من أين للطبيعة هذا الاختلاف والفرق الحاصل في النوع الانساني بين صورهم فقل ان يرى اثنان متشابهان من كل وجه وذلك من اندر ما في العالم بخلاف اصناف الحيوان كالنعم والوحوش والطير وسائر الدواب فإنك ترى السرب من الظباء والثلة من الغنم والذود من الابل والصوار من البقر تتشابه حتى لا يفرق بين واحد منهما وبين الاخر إلا بعد طول تأمل او بعلامة ظاهرة والناس مختلفة صورهم وخلقتهم فلا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة وخلقة واحدة بل ولا صوت واحد وحنجرة واحدة والحكمة البالغة في ذلك ان الناس يحتاجون الى ان يتعارفوا بأعينهم وحلاهم لما يجرى بينهم من المعاملات فلولا الفرق والاختلاف في الصور لفسدت احوالهم وتشت نظامهم ولم يعرف الشاهد من المشهود عليه ولا المدين من رب الدين ولا البائع من المشتري ولا كان الرجل يعرف عرسه من غيرها للاختلاط ولا هي تعرف بعلها من غيره وفي ذلك اعظم الفساد والخلل فمن الذي ميز بين حلاهم وصورهم واصواتهم وفرق بينها بفروق لا تنالها العبارة ولا يدركها الوصف فسل المعطل اهذا فعل الطبيعة وهل في الطبيعة اقتضاء هذا الاختلاف والافتراق في النوع وأين قول الطبائعيين ان فعلها متشابه لانها واحدة في نفسها لا تفعل بإرادة ولا مشيئة فلا يمكن اختلاف افعالها فكيف يجمع المعطل بين هذا وهذا فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وربما وقع في النوع الانساني تشابه بين اثنين لا يكاد يميز بينهما فتعظم عليهم المؤنة في معاملتهما وتشتد الحاجة الى تمييز المستحق منهما والمؤاخذ بذنبه ومن عليه الحق وإذا كان هذا يعرض في التشابه في الاسماء كثيرا ويلقى الشاهد والحاكم من ذلك ما يلقى فما الظن لو وضع التشابه في الخلقة والصورة ولما كان الحيوان البهيم والطير والوحوش لا يضرها هذا التشابه شيئا لم تدع الحكمة الى الفرق بين كل زوجين منها فتبارك الله احسن الخالقين الذي وسعت حكمته كل شيء . [ مفتاح دار السعادة - ابن قيم الجوزية ]

https://www.sarayanews.com/article/473669

http://www.alarabiya.net/…/%D8%AA%D9%88%D8%A3%D9%85-%D9%8A%…