بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
الأمانة خلق نبيل تزيد من قدر الإنسان عند الناس، كما أنها ترفع قدره وتعلى شأنه وتحبب فيه الآخرين.. فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن تتنزل عليه الرسالة اتصف بالصدق والأمانة، فكان الناس إذا رأوه قالوا عنه هذا هو الصادق الأمين ولأنهم لم يشهدوا عليه كذباً قط, وموسى عليه السلام اتصف أيضاً بالأمانة وقالت عنه الفتاة ابنة الرجل الصالح لأبيها «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين».



والمصطفى صلى الله عليه وسلم كان يستغيث من الخيانة ويقول فيما رواه أبو دواود «اللهم إنى أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع

وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة».
والحديث فيه استعاذة من ألم الجوع، وشدة مصابرته؛ فإن الجوع يضعف القوى، ويشوش الدماغ، فيثير أفكاراً رديئة، وخيالات فاسدة، فيخل بوظائف العبادات، والمراقبات، ويثير الغضب، وسوء الخلق.

وقوله: «فإنه بئس الضجيع» أى المضاجع، أى النائم معى فى الفراش الواحد، فلما كان يلازم صاحبه فى المضجع سُمى ضجيعاً، وقوله: «بئس» لأنه يمنع استراحة البدن، وخُصّ الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذى يلازم الليل والنهار، وقوله: «وأعوذ بك من الخيانة» وهى مخالفة
الحق بنقض العهد فى السر، وهى تشمل الخيانة بين العبد والعبد، وبين العبد وربه تعالى، فهى شاملة لجميع التكاليف الشرعية التى أمر اللَّه عز وجل، قال اللَّه تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
وقوله: «فإنها بئست البطانة» هى خلاف الظهارة، واستعيرت لمن يخصه الرجل بالاطلاع على باطن أمره، فلما كانت الخيانة أمراً يبطنه الإنسان ويُسرّه، ولا يُظهره سُميت بطانة، وأكبر الخيانة وأعظمها أن تخون الله فى الأمانات التى أودعها عندك، فحواسك أمانة، والمواهب التى منحك الله إياها أمانة، والمال بين يديك أمانة، والأولاد كذلك أمانة، لأن هذه جميعاً ودائع الله عندك كلفك أن تستخدمها فى مرضاته وكل ما يقربك منه.

فعلينا أن نلتزم بحفظ الأمانة فى كل شىء لنفوز بخيرى الدنيا والآخرة