بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أقول وبالله التوفيق
بأن الحقيقة الوحيدة التى لا جدال فيها هى الموت , فالموت لا فكاك ولا فرار منه قال تعالى ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا))

يقول بن كثير في تفسير هذه الآية
أي أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ولا ينجوا منه أحد منكم كما قال تعالى: { كل من عليها فان} الآية، وقال تعالى: { كل نفس ذائقة الموت} ، وقال تعالى: { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} والمقصود أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة، ولا ينجيه من ذلك شيء سواء جاهد أو لم يجاهد فإن له أجلاً محتوماً، ومقاماً مقسوماً، كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنه أو رمية، وها أنا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء. وقوله: { ولو كنتم في بروج مشيدة} أي حصينة منيعة عالية رفيعة، أي لا يغني حذر وتحصن من الموت كما قال زهير بن أبي سلمى: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ** ولو رام أسباب السماء بسُلَّم ثم قيل: المُشَيَّدة هي المُشَيَّدة كما قال { وقصر مشيد } وقيل: بل بينهما فرق وهو أن المشيّدة بالتشديد هي المطولة، وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهو الجص.


من هو الكيس الزكى ؟؟؟
عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره من العلماء: معنى دان نفسه :حاسبها
الشَّرْحُ
قوله الكيس : معناه الرجل الذي يغتنم الفرص ويتخذ لنفسه الحيطة حتى لا تفوت عليه الأيام والليالي فيضيع
وقوله من دان نفسه : أي من حاسبها ونظر ماذا فعل من المأمورات وماذا ترك من المنهيات ؟
هل قام بما أمر به وهل ترك ما نهى عنه ؟
إذا ما رأى من نفسه تفريطا في الواجب استدركه إذا أمكن استدراكه وقام به أو بدله
وإذا رأى من نفسه انتهاكا لمحرم أقلع عنه وندم وتاب واستغفر
وقوله عمل لما بعد الموت : يعني عمل للآخرة لأن ما بعد الموت فإنه من الآخرة وهذا هو الحق والحزم أن الإنسان يعمل لما بعد الموت لأنه في هذه الدنيا مار بها مرورا والمآل هو ما بعد الموت فإذا فرط ومضت عليه الأيام وأضاعها في غير ما ينفعه في الآخرة فليس بكيِّس
الكيِّس هو الذي يعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وصار لا يهتم إلا بأمور الدنيا فيتبع نفسه هواها في التفريط في الأوامر وفعل النواهي ثم يتمنى على الله الأماني فيقول: الله غفور رحيم وسوف أتوب إلى الله في المستقبل وسوف أصلح من حالي إذا كبرت وما أشبهه من الأماني الكاذبة التي يمليها الشيطان عليه فربما يدركها وربما لا يدركها
ففي هذا الحديث: الحث على انتهاز الفرص وعلى أن لا يضيع الإنسان من وقته فرصة إلا فيما يرضي الله عز وجل وأن يدع الكسل والتهاون والتمني فإن التمني لا يفيد شيئا كما قال الحسن البصري رحمه الله ( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال )
فعلينا أيها الإخوة أن ننتهز الفرصة في كل ما يقرب إلى الله من فعل الأوامر واجتناب النواهي حتى إذا قدمنا على الله كنا على أكمل ما يكون من حال
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته