على ڭناوا وعيساوا وحمادشة وهداوا وولاد رحال وصحاب الحال لشراء البيعة والولاء وكأننا فعهد اللات والعزى وهُبل!! لن ألوم هنا الأئمة لأني أعتبرهم موظفين يفعلون ما يومرون مثل صغار المرود والأمنيين أصحاب الزراوط إذ خطب المساجد تصير في بعض الأحيان زراوط تنهال على رؤوس المصلين كما وقع الجمعة الماضية يوم الاستفزاز العظيم.. يوم وجدوا وقوف ناصر الزفزافي وقوله ما يروج بين جميع المغاربة حجة لاعتقال 35 شاب واقتحام البيوت وتلفيق تهم التخابر والخيانة العظمى للوطن! ولم يقل ناصر في حقيقة الأمر إلا كلمة حق خرجت من فاه بعفوية وستظل شاهدة على النظام المغربي إلى يوم الدين: "المساجد لله وليست للمخزن"!

"وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبدا. قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا. قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا. قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه مُلتَحدا. إلا بلاغا من الله ورسالاته. ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا. حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصِرا وأقل عددا" ـ سورة الجن
بدأت تطبيق سياسة احتكار الدين من طرف النظام المغربي: الملك ومحيطه ومخابراته ـ العام الماضي بطريقتين: رقم 1 ـ الفصل بين الدين والممارسة السياسية لدى الفاعلين السياسيين ابتداء من دواوين الملك إلى أسفل مرورا بالحكومة والبرلمان والمجالس القضائية.. يعني منع المغاربة ومن من المفروض أنهم يمثلونهم في السلطة من الدفاع عن طريقة اختيار تدبيرهم لعلاقاتهم الاجتماعية.. ولم يطل الفصل بين الدين والممارسة السياسية ما سماه حسن أوريد ب"رموز الدولة"، يعني الملك، حفاظا على إمارة المومنين. وحفاظا على احتكار الملك للإصلاحات / الاجتهادات / التأويلات التي تطال التشريعات الإسلامية في مدونة الأحوال الشخصية والقانون الجنائي ومنع تدخل الأحزاب والرأي العام. وهذا من النفاق المستطير لهذه النخبة المثقفة التي تدعو إلى العلمانية وحين تصل إلى الملك تركع.
الطريقة الثانية للاحتكار كانت بقرار ملكي مباشر صدر العام الماضي يمنع رجال الدين من الحديث عن السياسية، رُوج له على أنه منع من استغلال المساجد للترويج لحزب ما أو جهة خلال الحملات الانتخابية، وهو فعلا كان كذلك لكن والأهم كان قطعا للطريق على الأئمة والخطباء والدعاة من استعمال الدين للغرض الذي أنزل لأجله الإسلام: وهو إرشاد الحكام إلى العدل. وأصبح كل إمام ينتقذ مظاهر الفساد أو تبذير الأموال في مهرجانات يتم إقالته. بينما بقيت المساجد تستغل بشكل واضح ومباشر من طرف المخزن للترويج لعدم الخروج في مسيرات أو للتسجيل في اللوائح الانتخابية والحث على البيعة والولاء وعدم حشر أنف المواطن في طريقة تدبير الشأن العام وعلى المشي جنب الحيط. هكذا تحول الدين في المغرب إلى أداة مخزنية مثل زراوط الداخلية لترويض المواطنين على السمع والطاعة.
وإن كنا لا ننكر أن لهذا الاحتكار نتائج إجابية جنبت المغرب الكثير من الهجمات الإرهابية وحمت المواطنين من تسلط الفكر المتطرف كما من الفكر اليساري التقدمي على حياة الفرد واختياراته.. غير أنها تتحول مع الوقت إلى وسيلة لممارسة الديكتاتورية عبر المساجد وعبر الخطاب الديني وممارسة الرقابة على عقول وسلوكيات الناس ومنعهم من حقوقهم الدستورية كالاحتجاج السلمي والمطالبة بحقوق اجتماعية. هذا الاحتكار أوقفنا في محطة، لا نحن سائرون نحو دولة علمانية تمنع خلط السلطة بالدين حتى لا يستغله الحاكم ليضفي الشرعية الدينية على مصالحه.. ولا هي دولة إسلام حيث يلعب الدين دور مصفاة لقرارات الملك والنخب الحاكمة وأموالهم وأعمالهم وأقوالهم فارضا عليهم العدل على خلق الله. نحن في محطة تحولت المساجد إلى فروع للداخلية تخون المغاربة وتوزع صكوك الوطنية. وكأننا في عهد الظلام مع الكنيسة الكاثوليكية.
أطلقوا سراح الشباب وأطلقوا سراح المساجد وأطلقوا سراح العقل المغربي.. فاستقرار سلطكم وعروشكم لن يتأتى إلا بالعدل ثم العدل ثم العدل.. وإن احتكرتم الدين والمساجد تركناها لكم فأينما ولينا وجوهنا فثم وجه الله.