بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال النَّاس بالإثم وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَي لَا تدلوا بأموالكم إِلَى الْحُكَّام أَي لَا تصانعوهم بهَا وَلَا ترشوهم ليقتطعوا لكم حَقًا لغيركم وَأَنْتُم تعلمُونَ أَنه لَا يحل لكم
وعن أبي هريرة قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وابن حديدة وأم سلمة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح
جاء في كتاب تحفة الأحوذي
الراشي هو دافع الرشوة والمرتشي آخذها .

قوله : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم ) زاد في حديث ثوبان ، والرائش يعني : الذي يمشي بينهما . رواه أحمد قال ابن الأثير في النهاية : الرشوة والرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة ، وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل ، والمرتشي الآخذ والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ، أو يستنقص لهذا . فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق ، أو دفع ظلم فغير داخل فيه . روي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلي سبيله ، وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه ، وماله إذا خاف الظلم . انتهى كلام ابن الأثير ، وفي المرقاة شرح المشكاة قيل : الرشوة ما يعطى لإبطال حق ، أو لإحقاق باطل . أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق ، أو ليدفع به عن نفسه ظلما فلا بأس به ، وكذا الآخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة صاحب الحق فلا بأس به . لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة ؛ لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم فلا يجوز لهم الأخذ عليه قال القاري : كذا ذكره ابن الملك ، وهو مأخوذ من كلام الخطابي ، إلا قوله وكذا الآخذ - وهو بظاهره ينافيه حديث أبي أمامة مرفوعا من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا رواه أبو داود . انتهى قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو ) أخرجه الترمذي ، وصححه ، وأبو داود ، وابن ماجه قال الشوكاني في النيل : إسناده لا مطعن فيه ( وعائشة إلخ ) قال الحافظ في التلخيص مخرجا أحاديث الباب : أما حديث عائشة وأم سلمة فينظر من أخرجهما ( وابن حديدة ) كذا في أكثر النسخ ، قال في أسد الغابة عن أبي نعيم وابن منده : أنه الصواب ، قال [ ص: 472 ] ، وقيل أبو حديدة . انتهى بالمعنى ، وفي بعضها ابن حيدة ، وفي أبي حديد ، كذا في بعض الحواشي . قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن ) وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن حبان ، وصححه ، قال الشوكاني قد عزاه الحافظ في بلوغ المرام إلى أحمد والأربعة ، وهو وهم فإنه ليس في سنن أبي داود غير حديث ابن عمرو ووهم أيضا بعض الشراح فقال : إن أبا داود زاد في روايته لحديث ابن عمرو لفظ في الحكم ، وليست تلك الزيادة عند أبي داود ، قال ابن رسلان في شرح السنن : وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد في الحكم . انتهى . قلت الأمر كما قال الشوكاني . قوله : ( وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن ) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ، ثقة فاضل متقن مات سنة خمس وخمسين ومائتين .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم