أنه محرم، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر، لكنه لا يخرج من ارتكبه عن ملة الإسلام (1) .
ولذا ورد التحذير منه في الكتاب والسنة.
فمن الكتاب: قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110].
فإن عموم الآية تشمل الشرك الأكبر والأصغر.
وقوله تعالى: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22].
الآية في الشرك الأكبر، إلا أن بعض السلف كابن عباس – رضي الله عنهما – كانوا يحتجون بها في الأصغر؛ لأن الكل شرك (2) .
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10].
قال مجاهد: (هم أهل الرياء (3) . ومعلوم أن الرياء هو رأس الشرك الأصغر).
ومن السنة: قوله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (4) ، وقوله عليه السلام: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) (5) الحديث.
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟)) قال: فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الشرك الخفي...)) (6) .
الحديث.
أما كونه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر، فلما قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً) (7)
ووجه الاستدلال: أن الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر، وإلا لما أقدم عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- لأن يقول مثل هذا القول الذي فيه إقدام على ارتكاب الكبائر، والله أعلم.
ولأن الحلف بالله توحيد، والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك، ففيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر (8) .
ثم (إن هذا النوع من الشرك – الشرك الأصغر – يبطل ثواب العمل، وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجباً، فإنه ينزله منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك امتثال الأمر) (9) .
ثم إنه قد يكون وسيلة تؤدي بصاحبه إلى الشرك الأكبر.
أما حكم مرتكبه:
فقد اتفقوا على أن مرتكب الشرك الأصغر غير خارج من الملة، وأنه لا يخلد في النار، ولكن هل يكون تحت المشيئة إن لم يتب كما هو حال أصحاب الكبائر الآخرين لقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: 48]، أو يكون تحت الوعيد بأن لا يغفر له إذا لم يتب، لأنه قد أطلق عليه بأنه أشرك؟ اختلفوا فيه على قولين:
القول الأول: أنه تحت المشيئة، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله (10) – كما يظهر ميل الإمام ابن القيم إليه في (الجواب الكافي) (11) .
القول الثاني: أنه تحت الوعيد، وهو الذي مال إليه بعض أهل العلم