معنى الرحمن

لغةً كلمة "الرحمن" مشتقة من الفعل "رحم" على وزن "فَعْلان" لكن العرب قديما لم تكن تكتب ألف المد، وهو الأمر المتبع في الرسم العثماني، وظلت كلمة "الرحمن" على هذا الرسم الوارد في المصاحف. لكن وفق قواعد الإملاء الحديث تكتب هكذا "الرحمان".
و"فعلان" تنقسم إلى "فعلان" المصدر وهو نادر مثل "شنآن"، و فعلان العلم مثل "مروان"، وفعلان الصفة مثل "غضبان".
والرحمن اسم من أسماء الله فهي "فعلان علم" بهذا الاعتبار، وهي صفة لله أيضا فهي "فعلان صفة" بهذا الاعتبار.
يدل القرآن و الحديث الصحيح أن القرشيين لم يكونوا يعرفون الله بهذا الإسم ولا بهذه الصفة على هذا الوزن أو كانوا ينكرون أن الله يسمى بهذا الإسم حتى ولو سمعوا به قبل ذلك. ومن هذا الباب قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا. (الفرقان:60) و في صحيح البخاري (2542) لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في وثيقة صلح الحديبية أن يكتب الكاتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ سُهَيْلٌ : أَمَّا الرَّحْمَنُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ ، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ.

وقد وردت أخبار لا زمام لها ولا خطام في شأن أن المشركين قالوا لما سمعوا اسم "الرحمن" أنهم لا يعلمون عن الرحمن إلا أنه رجل في اليمن كان يسمى الرحمان أو أن كاهنا يهوديا باليمامة كان يسمى "الرحمان" أو أن "مسيلمة الكذاب" تسمى "بالرحمان" وأنهم لا يعلمون إلا رحمان اليمامة. وعلى هذا نسج المبطلون أوهاما حول أن "مسيلمة" كان يدعو لعبادة الرحمن وأنه تنبأ و النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال بمكة. و الثابت في صحيح البخاري أن مسليمة الكذاب كان في وفد بني حنيفة الذى قدم المدينة في عام الوفود.

ولو كان تنبأ في بني حنيفة كما يزعم هؤلاء الأفاقون قبل أن يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم و يغريه بإدعاء النبوة نجاح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان هناك معنى لقدومه هو وقومه في عام الوفود، مثلما أغرى ذلك عبهلة المعروف بالأسود العنسي لإدعاء النبوة باليمن بعدما دخل "باذان" عامل الفرس على اليمن في الإسلام وجاءت وفود من اليمن في عام الوفود.

ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ ، يَقُولُ : إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : " لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ " ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا ، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا ، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ.

فظاهر هذا أنه كان يرجو أن يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم النبوة من بعده وأن إدعاء النبوة كان وقتها لا يزال يختمر في رأسه وأنه لم يدع النبوة صراحة إلا بعد عام الوفود. وذكر ابن هشام في السيرة أنه لما رجع هو وقومه وتنبأ بعث بكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يذكر له فيه أنه قد أُشرك في الأمر معه. وروى أحمد في مسنده (3/488) وأبو داود في سننه (2761) وصححه الألباني: أنه لما سمع الرسول صلّى الله عليه وسلم نص الرسالة قال: فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما.

أما اسم "الرحمن" فهو من أسماء الله في رسالات الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذا الباب قوله تعالي: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. قل البغوي: وقال أكثر المفسرين : سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء.
وما عبادة الرحمن التي كُشف عنها في النقوش الحميرية اليمينة و التي ترجع لحوالي العام 380 ميلادية إلا انعكاس لاعتناق ملوك حمير للتوحيد بتأثر من اليهودية التي كانت موجودة باليمن وقتها كما دلت على ذلك الدلائل الأثرية.

فقد أظهرت النقوش أنهم تحولوا عن عبادة الآلهة الوثنية مثل "المقه" و "عثتر" و "شمس" إلى عبادة "إله السماء" أو "رب السماء و الأرض" وكانوا يطلقون عليه إسم "رحمنان" Raḥmānān وهي بمعني الرحمن و مشتقة من الرحمة أو الفعل "رحم". وكان هذا التحول في عهد الملك الحميري "ملكيكرب يُهأمن" وابنه " أبو كرب أسعد" المعروف في التراث العربي بأسعد الكامل وقيل أنه هو "تُبَّع" المذكور في القرآن وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ ) رواه أحمد في " المسند " (37/519) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2423)

وظل ملوك حمير منذ وقتها على عقيدة التوحيد حتى اعتنق "يوسف أسأر يثأر " المعروف بذي نواس (حوالي 523 ميلادية) اليهودية صراحة. وورد أنه اضطهد النصارى وأن اضطهاده إياهم كان المبرر أو الذريعة لاحتلال اليمن من قبل الحبشة على يد أبرهة في عهد الملك الحبشي "كالب" Ella Aṣbeḥa. وقيل أنه وملأه المقصودون بأصحاب الأخدود. والرحمن كصفة لله divine epithet ورد في العهد القديم المترجم بالآرامية، كسفر الخروج (34 : 6) و المزامير (111 : 4)، هكذا : raḥmānā وفي الترجمة السريانية المعروفة بالبشيطتا أو البسيطة هكذا: mraḥḥmānā وكذلك في العهد الجديد في الرسالة إلى أهل رومية (9 : 16) في الترجمة السريانية ورد alāhā mraḥḥmānā بمعنى الله الرحمن. وكذلك في نقوش "أبرهة الحبشي" : بعون رحمنان ومسيحه. with the help of Raḥmānān and his Christ

المصادر:


The Qurʾān in Context. pp. 35-38

The Oxford Handbook of Late Antiquity. pp. 265-268