هناك من يموت فتنتهي حياته الدنيوية
وهناك من يموت وهو على قيد الحياة !
فيعيش ذليلاً مذعوراً خائفاً !
وهولاء هم من أعنيهم بالهزيمة النفسية ....

هولاء لا يجدون غضاضة في التعرض للأذى والمضايقة في سبيل الدنيا ، فقد يتشاجر لأجل يسير المال ، ويصبر على تنغيصات البشر من أجل الدنيا ويحاربهم بأستماتة، غير أنه ينحرف ويتحول إذا ما أوذي في سبيل دينه ولو بذرة يسيرة من كلام مسيء أو تخويف وتهديد ! فهنا ينقلب على وجهه!

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )

جاء في تفسير الطبري : يقول تعالى ذكره: ومن الناس من يقول: أقررنا بالله فوحَّدناه، فإذَا آذاه المشركون في إقراره بالله، جعل فتنة الناس إياه في الدنيا، كعذاب الله في الآخرة، فارتدّ عن إيمانه بالله، راجعا على الكفر به ( وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ) يا محمد أهل الإيمان به (لَيَقُولُنَّ) هؤلاء المرتدّون عن إيمانهم، الجاعلون فتنة الناس كعذاب الله (إنَّا كُنَّا) أيها المؤمنون (مَعَكُمْ) ننصركم على أعدائكم، كذبا وإفكا، يقول الله: ( أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ ) أيها القوم من كلّ أحد ( بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) جميع خلقه، القائلين آمنا بالله وغَيرِهم، فإذا أُوذِي في الله ارتد عن دين الله فكيف يخادع من كان لا يخفى عليه خافية، ولا يستتر عنه سرا ولا علانية.اهـــ

وهولاء يعيشون كالموتى لا قيمة لهم ، إمعات أتباع كل ناعق ! ، فلا مبدأ من حق يملأ قلوبهم إلا ما يرونه يروج ويشتهرب و عليه أقبال ويجنون منه مصالحهم الشخصية ! ، فإذا ما شاهدوا مثلاً باطلاً مزخرفاً يعلمونه في قرارة أنفسهم يروج على القنوات غير أنه له ذو منصب يدافع عنه دافعوا عنه وساروا ورائه خوفاً وطمعاً في ما عند ذو المنصب ! فهم أتباع أصحاب المناصب لا لأجل الحق ولا حتى مداراة لهم بعلم وحكمة تقتضيها الأزمات والمواقف ولا حتى لأكراه شرعي معتبر يظهرون خلاف ما تطمئن به قلوبهم من إيمان وإنما هم تشربوا حب الأتباع الأعمى والذل المقيت للحياة من أجل الحياة ! فوقعوا في أنحراف بدايته من عند المداهنة المحرمة ومخالطة أصحاب المنكرات على منكراتهم ! ومنهم من خرج من الدين كله ظناً أن السلامة تأتي من هذا الطريق وهو واهم ! .

لا يسلم بشري من أذى فهو أجتماعي بطبعه يقول العلامة ابن القيم في الفوائد بتصرف : ( فَلَا يظنّ أحد أَنه يخلص من الْأَلَم الْبَتَّةَ وَهَذَا أصل عَظِيم فَيَنْبَغِي للعاقل أَن يعرفهُ وَهَذَا يحصل لكل أحد فَإِن الْإِنْسَان مدنِي بالطبع لَا بُد لَهُ من أَن يعِيش مَعَ النَّاس وَالنَّاس لَهُم إرادات وتصورات يطْلبُونَ مِنْهُ أَن يوافقهم عَلَيْهَا وَإِن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه وَإِن وافقهم حصل لَهُ الْأَذَى وَالْعَذَاب تَارَة مِنْهُم وَتارَة من غَيرهم وَمن اختبر أَحْوَاله وأحوال النَّاس وجد من هَذَا شَيْئا كثيرا كقوم يُرِيدُونَ الْفَوَاحِش وَالظُّلم وَلَهُم أَقْوَال بَاطِلَة فِي الدّين أَو شرك فهم مرتكبون بعض مَا ذكره الله من الْمُحرمَات فِي قَوْله تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ وهم فِي مَكَان مُشْتَرك كدار جَامِعَة أَو خَان أَو قيسرية أَو مدرسة أَو رِبَاط أَو قَرْيَة أَو درب أَو مَدِينَة فِيهَا غَيرهم وهم لَا يتمكنون مِمَّا لَا يُرِيدُونَ إِلَّا بموافقة ألئك أَو بسكوتهم عَن الْإِنْكَار عَلَيْهِم فيطلبون من أُولَئِكَ الْمُوَافقَة أَو السُّكُوت فَإِن وافقوهم أَو سكتوا سلمُوا من شرهم فِي الِابْتِلَاء ثمَّ قد يتسلطون هم أنفسهم على أُولَئِكَ يهينونهم ويعاقبونهم أَضْعَاف مَا كَمَا أُولَئِكَ يخافونه ابْتِدَاء كمن يطْلب مِنْهُ شَهَادَة الزُّور أَو الْكَلَام فِي الدّين بِالْبَاطِلِ إِمَّا فِي الْخَبَر وَإِمَّا فِي الْأَمر أَو المعاونة على الْفَاحِشَة وَالظُّلم فَإِن لم يجبهم آذوه وعادوه وَإِن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عَلَيْهِ فيهينونه ويؤذونه أَضْعَاف مَا كَانَ يخافه وَإِلَّا عذب بغيرهم فَالْوَاجِب مَا فِي حَدِيث عَائِشَة الَّذِي بعثت بِهِ إِلَى مُعَاوِيَة ويروى مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا من أرْضى الله بسخط النَّاس كَفاهُ الله مُؤنَة النَّاس وَفِي لفظ رَضِي الله عَنهُ وأرضى عَنهُ النَّاس.... وَفِي لفظ عَاد حامده من النَّاس ذامّا
وَهَذَا يجْرِي فِيمَن يعين الْمُلُوك والرؤساء على أغراضهم الْفَاسِدَة وفيمن يعين أهل الْبدع المنتسبين إِلَى الْعلم وَالدّين على بدعهم فَمن هداه الله وأرشده امْتنع من فعل الْمحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثمَّ تكون الْعَاقِبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا جرى للرسل وأتباعهم مَعَ من آذاهم وعاداهم مثل الْمُهَاجِرين فِي هَذِه الْأمة وَمن ابْتُلِيَ من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها وَقد يجوز فِي بعض الْأُمُور إِظْهَار الْمُوَافقَة وإبطان الْمُخَالفَة كالمكره على الْكفْر كَمَا هُوَ مَبْسُوط فِي غير هَذَا الْموضع إِذْ الْمَقْصُود هُنَا أَنه لَا بُد من الِابْتِلَاء بِمَا يُؤْذِي النَّاس فَلَا خلاص لأحد مِمَّا يُؤْذِيه الْبَتَّةَ وَلِهَذَا ذكر الله تَعَالَى فِي غير مَوضِع)

فتأمل هداك الله أهمية هذا الكلام من العلامة ابن القيم وأعقله : فلن يسلم بشري من أذى غير أن المؤمن يصبر فتكون له العاقبة ( ويجوز له إن كان مكرهاً يبطن الإيمان ويظهر الكفر بضوابط الأكراه التي ذكرها أهل العلم فليس كل من يدعي الأكراه مكرهاً وكذا ذكروا ضوابط المداراة وفرقوا بينها وبين المداهنة المحرمة ) وغير المؤمن لا يصبر ويداهن ويقع في المحرمات ثم يخسر دنيا وآخرة ولو كان ظاهر فعله السلامة .

وهنا أنتقل بك الى الأعلام :

فليس كل ما يروج في الأعلام حقيقة مطلقة لا تقبل النقاش والتحليل ! ، بل كثير من ما يروج ضد الإسلام الحنيف يستغل هذه القنوات المضللة وصوتها العالي ليطعن فيه بشتى الشبهات والتهم الباطلة ، وأحياناً يستغلون أخطاء بعض المنتسبين للإسلام أو من نسبوا أنفسهم له حتى يشوهوه من كفار النصارى وعتاة مجرميهم فيخدع بعض ضعاف النفوس بهذه الدعاوى المضللة وكذا يضعفون لقلة علمهم بالإسلام الحنيف وقلة معرفتهم بحججه على المبطلين فهم لم يتخذوا حصناً قوياً من العلم ومن العمل بالعلم حتى تقوى قلوبهم بالإيمان وتصير قوية تتحمل المحن والأزمات فهم من أضعف الناس جهاداً لأنفسم وتغلبهم الشبهات والشهوات ! .

فهنا تفجير مثلاً حصل في بلدة معينة راح فيه الطفل والمرأة والرجل من أهل الإيمان أو الذمة أو المعاهدات ولا تقبل دعاوى أهل التفجيرات المجرمة بأنهم لا عهد لهم ولا ذمة ولا أمان لأن قولهم في ذلك إنما قالوه حتى يبرروا جرائمهم المنحرفة ! فلو فعل مسلم حتى ذلك فما علاقة الإسلام بذلك أصلاً ؟! وهو أبعد ما يكون عن ذلك وهو من أشد من حذر من ذلك ؟!
جاء في السنة في صحيح مسلم نقلا عن الموسوعة الحديثية : (ومن خرجَ من أمّتي على أمّتي ، يضربُ برّها وفاجرها ، لا يتحاش من مؤْمنها ، ولا يفي بذي عهدها ، فليسَ مني)

فأي بيان أوضح من هذا تجاه هذه المسألة ؟! وما يضر الإسلام إذا تجاوز منتسب له وخالفه ؟! فما يضر الأخلاق مثلاً إذا لم يلتزم بها منتسب لها ؟! وأنت ترى جماعات كثيرة مجرمة غربية تفجر وتقتل لتعصبها لمذاهبها الباطلة ومع هذا لا تلام مذاهبها ولا ترمى بشيء فهذا الهجوم على الإسلام مصطنع ! في حين أن أعتى المجرمين حول العالم كأمريكا مثلاً أو بشار الخ : لا يرمون ولو بشبهة الأرهاب بمثل ما يرمى الإسلام !! فتأمل ! .

أقول لكم : إن دعوة الحق منصورة ولو بعد حين ! ها هي الحروب الصليبية ظلت مئات السنين ثم كانت العاقبة لأهل الإسلام ! على يد صلاح الدين بفضل من الله ، وها هم التتار عتاة مجرمي العالم يبيدون الأخضر واليابس في طريقهم حتى كسرت شوكتهم على يد قائد مصر قطز ! وها هم المبطلون أعداء الرسل يحيق بهم العذاب دنيا وآخرة عبر العصور وها هم الصحابة يجنون الأنتصار في بدر على من ساموهم العذاب من مشركي قريش في مكة ! فيا كل من يشجع الفرق الغالبة كأنما هو دوري كرة القدم تمهل ! فإنما ينصر الحق لأنه حق فأفق ! والنصر دوماً للحق ولو بعد حين وأنى يظهر المؤمن الصلب من المنافق الضعيف إذا لم يكن ثم أختبار !

فمن كان على الدين حقاً وصدقاً فهو منصور إذ هو يسير بدليل صحيح لا بهوى يجري به ويجره بشدة كالكلب الذي يجري بصاحبه لا يتوقف !

(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)