نقاش هادئ لدعوة الملحدين وتثبيت الموحدين

الحمد لله الذي خلقنا وهدانا وجعلنا مسلمين

البوست ممكن يكون طويل شوية لكنه يجيب على تساؤلات كثيرة يطرحُها الملحدون وقد تطرأ لبعض المسلمين.

الملحد في الغالب بيدعى إنه لجأ للإلحاد لما عجز عن إنه يلاقي إجابة تساؤلاته في الدين (في الغالب بتكون الإجابة أوالحكمة غير مقنعة لعقله)

السؤال الأهم والذي نبني عليه ما بعده هو: "هل عقل الإنسان كافي ليكون حاكماً على صحة الأمور وصواب حكمتها من خطإها؟"

أولاً: لازم أفكرك بنقطة كلنا متفقين عليها بس الشيطان بينسيهالنا، العقل البشري أثبت محدوديته في كل التجارب اللي خاضها واكتشفنا إن طول الوقت فيه مساحة للازدياد من المعرفة وتحسين القرارات، وحضرتك نفسك في كثير من القرارات اللي أخدتها لُمت نفسك بعدها لما اتضح لك تبعات قرارك وقلت لو كنت أعرف كذا كان قراري هيختلف.

حواس الإنسان محدوده، لو الإنسان واقف في صحراء عينه تقدر تشوف ما يحيط به في نطاق دائرة محدودة وما خرج عنها فلن يراه، أذن الإنسان كذلك تسمع كل صوت يصدر في نطاق قدرتها على السماع. والعقل محدود مثل باقي الحواس وله قدرات لا يستطيع إدراك ما جاوزها، وإنكار ما لا يدركه عقلك كإنكار وجود ما هو خارج مجال رؤيتك لأنك لا تراه.

ثانياً: عقول البشر متفاوتة في الحكم على الأشياء نتيجة أمور كثيرة منها قدرات خلقية ومنها تراكمات معرفية تخضع للبيئة المحيطة والدراسات والتربية وغيرها، بل إنك تجد في البيت الواحد آراء مختلفة قد تصل للتضاد.

ثالثاً: لكي تحكم على صحة حكم أو قرار لابد لك من أن تصل لدرجة علم وإدراك من حكم به أو قرره. ومثال ذلك إن حضرتك لو عالم ذرة لكنك لم تدرس الطب وجالك فيروس معين بتعمل إيه؟ بتستخدم عقلك في البحث عن أفضل دكتور متخصص في علاج المرض ده، وبعد ما توصل له دور عقلك بينتهي وبتسلم لكل اللي بيقوله؛ بيمنعك من أكل معين بتقول حاضر، بيكتبلك علاج معين بتقول حاضر وأحيانا بتبقى عارف إن العلاج ده ليه أعراض جانبية شديدة لكن بتلتزم لأنك اتأكدت الأول إن ده دكتور شاطر عارف هو بيعمل ايه. وبيزداد تسليمك لكلامه كلما وثقت في علمه وأمانته.

نفس الكلام بالظبط لما نيجي للدين، عقلك ليه دور مهم جدا في البحث عن الدين الحق والاقتناع بصدق الرسالة، بعدها عقلك لا يمكن يكون حاكم على صحة أو حكمة كل الأحكام الفرعية لأنك لا شك علمك وحكمتك ليس لهم أي وزن مقارنة بعلم وحكمة الخالق عز وجل. ده مش معناه إنك ماتحاولش تجتهد وتبحث وتستعن بالله إنه يفتح عليك ويفهمك، لكن قطعاً عقلك القاصر الذي تعترف أنت بقصوره لن يصلح ليكون حاكماً على من أقررت أنت له بالعلم المطلق والحكمة المطلقة.

مثال واقعي آخر: حضرتك لو دخلت شقة جارك وجدته يضرب قدم ابنه ويكسرها والابن يصرخ من الألم، لا شك أنك ستقول: ما هذا الجهل والظلم، لكن لو خرج أهل الرجل من الداخل ليخبروك بأن جارك هذا طبيب عظام متخصص وأن ما يفعله هو جزء من خطة علاج ابنه المصاب بتقوس القدم (بالمناسبة هذه طريقة علاج معترف بها) لا شك أنك حينها تتهم عقلك ويتغير رأيك وسترى أن فعل الأب هو تمام الرحمة والحكمة. عقلك يُضلك في أمور بسيطة كهذه ثم أنت تريد لعقلك أن يُحاكِمَ خالق الأكوان! قُتِل الإنسان ما أكفَرَه!

ليس هناك خالق لأننا لا نراه!

هذا المنطق هو نفس منطق سكان بناية يستيقظون كل يوم ليجد كل منهم 1000 درهم أمام بيته فيحتاروا فيمن وضعها ويتباحثون الأمر، يأتيهم مالك البناية زاعماً أنه هو من يضع الدراهم ويصف لهم بعض الورقات التي وضعت بالأمس ليثبت لهم دعواه فيصدقه البعض، ثم يكتشف بعضهم كذب صاحب البناية حين يراقبوا البناية ليلاً ليجدوه يأتي والدراهم موجودة ثم يتعرف على بعض صفاتها ليوهمهم أنه صاحبها بوصفها لهم، ثم يأتيهم حاكم القرية زاعماً أنه من يضع النقود ويقدم برهاناً أقوى بأن يصف لهم الدراهم التي ستصلهم غداً فيصدقه الناس، يظل أمر بحث السكان عن الحقيقة مقبولاً ما دام يتبع الدليل، لكن أن يأتي أحد سكان البناية ليزعم أنه لا أحد يضع هذه النقود لأنه لا يراه فإن هذا جنون لا يقبله عاقل ولا يناقشه.

نحن مُجبرون على أفعالنا لأنها مكتوبة أصلاً!

إذا تخيلنا مُدرساً يُدرس لطلاب فصل لسنين عديدة متتالية، ويعلم من صفاتهم و سلوكهم الكثير، وقام هذا المدرس بعمل امتحان لطلابه وبدأ يكتب توقعاته: "محمد سيحصل على الدرجة النهائية" – "أحمد سيجيب السؤال الأول ويترك الثاني" – "أيمن لن يأتي للامتحان".

إن هذا المدرس كلما زاد علمه بطلابه وذكاؤه وقدرته على تحليل الشخصيات التي أمامه؛ كلما كان توقعه أقرب لما سيحدث فعلاً منهم.

ولله المثل الأعلى، الله الذي خلق الخلق هو أعلم بهم، فإذا علم وكتب ما سيفعلون فلا يدل ذلك أبداً على إجبارهم، وحاشاه سبحانه الحكم العدل أن يُجبر ثم يُحاسب.

الدين لا يخاطب العقل؟

الدين فيه خطابين؛ خطاب إيماني وخطاب تعبدي.

الخطاب الإيماني كله يخاطب العقل بل ويحث على التفكر والتدبر وإعمال العقل، قال الله تعالى:

كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢٤ يونس﴾
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٣ الرعد﴾
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٤ النحل﴾
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١ الحشر﴾
كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١٩ البقرة﴾
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿١٩١ آل عمران﴾
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴿٨ الروم﴾
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿٢٤ محمد﴾

ويوم القيامة حين يصطرخ الكفار في النار يكون رد الله عليهم "أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ؟" وهذا كله وغيره يخاطب العقل خطاباً صريحاً، يدعوك للإيمان بإعمال عقلك والتفكير والتدبر في نفسك وفي خلق الله سبحانه.

ومعها تأتي المعجزات مثل القرآن الكريم وإعجازه ومعجزات حسية رآها الناس رأى العين وغير ذلك مما يجعل العقل يُقر بصدق الرسالة.

ثم بعد الإيمان والإقرار (العقليان) لابد أن تأتي العبودية والإذعان، وهنا ينحسر دور العقل اللهم إلا اجتهاداً قاصراً يفهم معه بعض ما في العبادات من الحِكَم، وإلا فالأصل في العبادة أنها تكون عن تسليم لا عن اقتناع بالحكمة، وإلا لما اتفق شخصان على كيفية العبادة لو تٌرك الأمر للعقل.

لماذا أغلب الملحدين صغار سن؟

طول الأمل يصرف عن التفكر في كل ذلك. ومرحلة الشباب هى مرحلة ثورة وتحولات جسدية ونفسية شديدة يظن الواحد منا فيها أنه مركز الكون ويقيس على ذلك كل الحوادث وكأن الكون خُلِق لأجله وحده.

أضف إلى ذلك أننا في عصر الانترنت والانفتاح المعرفي ومواقع التواصل الاجتماعي والتي أعطت لكل شخص مهما بلغ جهله المكانة الوهمية والمنبر الذي يكتب من خلاله ما شاء ثم هو مع جهله يجد من يترك إعجاباً أو تأييداً لترهاته. وهذا مما نفخ في أجهل الناس ومَن فوقهم نفخة كاذبة جعلتهم يعبدون أنفسهم ولا يستمعون لغيرهم، وهذا والله من البلاء المبين.

عصر السرعة واستعجال النتائج

إننا في عصر تستطيع فيه الذهاب لأبعد نقطة في الكرة الأرضية في ساعات معدودة، وتستطيع الحصول على المعلومة التي تريدها في ثوان معدودة، وهذا لا شك مما أثر على قبولنا ورفضنا لسرعة حدوث النتائج وصار عندنا توقعات أعلى بكثير مما كان لمن قبلنا من حيث توقعاتنا لسرعة استجابات الأشياء من حولنا، وللأسف شباب كثير اصطدم بهذا الحائط حين ظن أنه سيلتزم بالشرع سنتين أو ثلاثة ثم سيفتح الله القدس على أيدينا، وإن لم يحدث هذا فثمة شئ خطأ. وهذا لا شك جهل شديد بالدين وعدم فهم لما قامت عليه الشريعة وبني عليه امتحان الدنيا.

يوم القيامة بعد أسبوع!

من فتنة الاختبار الدنيوي شعور الشخص بأنه ما زال أمامه الكثير ليعيشه في الدنيا فيطول أمله ثم لا يتفكر إلا فيما يشتهي حتى ينقضي عمره، إننا لو تفكرنا في ال ٣٠ سنة الماضية، سنجدها ذهبت كلها بكل أحداثها ومشاعرها ولا نتذكر منها سوى آحاد الأحداث، وهكذا سنكون قريباً في سن ال ٦٠ و ال ٧٠ (لمن أدركهم) ولكن بعد فوات العمر كله.

لو علمنا أن يوم القيامة بعد أسبوع لترك الناس مشاغلهم وانكبوا على البحث عن الدين الصحيح وعلى ما ينفعهم في آخرتهم، ولكنهم لا يفعلون ذلك لطول آمالهم، ولو أعملوا عقولهم لحظة لأخلصوا في طلب الآخرة ثم بعدها يطلبوا ما سواها.

أول ساعة في القبر!

تخيل أول ساعة في قبرك لو كانت بلا أحداث، وأنت تحاسب نفسك وتسترجع حياتك وتفكر فيما قد يحدث وفيما قد تُقبل عليه، عِش هذا التخيل وفكر ماذا ستتمنى حينها، لن تتمنى سوى ساعات قليلة تعودها للدنيا تُخلِص فيها في طلب الآخرة والبحث عن النجاة. ها أنت فيها الآن!

لو كان هناك إله لما رأينا كل هذا الفساد والأمراض في الدنيا!

خلق الله تعالى الشرَّ لحكَمٍ جليلة عديدة، نعرف بعضها، ونجهل أكثرها

بعض المعاني لن تُوجد لو لَم يوجَد ضدها؛ لو كانت أخلاق الناس كلها واحدة ولم نعرف سيئي الأخلاق لما كان هناك شئ اسمه "حُسن الخُلق"، لو كان اجتهاد الطلاب كلهم واحد وما رأينا طلاباً مقصرين لما كان هناك شئ اسمه "طالب مجتهد". كل المعاني الحسنة في الدنيا ستجد لها ضد عُرِفت بوجوده. وهكذا لو لم يكن هناك ظلم لما وُجِد معنى العدل، ولو لم نر المرضى لما استشعرنا فضل الله علينا ونعمة الصحة.

وللاستزادة في جواب هذا السؤال أقتبس من كلام أخينا "ناصر التوحيد" رحمه الله وأسكنه جنته بعض الحكم في السطور القادمة
(
كيف تعرف نعمة التوحيد وفضله عليك وأنت تجهل الشرك وما يجلبه من شرور وأضرارٍ على صاحبه في الدنيا والآخرة؟
كيف تعرف نعمة الصحة وأنت لا تعرف المرض؟
كيف تعرف نعمة الشبع وأنت لا تعرف الجوع؟
كيف تعرف نعمة الغنى .. وأنت لا تعرف الحاجة ولا الفقر؟

ومن الحكم أن الله تعالى يُعبد في السراء والضراء ويُحب أن يُعبد في الضراء كما يُعبد في السرَّاء وهذا من لوازمه وجود السراء والضراء والخير والشر

ومنها:
أن من مقتضيات ولوازم أسماء الله تعالى وصفاته وجود الخير والشر، فالله تعالى هو الغني الرزاق وهذا من مقتضياته ولوازمه وجود الفقير المحتاج الذي يسأل الله تعالى الغنى والرزق فيعطيه.
والله تعالى غفور رحيم وهذا من لوازمه ومقتضياته وجود الشر والإثم الذي يحمل صاحبه على طلب الرحمة والمغفرة من ربه فيغفر له ويرحمه.
والله تعالى المنتقم الجبار وهذا من لوازمه ومقتضاه وجود الظالمين الذين ينتقم الله منهم.

ومنها:
أن الخير الصرف يُطغي صاحبه ويُنسيه أن له رباً يُعبد كما قال تعالى "كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى"

ومنها:
ليندفع به شرٌّ أكبر؛ فكم من شرٍّ يُبتلى به المرء ليندفع به شرٌ أكبر وهو لا يدري كخرق الخضر للسفينة وقتله للغلام. وما أكثر الأمثلة والشواهد على ذلك من حياتنا اليومية.

ومنها:
أن الشر يؤدب بعضه بعضاً فينتقم الله من شرٍّ بشرٍّ آخر فيسلط الظالمين بعضهم على بعض فيدفع الله بهم ظلماً أشد وفجوراً أكبر!
)
انتهى كلامه رحمه الله

ثم دعنا ننظر كيف حل الإلحاد هذا الإشكال، عندنا فسدة يستحقون العقاب ومرضى يستحقون الرحمة وإله عادل أخّر جزاء الظالمين لحكمة ووعد الصابرين من المرضى بثواب لاحق يُنسيهم آلامهم، فلمّا لم يُعجب الملحد ذلك لرحمته الواسعة بالمظلومين والمرضى – زعم - قرّر أن الاعتقاد الأصح والأنسب هو أنه ليس هناك يوم آخر وأن الظالمين لن يأخذوا جزاءهم في الدنيا ولا في الآخرة وأن المرضى لن يُرحموا في الدنيا ولا في الآخرة، ياله من إنجاز عبقري أجاب على الإشكال وقدم الحل الأمثل!

لماذا لا نرى عقاب الظالمين في حياتنا؟

(جواب هذا السؤال مقتبس بتصرف من أخينا معتز عبد الرحمن حفظه الله)

لم يَعِد ربنا تبارك وتعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يرى عقاب الظالمين في الدنيا بل قال له:

"وَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِیدٌ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ"
"وَإِن مَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَیۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُ وَعَلَیۡنَا ٱلۡحِسَابُ"
"فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۚ فَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا یُرۡجَعُونَ"
"ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ"

الذين يشترطون رؤية الجزاء في الدنيا لم يؤمنوا باليوم الآخر ولم يدركوا حقيقته، فالواقع لم يخالف المعتقد الإسلامي وإنما خالف معتقدات شخصية انتقائية مختلطة

ما هو المعيار الأخلاقي عند الملحد؟

في مناظرته الشهيرة مع الداعية حمزة تزورتيس سُئل الفيزيائي الشهير الملحد لورنس كراوس: "لماذا يُعتبر زنا المحارم خطأ؟" فردّ قائلا: "ليس من الواضح بالنسبة إليّ أنه خطأ!"

الباحث الأميركي اللاأدري ديفيد برلنسكي يوضّح مقولة دوستويفسكي: "إذا كان الإله غير موجود فكلّ شيء مباح" ويقول شارحا: "فإذا لم تكن الواجبات الأخلاقية مأمورة بإرادة الله، ولم تكن في الوقت ذاته مطلقة، فإن (ما ينبغي أن يكون) هو ببساطة ما يقرّره الرجال والنساء. لا يوجد مصدر آخر للحكم. هل هذه إلا طريقة أخرى للقول بأنه طالما أن الإله غير موجود، فكل شيء مباح؟"

صرّح ريتشارد دوكنز في تغريدة له على موقع تويتر بأن الإجهاض فعل أخلاقي ومشروع طالما ليس هناك ألم، وبرّر ذلك قائلا: "لأن الجنين في بطن أمّه هو أقل إنسانية من أي خنزير بالغ".
يرى الملحد الأسترالي وأستاذ الفلسفة الأخلاقية بيتر سنجر أن ممارسة البشر للجنس مع الحيوانات والبهائم طالما لا تتضمّن أذيّة للحيوان هى أمر طبيعي ومقبول في إطار حميمية العلاقة بين الحيوانات والإنسان، وبالنسبة إليه: "فلا خطأ في ذلك على الإطلاق، بل إنه أمر محمود طالما يؤدي إلى استمتاع الطرفين: الحيوان والإنسان".

هل معنى ذلك أن الملاحدة كلهم لا أخلاقيّون؟

يقول فرانك توريك: "لا أقول بأن الملاحدة لا يعرفون الأخلاق وإنما أقول إنهم لا يمكنهم تبرير الأخلاق. نعم يمكنهم التصرّف بخُلق ويمكنهم الحكم على بعض الأفعال بأنها أخلاقية أو لا أخلاقية، لكنهم لا يستطيعون توفير قاعدة موضوعية لأحكامهم الأخلاقية.

هل الإلحاد ثورة فكرية؟

يحاول الملحدون وممولوهم أن يصوروا للمسلمين أن الإلحاد هو الثورة الفكرية والطفرة التي تجاوزت خرافات الأديان على الرغم من أن العكس هو الصحيح، القرآن الكريم تحدث عن الإلحاد بمنتهى الوضوح فقال مستنكراً قولهم:
وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ

وحكى قول الكافرين عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ - هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ - إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ

الإلحاد ليس جديداً ولا تطوراً للأديان بل هو كلعبة الفقاعات الصابونية التي ينفخها الأطفال لتطير وكلما كبُر حجم الفقاعة كلما تعجل هلاكها ثم ينفخون أخرى فتهلك كأختها وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ

هل التفلت من القوانين انتصار؟

التفلت من القواعد والقوانين دائما سهل ويستطيعه كل أحد، السرقة جريمة لها عقوبة، فالذي يقرر السرقة ويتمرد على القانون ليس بطلاً! بل كل أحد يستطيع فعل ذلك، البطولة في حمل النفس على التزام الأوامر واجتناب النواهي، ليس هناك أسهل من التفلت واتباع الهوى، وكذلك في مسائل الإيمان؛ فالملحد لم يأت بجديد وإنما تمرد وترك التماس الحق ليتبع هواه. وهذا يسير يستطيعه كل أحد. أما البطولة ففي التماس الحق ثم التزام أوامره ونواهيه ولو شقّت على النفس.

مدعو النبوة الكاذبون!

مدعو النبوة الكاذبون هم دائما أخبث الناس وأكذبهم ولا يتركهم الله دون فضيحة حتى يومنا هذا، وما رأيناهم إلا وعلمنا كذبهم في وجوههم قبل أن ينطقوا.. يفضحهم الله لأنه تكفل بحفظ دينه.

رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - حين ادعى النبوة والرسالة فإنه إما كان كاذبا - وحاشاه - وإما كان صادقاً. والناظر في سيرته وصفاته من الصدق والتقوى - حتى يطلق عليه أعداؤه الصادق الأمين - وما دعا إليه من خير وصدق وصلاح وطهارة يعلم يقيناً أنه كان داعية خير وهداية، وأنه لم يُر منه سوء ولا كذب كما هو العهد بالكاذبين من أدعياء النبوة. ثم هو مع ذلك كان مؤيداً من ربه تأييداً لم نر مثله ومنصوراً نصرة لا يكتبها الله لعدو يدعي عليه كذباً ورفع ذكره إلى يوم الدين.

ثم مع ذلك ينزل الله عليه كلاماً لا يستطيعه الأولون والآخرون. وتقشعر لسماعه قلوب من يسمعه ويظل مُعجزاً إلى يومنا هذا. بل ومع دقته وبلاغته وكثرته يُسهل الله حفظه حتى إنك لا تجد شخصاً إلا وفي محيط معارفه من يحفظ الكتاب كاملا عن ظهر قلب، إن كتابا فيه كل هذا الخير والقصص والهداية والتعاليم ثم يَسهل حفظه كاملاً على أطفال لا يتعدى عمرهم الثامنة لهو كتاب مُنزَل محفوظ لا يستطيعه السحرة ولا الكذبة.

إن القرآن الكريم آسر يأسر القلوب والأسماع، ومهيمن لا يستطيعه السحرة، إن كل من حاولوا الإتيان بكلام معجز محكم ليقولوا استطعنا أن نأتي بمثله لم يستطيعوا فكاكا من أسلوبه وطريقته حتى لو استخدموا كلاماً مُضحكاً ركيكا كهذا المقطع الذي زعم بعضهم أنه يضاهي القرآن به:
تَحِيَّةٌ لِلنّاسِ مِنْ رَبّهِمْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم @ هَذَا وَحْيٌ مِنْ رَبِّكَ أَنْزَلْنَاهُ لِلنَّاسِ لِيَكُونُوا لَهُ مُوقِنِين @ جَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعَاً وَفَمَاً لِيَنْتَشِرَ كَلَامِي فِيمَا بَيْنَهُمْ , هَلْ هُمْ لِي مِنَ الشَّاكِرِين

سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم "متى يوم القيامة" وكان يستطيع أن يقول أنها تقوم بعد خمسمائة عام ولم يكن أحد ليستطيع تخطئته ولكنه قال:
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ

وأخبر عن مصير أبي لهب فقال: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ

ولو لم يكن نبياً يوحى إليه لخاف أن يتحداه أبو لهب بأن يُعلن إسلامه وتوبته فتبطل الآية، ولكن أبو لهب عاش عشر سنين بعدها كافراً لم يفعلها بعد نزول الوحي بها.

وكسفت الشمس على عهد رسول الله يوم مات ابنه إبراهيم، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله

يالها من فرصة لا يُتصوَر أن يتركها مُدعٍ كاذب ليُثبِت حُجتَه، ولكن الصادق الأمين نهى الناس عن أن يقولوا ذلك ووجههم للصلاة والدعاء!

هذا الدين العظيم لم يواجه أبداً يوماً مشكلة ضعف الحُجّة وإنما دائماً مُشكلة كثير من المسلمين في قلّة العلم وضعف العمل – إلا من رحم الله - !

قال إبراهيم بن أدهم: "ياله من دين، لو أن له رجال"!

والله القصد من قبل ومن بعد