النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: لماذا لا يوجد تعارض بين الدين و العلم؟

  1. افتراضي لماذا لا يوجد تعارض بين الدين و العلم؟

    لماذا لا يوجد تعارض بين الدين و العلم؟
    لا يوجد تعارض بين الدين، وأعني بالدين في هذا السياق الإسلام بطبيعة الحال، و العلم حتى في المسائل التي لا مجال للتوفيق فيها بين الدين و العلم. وأعني بالعلم هنا العلم بفهومه الاصطلاحي وهو، وفق تعريف المجلس العلمي البريطاني، السعي وراء معرفة وفهم العالم الطبيعي و الاجتماعي وتطبيق تلك المعرفة و ذلك الفهم وفق منهجية نظامية مستندة للدليل. وهذا إذا كانت نظرتنا للعلم التجريبي وفق رؤية الذرائعية instrumentalism و التي تنظر للعلم التجريبي كأداة لتحقيق المنافع وليس كوسيلة لوضع تصور عن الواقع كما هو فى نفس الأمر وهذا التوجه الأخير يعرف بالواقعية العلمية scientific realism.
    و العلماء في مسعاهم لفهم العالم يقومون بصياغة نظريات هي في حقيقتها محاولة لرسم نماذج تقريبية للواقع. ولا يفترض العلماء أن تلك النماذج تطابق الواقع يقينا ولكنهم في سعي دائم لتحسين تلك النماذج من خلال إضفاء التعديلات عليها كلما بدا لهم ما يقتضي منهم ذلك.
    و تلك النماذج من قبيل "الاحتمال الاستدلالى" Abduction و الذى قد يعرف على أنه : منطق استدلالى ينطلق من الملاحظة ثم يسعى لإيجاد الأرجح و الأبسط من التفسيرات. وبخلاف المنطق الاستنتاجى Deduction فالمقدمات فيه لا تقتضى بالضرورة صحة النتائج.
    وقد وضع الفلاسفة بعض الضوابط أو المبادىء - والتي لا تخلو من الجدل حولها – للاختيار من بين التفسيرات المحتملة للظاهرة محل الدراسة وهى : البساطة أو ما يعرف بشفرة أوكام، و الانسجام مع المعلوم من طبائع الأشياء، و القدرة على التنبؤ، و الاستيعابية أو الشمولية في التفسير بأن يأخذ كل الملاحظات المتاحة في الاعتبار. ولذلك يطلق على الاحتمال الاستدلالي : “Inference to the Best Explanation”
    و فضلا عن السعي وراء المعرفة لمجرد المعرفة، فلتلك النماذج تطبيقات عملية يفيد منها الناس في واقعهم. وهذه التطبيقات هي الدافع الأقوى وراء الجهود المبذولة لوضع نماذج وتصورات أدق عن العالم ولأجلها تنفق الأموال الطائلة على برامج البحث العلمي وهذا الجانب هو الذي تؤكد عليه الذرائعية بصرف النظر عن مدى مطابقة تلك النماذج لواقع الأمر.
    فإذا أدركنا جوهر المعرفة العلمية على هذا النحو. وأن العلم يُعنى بالجانب التطبيقي أكثر منه اعتناءا بالجانب الفلسفي، إن كان يعتني أصلا، أدركنا أن عدم إمكانية التوفيق بين العلم و الدين في بعض المسائل لا يستلزم طرح أحدهما. لأن المؤمن يعتقد أن المعلومات من الدين بالضرورة هي حقائق قطعية في حين أن ما يعارضها من النماذج العلمية هي في جوهرها نماذج تقريبية استيعابية تساعد على التنبؤ. وأحيانا يلجأ العلماء إلى نماذج مثالية عن الواقع، فيما يعرف بإضفاء المثالية Idealization، ولكنها تقاربه فيتم فيها إهمال بعض العوامل، أو المتغيرات، التي يعلمون أنها تؤثر في واقع الأمور. وذلك لأن العوامل المؤثرة أكثر من أن تنضبط في إطار نموذج لكن النموذج الناتج بالرغم من اهمال تلك العوامل يمكن من التنبؤ بدرجة كبيرة من الدقة بسير الأمور لكن الواقع في نفس الأمر أكثر تعقيدا من النموذج. وتفصيل هذه المسألة في كتاب : Angela Potochnik, Idealization and the Aims of Science.

    قسم أرسطو العلل إلى أربع فئات وهي : العلة المادية، و العلة الصورية، و العلة الفاعلية، و العلة الغائية.
    العلة المادية تعني المادة التي يتألف منها الشىء فإذا ضربنا مثلا لذلك بطاولة خشبية، فإن علتها المادية هو الخشب أي المادة الخام التي تتألف منها الطاولة. و العلة الصورية هي الهيئة التي اتخذها الخشب، وهي هيئة الطاولة في المثال المضروب. و العلة الفاعلية هي كيفية صناعة الطاولة، وهي النجارة و أدوتها. و العلة الغائية وهي الغاية التي لأجلها صنعت الطاولة، لوضع الطعام عليها على سبيل المثال.
    مجال العلم هو البحث في العلة المادية و الفاعلية و يحجم بشكل عام عن البحث في العلل الغائية.
    فالعلم بالأساس يبحث في الجواب عن: مما تتألف الأشياء و كيفية نشأتها. فإذا ضربنا مثلا بالأحياء. فالعلم يبحث في بنية الكائنات الحية ومن أي شيء تتألف و يبجث في كيفية نشأتها و تنوعها. ونظرية التطور هي الإجابة التي قدمها العلم، بمفهومه الإصطلاحي، حتي يومنا هذا، على الأقل عند جمهورهم، عن السؤال الأخير أي كيفية نشأة الأنواع – وليس أصل الحياة - و التنوع البيولوجي. لكن العلم لا يبحث في الغاية من وجود الأحياء ولا لأي غرض نشأت.
    هذا المبحث الأخير و الذي اصطلح على تسميته بالغائية أو Teleology تتناوله، إلى جانب الأديان، الفلسفة.
    ويذهب الفلاسفة الماديون إلى أن الطبيعة لا غاية من ورائها وهذا الاتجاه يعرف بالعدمية و هذا بخلاف ما يذهب إليه كانط و هيجيل على سبيل المثال.
    أما الأديان، على الأقل الأديان الإبراهيمية، فهي قائمة على مبدأ الغائية وهذا هو مجالها. فهي تعالج مسألة الغاية من الوجود. فتقدم أجوبة عن: لأي غرض وجد الإنسان و لماذا وجدت الطبيعة ولأي هدف نشأت الأحياء.
    وكما أن العلم يحجم عن الخوض في الغائية فالأديان، وأنا ههنا أخص الإسلام بالذكر، تحجم عن الخوض في الفاعلية على الأقل على نحو مفصل. تاركا هذا الأمر لبحث الإنسان و نظره. و يتعرض لمسألة العلة الفاعلية بما يخدم غرضه في تناول العلة الغائية. فالدين يؤكد أن إرادة الله هي العلة الفاعلية النهائية لوجود الإنسان و الطبيعة و الأحياء و الكون بشكل عام كتوطئة لتفسير الغاية من الوجود، لكنه لا يفصل كيف أن الله أوجد الكون والطبيعة و الحياة تاركا هذا الأمر كما تقدم لتأمل الإنسان. بل القرآن يحث على ذلك و من هذا الباب قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت: 20).
    فإذا أدركنا هذا التباين في طبيعة و جوهر الدين و العلم بمفهومه الإصطلاحي يسهل علينا فهم لماذا لا يستلزم وجود التعارض أن يطرح أحدها جانبا.
    العلم بطبيعته استقرائي يقدم نماذج تقريبية للواقع ويميل لتصوير الواقع على أنه يسلك سلوكا منتظما من خلال تلك النماذج التي يقدمها كأدوات لتصور الواقع و التنبؤ به. و في غضون ذلك يجعل نصب عينيه التطبيقات العملية المتفرعة عن وضع تصور للواقع و النظر إليه على كونه يسلك ذلك السلوك المنتظم الذى تصوره النماذج، وإن كان الواقع في نفس الأمر أكثر تعقيدا كما تقدم.

    و العلم لا يفترض اليقينية في النماذج التي يقدمها بل افتراض اليقينية فيها يختزله من أصله و يقوضه من أساسه. لأنه في اللحظة التي يُفترض فيها اليقين في النموذج يتجمد عندها البحث العلمي.
    و بخلاف الغاية من وجوده فالإنسان لا يضيره حالة عدم اليقين فيما يخص تصور الواقع المادي كما يعالجه البحث العلمي. فالإنسان يفيد على كل حال من تلك النماذج ويجد لها تطبيقات نافعه في معاشه بالرغم من طبيعتها الاحتمالية. أما فيما يخص الغاية من وجوده فاليقين فيها لازم و الجزم فيها ضروري. فلا يصح أن يظل الإنسان متشككا في الغاية من وجوده ولأجل ذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب ليقيم الحجة على الناس ولم يترك الأمر لنظر الإنسان و تأمله. ولذلك لما رغب الناس عن هدي الرسل اختلفوا حتى ذهب بعضهم إلى أنه لا غاية أصلا من وجودنا وأننا كما ذكر القرآن عن هؤلاء منكرا عليهم : نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ. (الجاثية: 24) و رد عليهم بقوله: وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. و بقوله: أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. و بقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. و بقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ. و في المقابل أثنى على يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. قائلين :رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    وكما أنه من النافع تصوير الواقع المادي على النحو الذى تقدمه النماذج العلمية التقريبية الاحتمالية حتى ولو كان الواقع المادي في نفس الأمر ليس كذلك وأن النماذج لا تخلو من تبسيط للأمور. فمن الضروري تصوير خلق الإنسان و أصله على النحو الذى يقدمه الدين من أن الله خلق الإنسان خلقا خاصا وكرمه على سائر المخلوقات وأسجد له الملائكة و أنه سَخَّرَ للإنسان مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ، وليس تصويره على أنه حيوان يشترك في سلف مع القردة!.

    فالاعتقاد يقينا في كون الإنسان خلق خلقا خاصا على ذلك النحو الذى يصوره القرآن و أكد عليه في غير موضع ليس واجبا فقط لأنه واقع الأمر بل لأنه ضروري أيضا على صعيد تفسير الغاية من وجود الإنسان. وإذا تسرب الشك في ذلك إلى القلب لم يؤدي ذلك الدور المنوط به بل صار من تسرب إليه الشك ينظر إلى الأمر على أنه "أكاذيب مريحة" و أن اللاغائية و العدمية هي "حقيقية مؤلمة" !
    و لذلك فالتعارض بين الدين و العلم بفمهومه الاصطلاحي في شأن أصل الإنسان مثلا لايلزم معه طرح أحد التصورين جانبا لأن كل منها يؤدي دور. و الدين و العلم لهما أهداف متباينة و مقاربة مختلفة فيما يتصل بهذا الشأن. وتصور الأمر على هذا النحو يزيل التنافر بين الدين و العلم و يجعل من الدين و العلم مشاريع لها أدوار يكمل بعضها بعضا.
    وأنا لا أحاول أن أقدم ههنا البرهان على كون التصور الإسلامي عن أصل الإنسان هو واقع الأمر لأن هذا ليس له برهان مستقل عن البرهان على صحة الإسلام بوجه عام وهذا بدوره لا يعالج في مقال بل على هذا مدار الجدال و النقاشات المحتدمة بين المسلمين و خصومهم. لكن الغرض أن أوضح كيف أن التعارض لا يلزمنا منه كمسلمين طرح التصور الديني أو العلمي الاصطلاحي، وأؤكد على جزئية العلم بفهمومه الإصطلاحي وإلا فالوحي في منظورنا علم بل هو أشرف العلوم وأصدقها.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2017
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    340
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بسم الله الرّحمن الرّحيم ..
    السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    موضوع سديد ومسدّد جزاك الله خيرا كثيرا وبارك الله فيك وأحسن الله إليك ..
    هناك إنسان .. صمت كلّ لحظات الحياة .. متفكّرا في صنع الله جلّ في علاه .. الّذي خلقه وعدله وفطره وسوّاه .. حتّى أنطقه الله سبحانه وتعالى آخر لحظة من لحظات حياته فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبد الله ورسوله !!

  3. افتراضي

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... وجزاكم.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء