النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: علمُ اللهِ وعلمُ الإنسانِ

  1. افتراضي علمُ اللهِ وعلمُ الإنسانِ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الأنبياءِ والمرسلين ، وعلى آلهِ وأصحابهِ ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين
    وبعدُ :
    إنَّ الذين تقعُ في قلوبِهِم الشبهاتُ فيزعمون وجودَ تعارضٍ بين نصوصِ الإسلامِ وبين الحقائقِ ، هؤلاءِ يعتقدون أنَّ العلمَ البشريَّ يستطيعُ أن يُقَدِّمَ الحقيقةَ الكاملةَ للأشياءِ ، ونسوا أنَّ هذا العلمَ في جميعِ مراحلِهِ يعتريه النقصُّ وعدمُ الإحاطةِ بل إنَّ بعضَ ما كان في مرحلةٍ ما حقيقةً مُسَلَّمٌ بها جاءت مرحلةٌ بعدها أثبتت خطأَ هذا التصورِ
    أمّا نصوصُ الإسلامِ وهي من وحيِّ اللهِ تعالى إلى نبيهِ صلى اللهُ عليه وسلم فهي من علمِ اللهِ الذي أحاطَ بكلِّ شئٍ علماً ، فهي تصفُ الحقيقةَ الكاملةَ التي خلقها اللهُ تعالى وصفاً يعجزُ عنه أيَّ مخلوقٍ
    لذلك فالتعارضُ عندما يقعُ فإنه يكونُ بسببِ علمِ الإنسانِ الذي عرضَ الحقيقةَ مشوهةً أو ناقصةً أو توهمَ الباطلَ حقيقةً ، أما الحقيقةُ نفسُها فهي كما أخبرَ اللهُ عنها بعلمِهِ
    فالعاقلُ المنصفُ لابد أن يجعلَ طرفيَّ التعارضِ هما :
    علمُ الخالقِ العليمِ الحكيمِ وعلمُ المخلوقِ الظلومِ الجهولِ
    وهناك الحقيقةُ التي يبحثُ عنها علمُ المخلوقِ ويحاولُ أن يستقصيَها ويحيطَ بها ، ويربطَ بين أجزائِها ، يتناولُها وهو الظلومُ الجهولُ!!!

    فهل علمُ هذا الظلومِ الجهولِ الذي أخرجه اللهُ من بطنِ أمِّهِ لا يعلمُ شيئاً بل وتثبتُ له الأيامُ أن علمَهُ دائماً ناقصٌ ، هل يصحُّ عقلاً أن يُقارنَ علمُهُ بعلمِ اللهِ العظيمِ

    وأضربُ لبيانِ ذلكَ مثالاً بسيطاً :
    إنَّ اللهَ عندما يقولُ في كتابهِ الحكيمِ عن الإنسانِ :
    " أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى " [القيامة : 37]
    اللهُ تعالى في هذه الآيةِ عندما وصفَ الإنسانَ بأنه " كان نطفةً " إنما وصفُهُ بعلمِهِ الذي أحاطَ بكلّ ما هو كائنٌ ، فهو يصفُهُ قبلَ أن يحدثَ إخصابٌ أو حتى خروجٌ لنطفةِ الرجلِ ونطفةِ المرأةِ ، هذا وصفٌ في مرحلةِ التقديرِ ،
    فهو سبحانه وتعالى يعلمُ أن نطفةَ هذا الرجلِ التي لم تخرجْ بعدُ سوف تلتقي بنطفةِ المرأةِ التي لم تخرجْ بعد ، ثم يتكونُ منهما " الإنسانُ "
    لكنَّ في علمِ البشرِ حسبَ الفهمِ البشريِّ المحدودِ فإنَّ الإنسانَ عندهم يبدأ تكونِهِ من لحظةِ " الإخصابِ "
    لكنَّ علمَ اللهِ ليس كذلكَ أبداً
    فاللهُ يعلمُ أيَّ الخلايا الذكريةِ التي ستخرجُ من الرجلِ ويُكتبُ لها أن تلتقي بخليةِ المرأةِ ويكونُ منهما الجنينُ ، يعلمُ ذلك ويقدِّرُهُ تقديراً ، فإذا وصفَ اللهُ الإنسانَ بأنه كان " نطفةً " نصفُها في أبيهِ ونصفُها الآخرُ في أمِّهِ فذلك لأنَّ اللهَ هو الذي يقدِّرُ هذا ويعلمُهُ من قبلِ أن يكونَ ، وهذا من معاني كلمةِ " خلقَ " في حقِّ اللهِ العظيمِ
    فالإنسانُ كان في بدايتِهِ هو ذلك الشئُ المُفَرَّقٌ أجزاءً ، جزءٌ منه في نطفةِ أبيهِ والآخرُ في نطفةِ أمهِ ، ثم الإنسانُ بعد ذلك هو التقاءُ هاتين النطفتينِ وجمعُهُما في الرحمِ ، ثم هو بعد ذلك علقةً ثم هو بعد ذلك مضغةٌ حتى يخرجَ إلى الدنيا إنساناً
    فهل يجوزُ لذي عقلٍ أن يعقدَ مقارنةً بين قولِ اللهِ تعالى وقولِ البشرِ الذين مبلغُ علمِهِم أن الإنسانَ يبدأُ تكوينُهُ من لحظةِ الإخصابِ؟!!!
    أليسَ هذا سوءَ فهمٍ لكلامِ اللهِ العظيمِ؟
    إنّ هؤلاءِ الذين يمرون على أمثالِ هذهِ الآياتِ لا يعرفون معنى كلمةِ " خَلَقَ " التي دائما ما تكونُ في سياقِ الآياتِ ، فالخَلَقُ في حقِّ اللهِ هو الإيجادُ بتقديرٍ ، الخلقُ هو التقديرُ والإيجادُ
    التقديرُ بالنسبةِ لمكوناتِ هذا الإنسانِ يشملُ كلَّ ما له علاقةٌ بتحولِهِ إلى إنسانٍ بالمعنى الذي نعرفُهُ
    فتَكَوُّنُ الخلايا المنويةُ من تقديرِها وإيجادِها داخلٌ في معنى " خَلَقَ "
    كذلك انقسامُ أزواجِ الصبغياتِ في الخليتين الذكريةِ والأنثويةِ داخلٌ في هذا المعنى ، ومن المعلومِ أنَّ هذا الإنقسامَ يكونُ في مرحلةٍ سابقةٍ لالتقاءِ النطفتين ، فهو يتمُ في خصيةِ الرجلِ وفي الجهازِ التناسليّ للمرأةِ
    وأيضاً ما قبلَ ذلك من الأسبابِ المؤديةِ إلى تَخْليقَ النطفِ الذكريةِ والأنثويةِ ، وغيابِ الأسبابِ التي من شأنِها أن تمنعَ وجودَ هذه النطفِ ، كلُّ هذا داخلٌ في معنى " خَلَقَ "
    أما الذين يفهمون الآياتِ بجهلِهِم ، ويفهمون من قولِهِ تعالى
    " خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ "
    أن دَلالةَ " خَلَقَ " تقتصرُ فقط على بدايةِ الإخصابِ ، فهذا سوءُ فهمٍ
    فاللهُ تعالى وهو يُقيمُ الحجةَ على المشركين في قضيةِ البعثِ ، إنما يقيمُ عليهم الحجةَ بعلمِهِ وحكمتِهِ ، وأنَّ كلَّ شئٍ خلقَهُ بقَدَرٍ ، وأنَّ ما زعموه من استحالاتٍ وموانعٍ تمنعُ إعادتِهِم مرةً أخرى يومَ القيامةِ إنما هو من أبطلِ الباطلِ ، فيبينُ لهم أن هذا الذي يرونه مانعاً حدثَ لهم قبل ذلك ، وهي أطوارُ خلقِهِم الأولى ، فهي تحولاتٌ بدأت في الخصيتين والمبيضِ ، وهكذا من تحوُّلٍ إلى تحولٍ حتى خرج الإنسانُ إنساناً ، فيقولُ لهم كيفُ تستنكرون أن أجمعَكم من بعد تفرقِكم في الأرضِ وقد جمعتُكم من قبلُ وكنتم متفرقين بين أبائِكم وأمهاتِكم نطفاً؟!!!
    "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ "[الواقعة : 58]
    " أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ " [الواقعة : 59]
    " وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ "[الرعد : 5]

    " وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً "[مريم : 66]
    "أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً "[مريم : 67]
    فالقرآنُ من علمِ اللهِ ولا يجوزُ أن نقارنَ بين علمِ اللهِ وعلمِ البشرِ ، وليعلمْ كلُّ مسلمٍ أنَّ أخطرَ ما في هذا العلمِ البشريِّ أنَّهُ لا يوجدُ في لغتِهِ الإيمانُ بأنَّ اللهَ يُدبرُ الأمرَ ، فهم يُسْنِدُون الفعلَ إلى المادةِ دائماً ، ففي مسألةِ الوراثةِ تراهم اليومَ يسندون هذا إلى ما يسمونه بـ " الجيناتِ " وكأنَّ هذه الجيناتِ تفعلُ ما تشاءُ ، مع أنَّ طريقةَ عملِها تدلُ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ في أنها مُدَبَّرةٌ وأنها مربوبةٌ تفعلُ ما قُدِّرَ لها أن تفعلَهُ ولا تخرجُ عنه أبداً ، بل هذا حالُ كلِّ مخلوقٍ من أصغرِ شئٍ إلى أكبرِ شئٍ ، التدبيرُ ظاهرٌ في كلِّ شئٍ ولكنَّ الظالمين "لهم قلوبٌ لا يفقهون بها "
    وأيضاً هناك نقطةٌ أخرى بالنسبةِ لهذا العلمِ البشريِّ
    و هو أنَّ عرضَ ما توصلَ إليهِ هذا العلمُ لا يكونُ عرضاً مجرداً من الأهواءِ والميولِ والعقائدِ ، فهو لا محالةَ مُلوَّثٌ بأهواءِ الظالمين ، فالمتحدثون بلسانِ هذا العلمِ من أهلِهِ تتحكمُ فيهِم الأهواءُ والعقائدُ إلا من رحم ربي ، وأبسطُ مثالٍ على ذلك هؤلاءِ التطوريون ، الذين يحاولون أن يُقْحِموا تطورَهم المزعومَ في كلِّ ما يكتشفُهُ العلمُ ،
    ألم يتخذوا من الجيناتِ دليلاً على تطورٍ لا وجودَ له إلا في عقولِهِم المريضةِ؟ هل تحدثت الجيناتُ وأخبرتهم؟! أم أنَّ أهوائَهَم تريدُ ذلك؟
    كيف يصبحُ تشابُهُ الجيناتِ بين المخلوقاتِ دليلاً على تطوُّرِهِم المزعومِ؟
    وهل الإنسانُ مجردُ جيناتٍ؟
    إننا كمسلمين نستطيعُ أن نفهمَ هذا التشابهَ الجينيّ في ضوءِ قولِهِ تعالى " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ"
    وقولِهِ تعالى :
    " وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [النور : 45]
    وقولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم " كلُّ شئٍ خُلِقَ من الماءِ "
    فكلُّ شئٍ عندنا كانت مادةُ خلْقِهِ الماءَ ، وهذا تفسيرٌ لا تكلفَ فيه ، ولا إغراقَ في الأوهامِ والضلالاتِ التطوريةِ التي لا توجدُ إلا في عقولِ الضالين

    كذلك تدخلت أهواءُ الظالمين في مجالِ الفيزياءِ ، هروباً من الاعترافِ بخالقِ السمواتِ والأرضِ افترضوا أضلَّ فرضيةٍ من يومِ خلقَ اللهُ آدمَ حتى يومِنا هذا ، وهي ضلالةُ " الأكوانِ المتعددةِ "
    كانت هذه الفرضيةُ نتيجةً لما أكدتْهُ ميكانيكا الكمِّ أنَّ القوانينَ الطبيعيةَ جوازيةٌ احتماليةٌ ، لذلك فإنَّ السؤالَ الذي يطرحُ نفسُهُ هو : مَنْ الذي يُرَجِّحُ؟ فوجدَ الظالمون نفسَهم في مأزقٍ يضطرُهُم لضرورةِ الاعترافِ بخالقِ السمواتِ والأرضِ سبحانه ، ولكنَّ أهواءَ الظالمين التي زينت لهم بدايةَ إلحادِهِم ، زينت لهم كذلك هذه الضلالةَ المسماةَ بالأكوانِ المتعددةِ ، هكذا رجماً بالغيبِ ، من دونِ أيِّ أثارةٍ من علمٍ
    وانظر كيفَ يدلُّ العلمُ - مجرداً من أهوائِهِم - على اللهِ وكيفَ تدخلت أهوائُهُم و صرفتْهُم عن الحقٍّ المبينِ؟!!!

    فهل هؤلاءِ يأتي منهم خيرٌ ؟
    وهل كلُّ ما يُقال عنه أنه علمٌ هو فعلاً علمٌ؟ أم هناك شئٌ يُرادُ؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2016
    المشاركات
    115
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بارك الله فيك

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء